الأزمة الاقتصادية.. سلاح المعارضة المصرية لإسقاط الإسلاميين
مجدي داود - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5226
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نزل إعلان جماعة الإخوان المسلمين ترشيح المهندس خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية كالصاعقة على القوى العلمانية في مصر وفلول النظام البائد، ومنذ ذلك الحين وتلك القوى تشن هجوما غير طبيعي على الجماعة بصفة عامة والمهندس الشاطر بصفة خاصة، إلى أن جاء وقت الانتخابات، وصعد الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق لجولة الإعادة، فتباينت الصفوف، ووقفت جل القوى العلمانية في صف الفريق شفيق أو على الأقل لم تعلن دعم الدكتور محمد مرسي، خشية من وصول الإخوان إلى الحكم، رغم إقرارهم بأن الإخوان شركاء الثورة، أما شفيق فهو من رموز نظام مبارك، وتطارده ملفات الفساد، وحاول الكثيرون منهم لإلغاء جولة الإعادة بالدعوة لتشكيل ما يسمى "مجلس رئاسي مدني".
فاز الدكتور مرسي بالرئاسة، ولم يكد يتولى الرئيس مهامه رسميا، حتى بدأت حرب شرسة لإفشاله وإسقاطه مبكرا، وقد شاركت في هذه الحرب الخفية عدة جهات، على رأسها المحكمة الدستورية العليا التي أصدرت حكما بحل مجلس الشعب، ليتسلم المجلس العسكري سلطة التشريع ويصدر إعلانا دستوريا يكبل سلطة الرئيس، وعندما أراد الرئيس إعادة البرلمان للعمل وقفوا له جميعا، وأصدرت المحكمة الدستورية حكما في أقل من 24 ساعة، في أغرب وقائع التقاضي في مصر، وكان قضاة مبارك أحد أهم أطراف هذه المؤامرة، وقد برزوا في محطات كثيرة لاحقا، أهمها أزمة الإعلان الدستوري وإقالة النائب العام.
كما برزت وقتئذ عدة مظاهر، أهمها حالة انفلات أمني غريبة، مع نقص المواد التموينية والاحتياجات اليومية الضرورية، وانقطاع مستمر للكهرباء وتصاعد أزمة الغاز، وهو ما أدى إلى ضجر الشعب المصري، وما أن اتخذ الرئيس مرسي قراره بإقالة المجلس العسكري بعد الهجوم الغادر على ضباط وجنود الجيش المصري بسيناء، حتى بدأت كل هذه الأزمات في التراجع، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل فوز الرئيس مرسي.
في ذات الوقت كانت الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور تمارس عملها بسلاسة، واقتربت من الانتهاء من عملها، حتى انسحب منها التيار العلماني، وأشاعوا حولها الشائعات، وتواترت الأنباء عن حل مجلس الشعب وحل التأسيسية، فأصدر الرئيس الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر، فهاجت المعارضة وماجت، ورأت فيها فرصتها لإسقاط النظام، فبدأ حرق مقرات الإخوان، ومحاولة اقتحام قصر الاتحادية، والتهديد بالحرب الأهلية ما لم يلغ الإعلان الدستوري والاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، ولكن تم امتصاص كل هذه المحاولات حتى مر الدستور، وحينئذ أسقط في يد المعارضة، وظهر حجمها الحقيقي في الشارع ونفور الناس منها.
أدركت المعارضة أنها لن تنجح في إسقاط النظام الجديد بأسلوب الفوضى والعنف فقط، ولكن توجيه ضربات شديدة للنظام، وذلك عن طريق زيادة حدة الأزمة الاقتصادية التي ورثها من نظام مبارك، وفترة حكم المجلس العسكري، حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير الاقتصاد الوطني، والهدف من ذلك هو استثارة جموع الشعب المصري، ودفعهم إلى الخروج في فوضى عارمة خوفا على المستقبل الغامض كما يروج الإعلام.
وكانت هناك محاولات سابقة في ذلك الاتجاه، فقد كشف عدد من السياسيين أن حمدين صباحي، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، والسفير ناجي الغطريفي ممثل حزب الدستور، قد حذروا الوفد الأمريكي لرجال الأعمال الذى ضم 80 رجل أعمال من كبار المستثمرين الأمريكيين، من الاستثمار فى مصر بحجة عدم توافق المصريين على تشكيل الجمعية التأسيسية، واحتمال قيام ثورة جديدة ضد الرئيس مرسي لذات السبب.
وقد انتقد عضو الوفد الإقتصادي الأمريكي "تشارلز روزوت" سلوك قادة المعارضة وخص بالذكر حمدين صباحي، وقال في مقطع فيديو منتشر على الانترنت "خرجت بانطباع سلبي من قيادات المعارضة، فإن قادة المعارضة الذين كانت لنا فرصة الاستماع لهم زعموا في البداية أنهم يدعمون الحكومة الجديدة ولكنهم قضوا وقتا طويلا يبرزون خلافاتهم ومناطق عدم التوافق، مما يعطي صورة سلبية عن صورة مصر، ولكن هذا الانطباع الإيجابي من الحكومة كان أكثر قوة وتأثيرا من الانطباع السلبي الذي تركه لقاؤنا مع قيادات المعارضة".
كما سعى الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور، إلى الترويج إلى عدم استقرار الوضع السياسي في مصر في الأفق القريب، وأن البلد تتجه إلى حرب أهلية، حتى بعد إقرار الدستور، وأن هذا الدستور يسعى لتحويلها إلى دولة دينية، وخلق ديكتاتورية جديدة، وهو ما دفع الحكومة الألمانية لإعلان تأجيل خطط إعفاء مصر من الديون المقدرة بنحو 240 مليون يورو، لأجل غير مسمى، بسبب ما اعتبرته "خطر عودة الديكتاتورية".
وفور ظهور المؤشرات بحسم نتيجة الاستفتاء على مشروع الدستور، بدأت الشائعات أولا عن استقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، ورددت "جريدة الصباح" المصرية المستقلة خبرا عن قرب إفلاس الدولة المصرية، وهو الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم، وتناقلته معظم صحف المعارضة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وكان من نتائج هذا الخبر انخفاض شديد في سعر صرف الجنيه المصري، وارتفاع سعر الدولار لأعلى مستوى له منذ تسع سنوات، فتنبه رجال الاقتصاد لذلك، وحذروا من خطورة ترويج الشائعات فيما يخص الجهاز المصرفي؛ لما له من عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني ككل، إلا أن وسائل الإعلام التابعة للمعارضة لم تتوقف، وواصلت ترويج الشائعات.
تزامن مع ذلك تراجع تصنيف مصر الائتماني منذ يومين من جانب وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد أند بورز، أعقبها بيوم واحد فض التصنيف نفسه لأكبر ثلاثة بنوك تتمثل في البنك الأهلي المصري وبنك مصر والبنك التجاري الدولي، وهو ما وجد فيه الإعلام المعارض فرصته لتهويل الأمر وتخويف الناس وبث الرعب من الحالة الاقتصادية، متجاهلين تأكيدات خبراء الاقتصاد أن هذا التراجع لا يؤدي إلى فقدان الثقة في الجهاز المصرفي, والتشديد على ضرورة الاستقرار السياسي وعودة الانتاج بصورة كبيرة ليتحسن مركز مصر بالتصنيف الذي ينعكس علي البنوك مباشرة.
حاول الرئيس محمد مرسي في خطابه أمام مجلس الشورى يوم السبت 29 ديسمبر، التهوين من خطورة الأمر، وطمأنة الشعب على الوضع الاقتصادي للدولة، وسرد العديد من الأرقام والإحصائيات التي تظهر تقدما نسبيا للاقتصاد مقارنة بالعام الماضي أو بما كان عليه حينما تولى الرئاسة في الأول من يوليو الماضي، إلا أن قادة المعارضة ووسائل الإعلام سككت في صحة هذه المعلومات والإحصائيات، دون أن تقدم الإحصائيات التي تراها حقيقية، وهو ما زاد من قلق الناس وخوفهم، خاصة أن الإعلام يسير كله في اتجاه واحد، ونادرا ما يُسمع الصوت الآخر.
في ظل تلك الحرب الشعواء على الاقتصاد، أطلقت صحيفة "الخبر" السعودية حملة للتضامن مع مصر، تقضي بأن يقوم المصريون بالخارج وغيرهم من العرب بتحويل آلاف الدولارات إلى البنوك المصرية، لتوفير العملة الصعبة "الدولار" ووقف نزيف تراجع العملة المصرية "الجنيه" أمامه، وقد استجاب العديد من الأفاضل من المصريين والعرب إلى تلك الدعوة، وأيدها عدد من الرموز الدعوية في الدول العربية كالشيخ سلمان العودة الداعية السعودي المعروف.
وفي محاولة أخرى لتوضيح الصورة، وإظهار الحقيقة، وكشف تدليس الإعلام، قال طارق عامر رئيس اتحاد بنوك مصر، ورئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، في لقاء مع قناة الجزيرة مباشر مصر، إن مصر فيها دولارات تكفى أفريقيا كلها وإن ودائع المستثمرين في البنوك في أمان، مؤكدا أن البنوك المصرية من أكثر بنوك العالم ربحًا والأكثر ملكًا للسيولة، والأزمة الاقتصادية الحالية صغيرة بالنسبة لأزمات التسعينيات والثمانينيات.
وأوضح أن ما يثار في الإعلام من قبل بعض الخبراء هو مجرد اجتهادات غير صحيحة تثير الفزع بين الناس وليس لها أي أساس من الصحة، وأن ودائع الجهاز المصرفي زادت في الآونة الأخيرة, مؤكدًا أن السياسة النقدية تحت السيطرة, والقطاعات المصرفية في مصر في أمان, ويمكن عبور الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر من خلال تضافر الجهود.
في المقابل، لجأت المعارضة في الداخل إلى حيلة أخرى لإفشال خطوة المصريين بالخارج، فقد كشف سامح راشد المحلل السياسي وخبير الشؤون الإقليمية بالأهرام، مدير تحرير مجلة "السياسة الدولية" عن هذه الحيلة، وقال "هناك تفاصيل كثيرة مؤلمة في موضوع نزيف العملة الأجنبية.. بعض الهيئات والمؤسسات مستمرة بل تزيد من شراء مستلزماتها من الخارج، إشاعات متعمدة بدأت تنتشر في بعض محافظات الصعيد والدلتا تقول بأن البنوك ستفلس والدولار سيرتفع بجنون، وأشخاص يدعون الناس إلى سحب أرصدتهم سواء بالعملة المصرية أو الأجنبية وعدم شراء أي عقارات أو بضائع صناعية أو تجارية بحجة أنها ستخسر قريباً، ويجري توجيه البسطاء من الناس بتكديس السلع الاستهلاكية البسيطة والمشتريات الشخصية بحجة أن أسعارها سترتفع بشدة، بالطبع هذه العملية ذاتها سترفع أسعار تلك السلع الاستهلاكية وتصيب الاقتصاد التجاري والصناعي بالركود وتضع البنوك في مأزق نقدي واستثماري".
سيستمر الصراع السياسي في مصر، وقد تحقق المعارضة بعض المكاسب الآنية، وتحقق بعض الاختراقات في الانتخابات البرلمانية المقبلة، إلا أنها ستخسر كثيرا على المدى الطويل، خصوصا عندما تظهر الحقيقة الكاملة للشعب المصري، ويتم فضح المتآمرين الذي تعمدوا تدمير الاقتصاد الوطني للتخلص من فصيل سياسي اختاره الشعب في انتخابات حرة نزيهة.
----------
نشر أول مرة بمجلة البيان
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: