(112) التلازم بين انتشار جنود الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة حول العالم والفساد الأخلاقي
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6966
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تقول "كاسندرا كليفورد" وباحثون آخرون: "ما من أحد يشاهد في الصُّحف أو على شاشات التِّلفاز جنودًا يرتدون البيريهات أو الخوزات الزرقاء، إلاَّ وتقفز إلى مُخيِّلته "حمائم السلام"، إنَّهم جنود الأمم المتحدة، الجنود الذين يمدون الأطفالَ والنساء والرجال بالحماية والأمن في بلاد تدمّرها النِّزاعات المسلحة في مُختلف بلاد العالم، وما أن يقع بصرُ الأطفال على هؤلاء الأجانب ذوي البيريهات الزَّرقاء، حتى يندفعون إليهم، ويثقون بهم في الحال، ويسعون إلى مصادقتهم".
كل هذا عاد سرابًا، فليس هؤلاء الجنود بهذه الصُّورة المُتخَيلة عنهم، إنَّهم ذِئاب بشرية استغلوا الثِّقَة والسلطة التي منحتْها إيَّاهم البيريهات الزَّرقاء، واستخدموها في هَتْكِ أعراض النساء، والأطفال، والولدان، بل أفرطوا في ذلك.
من الممكن أن نتوقع أنَّ أفعالاً مثل "هتك الأعراض، والتجارة فيها، والاستغلال الجنسي، والاغتصاب" تصدر من الجنود العاديِّين، أو الجنود المحتلين لبلدٍ ما، لكنَّه من غير المتوقع أبدًا أن يقوم بهذه الأفعال جنود قوات حفظ السلام الدولية، لكن ولسوء الحظ هذا أمرٌ قد وقع بالفعل، ليس في بلد واحد، ولكن في العديد من البُلدان، والأسوأ من هذا كله هو أنَّ هذه الاعتداءاتِ المتكررةَ على الأطفال والنساء لا تقعُ من قِبَل الجنود فقط، ولكن من قِبَل قادتهم أيضًا، وبصورة متكررة.
في الصومال: قام الجنود الدوليُّون بـ "شَيِّ" طفل صومالي، حسبما اعترف أحدُ الجنود البلجيك، وأحد الجنود الإيطاليِّين اغتصب طفلاً بوحشية حتى مات.
في ليبيريا: فتاةٌ في الثامنة من عمرها اشتدتْ حاجتُها إلى الطعام، فأعطاها جنود حفظ السلام ما تريد، ولكن مقابل ممارسة الجنس معها.
في الكونغو: تَلَقَّى مكتب خدمات المراقبة الداخلي OIOS شكوى استغلال جنسي ضِدَّ جنديين من جنود الأمم المتحدة العاملين في بعثتها هناك.
لو تخيلت طفلاً قُتِل كل أفراد عائلته، واحترق منزلُه أمامَ عينيه، وكان هو الوحيد الذي نجا، فهرب، وهام على نفسه حتى اعتقد الناس أنه قُتِل مع مَن قُتلوا.
سار هذا الطفل على قدميه ثلاثةَ أيام، ومعه القليل من الطعام والماء، ونَفَدَ كلُّ ما معه في هذه الأيام الثلاثة، ثم رأى مُخيَّمًا على بُعد، لا شك أنه سيرى فيه طوقَ نَجاة، يُسرع الطفل إلى الجنود الذين يحرسون هذا المُخيَّم، فيفاجأ بأن أحلامَه كلها قد تبخرت حينما يقودُه هؤلاء الجنود إلى خلف أسوار هذا المخيم، ويغتصبونه هناك.
لم يحدث هذا في الصومال، وليبيريا، والكونغو فقط، ولكن في البوسنة، وفي السودان، وفي المغرب، كما هو في هاييتي، وساحل العاج، وسيراليون، وبلدان أخرى عديدة.
أسوأ وأخطر ما حدث، كان في البوسنة، انخرطَ الجنود الدَّوليُّون في تِجَارة الجنس، واستعباد أعداد لا تُحصى من الفتيات البوسنيات، كان هؤلاء الجنود يُنشِئُون بيوتَ الدعارة، بل يَحمونها أيضًا.
تقول "جراسيا مايكل" - السيدة الأولى السابقة في موزنبيق -: "إنَّ العديد من الدراسات التي أجريت في العديد من البُلدان التي ينتشر فيها الصِّراع المسلح - أوضحت أنَّ مُعدلات استخدام الأطفال في الدعارة زادت بسُرعة مع وصول القوات الدولية إلى هذه البلدان".
يقول "فرحان حق" - أحد مسؤولي الأمم المتحدة -: "لقد تلطَّخت سُمعة الأمم المتحدة في الكونغو بعد سلسلةٍ من الفضائحِ، شَمِلت الاستغلال الجنسي، وتِجَارة الذَّهب والسلاح، وهذا يجعل من الضروري للأمم المتحدة أنْ تَضَعَ حَدًّا لتسامُحها مع هؤلاء الجنود الذين يرتكبون مثل هذه الأفعال".
ارتفع الضجيج حول هَتْكِ الجنود الدوليين أعراضَ الأطفال، واستغرقتْ كتابة التقارير عن هذه الحالات في السودان ستة أشهر، لكن الأمم المتحدة ترفض هذا، وتراه مُجرد مزاعم غير مشفوعة بمستندات تؤكِّد حقيقتها، ومن هنا يُمكن أن نتصورَ أنَّه على الرغم من أن الكثير من حالات هتك الأعراض قد تَمَّ كشف النقاب عنها، فإنَّ الأمل في محاسبة مرتكبيها محاسبةً عادلةً ضعيفٌ للغاية.
إنَّه مما لا شك فيه أنَّ اغتصابَ جنودِ الأمم المتحدة للأطفال، أو استخدامهم كموادَّ إباحيةٍ، لا يقل جُرمًا عن الاتِّجار بالمال والطعام مقابلَ مُمارسة الجنس؛ ولهذا فإنَّ الطبيعة العدوانية الحيوانية لهؤلاء الجنود تعوق دَوْرَ الأمم المتحدة في عالَم مُجهَد تسوده الصراعات.
قالت جريدة النيورك تايمز: إنَّه "ليس هناك من شيء يشوه سُمعةَ الأمم المتحدة أكثر من استمرار الاعتداء الجنسي على النساء والفتيات، من قِبَل جنودٍ مُهمتُهم حفظ السلام، إنَّ إفلاتَ هؤلاء الجنود المعتدين من العقوبة، سيسمح بلا شكٍّ في استمرار هذه الممارسات...".
كيف يثق المجتمع الدولي بأنَّه حينما تُعهَد إلى قوات الأمم المتحدة مهمةُ حماية أطفالنا من الذِّئاب البشرية، فإنَّهم سيقومون بهذه المهمة؟ إنَّنا إذا لم نستطع أن نثقَ في أفراد هذه القوات في حماية هؤلاء الأطفال، فمَن نثق به؟ إنَّه يَجب طرد الجنود المتورطين في هذه الأفعال إلى جانب معاقبتهم بعد التحقيق معهم، ويَجب منعهم منعًا تامًّا من كل أنشطة ومهامِّ الأمم المتحدة الشرطية والأمنية.
أرسلت الأمم المتحدة لأول مرة جماعة جديدة من الجنود إلى ليبيريا؛ لتضافَ إلى الخمسة عشر ألفَ جندي الموجودين هناك، تَختلف هذه الجماعة عن الجماعات الأخرى في أنَّ جَميع أفرادها من النساء، تتكوَّن هذه الجماعة من أكثرَ من مائة امرأة شرطية هندية، وتأمُل الأمم المتحدة بأن يُسْهِم هؤلاء النسوة في إشعار النساء والأطفال بالأمان والراحة؛ مما يؤدي إلى حماية حقوقهم.
أمَّا "جوزيف فرح" - وهو أحد الصحفيين العالميين البارزين، ومؤسس ورئيس تحرير، وكاتب موقع Creators Syndicate، كما أنَّه مؤلف، ومؤلف مشارك لثلاثةَ عَشَر كتابًا - فقد كتب مقالاً يَمزج فيه بين السخرية والألم عن بشاعة السلوكِيَّات الجنسية لجنود الأمم المتحدة في الصُّومال.
يقول "فرح": "ليس هناك من أحد يتحَدَّث عن هذه السلوكيات الوحشية لا في الأمم المتحدة، ولا حتى في الصَّحافة الأمريكية، هناك تعتيم، وعدم تغطية واضحة لهذه السلوكيات.
وسائل الإعلام الوحيدة التي أظهرت اهتمامًا جادًّا بهذه الصورة التي لا يُمكن تصديقها عن بشاعة هذه السلوكيات في الصومال، هي: "وكالة الصحافة الفرنسية"، و"لندن تليجراف"، وصحيفة "ساوث تشينا مورننج بوست" الصينية، لكن السؤال الذي يجب أن يطرَح هو: لماذا كل هذا التعتيم؟
كتبت "لندن تليجراف" تقريرًا تقول فيه: "إنَّ الجنودَ البلجيك قاموا بـ "شَيِّ" صبي صومالي... نعم "شَيّ" صبي صومالي... لقد أطلقت الأممُ المتحدة على عمليتها في الصومال عملية "إعادة الأمل"، يا للسخرية! أيُّ إعادة أمل هذه؟... ما العقاب الذي ناله هؤلاء الجنود على هذه الجريمة النَّكراء، عاقبتهم المحكمة العسكرية بالسجن لمدة شهر، وبغرامة قدرُها مائتا جنيه، أيُّ عقوبة هذه على جريمة بهذا القدر؟
لا تنفصل هذه الجريمة عن الجرائم الأخرى.
جندي بلجيكي آخر قام بإجبار شاب صومالي على أنْ يأكلَ لَحْمَ الخنزير، ويشرب ماءً مالِحًا، وأنْ يأكُلَ ما تقيَّأه، اشتبه بعضُ الجنود في طفلٍ اعتقدوا أنَّه يقوم بسرقة الطعام، فقاموا بإغلاق إحدى حاويات التخزين عليه لمدة ثَمانٍ وأربعين ساعة حتى مات، وفى الفرقة نفسها أُجْرِيَ تَحقيق مع خمسة عشر جندِيًّا آخرين؛ بسبب ارتكابهم أفعالاً سادية وتعذيبًا ضِدَّ مدنيين صوماليين.
لا تقلق أيُّها القارئ، انظر إلى ما يقوله وزير الدفاع "جان بول بونكيليه": "إنَّ أي جندي تثبت عليه تُهمة القيام بأفعال إجرامية في الصومال سوف... - اقرأ جيدًا ما يقوله الوزير -: "يحصل على تسريحٍ غير مشرف من الخدمة"، نعم، كل عقوبته أنَّه سيحصل على تسريح غير مشرف من الخدمة.
ليس الجنود البلجيك هم وحدَهم الذين يقترفون هذه الجرائم، الواقع أنَّ "بلجيكا" تأتي في المرتبة الثالثة في قائمة البُلدان التي اتُّهم جنودُها في قوات حفظ السلام بارتكاب جرائم خطيرة ضِدَّ المواطنين الصوماليين، بما فيها الاغتصاب، والتعذيب، والقتل، في عام 1995 خضعت مجموعة من المظليِّين الكنديِّين للتحقيق؛ بسبب تعذيب أحد الصوماليِّين حتى الموت.
كما الْتُقطتْ صور مخيفة نُشرت في مجلة "ميلانو" الإيطالية، تكشف عن تعذيب الجنود الإيطاليين لشاب صومالي، واغتصاب فتاة صومالية، يَدَّعي المظليون أنَّهم كانوا يتدربون بصفة خاصة على مناهج التعذيب؛ للحصول على معلومات عند الاستجواب، وحسب أقوال أحد الشهود قام الجنود الإيطاليون بتقييد فتاة صومالية في مُواجهة جنود مسلحين واغتصبوها، بينما ضباطهم يتابعون الموقف.
الجريدة الصينية المذكورة آنفًا نشرتْ تقريرًا عن قائد كتيبة إيطالية انتهك جنسيًّا، وخنق صبيًّا صومالِيًّا عمره ثلاثة عشر عامًا، وهناك اتِّهامات لجندي إيطالي ضربَ سبعةَ صوماليِّين، مات أحدُهم من تأثير هذا الضرب.
نُقِل عن مظلي إيطالي آخر تعليقه على حوادث اغتصاب وقتل الصوماليين قوله: "أين المشكلة الكبرى هنا؟ إنَّهم مجرد زنوج في كل الأحوال".
... مرحبًا بالنظام العالمي الجديد، وبتراثه الشعبي حينما يعُدنا زنوجًا في كل الأحوال، هذه هي النتيجة حينما نرسل جنودًا لحفظ السلام إلى بلادٍ لا يفهمون ثقافة شعوبها.
هل تعتقد أنَّ الشعبَ الصومالي سوف ينسى أبدًا أنَّ الدروس التي تعلمها من هؤلاء الذين كان ينظر إليهم كـ "مُخَلصين" من قوات الأمم المتحدة؟ إنك قد لا تصدق ما حدث... ألاَ يدهشك أن تقرأ أن يكونَ هذا الأمر مُمكنًا في عصر التنوير والتعددية الثقافية، وثورة الاتصالات؟
لماذا لا تُسلَّط الأضواءُ على هؤلاء المجرمين، وهذه الأفعال الهمجية الوحشية؟ لماذا لا يتساءل أحدٌ عن هذا الدَّور الجديد لقواتِ حفظ السلام الدولية، فيكشف عن هذه البربرية في التجربة الصومالية؟
دعني أقول لك لماذا؟ إنَّ السببَ هو أن هناك إجماعًا بين صفوة المؤسسات السياسية والإعلامية العالمية على أنَّ هذه الأفعال الهمجية شيء طيب، إن هذه العمليات سوف تقود حتمًا وبحكمة عالية إلى سيطرةِ العولمة، والحد من سيادة القومية.
هل تعتقد أنَّ المحكمةَ الدولية يُمكن أن تُصغي لهذه الحالات؟ أنا أشكُّ في ذلك، أين المجرمون لمعاقبتهم؟ ولهذا أقول: إنَّه لو برزت جماعةٌ من الصُّوماليين والبوسنيين أو الهايتيِّين، ثم سلكت سلوكًا وحشيًّا في التعامُل مع مثل هؤلاء الجنود وغيرهم، فمن يلومهم؟ هذا هو الثَّمن الذي يَجب أنْ ندفعه إذا كان هذا هو سلوكَنا من أجل سلام ورفاهية العالم.
إنَّ المشكلةَ هنا هو أنَّنا نتعامل مع القُوَّةِ المركزية العالمية "الأمم المتحدة"، مَن يستطيع مُحاسبة هذه القوة؟ لا أحدَ يستطيع بالطبع، ولا أحد يهمه أمر هؤلاء الضَّحايا؛ ذلك لأنَّهم زنوج، مجرد زنوج في كل الأحوال - على حد قول المظلي الإيطالي.
إنَّ مهمة قوات حفظ السلام الدولية هي مُساعدة البلاد التي دمَّرتْها الصِّراعاتُ المسلحة في إعادة الاستقرار بها، وذلك بحفظ الأمن وسيادة القانون في أرجائها، ولكن حينما يذهب الجنود إلى هناك ويَغتصبون الضُّعفاء الذين وُكِلت إليهم مهمة حمايتهم، ويُكرِهُون النساء والفتيات على مُمارسة الجنس مقابلَ إطعامهم، فإنَّهم يكونون قد خانوا هذه المهمة، واستغلوا أكثر شعوب العالم ضعفًا".
يقول الأمير الأردني "زيد رعد حسين" في تقريره الذي قدمه إلى المنظمة الدولية بهذا الخصوص، مقدمًا الأدلةَ على قيام جنود المنظمة الدولية بهتك أعراضٍ مُنَظَّم للنِّساء والفتيات القاصرات، واستخدام الطعام كوسيلة ابتزاز؛ للحصول على الجنس: "إنَّ هذه الأفعال من أناسٍ يَحملون شارات الأمم المتحدة، ومَحميون على العموم في عملياتِهم بسُمعة الأمم المتحدة، لهو بالتأكيد أكثرُ صدمة من احتمال حدوث ذلك من قِبَل جيش منظم عادي، لا شَكَّ أن المسؤولية تقع على عاتق الأمم المتحدة؛ لضمان تحقيق مستوى أعلى من الانضباط عند جنودها.
ولكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الجيوش والبلاد التي تُسْهِم بقواتِها في الأمم المتحدة، وذلك بما تتبناه من قيمٍ ومعاييرَ ترى أنَّ النساء والفتيات في هذه البلدان هُنَّ مُجرد لعبة يحق للجنود اللهو بها".
هناك افتراضان أساسِيَّان لتفسير أسبابِ اعتبار النِّساء هدفًا لعمليات الاغتصاب في زمنِ الصِّراع المسلح:
الأول: أنَّ ذلك ما هو إلاَّ وسيلة لإذلال وإضعاف المحاربين الذكور.
والثاني: النظرة إلى هؤلاء النسوة على أنَّهن سبايا حرب.
إنَّ مثل هذه السلوكِيَّات لا تدمر هؤلاء الضحايا من النساء والأطفال، ولكنَّها تدمر المنظمة الدولية ذاتها، إنَّ هذه السلوكيات تخرب الدَّورَ الذي تقوم به الأممُ المتحدة في حِماية حقِّ المرأة في استقلالِيَّتِها، والسيطرة على جسدها.
تقول "فيونا دي لوندراس" في تعليقٍ لها على ما تقرؤه من سلوكيات قُوَّاتِ حفظ السلام: "إني أتساءل: هل من العَدْلِ أنْ نقولَ أنَّ ما يَحدث من هذه السلوكيات هو خطأ الأمم المتحدة كمنظمة دولية؟ الواقع الذي أمامنا هو أنَّ هذه القوات إنَّما هي خليطٌ من جنود ينتمون إلى عِدَّة دول مُختلفة، إنَّ سلوكياتِهم الشائنة هذه إنَّما هي نتاجُ تدريب ومُمارسة لِمَا تعلموه في مجتمعاتهم، وفي جيوش بلادهم.
لقد تعلَّم هؤلاء الجنود أنَّ الاعتداءَ الجنسي على الأطفال والنساء معيارٌ مَقبول، ودخلوا إلى الأمم المتحدة وهم مشبَّعون بهذا المعيار؛ ولهذا فإنَّ احتمال استئصال هذه السلوكيات من عقول جنود الأمم المتحدة أمرٌ يصعب تَحقيقه؛ لأنَّ المعيار الأساس الذي تتبناه الجيوشُ هو أنَّه ليست هناك مُشكلة في مثل هذه السلوكيات، وأنَّه من الطبيعي جِدًّا التعامُل مع النساء بهذه الطريقة في مواقِفِ الصِّراع المسلح، وأقول: إنَّه إذا أريد لنا أنْ نستأصلَ هذه السلوكيات عند جنود قُوَّات حفظ السلام، فيجب أنْ نستأصلها من عقولِ شُعوب بلادِهم وجيوشهم التي قدموا منها أولاً".
وتقول قارئة أخرى تعقيبًا على ما صُدمت به من سلوكيات جنود المنظمة الدولية: "إنَّه - والحال هذه - يكون من الأفضلِ للنِّساء أن يُغتصبن من قبل مقاتلي حرب العصابات، عن أنْ يُغتصبن من قِبَل جنود دُرِّبوا لحمايتهن والدِّفاع عنهن".
وجاء في تعليق ثالث: "الأمر ليس بجديد، فكم من أطفالٍ اغتصبهم قُسُسُ الكنائس وحاخامات المعابد تَحت مظلة القداسة والوعظ الديني".
"كاترين بولكوفاك" - العاملة في الشرطة النسائية في نبراسكا - كشفت الغطاءَ عن العديد من جرائم الجنس والبغاء في البلقان، التي تورط فيها زُملاؤها العاملون في قُوَّات الأمم المتحدة، كان الجنود يضربون النِّساء، ويَغتصبوهن، ويُجبروهن على الرَّقْصِ عاريات في البارات.
جاء في الواشنطن بوست في 19 يناير 2009: "الجرائم الجنسِيَّة التي يرتكبها جنودُ الأمم المتحدة منذ عدة عقود ما زالت مُستمرة حتى الآن، لم يَمْثُل هؤلاء الجنود أمامَ القضاء قطُّ، ولم يُعاقب أحدهم قطُّ، إنَّهم يتحرَّكون من بلد إلى آخر، وفي كل مكان جديد يذهبون إليه، يتحَرَّشون بالنِّساء ويغتصبونهن، ويتاجرون بأجسادهن، ورَغْمَ انتشار فضيحة الجنس مقابلَ الطعام، فإنَّها ما زالت مستمرة.
إنَّ جنودَ الأمم المتحدة يَهتكون أعراضَ الفتيات من سِنِّ الثامنة إلى سن الثامنة عشرة، واللاتي تزيد أعمارهن عن اثنتي عشرة سنة يبعنهن، إنَّ أوباما يضاعف الأعباء على دافعي الضرائب لصالح جنود فاسدين أخلاقِيًّا في هذه المنظمة الدولية.
ليست قضية استغلال الأطفال لأغراض جنسية بالجديدة، فعَدَدُ الأطفال الذين يتاجر بهم كسلع جنسية عبر العالم يتراوح من مليون إلى اثنين مليون".
نشرت واحدة من الصُّحف الأسترالية تقريرًا بعنوان:UN peacekeepers abandoned babies، يكشف هذا التقرير أحدثَ فضائح الجرائم الجنسية لجنود الأمم المتحدة.
كان أهم معطيات هذا التقرير الآتي:
1 - تَخلَّت الأمم المتحدة عن عشرين طفلاً رضيعًا، هم نتاج استغلال جنسي من قِبَل جنودها لنساء في بلادٍ تعمل فيها قواتُ حفظ السلام، ولم يتعرَّض هذا التقريرُ بصورةٍ مركزة لآلاف الأطفال الذين وُلدوا سفاحًا للضَّحايا من المسلمات البوسنِيَّات، وإنَّما أشار إليهن بصورة لا تكشف بوضوح عن بشاعة جرائم هذه القوات في البوسنة.
2 - كشف التحقيق الذي أجرتْه الأمم المتحدة بهذا الخصوص عما يعرف بـ "ثقافة التعتيم"؛ حيث أخفت الأممُ المتحدة عَبْرَ سبع سنوات جرائمَ جنسيةً ارتكبها جنودُها، أسفرت عن إنجاب أطفال؛ خوفًا من الفضيحة والإحراج.
3 - ليست هذه هي المرة الأولى التي تَحدث فيها هذه الجرائم، وهذا يعني أنَّ هذه الجرائم تُعَدُّ جرائمَ عادية من وجهة نظر المنظمة الدولية.
4 - في كل مكان تستقر فيه قوات حفظ السلام يقيم جنودُها هناك مواقعَ للبغاء، وللدعارة، والاستعباد الجنسي الذي تُقهر فيه النساء، ويُجبر فيه الأطفال على مُمارسة الجنس مع الجنود والمسؤولين الدوليين.
5 - يَعُدُّ الجنودُ والرسميون الأمميون أنَّ أوضاعهم كعاملين في الأمم المتحدة تَمنحهم العذر في الانغماسِ في الملذات الجنسيَّة مع قاصرات، ونساء، وحتى الأولاد أيضًا، لم يَحدث ذلك في الكونغو فقط، ولكن في كوسوفو، وتايلاند، وأمريكا الجنوبية، وفي بلاد أخرى عديدة.
6 - أظهر التقرير كيف أنَّ مَحكمة في كوسوفو في مقاطعة صربية تشرف عليها الأمم المتحدة منذ عام 1999، عاقبت أحدَ المسؤولين في الأمم المتحدة بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بعد أن وجدتْه مذنبًا بتهمة استغلال جنسي لقاصر، قال ذلك "رشيدون خان"، وهو موظف رسمي في الأمم المتحدة.
7 - يُبين التقرير أنَّ الأمم المتحدة لا تتحرَّك لوضع حَدٍّ لهذه الانتهاكات، صحيحٌ أنَّها وضعت بعضَ الإجراءات في هذا الخصوص، لكنَّها لم توضع موضع التنفيذ، ويرجع ذلك إلى سياسة التسامُح العميقة الجذور في ثقافة المنظمة الدولية، وهناك اتِّجاه يَسود في هذه المنظمة يقول: إنَّ الأولادَ سيظلون أولادًا حتى لو انتُهِكوا جنسيًّا، أسْهَم هذا الاتجاه في تأكيد التسامح في مثل هذه الجرائم.
انتهى التقرير إلى القول: "من الواضح أنَّه في كل مكان تذهب إليه الأمم المتحدة تُصاحبها عملياتُ استغلال جنسي، إنَّه لا بد من تفكيك هذه المنظمة الدولية التي انتشر فيها الفساد والشر، فهي في أفضل حالاتِها بلا فاعلية، وفي أسوأ حالاتها تدمِّر حياةَ نساءٍ وأطفال من المقرر أن تَحمِيَهم أصلاً".
ولعلَّ أهمَّ وأبرز التقارير التي كشفت عن الفضائح الجنسيَّة لجنود قواتِ الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة الدولية، هو التقرير الذي نشرتْه منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية، ركز هذا التقرير على استغلالِ جنود الأمم المتحدة والعاملين في هيئات الإغاثة للأطفال جنسيًّا، أوضح التقرير كيف أنَّ ضعفَ الضحايا، وعدم التوازن في القوة بينهم وبين مَن هم من المفترض أنْ يدافعوا عنهم، وخوف الأطفال من الشكوى، وحاجتهم إلى الطعام والأمن - جعل سلوكَ هؤلاء الجنود أكثرَ رعبًا؛ يقول التقرير: "إنَّه من السخرية أنْ يصدر هذا التقرير في العيد الستيني للأمم المتحدة، ومن السخرية أيضًا أن يتحدث نائب السكرتير العام لعمليات حفظ السلام في هذه المناسبة عَمَّا يسميه بـ "تضحية" هؤلاء الجنود رجالاً ونساء، ومُخاطرتهم بحياتهم من أجل الأهدافِ السامية للأمم المتحدة في عشرين دولة حول العالم".
وتُعَدُّ هذه المنظمة البريطانية غير الحكومية "أنقذوا الأطفال" من أكبر منظَّمَات الإغاثة المستقلة في العالم، وأول مَن أشار بأصابع الاتِّهام للمدنيِّين من العاملين في هيئات الإغاثة، بما فيهم هؤلاء الذين يعملون في هيئات الإغاثة البريطانية، شأنهم في ذلك شأن غيرهم، استند التقرير على بُحوث ميدانية ومكتبية ومقابلات مُتعمقة أجريت على ثمانٍ وثلاثين جماعة، تتكون من مائتين وخمسين طفلاً، وتسعين بالغًا في كلٍّ من هاييتي، وكوت دي فوار، وجنوب السودان في عام 2007؛ تقول "جاكلين هوايتبرد" - الرئيس التنفيذي لهذه المنظمة -: "إنَّ هذا التقرير يكشف هذه الأفعالَ الخسيسة لعددٍ صغير من المجرمين، الذين يستغلون جنسيًّا الأطفالَ غير المحصنين عبر العالم، والذين من المفروض أنْ يَحْمِيَهم هؤلاء المجرمون".
كان أهم ما جاء في هذا التقرير الآتي:
1 - إنَّ حالات الاعتداء الجنسي توجد في كلِّ أفرع ومناطق الإغاثة، وتلك التي يوجد فيها جنودُ حفظ السلام، سواء كانت مُخصَّصة للأمن أم كانت تابعة للشرطة، ولا يقتصر الاعتداء على فئة وظيفية دون أخرى، إنَّما من مختلف العاملين على مختلف مستوياتِهم، سواء أكانوا محليين أم دوليين، لكنَّ التقريرَ أوضح أنَّ أكثرَ مَن كانوا يقومون بهذه الاعتداءات هم جنود حفظ السلام.
2 - هناك أنماط مُختلفة من وسائل الاعتداء الجنسي، منها: الطعام مقابل الجنس، والاغتصاب، واستخدام الأطفال في الجنس السطحي والشفاهي حتى البغاء، والتجارة بالأطفال لأغراض الجنس، واستخدام الأطفال كمواد إباحية، وذكر التقريرُ شهادةً لبعضِ الفتيات تُبيِّن أنَّ بعضَ العاملين في هيئة الإغاثة الدولية طلبوا منهن لعق أعضائهم التناسلية مقابلَ ما يعادل دولارين وثمانين سنتًا أمريكِيًّا، وبعض قطع (الشوكولاته).
وبالرغم من رفض بعض الفتيات، فإنَّ أخريات كنَّ يقبلن القيامَ بذلك مقابلَ الحصول على النقود، كما أظهر التقرير أيضًا أنَّ هناك العديد من الأدلة على أنَّ هناك أطفالاً في سِنِّ السادسة اعتُدي عليهم من قبل جنود قُوَّات حفظِ السلام والعاملين في هَيْئات الإغاثة، كما تعرَّض أكثرُ مِن نصف الذين أجريت عليهم الدِّراسة للمُلامسات الجنسيَّة ومُمارسة الجنس قهرِيًّا، تراوحت نسبة من تَذَكَّرن عشرَ مُحاولات أو أكثر من هذه الممارسات من 18 إلى 23% من الحالات، وكشفت الدراسة عن أنَّ الرجال الذين كانوا يتناوبون مُمارسة الجنس مع فتاتين أو ثلاث تراوح بين ثمانية وعشرة رجال.
تقول إحدى الفتيات التي روت قصتها لـ "الديلي تلجراف":
"بينما كنت مُتجهة إلى الحقل في إحدى القرى القريبة من مدينة "مان" في شمال غرب ساحل العاج لمساعدة أمي، شاهدت مجموعة من الجنود التابعين لأحد معسكرات الأمم المتحدة وكان موقعه وراء حقل أمي، نادى الجنود على شقيقي الصغير، وأعطوه بسكويتًا، حينما نادوني رفضت أن أذهب إليهم، لكن أحد الجنود أتاني، وأمسكني من ملابسي، وقادني إلى منطقة غابات بعيدًا عن الطريق، حضر بعد ذلك أصدقاؤه، وكان عددهم عشرةَ جنود، طرحوني أرضًا واغتصبوني واحدًا تلو الآخر، لَم أستطعْ أن أهربَ، فقد كانوا ضخام البنية.
جريت إلى قريتي، كنت أبكي ليلَ نَهار وأتقيأ، أصبحت لدى مُشكلة طبية، استقرت الحادثة في عقلي، وكنت أتخيلها مرارًا وتَكرارًا كأنَّها فيلم، اشتد خوفي من مغادرة القرية، توقفت عن الدراسة، ورَغم مرور عام على الحادثة كنت أتجمد من الخوف كلما رأيتُ رجلاً أبيض، أو مركبة تابعة لهيئة الإغاثة".
يقول التقرير: "لم تكن حالة هذه الفتاة فريدة من نوعها، إنَّها واحدة من بين ثلاثمائة وواحدة وأربعين حالة لأطفالٍ تَمَّت دراسة حالتهم".
3 - من العوامل التي تعوق مواجهةَ هذه المشكلة التي تحدث في صمتٍ كبير، هو ضعف الآليات التي يُمكن بواسطتها تشجيع الضَّحايا على التبليغ عما وقع عليهم من اعتداءات جنسية، إنَّه في مقابل كل حالة يتم التبليغ عنها هناك العديد والعديد من الحالات التي لا يتم التبليغ عنها، الضحايا يعيشون في مناطق توزع فيها المساعدات، ويَخشى الضحايا هم وعائلاتُهم التبليغَ عن الاعتداء؛ خشيةً من عودة هؤلاء الذين اعتدوا عليهم، فيزيدون من إيذائهم للأطفال، أو خوفًا من وصمة العار التي تلصق بهم من قِبَل أهليهم وذويهم، أو التعرُّض لمعاقبتهم.
وكذلك خوفًا من أن توقف الهيئة مساعداتها لهم، وقد عبر أحدُهم في جنوب السودان عن ذلك بقوله: "نحن نخشى أنْ نُبلِّغَ عن هذه الاعتداءات؛ خشيةَ أن ترحل هيئة الإغاثة عن منطقتنا، ونحن في حاجة إليها"؛ ولهذا يقول التقرير: "إنَّ إحصائيات الأمم المتحدة عن أعداد الضحايا أقلُّ بكثير من الواقع، وقد بَيَّنَ هذا التقرير أنَّ الحالاتِ التي خضعت للدِّراسة أكثر بالفعل من الحالات المُعلَن عنها رَسْمِيًّا".
4 - هناك العديد من الخطوات والإجراءات التي اتُّخِذت لمواجهة هذه المشكلة، ولتشجيع الضحايا على الإبلاغ عن حالات الاعتداء، ولكنَّ الثقافةَ السائدة في المنظمة تقوم على التستر على هذه الفضائح.
5 - الغريب هنا - كما يقول التقرير - أنَّ منظمة "أنقذوا الأطفال" التي أجرت هذه الدِّراسة ذاتها، لم تكن بريئة من التُّهم التي وجهت إلى هيئات الإغاثة الأخرى وجنود الأمم المتحدة، فقد قدمت خمس عشرة شكوى من سوء التعامل الجنسي مع الأطفال ضِدَّ العاملين بها عام 2007، ثبت صِحَّة بعضها، وقامت المنظمة بطرد من ارتكبوا هذه الحوادث.
يقول التقرير: "لقد اتَّخذتِ الأمم المتحدة عِدَّة خطوات لعلاج هذه المشكلة، لكن الواقع هو أنَّ هذه المشكلة لا يُمكن علاجُها إلاَّ إذا عرفت أسبابها العميقة، كما أنَّه لا بُدَّ من إعادة فحص دَوْرِ ومسؤولية الأمم المتحدة، ونظام محاسبة أفرادها؛ ذلك لأَنَّ هذه المنظمة الدولية ليست لها سُلطة على انضباط جنودِها الذين يستغلون سلطتَهم تَحت علم الأمم المتحدة.
إنَّ المائةَ والثمانية عشر بلدًا الأعضاء في هذه المنظمة التي ينتمي هؤلاء الجنود إليها، تتحمل المسؤولية أيضًا، لكن المشكلةَ هنا هو أنَّ قِيَمَ بعضِ هذه البُلدان ترى أنَّ مُمارسة الجنس مع القُصَّر أمر لا يُخالِف القانون، ومِن ثَمَّ فإن الجنود لا يرون غضاضةً في سلوكياتِهم الجنسية مع أطفال ونساء البلاد التي يقومون بحمايتها".
جاء في التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية: "إنَّ ما يسمَّى بحقوق الإنسان هو نوعٌ من اليوتوبيا البَعيدة عن التحقيق، فمنذ انتهاءِ الحرب العالمية الثانية، وحتى هذه اللحظة، ما زالت هناك انتهاكات لحقوق الإنسان، وخاصَّة النساء والأطفال، وبطريقة أكثر رعبًا من ذي قبل".
هذه هي أهم حيثيات التقارير التي أشارت إليها الصُّحف الأمريكية، والأسترالية، والبريطانية، وكذلك منظمات الإغاثة الدولية التي كشفتِ النِّقاب عن الوجه الآخر لعمليات الأمم المتحدة في البُلدان التي تذهب إليها لتحفظَ السلام بها.
ويُمكن بيان خلاصة جميعِ هذه التقارير والملاحظات التي عليها على النحو التالي:
أولاً: هناك ارتباط قوي بين انتشار جنود الأمم المتحدة حولَ العالم والفساد الأخلاقي، كما تزيد معدلات هذا الفساد بوصول قواتِ الأمم المتحدة إلى البُلدان المكلَّفة بحفظ السلام بها.
ثانيًا: ترتبط أكثر مظاهر الفساد الأخلاقي بالجنس، وتتراوح هذه المظاهر من اغتصاب النساء، والقاصرات، والولدان أيضًا، إمَّا بالإغراء، أو القهر، أو مبادلة الطعام والمال بممارسة الجنس، إلى إنشاء بيوت للدعارة والبغاء، وقيام الجنود الدوليين بحماية هذه البيوت، وكذلك المتاجرة بأعراض الضحايا، ولا يتورع الجنود عن هذه الممارسات، حتى مع الأطفال الذين في سن السادسة، كما يقوم الجنود الدوليون بالتجارة في الذَّهب والسلاح أيضًا.
ثالثًا: ليس الجنود فقط هم الذين يقومون بهذه الممارسات، إنَّما يُشاركهم فيها ضباطهم، وقادتهم، والمسؤولون الكبار على مُختلف المستويات الهرمية، كما لا تقتصر هذه الممارسات على الجنود والقادة الدوليين، بل تشمل العاملين المحليين أيضًا.
رابعًا: الممارسات الجنسية التي اتَّسمت بالعُنصرية الواضحة، وكراهية الإسلام كانت ضِدَّ مسلمي البوسنة، والسودان، والصومال وغيرها، كما ظهر ذلك بوضوح مع النِّساء البوسنِيَّات، وكما كان الحال مع الشاب الصومالي الذي أجبر على أكل لحم الخنزير، وبعد أن تقيأ أجبر على أكل ما تقيأه، فهم يعلمون أهميةَ الشرف عند المسلمين، وتحريم أكل الخنزير، فيقومون باغتصاب نسائهم؛ إمعانًا في إذلالهم، وإجبارهم على أكل لحم الخنزير؛ إهانةً لعقيدتِهم.
خامسًا: لا يشعر مرتكبو هذه الممارسات بأي شعور بالذَّنب أو غير ذلك لما يفعلونه مع الضحايا؛ ذلك لأنَّهم ينظرون إلى الأفارقة على أنَّهم عبيد وزنوج يَحِقُّ لَهم أنْ يَفعلوا بِهِم ما يريدون، كما أنَّ هذه الممارسات لا تُعَدُّ أمرًا شائِنًا في بلدانهم الأصلية.
سادسًا: لا تقتصر هذه الممارسات على جنود وضباط هذه القُوَّات، ولكنَّها تَمتد لتشمل أيضًا هيئات منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة؛ إذ لا يتورع العاملون في هذه المنظمات عن القيام بهذه الممارسات.
سابعًا: على الرغم من التحقيقات التي تُجريها المنظمة الدولية في بعضِ الحالات التي كشف النِّقاب عنها، فإنَّ الخطَّ العام للمنظمة الدولية هو التسامُح وتَخفيف العقوبات، هذا إضافةً إلى أنَّ سياسةَ المنظمة الدولية تقوم على التعتيم على هذه الممارسات، واعتبارها مُجرَّدَ مزاعم لا تستند إلى أدلة؛ وذلك خوفًا من الفضيحة، والتعرُّض للحرج الدولي.
ثامنًا: من المهم عند النظر في هذه التقارير وتحليلها هو أن نعرف أن كُتَّابَها، سواء أكانوا صحفيين، أم باحثين، أم منظمات - لا يُحاربون، ولا يكشفون هذه الممارسات الجنسِيَّة غير المقبولة مع النِّساء على أنَّها انتهاك لشرف وعِفَّة النساء، أو أنَّها تؤدي إلى اختلاط الأنساب... إلخ، وإنَّما هي - في نظرهم - انتهاك لحقِّ النساء في الاستقلالية، والتصرُّف في أجسادهن كما يرون هن، لا كما يتصرف الآخرون في هذه الأجساد رغمًا عنهن، لقد أوضحت هذه التقارير أنَّ مثلَ هذه الممارسات غيرُ مَحظورة قانونيًّا في بعض البُلدان، كما تعَدُّ من المعايير المقبولة بها، وهذا هو نفسه الذي تدعو إليه منظمات الأمم المتحدة من نَشْرِ ثقافة الجندر، وتَمكين المرأة... إلخ.
تاسعًا: قدمت بعض التقارير بعضَ التفسيرات التي تشرح أسبابَ قيام الجنود وموظفي الإغاثة بهذه السلوكِيَّات، لكن أقوى هذه التفسيرات وأكثرها عمومية هي التي وجهت الانتباه إلى أنَّ الأمر لا يخرج عن كونه ثقافة مُجتمعات تأصَّلت في أفرادِها هذه السلوكيات، فمارسوها في مُجتمعات أخرى لم يفهموا ثقافتَها، ولا يحترمونها، ولا يقيمون لها وزنًا على اعتبار أنَّهم - أي الجنود - ينتمون إلى ثقافة أعلى وأسْمى، فهم السادة، وغيرهم عبيد، ويَحِقُّ لهم أن يفعلوا في عبيدهم ما يريدون.
إنَّ هذا التفسير هو الأقرب إلى الحقيقة، فهؤلاء الجنود ورجال الإغاثة ينتمون إلى مجتمعات تغوص في مقدمات الزنا من تبرج، وعُري، وتهتك، واختلاط مثير، وكلمات، وإشارات، وحركات، وضحكات فاجرة، وإغراء، وتزيين، واستثارة، وإطلاق للغرائز بالكلمة، والصورة، والقصة، والفيلم، وبسائر أدوات التوجيه والإعلام... وكلها مقدمات تحيط بالفاحشةِ الكبيرة، وهي الزنا، وكلها أيضًا فواحشُ تنخر في نفوسِ الجنود وعُمَّال الإغاثة، فلطخت ضمائرهم، وحقرت من اهتماماتهم، إنَّهم جنودٌ وعاملون في قلوبِهم خواء من زاد الروح، ومن زاد الإيمان، ومن زاد الاطمئنان إلى الله، ومن زاد الأهداف الإنسانية الكبيرة التي يُنشئها ويرسمها الإيمان بالله، فما الذي نتوقعه منهم غير ذلك؟
عاشرًا: الذي لا شَكَّ فيه هو أنَّ هذه المجتمعات التي أنتجت مِثْلَ هؤلاء الجنود وغيرهم في حاجة ماسَّة إلى مَن يزودها بهذا الزَّاد الذي تفتقر إليه، وهو زادُ الإيمان والاطمئنان بالله، لكن المشكلة الكبرى هي أنَّ هؤلاء الذين أخذوا على عاتِقِهم هذه المهمة لتطهير العالم من هذه الأوحال، وهذا الدنس، وتقديم هذا الزاد للبشرية جمعاء - هم في الواقع قلة مستضعفة، تتعرض للأذى والمطاردة، أعداؤها - وهم في عنفوان قوتهم، وفي عنفوان حقدهم كذلك - يتربصون بها، ويبيتون لها، ويتحاقدون عليها، ويجمعون لها، ويلقون بينها بالفرية والشبهة، ويستخدمون في حربها كُلَّ الأسلحة وكل الوسائل، لكنَّها رغم كل ذلك نَجدها تَملك الصمودَ والمقاومة والدِّفاع عن نفسها، وتسعى حثيثًا إلى أنْ تُقيم دولتها الكبرى التي تقيم شرعَ الله فيها، وتَجعل أمنَها وأمانَها بيدها، وليس بيد الولايات المتحدة وحلفائها، أو بيد جنود الأمم المتحدة، ثم تَحمل دعوتَها إلى شعوب هؤلاء الضائعين من الجنود الأمميِّين وأمثالهم، فتنتج جيلاً جديدًا من الجنود يحملون سلاحَ الإيمان والاطمئنان إلى الله، وشارات التوحيد، وليس البيريهات والخوزات الزرقاء.
المصادر:
1- Cassandra Clifford،UN Peacekeepers and the Abuse of Children, children web blog.
2- David Clarke, Rendered with sIFR 3, revision 436, TALK TALK, 27/05/2008.
3- Joseph Farah, Those U.N. peacekeeping atrocities, 2010 WorldNetDaily.com
4- Michelle Malkin, THE U.N.’S RAPE OF THE INNOCENTS, February 16, 2005.
5- Mike Pflanz, Six - year - olds sexually abused by UN peacekeepers in Man, Ivory Coast،World News feed, August,2010.
6 - Warner Todd Huston The UN's sex criminals, RenewAmerica.com August 11, 2010.
7- AFTER DECADES OF SEXUAL CRIMES: UN SEX - FOR - FOOD SCANDAL Washington Times January 19, 2009.
8- Humanitarian news and analysis, a project of the UN Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, GLOBAL: Sex crimes by aid workers “under - reported”. IRIN.
9- Sexual abuse of children by aid workers and UN peacekeepers too often unreported, women sphere global women’s news, views and issues, 29 May 2008.
http://www.savethechildren.org.uk/en/39 - 5707.htm
10- Two UN peacekeepers are under UN investigation for their alleged involvement in sex abuse in the Democratic Republic of Congo (DRC). Source: Xinhua.
11- UN peacekeepers and sexual abuse،Blogcritics politics,htm.
12- UN peacekeepers and the sexual exploitation of children،THE LANCET, V. 371, 2008.
13- UN soldiers patrol Kiwanja camp for
internally displaced persons in Congo's North Kivu province.August,08،2010.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: