قطوف رمضانية (11) السائحون الصفة الرابعة للأنفس الزكية
يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5342
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ليست كل نفس قابلة للشراء، وليست كل نفس تستحق الثمن الكبير الذي ستمنحه إن قبلها الله سبحانه، فسلعة الله غالية فهي كما أخبرنا ربنا عنها بقول رسوله صلى الله عليه وسلم في البخاري ومسلم " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. مصداق ذلك في كتاب الله: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. " فمن يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه وللمؤمنين فيها أن يصحوا فلا يمرضوا، ويحيوا فلا يموتوا.
والصفة الرابعة أنهم " سائحون "، وفسر تلك الصفة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وعلماء المسلمين على عدة تفسيرات، فقال عبد الله بن مسعود وعائشة وأبو هريرة رضي الله عنهم : السَّائِحُونَ هم الصائمون الذين يديمون الصيام من المؤمنين، وقال عطاء المراد بـ (السائحون) : المجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم استدلالا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله"، وقال عكرمة السائحون هم طلبة العلم الذين خرجوا من ديارهم ليتعلموا العلم ويعلموه، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم السائحون هم المهاجرون.
ويجمع بين كل هذه الأقوال جميعا أن السياحة هي كل خروج عن المألوف والعادة في سبيل شرعي كالخروج للهجرة في سبيل الله والخروج عن المألوف في البلد والسكن للجهاد والخروج عن مألوف العادة اليومية بالصيام والخروج عن مألوف الحياة كلها والاغتراب لطلب العلم أو الخروج للتدبر والتفكر في خلق الله.
وآفة الإنسان في نعم الله الإلف والاعتياد، والإنسان أسير لمألوفه، فلا يشعر بالنعمة إذا ألفها، فكل منا لا يشعر بالنعمة التي عنده نتيجة اعتياده على وجودها معه ولكنه إذا حُرم منها يوما شعر بها وأحس بإنعام الله عليه، فلا يشعر بنعمة العين إلا إذا رمدت، ولا يشعر بنعمة الصحة إلا إذا ألم به مرض أقعده، ولا يشعر بنعمة الأمن إلا إذا خاف على نفسه أو ماله، وهكذا في كل النعم.
ولهذا كان الصيام سياحة إذ يخرج به الإنسان عن مألوفه في الطعام والشراب وسائر المباحات لكي يشعر بنعمة الله عليه ويشعر بمن حرم من تلك النعم.
وكان الخروج للهجرة ولطلب العلم والجهاد سياحة إذ يترك الإنسان بلده ووطنه إرضاء لله، فيعلم قدر النعمة التي كان فيها وليشكر ربه عليها.
والنتيجة التي أرادها الله سبحانه لعباده في الخروج والسفر والسياحة هي التفكر في كل شيئ واستشعار نعمة الله وآلائه وعطاءاته، فطلب منا ربنا سبحانه التفكر في مخلوقاته والنظر لدلائل قدرته على خلقه فقال سبحانه وتعالى " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".
وأمرنا بالسير في الأرض لتدبر التاريخ والنظر في عواقب المجرمين الذين عادوا الله ورسله وظلموا المؤمنين في كل عصر فقال سبحانه " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ".
وتحصل السياحة والتدبر لكل مؤمن في مكانه – حتى لو لم يسافر - حينما ينظر حوله في كل ما يحيط به من نعم وحكم وأسرار فقال سبحانه " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" فتكون النتيجة الحتمية لتفكرهم وتدبرهم أن يستشعروا قدرة الله عليهم وعظمة قيوميته على خلقه، فيسبحونه ويقدسونه ويستغفرونه على تقصيرهم ويقولون بقلب خاشع وعين دامعة " رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: