د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4621
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
منذ بداية الثورة السورية، وبعد مرور أكثر من أسبوع على اندلاعها، صار واضحاً لكل من يتابع الموقف في سورية، إن هذه الثورة هي من طراز جديد في الثورات السورية لأسباب وظروف ذاتية وموضوعية، وعربية وعالمية، وأن الثورة التي اندلعت عفوياً، سرعان ما أسست لنفسها أوضاعاً، فطرحت تنظيمات، وشخصيات قيادية، ومن ثم مؤسسات ثورة، وأبتدع الشعب أساليب دعاية وإعلام جديدة بكل المقاييس، رغم صعوبة هذا الأمر فالشعب لم يمارس السياسة منذ أكثر من أربعين عاماً، حرم فيها الشعب من تكوين تشكيلات سياسية / اجتماعية، وساد ضرب من التهريج السياسي، صار حقوق الناس في إبداء الرأي من المحرمات.
لم تستطع السلطات رغم استخدامها أقصى أساليب القمع والقتل أن تنهي الثورة، بل واجهت التصعيد بالتصعيد وها هي اليوم تقف نداً قوياً للسلطة الغاشمة التي اختطفت الأجهزة الحكومية بطريقة نادرة ومن ذلك أنها أقامت جيشاً، وجعلت له قوات نخبة له مهمة واحدة وهي الحفاظ على النظام العائلي فحسب، وجهاز إعلام يمارس الغش والخداع بهدف حرق البخور للنظام ورموزه، وليس له من واجب سوى تبرير وخلق فلسفة للديكتاتورية وللقمع.
بعد مرور خمسة عشر شهراً، النظام يقرأ التقويم بالمقلوب بحيلة المغلوب، ويشحذ السكوت عنه مقابل أن يرهن سورية الوطن والقرار السياسي. ويقنع نفسه بالأوهام، يحيك ثياب مهلهلة لجسد صار عارياً يسخر منه حتى الأطفال، ويقنع نفسه أنه طرح دستوراً وأجرى الانتخابات، وحقيقة الأمر أن النظام لم يعد سوى ألوية مدرعة مضمونة الولاء، وإعلام بائس، ولأن النظام فقد كل ما سوى ذلك من بقايا شرعية، واحترام عربي وعالمي، صار حتى المقربين منه ينظرون إليه بوصفه أهون الشرور، على قاعدة الشرير الذي تعرفه أحسن من الشريف الذي لا تعرفه.
النظام يعتبر ويا للدهشة أنه أجرى انتخابات، وأنها صحيحة، ودليل على تأييد الشعب له، ويضع أرقام يبتدعها خياله، ويصنع أوهام ويحلم أحلاماً وردية وهو سعيد بأرقام القتلى والجرحى والمعتقلين والنازحين والمهاجرين تحصدها أجهزته الأمنية والقمعية وهي اليوم بأعداد بأربعة أصفار والقضية الإنسانية في سورية صارت شأناً دولياً .... ويطالب الناس والعالم أن يكونوا صم عمي فاقدين للحواس لتتواصل حفلة القتل.
النظام صار يطلق النار على الناس حتى بوجود المراقبين الدوليين، وهذا يعني أيضاً مزيد من تصعيد الموقف وتسخينه، فلعل الفرج يأتي من ثناياه، على قاعدة مثل شعبي: اشتدي يا أزمة تنفرجي، وإلا فإن النظام سوف يتآكل تدريجياً، ببطء ولكنه يتآكل على كل حال، والنظام بالطبع واهم هذه المرة أيضاً كما توهم في كافة المراحل التي مرت بها الثورة وحتى الآن، وها هو الآن في مأزق حشر نفسه بنفسه فيه، ففقد المرونة والقدرة على تقديم الحلول البديلة، وهو أسوء ما يمكن أن يفعله أي سياسي على الاطلاق.
بالأمس شاهد العالم كيف ودع الرئيس الفرنسي ساركوزيه قصر الاليزيه باحترام بالغ على سجادة حمراء يحف به ممثلون عن الشعب الفرنسي باسماً سعيداً بحرية جاءت له ليعيش ما تبقى من عمره لا يخاف ممن يطرق الباب، مع أنه خسر الانتخابات بفارق ضئيل. الرئيس الألماني هورست كوهل عبقري الاقتصاد رئيس مصرف النقد الدولي الأسبق، استقال من منصبه لمجرد انتقاده من الصحافة فأعتقد أنه لا ينبغي أن يبقى في موقعه، ومثله فعل الرئيس كرستيان فولف، من أجل الحفاظ على سمعة البلاد كدولة محترمة تحكمها القوانين والأعراف الدستورية لا الشبيحة ولا الفرقة المدرعة والميكانيكية .
ليت شعري كيف يفكر الطغاة في بلادنا ..؟
رحم الله نزار القباني عندما قال: أحترق المسرح من أركانه وما زال الممثلون يمثلون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى الفضائيات العربية بتاريخ 23/ أيار ـ مايو / 2012
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: