د- هاني ابوالفتوح - مصر / الكويت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4645
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مشاهد عديدة مؤلمة مرت بنا , رأيناها ونتذكرها دائما , صرخنا جميعا حين سحلت فتاة في الميدان , كتبنا قصائد ومقالات حين هجم عليها بعض أفراد القوات المسلحة في وحشية , هاجمناهم حين أحرقوا الخيام , نددنا بكل أحداث العنف والكر والفر والقتل في شارع القصر العيني ومحمد محمود ومجلس الوزراء , تحدثنا وأفاض الكثيرون وأسهبوا وملأوا الفضائيات وخرجوا علينا من كل القنوات واحتلوا كل البرامج الكلامية كالسيل المنهمر وكتبوا ونشروا في كافة المواقع الإلكترونية , احتلوا السماوات والأرض طولاً وعرضاً ,
مشهد آخر الليلة لا يمكن أن ننساه أبداً ولن يمحى من ذاكرتنا , شاهدت كثيراً أفلاماً تاريخية و لكن الليلة شاهدت فيلما مرعباً حقيقياً , لأول مرة أشاهد التتار فعلاً رؤيا العين ,
جحافل تتحرك في وقت واحد و في طرفة عين وبسرعة البرق من الخلف والوسط تتجه للأمام كالريح تحمل الرعب والموت , حلمها واحد طريقها واحد هدفها واحد لا ترى غيره وهو أن تقتل وتسفك الدماء وتحصد الأرواح , سعادتها أن تحقق حلمها لتهدأ نفسها وتسعد ,
جحافل كل همهم أن يفتكوا بمن يجري أمامهم ممن يفترض أنهم إخوة لهم أبناء نفس الوطن , و كل همهم أن يصعدوا خلف من يهرب منهم بروحه ويتحرك للخلف لينجو بنفسه ولكن هيهات فمن يندفع خلفهم ليسوا بشراً مثلنا ,
أي رعب كان يملأ قلوب هؤلاء المساكين وأي لحظات مرت عليهم كأنها الدهر وهم يرون الموت قادم إليهم ,
على الطرف الآخر جحافل التتار والعار .... أي ضمير كان يتحرك بهم , أي دين يحتويهم , أي عقل , أي قلب , أي نفس شريرة مريضة خبيثة تندفع بداخلهم ,
أسئلة كثيرة تتوارد في ذهني وأنا أشاهد وأرى وأسمع أعداد من لقوا وجه ربهم التي حصدها الغل وحقد النفوس وهي تتزايد مع مرور الدقائق المتتالية , حين شاهدت مناظر الرعب كان وقعها على نفسي كالصاعقة فلم أكن أتخيل أبدا أن يكون هناك غلظة وفظاظة ووحشية وهمجية وبربرية بهذا القدر , رأيت مصر تُسحل وتُقتل بلا رحمة بلا قلب بلا ضمير , انتهكت براءتها وسفكت دماءها على أرض إستاد بورسعيد فهل هدأت أنفاس التتار الآن حين صمتت للأبد أنفاس أخرى برئية بأيديهم وتحت أقدامهم الغليظة ,
أين من يدعون حب الوطن ويتغنون بمصر ويقفون معنا حين نسمع نشيد الوطن بلادي بلادي وهم يدعون الرهبة والوطنية ,
و أين من يخرجون علينا ليل نهار بوجوههم الكئيبة ليتاجروا بوقتنا وأفكارنا وأرواحنا ليملأوا جيوبهم وأرقامهم الحسابية ,
أين أصوات من أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لسحل فتاة الميدان وهي الآن حية ترزق آمنة في بيتها , حين سُحلت مصر أمام أعيننا وأعينهم ففقدت في لحظات أرواح أكثر من سبعون إبنا من أبنائها , وأين من تاجروا بفتاة كشف العذرية وقد إنتهكت عذرية مصر بالأمس ولقي شباب في عمر الزهور حتفهم ,
أين هم جميعا الآن لنسير معا في جنائز الوطن ونحن نودع جثامين أبنائه البررة إلى مثواها الأخير لنودع معها الأخلاق والقيم المصرية ويتم دفنها في كل مكان في أرض مصر بعد أن فقدت بفعل فاعل الأمن والأمان وقُتلت الفضيلة عمداً متعمدا في كل مكان ,
شاهدت فيلم الرعب معي طفلتي الصغيرة ذات التسعة أعوام وسألتني وهي ترتعد وسألتني في عفوية ( بيجروا ورا المصريين ليه كده يا بابا وعاوزين يقتلوهم ؟ )
قتلني السؤال و قتلني الصمت وأنا لا أستطيع الإجابة أخفيت دموعي عنها , وأنا على يقين أن السماوات والأرض قد بكت معي بالأمس , وذهبت لأحضر مراسم الجنازة ,
رحم الله مصر ولا عزاء للخونة والعملاء .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: