(67) سبعة مقترحات للقس "مايكل يوسف" للحد من انتشار الإسلام
د - أحمد إبراهيم خضر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 13938
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يقول المفكِّرون الإسلاميُّون في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120] الآتي:
"سيظلُّ اليهودُ والنَّصارى يُحاربونك، ويَكيدون لك، ولا يُسالمونك، ولا يَرْضَون عنك، إلاَّ أن تَحيدَ عنْ هذا الأمر، وإلاَّ أن تترُكَ هذا الحق، وأن تتخلَّى عنه إلى ما هم فيه مِن ضلال وشِرْك، إنَّ الذي ينقصهم ليس البُرهان، أو الاقتناع بأنَّك على الحق، وأنَّ الذي جاءَك من ربك الحق، ولو قدَّمتَ إليهم ما قدَّمت، ولو تَوَدّدتَ إليهم ما توددت، لن يُرضيَهم مِن هذا كله شيء، إلاَّ أن تتبع مِلَّتَهم وتترك ما معك مِن الحق.
إنَّها العُقدة الدائمة التي ترَى مِصداقها في كلِّ زمان ومكان (العقيدة)، هذه هي حقيقةُ المعرَكة التي يشنُّها اليهود والنصارى في كلِّ أرض، وكل وقْتٍ ضدَّ الإسلام، وقد تتخاصَم شِيع المِلَّة الواحدة فيما بينها، لكنَّها تلتقي دائمًا في المعرَكة ضدَّ الإسلام والمسلمين، هذه المعركة يُلوِّنونها بألوان شتَّى، وأعلام شتَّى في خُبْث وتورية ومكْر؛ لأنَّهم جرَّبوا حماسةَ المسلمين حينما يدخُلون الحرْبَ باسم العقيدة؛ لهذا فهُم يُعلنونها مرَّةًَ باسم الأرْض، أو الاقتصاد، أو السياسة، أو المراكِز العسكرية حتى ينخدعَ المسلمون.
ولهذا كلِّه، يُخطِئ مَن يعتقد بأن ما يصدُّ اليهود والنصارى عن الإسلام، أنهم لا يَعْرفونه، أو أنَّه لم يُقدَّم إليهم في صورة مُقنِعة، هذا وهْمٌ، إنَّهم لا يُريدون الإسلام؛ ذلك لأنَّهم يعرِفونه، ولهذا يخشَوْن على مصالحِهم، وعلى سُلطانهم، ومِن ثَمَّ يَكيدون له بشتَّى الطرق، وشتَّى الوسائل، بطريقٍ مباشر وغيرِ مباشِر، يحاربونَه وجهًا لوجه ومِن وراء سِتار، يُحاربونه بأنفسهم ويستهوون مِن أهله مَن يحاربه لهم تحتَ أيِّ سِتار، وهم دائمًا عند قوله - تعالى -: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ [البقرة: 145]، ويقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].
الذين يُحارِبون الإسلامَ كُثر، ليس آخِرهم هذا القِسّ المغمور، الباحِث عن الشُّهرة "تيري جونز" الذي هدَّد بحَرْق القرآن الكريم، ولا المستشارة الألْمانية "أنجيلا ميريكل"، التي أعدَّتْ حفلاً خاصًّا لتكريم الرسَّام الدانمركي "كورت فيسترجارد" صاحِب الرسوم المُسيئة للرسولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هناك أعدادٌ هائلة مِن هؤلاء الذين يَكرهون الإسلام ويُحاربونه، ومِن هؤلاء قِسٌّ مغمور، هو الدكتور "مايكل يوسف"، وهو راعي ومؤسِّس ما يُسمَّى بالكَنيسة الرسوليَّة الإنجيليَّة الإنجيليكانيَّة بأتلانتا بالولايات المتحدة، وهى كنيسة معنية بالوعْظ الكنسي، وإعداد القساوسة، كانتْ تتكوَّن عند تأسيسها من ثلاثين عضوًا فقط، ازدادوا الآن إلى ثلاثةِ آلاف عضو.
أسَّس "مايكل" كذلك واحدةً من أهمِّ الهيئات الدوليَّة للوعظ الكنسي وتُدعَى Leading The Way تنشر دعوتُها عبرَ الراديو والتلفاز إلى مائتي دولة بعشرين لُغة، كما أسَّس القسُّ "مايكل" أيضًا قناة فضائية تُسمَّى بقناة الملكوت، وهى آخِر القنوات الإنجيليَّة التي تُبثُّ عبرَ القمر الصناعي "النايل سات".
وُلِد القس "مايكل" في عام 1948 بمحافظة أسيوط، في صعيدِ مصر، وهى واحِدة مِنَ المحافظات ذات الثِقل القِبطي، يقول: إنَّه تم "خَلاصه" وهو في السادسة عشرة مِن عمره، ترَك مصر خلال حرْب الأيام الستَّة، متوجِّها إلى لبنان، وهناك حصَل على تأشيرة مؤقَّتة لدخول أستراليا، درَس أثناء وجوده في أستراليا في كلية "مور" للاهوت، ورسَّموه كاهِنًا هناك، تزوَّج ورحَل بعائلته إلى الولايات المتحدة في عام 1977، حصَل على درجة الدكتوراه في "الأنثروبولوجيا الاجتماعية" في عام 1978 مِن جامعة "إيموري" بأتلانتا التابِعة لولاية "جورجيا".
عمل "مايكل" عشرَ سنوات تقريبًا في مؤسَّسة "حجي"، وسافَر إلى عِدَّة دول كان يُلقي فيها دروسًا في الإنجيل وقِيادة الكنيسة لرؤساء الكنائس، رُقِّي "مايكل" في هذه المؤسَّسة إلى رُتبة المدير الإداري، وهو لم يبلغْ إحدى وثلاثين سَنة من العمر، حصَل على الجنسية الأمريكيَّة في عام 1984، وله ثلاثة أبناء وثلاثة أحفاد.
وقَّع "مايكل" في نوفمبر 2009 ما يُعرَف بـ"إعلان مانهاتن" الذي يدعو فيه الإنجيليِّين، والكاثوليك، والأرثوذكس إلى مناهضةِ القوانين التي تؤيِّد الإجهاض، والزواج المثلي، وكل ما يُخالف ما يُسمِّيه بالضمير الديني المسيحي.
ألَّف "مايكل" عِدَّة كُتب تتناول عدَّةَ موضوعات مثل: أمريكا والنفط الإسلامي، اعرف عدوك الحقيقي، الدعاء الذي يستجيب الربُّ له، نموذج قيادة المسيح.
اهتمَّ "مايكل" بالعديد مِن القضايا، كان مِن أبرزها: مقارَنة الإسلام بالنَّصرانيَّة، وتأثير أموالِ النِّفْط العربي على النصارَى، وسُبل مواجهةِ انتشار الإسلام في الغرْب، والآتي بعد خُلاصة تصوُّراته في هذه القضايا.
أولاً: مقارنة الإسلام بالنصرانية:
استخدم "مايكل" مصطلحي "الله" في الإسلام، و"الرب" في النصرانية، ورأى أنَّ "الله" في الإسلام بعيد، ولا يُمكن معرفتُه، ولا يكشف نفسَه للبشر، وهو رحيمٌ غفور (إذا أراد)، وهو متقلب الرأي، يَهدي أو لا يَهدي - تعالَى عمَّا يقول علوًّا كبيرًا - سلطتُه لا حدَّ لها، قوي يؤكِّد على القوة، منتقِم، الشرَف عنده لا يُستعاد إلاَّ بالثأر، أما ربُّ النصارى فهو شخْص متجسِّد في المسيح، محب، عادِل، مقدَّس، غفور، قوَّته متوازِنة مع الحب.
المسيح في الإسلام نبي، ويُنكر المسلمون فِكرةَ تجسُّد الله في المسيح تمامًا، الناس بطبيعتهم طيِّبون، المسيح هو ابنُ الله في النصرانية، وُلِد الناس والخطيئة في طبيعتِهم، لكنَّ الربَّ (العادل) دفَع عنهم العقاب، وتحمَّل المسيحُ هذه الخطايا عن البشَر، يؤمِن النصارى بالتثليث، ويفهم المسلمون تثليثَ النصارى على أنَّه "الله ومريم والمسيح"، لكن التثليث عندَ النصارى يتمثَّل في "الآب والابن والرُّوح القدس"، (الرُّوح القدس - كما يراه الأب بولس إلياس هو الذي حلَّ على العذراء لدَى البشارة، وعلى المسيح في العِماد، وعلى الرُّسل بعدَ صعود المسيح إلى السماء، وهو جبريل - عليه السلام - في الإسلام)؛ أحمد شلبي (ص: 156).
"الله" واحدٌ في الإسلام، ومحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - نبيٌّ عندَ المسلمين.
(الاعتراف) في النصرانية يعني: أنَّ الإنسان غيرُ قادر على خلاصِ نفسه، لكنَّه يثق في دفْع المسيح أخطاءَه عنه.
الذنب، والضعْف، وهتْك العِرض العائلي، والتمرُّد ضد الله يُغفَر في الإسلام بالأعمال، أما كل ذلك فيتطلَّب في النصرانية غُفرانًا إلهيًّا، الخَلاص في الإسلام يُعطيه "الله" إذا أراد، ويتحقَّق هذا الخلاصُ بالإيمان والعمل، أما في النصرانية فإنَّ الربَّ يُعطي هذا الخلاصَ لكلِّ هؤلاء الذين يؤمنون بموْت المسيح مصلوبًا؛ تكفيرًا عن ذنوب البَشَر، والأعمال في النصرانية لا تؤدِّي إلى الخَلاص.
(الخلاص) عندَ النصارى هو غُفران الخطايا، وهو الخَلاص من نجاسةِ الخطيئة ومِن الموت ومِن سلطان الشياطين، ويُعرِّفونه بصفة عامة بأنَّه: مجموعُ الفوائد التي يتحصَّل عليها الشخصُ الذي يؤمِن بالإنجيل، ويهب حياتَه للمسيح، ومِن هذه الفوائد غفران الذنوب، والاستقامَة الكاملة مع الرب، ودخول الجَنَّة، والنجاة من النار، وأن يعيش حياةً جديدة يتخلَّى فيها عن العادات السيِّئة.
(التطهُّر مِن الخطيئة) في الإسلام يعتمد على أداءِ الشعائر؛ كإقامةِ الصلوات، وإطاعةِ ما جاء في القرآن، لكنَّه يعتمد في النصرانية على نموِّ المسيح في الإنسان حينما يقومُ بمشابهة المسيح خلالَ عمل الرُّوح القُدس.
الإسلام دين شهواني عائلي، لكن النصرانية دِين رُوحي يقوم على حبِّ الربِّ، والحب القائم على التضحية، وتعترِف النصرانية بالعائلة والحبِّ الرومانسي والحب الشهواني والصَّداقة.
يعتقد المسلمون في الغيْب (العالَم ما فوْق الطبيعي)، وفي وجود ملائكةٍ على يمينِ الإنسان ويَسارِه تسجِّل الحسنات والسيِّئات.
الشيطان في الإسلام قوَّة قائِمة على الكراهية، وهو أمرٌ مقدَّر مِن الله.
يعتقد النَّصارَى في الملائكة والشياطين حسبما جاءَ في الإنجيل، الشيطان عدوٌّ رئيس للربِّ، وهو شر تام، لكن قوَّته أقل من تلك القوَّة التي يملكها الربُّ، ويستطيع الإنسان أن يتغلَّبَ على الشرِّ عبرَ قوَّة الرب المعطاة إليه بواسطةِ الرُّوح القدس فقط.
في مقالة بعنوان "الإسلام منغمِس في الانتقام والثأر" يقول القِس "مايكل": "المسلمون والنصارى لا يَعْبدون نفسَ الرَّب، اليهودية، والنصرانية، والإسلام كلُّها ديانات توحيديَّة، كلهم يدافعون عن حقيقةِ الإله الواحِد، لكن السِّمة الوحيدة التي يشترك فيها "الله" و"يهوذا" هي أنَّ الله خالق الكل، ويختلف المسلمون والنصارى اختلافًا شديدًا حولَ الاعتقاد في المسيح.
يرَى المسلمون أنَّ النصارى كفارٌ؛ لأنهم يعتقدون أنَّ المسيح هو ابن الله، ويرون أنَّ النبيَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو النبي الحقيقي الوحيد، وفى مقابِل ذلك يرَى النصارى أنَّ المسيح هو إلهي ومخَلِّص لكلِّ الجِنس البشري، لكن محمَّدًا رجل متديِّن (ضال) أتَى مؤخَّرا - تنزَّه صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّا يقول).
استخدَم المسلمون والنَّصارى مناهجَ مختلفة لتقديمِ عقيدتهم: استند الإسلامُ - كما يشهد التاريخ - إلى القوَّة، والإخضاع، والإذلال، وقهْر كلِّ مَن يرفض دخولَ الإسلام، أمَّا النصرانية فقدِ اعتمدت على النقيض مِن ذلك على قاعِدة الاهتداء الشخصي، وتبْحَث عن تجديدِ القلْب الإنساني بالصُّورة التي تؤدِّي إلى طاعة الله.
الإسلام يبحث عنِ الانتشار في العالَم، وهو نظام دِيني وسياسي في آنٍ واحد منغمِس في الانتقام والثأر.
يقول القس: "يجب ألاَّ ينخدعَ الناس في القوْل بأنَّ الإسلام هو دِينُ السلام، فنحْن نحذِّر، إنَّ الإسلام عملةٌ ذات وجهين: دِين في وجه، ونِظام سياسي في الوجهِ الآخَر، وجهان لا ينفصلان، أمَّا النصرانية فهي دِين منغمِس في التجديد الرُّوحي القائِم على علاقة شخصيَّة مع الرب عبرَ المسيح - عليه السلام".
وفى مقالة أخرى للقس "مايكل" بعنوان "النصرانية هي العدوُّ رقم1 للمتشدِّدين الإسلاميِّين" يقول "مايكل": "يرَى المتشدِّدون الإسلاميُّون أنَّ النصرانيَّةَ هي عبارة عن قِيَم وممارسات للكفَّار، وأنَّها الأيديولوجية الأشَد والأكثر فاعلية مِن الأيديولوجيات الأُخرى كالإلْحاد والشيوعيَّة في مواجهةِ الإسلام، وأنَّهم إذا نجحوا في إخْضاعِ هذا الخَصْم الفاعِل، فسيسهل عليهم اصطيادُ الخصوم الآخَرين.
إنَّ الإسلاميِّين ينظرون إلى الشعوبِ النصرانية على أنَّها أهدافٌ سهلة وسلبية، تعيش في الديموقراطياتِ الغربية تحتَ ظِلِّ الحرية ووَفْقَ مبدأ "عش ودَعِ الآخرين يعيشون"، خاصَّة وأنَّ النصارى في هذه البلادِ ليستْ لديهم المقاييس التي تُمكِّنهم من مواجهةِ أنشطة الإسلاميِّين.
يَعتبر الإسلاميُّون أنَّ الغرب النصراني، وخاصَّة الولايات المتحدة، مسؤولٌ عنِ الكثير مِن العِلل التي يعيشها المسلمون في الشَّرْق الأوسط، فهذا الغرْب مسؤول عن تأسيسِ دولة إسرائيل، وهو الذي يُقيم قواعدَ عسكريَّة في أراضيه، وهو الذي يَسْعَى بشدَّة إلى تبني الشعوب الإسلاميَّة للثقافة الغربيَّة بكلِّ أشكالها المعارِضة للإسلام".
لَم ينسَ القس "مايكل" أن يتعرَّضَ للجهاد الإسلامي، وهو الذي يُطلِق عليه "الحَرْب المقَدَّسة"؛ يقول القس: "إنَّ الجهاد المستمرَّ هو أحد أرْكان العقيدة الإسلاميَّة، يهدف الجهادُ إلى تحويلِ غير المسلمين إلى الإسلامِ، وبسْط سيادته، إنَّ هذا الهدفَ هو هدفُ كلِّ المسلمين الحقيقيِّين، بما فيهم القادَة المعتدلون، وهم جميعًا يجعلون هذا الهدفَ هو أساسَ تعاملهم مع الغرْب".
ويؤكِّد "مايكل" على أنَّ النِّفط هو أشدُّ العناصر أهميَّةً في هذه الحرْب المقدَّسة ضدَّ الغرب، وأنَّ المسلمين يستخدمون ثرواتِهم النفطية كأسلحة في هذه الحرْب.
ثانيًا: تأثير أموال النفط العربي على النصارى:
شغَل الفائض مِن أموال النِّفْط العربي اهتمامَ القس "مايكل"، بدأ تحليلَه بترديدِ ما تتناوله صُحُف الإثارة الغربيَّة مِن إنْفاق ما يُسمِّيهم ببارونات النفط العرَب ملايين الدولارات في يومٍ واحد في سبل تشينهم، وتُسيء إلى سمعتِهم في أعْيُن الغرْب.
ويُمكن إيجاز تصوراته في مسألةِ استثمار الأموال العربيَّة في دُول الغرْب على النحو التالي:
1- أنَّ أموالَ النفط العربي تُستثمر عادةً في الشركات الكبرى، وفى الحُكومة ذاتها.
2- أنَّ هناك شركاتٍ محددةً تستأثر بأموال النفط العربي، ويتمُّ هذا الاستثمار بطريقة لا تجعَل الحكومة الأمريكيَّة قادرةً على التحقُّق مِن مصدر هذه الأموال أو الرِّقابة عليها.
3- أنَّ المسلمين كانوا يُقرِضون ملايين الدولارات للشركات الأمريكيَّة الكبرى، مثل: لوكهيد، وشرَكات AT&T- IBM-Chemical and Kinbery Clark أمَّا الآن فإنَّ معظمَ استثمارات الأوبك تتركَّز في صورة سَندات على الخِزانة الأمريكيَّة.
4- أنَّ هذا الاستثمارَ للأموال العربية يشكِّل تهديدًا على سُوق النِّفْط والمال في اقتصاد الولايات المتحدة والدُّول الغربية، خاصَّة إذا ما قرَّر العَرَب سحْبَ أموالهم فجأةً مِن المؤسَّسات المالية الأمريكيَّة.
5- يقول القس: "إنَّ المسلمين يحرِصون على قاعدة: أنَّ دِينهم لا يسمح بأن يكون للكافرين على المؤمنين سبيل، وهى قاعدة عميقة الجُذور في الثقافة الإسلاميَّة، فما الذي يُمكن أن يحدث إذا كانتِ الرقابة العُليا في هذه الشركات في أيدي المسلمين؟!
وما الذي يحدُث إذا قرَّرت الإدارةُ العليا في هذه الشركات استبدال موظَّفيها الأمريكيِّين بآخرِينَ مُسلمين، ومِن ثَمَّ تكون المحاسبة بيْن المسلمين بعضهم البعض؟ ألاَ يمكن أن يُصِرَّ المسلمون على اشتراط اعتناقِ الإسلام لمَن يريد أن يحصُل على عقود في الشَّرْق الأوسط؟ إنَّ العرَب لا يَفْصِلون بيْن الدِّين ومشروعات الأعمال، ولا تعترف منظمة الأوبك بهذا الفَصْل".
6- الحل الوحيد للقضايا الاقتصاديَّة والسياسيَّة في البلاد في نظَر "القس" هو ما يُسمِّيه بـ"اليقظة الرُّوحية لأمَّتنا".
ثالثًا: سُبل مواجهة انتشار الإسلام في الغرْب:
يقول القس "مايكل": إنَّ انتشارَ الإسلام مؤثِّر ومهدِّد في نفس الوقت، لقد نجحَتْ جهود المبشِّرين المسلمين الممولين جيدًا في هذا الانتشار إلى درجةٍ جعلتْهم يتوقَّعون أنَّ الإسلام سيسود أوربا خلالَ العقود القليلة القادِمة، كما أنَّهم يتوقَّعون علاوةً على ذلك أنَّ الإسلام سيكون أكبرَ دِيانات العالَم في هذه الفترة أيضًا.
إنَّ نفوذ الإسلام قد أصبح ظاهرًا اليوم في الولايات المتحدة، وبرَزَ ذلك في تأسيسِ العديد من المساجِدِ بها بما فيها هذا المسجِد المبني على هيئة قُبَّة الصخرة في أحدِ ضواحي "فوتكس" بولاية أريزونا".
حدَّد القس "مايكل" سُبلَ مُواجَهة انتشار الإسلام في الآتي:
1- فَهْم حقيقة التهديد الإسلامي:
يقول "مايكل": "على الغربيِّين أن يفهموا طبيعةَ وأهدافَ الأصوليِّين الإسلاميِّين الحديثة، والتهديدات التي يَفْرضونها على نمط حياتنا، إنَّه من السذاجة والجهل أن ينظرَ الغربيُّون على أنَّ هذا مجرَّدُ إنذار بالخَطَر، إنَّ الشيءَ الأساس الذي يجب علينا أن نفعَلَه هو أن نُصبِح على عِلم بهذا الخطَر، على كلِّ مَن يشعر بخطورةِ الأمْر مِن النصارى أن يعملَ على رفْع درجة التحذير بهذا الخطَر، على حُكومتنا وإعلامنا وكنائسِنا أن تكونَ يقظةً لهذا الخطَر، إنَّ على الأفراد والجماعات أن يتحمَّلُوا مسؤوليةَ إعلام الشعْب بهذه الحقيقة".
2- التقليل من اعتماد الولايات المتحدة على النِّفط:
يقول القس "مايكل": "إنَّ على الولايات المتحدة أن تَكُفَّ عن اعتمادِها على نفط الأوبك، إنَّ الولايات المتحدة هي أكبرُ مستورد للنِّفْط في العالَم، لكن علينا أن نعلمَ أنَّ الاتحاد السوفييتي كان أكبرَ منتج للنفط في العالَم، وهو مكتفٍ ذاتيًّا على الدوام.
يعتقد البعضُ أنَّه لا يجب على الولايات المتحدة ألاَّ تَسْعَى وراءَ الاستقلال النفطي، بسببِ ارتفاع تكلفة ذلك، واحتمال حدوث انهيار اجتماعي في حالةِ التقليل مِنَ استهلاك الطاقة، إنَّ هؤلاء الذين يؤيِّدون وجهةَ النظر هذه، يَرَوْن أنَّ بيد الولايات المتحدة أوراقًا كثيرة بإمكانها مواجهة سَعْي العرَب نحوَ تحقيق السيادة النفطية، على أساس أنَّها الأكثر فاعليةً في إنتاج القَمْح والحاسِبات، وهي بذلك تتمتَّع بقوَّة مفاوضة كُبرى مع منظَّمة الأوبك، هذه النظْرَة اختزالية للغاية، إنَّها تتصوَّر عالَمًا يُقاس فيه كلُّ شيء بالدولار، والحسابات الرياضيَّة.
وتَعكِس هذه النظْرة سذاجةَ الغرْب، وسوءَ فهْمه لسلطان وفاعلية الدِّين، إنَّ الشعوب الإسلامية تؤمِن إيمانًا قويًّا بأنَّ المسلِم إذا مات وهو يحارِب الكفَّار فمصيرُه هو الجنة الدائمِة، الواقِع هو أنَّ الولايات المتحدة لا تتحرَّك بسرعة نحوَ الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
إنَّ أصحابَ القرار يضعون مصلحتَهم الخاصَّةَ فوق مصلحة البلاد؛ ولهذا يبنون سيادتَهم على المدَى القصير، إنَّهم يعتقدون أنَّ الجذور المشترَكة بيْن اليهودية والنصرانية والإسلام، قدْ تجعل شعوبَهم يعيشون في انسجامٍ مع بعضِهم، لكنَّهم يَنسَوْن أنَّ فِكرة تقسيم المسلمين للعالَم إلى دار إسلام ودار حرْب لا يُمكن أن يُحقِّق انسجامًا بيْن المسلمين وأعدائهم".
3- ضبْط وإحكام قوانين الاستثمار الأجنبي:
يقول القس "مايكل": "يجب على الولاياتِ المتحدة أنْ تضبطَ وتُحكِم ضبطَها على قوانين الاستثمار الأجنبي؛ ذلك لأنَّه بإمكان المستثمرين العرَب تدمير الاقتصاد الأمريكي بتسييل موجوداتِهم بتحويلها إلى نقْد، أو تحويلها إلى خارجِ الولايات المتحدة.
إنَّ قطاعاتٍ كبيرةً من الاقتصاد الأمريكي يمكن أن ينالَها الأذَى إذا نجَح هذا التلاعُب المالي الدِّرامي من قِبَل المستثمرين العرَب؛ ولهذا فإنَّ على الولايات المتحدة أن تحمِي اقتصادَها، وتضع القوانين اللازمة التي تَحُول دون حدوثِ كارِثة مِنَ هذا النوْع.
إنَّ الإسلام عنصرٌ مُهِمٌّ في مشروعات الأعمال، ولهذا فإنَّ الأمر جِدّ خطير، علينا أن نكون حُكماءَ في استخدام مصادرِنا، فمِن المعلوم أنَّ انتشارَ الإسلام كما كان بطريقِ الجِهاد في مصر وسوريا وإيران وشمال إفريقيا، انتشَر أيضًا في بلدان أخرى مِن العالَم عن طريق التجارة والصِّلات الاجتماعيَّة".
4- الضغط مِن أجل تطبيق حقوق الإنسان كاملة، وخاصة في بلاد المسلمين:
يقول القس "مايكل": "على الحكومةِ الأمريكيَّة أن تحثَّ كل بلاد العالَم على تطبيق حقوقِ الإنسان كاملة، إنَّ الحكومة السعودية لا تسمح لمواطِنٍ غيرِ مسلِم بالتجنُّس بجنسيتها، كما لا تسمح لليهودِ والنصارى من معتنقي الديانات الأُخرى ببناء معابدِهم على أراضيها، فإذا كان الغرْب النصراني قد أعْلَن نفسه مدافعًا وحاميًا للمُضطَهدين، فعليه أن يستخدمَ نفوذه لمساعدة أصحابِ هذه الديانات والأقليات بما فيهم إسرائيلُ في الحصول على حقوقهم".
5- منع إقرار القوانين المعادية للديموقراطية في الولايات المتحدة:
يقول القس "مايكل": "إذا كان الغَرْب يسمح بالحريَّاتِ الدِّينيَّة لكلِّ مَن يقيم على أراضيه مِنَ المسلمين وغيرهم، فعليه ألاَّ يسمح بأن يكون للشريعةِ الإسلامية المعارِضة للديموقراطية مكانٌ في قوانينها، هذه القوانين التي تقوم أساسًا على القِيَم اليهودية - النصرانيَّة؛ لأنَّ ذلك مِن شأنه أن يُقوِّض مبدأَ الحرية مِن أساسه".
6- الممارسة الفعلية للحياة النصرانية:
يقول القس "مايكل": "إنَّ على النصارى أنْ يَعتبروا تحدِّي الإسلام لهم كتحدٍّ دِيني خاص، ولهذا على النصارَى أن يُمارسوا فعليًّا ما يُوعَظون به مِن تعاليم المسيح، لقدْ بنَى الغربُ نفسَه على الأخلاقيات اليهودية - النصرانية؛ ولهذا يجب على شُعوبِه أفرادًا وجماعاتٍ أن يَعيشوا كنصارى، صحيح أنَّ علينا كنَصارى أن نحبَّ أعداءَنا، وهؤلاء الذين يَكْرَهوننا، لكن هذا لا يَعني أن نتعاملَ بضعْف وسلبية، فإنَّ الثبات والرَّحْمة لا يتعارضان.
يجب أن نستخدمَ سُلطتَنا، ولكن دون تعجرُف، لقدْ درَج المسلمون على رفْضِ طريقتنا في الحياة، ونحن مُلامون في ذلك، فطالَمَا أنَّنا لا نُظهِر من حياتنا إلاَّ الجوانب الضحْلة والسطحية، فسوف تستمرُّ نظرة المسلمين إليْنا على هذا النحو.
إنَّ المسلمين ينظرون إلى ما نَعيشه لا إلى ما نقوله، إنَّ أفعالنا لا تجعلهم يُقبِلون على دِيننا، إذا أردنا أن نَكسبَ المسلمين إلى صفِّ المسيح، فيجب أن نُظهِر لهم القوَّةَ الأخلاقيَّة الفِعلية لإرْثنا النصراني الغربي، يجب أن نُقدِّم لهم أمثلةً حيَّة لتديننا ورعايتنا".
7- تطوير سياسة متماسِكة ذات أهْداف واضِحة:
يجب على الولايات المتحدة أن تَكونَ مستقيمةً وأمينة حينما تُعارض، بمعنى أنَّ علينا أن نبني سياستَنا على أساسٍ ثابِتٍ مِنَ العدل بأكثرَ ممَّا نبنيها على مصالحِنا الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، إنَّنا إذا لم نتصرفْ على هذا الأساس فسيظلُّ ينظُر المسلمون إلى الغرْب على أنَّه عالم مادي بَحْت".
هذه هي خُلاصة الأفكار التي يتبنَّاها القس "مايكل يوسف"، ومقترحاته لمواجهةِ انتشار الإسلام، والقس "مايكل" مصنَّف على أنه بروتستانتي المذْهَب، (وهو مذهب إصلاحي يجعل ما يُسمَّى بالكتاب المقدَّس المصدرَ الوحيد للنصرانية، ويرَى أنَّه من حقِّ النصراني أن يقرأَ هذا الكتاب ويفسِّره، ويرَى أصحاب هذا المذهب أيضًا أنه ليس لكنائسِ البروتستانت رِئاسة عامَّة، فلكلِّ كنيسة رياستُها، وأنه ليس للكَنيسة حقُّ غفران السيِّئات، وأنه لا علاقةَ للعَشاء الرباني بجِسم المسيح ودمِه، وليس هو إلا للذِّكرَى، ولا يعترف البروتستانت كذلك بضرورةِ الرَّهْبَنة، كما يُبيحون الزواج لرِجال الدِّين، كما أنهم لا يُقرُّون اتخاذَ الصور والتماثيل في الكنائس والسُّجود لها على اعتبارِ أنَّ هذه السلوكيات أقرَبُ للوثنية، ومع ذلك فإنَّ البروتستانت لم يَتطرَّقوا لأهمِّ الموضوعات التي تتطلَّب الإصلاحَ مثل: التثليث، وصلْب المسيح للتكفير عن خطيئة الشَّرِّ، ولم يتطرَّقوا إلى ماهية الكتاب المقدَّس، ومَن هم مؤلِّفوه، وما الصِّلة بيْن الأناجيل ومؤلِّفيها، وأين إنجيل عيسى، ومدى سُلطة المجامِع في اتخاذ قرارات تتعلَّق بالدِّين، ويرفض النصارَى الكاثوليك هذه الإصلاحات، ويرَى الدكتور "الخوري جرجس فرح" في شرْحه لرِسالة بولس إلى أهْل رومية: أنَّ "لوثر"من أصحاب البِدع والأضاليل، وأنَّه هو وأمثاله زاغُوا عن طريقِ الإيمان"؛ شلبي (260 - 262).
أما أهم ملاحظاتنا على تصورات وأفكار القس "مايكل" فهي على النحو التالي:
أولاً: لا نعتقد أنَّ القس "مايكل" قد اطَّلع على ترجمةِ القرآن الصادِرة في عام 1836 م التي قام بها بعضٌ من علماء النصارَى الذين درَسوا بعضَ العلوم الإسلامية، وكانتْ هذه الترجمة مقبولةً عندَ النصارى، كُتبت في صدْر هذه الترجمة وصيةٌ جاء فيها: "لا يقَع الجبْرُ منكم على المسلمين، ولا تُعلِّموهم المسائلَ المخالِفة للعقل؛ لأنَّهم ليسوا حمقَى تغلب عليهم هذه المسائِل، لأنَّهم يعثرون كثيرًا مِن هذه المسائل، وكل كنيسة فيها هذه المسائِل لا تستطيع أن تجذبَهم إلى نفسِها"؛ الهندي (1/ 405 - 406).
وانطلاقًا من هذه الوصية نرَى أنه يصعُب ويندر أن تكسبَ الكنيسة إلى صفوفها مسلمًا واعيًا حقيقيًّا، ومِن ثمَّ فإن الذين تضمُّهم إلى صفوفها ما هُم إلاَّ الحمْقَى من المسلمين.
ثانيًا: يقول القس "مايكل": "لقد درَج المسلمون على رفْض طريقتنا في الحياة، ونحن مُلامون في ذلك، فطالما أنَّنا لا نُظهِر من حياتنا إلاَّ الجوانب الضحْلة والسطحية، فسوف تستمرُّ نظرة المسلمين إلينا على هذا النحو، إنَّ المسلمين ينظرون إلى ما نَعيشه لا إلى ما نقوله، إنَّ أفعالَنا لا تجعلهم يُقبِلون على دِيننا".
الواقع الذي يَعرِفه القس "مايكل" هو أنَّ المسلمين في صفِّ المسيح - عليه السلام - بالفِعْل، ولكنَّه المسيح الرَّسول، وليس المسيح ابن الله، أو ثالِث الثلاثة، أو الذي تجسَّد الله فيه، وذلك على عكْسِ اليهود الذين يُنكرون عيسى ابنَ مريم - عليهما السلام - ويُكذِّبونه، وليس عندَهم رجلٌ أشرُّ منه مِن ابتداء العالَم إلى زمان خروجِه، وهذا أمرٌ ينكره المسلمون أشدَّ الإنكار؛ الهندي (2/182).
ويرَى المسلمون أنَّ منكر نبيٍّ من الأنبياء الذين ثبتَتْ نبوتُهم في القرآن، وخاصَّة المسيح - عليه السلام - كإنكارِ نبوَّة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ويتساءل المسلمون: ما الفرق بيْن المسيح الذي يَعْتقده النصارى وبيْن مسيح اليهود؟ وكيف يُعلَم أنَّ الأول صادق، والثاني كاذِب، مع أنَّ كلاًّ منهما يدَّعي الحقيقة لنفسِه، وكل منهما له معجزاتٌ باهِرة؟ إذًا فلا بدَّ مِن علامة فارِقة بحيْث تكون حجَّةً على المخالِف؛ لهذا يَحمَدُ المسلمون الله - سبحانه وتعالى - الذي نجَّاهم من هذه المهالِكِ بواسطة نبيِّه محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى اعتقدوا أنَّ عيسى ابن مريم - عليهما السلام - نبيٌّ صادق، ومسيح موعود، بريء مِن دعوَى الألوهية وافتراء أهل التثليثِ عليه؛ الهندي (1/108).
ثالثًا: يقول القس "مايكل" بأنَّه إذا أراد النصارى كسبَ المسلمين إلى صفِّ المسيح، فيجب عليهم أن يُظهِروا القوَّة الأخلاقيَّة الفعلية لإرْثهم النصراني الغربي، وأن يُقدِّموا لهم أمثلة حية لتديُّنِ النصارى ورِعايتهم.
الواقِع أنَّ القس "مايكل" لا يعرِف أنَّ المفكرين المسلمين يرَوْن أولاً: "أنَّ الدعوةَ إلى العقيدة هي الأصلُ، وليس الدعوة إلى الأخلاق، إذا تعلَّق الأمر بإصلاحِ المجتمع وإعادة بنائِه؛ أي: إنَّ الأخلاقَ لا تحتلُّ المرتبةَ الأولى عند المفكِّرين الإسلاميِّين في إصلاحِ المجتمع، وتفسير ذلك هو أنَّ الأخلاق هي نِتاج لأوامِرِ الله، وهى تأتي مِنَ الدعوة إلى العقيدة، وإلى تطبيقِ الإسلام بصِفة عامَّة.
كما يرَوْن ثانيًا: أنَّ الدعوةَ إلى الأخلاق أصلاً تُعتبر قلبًا للمفاهيم الإسلاميَّة عن الحياة وإبْعاد الناس عن تفهُّمِ حقيقة المجتمَع ومقوماته، وتخديرًا لهم بالفضائل الفرديَّة ممَّا يؤدِّي إلى الغفلة عنِ الوسائل الحقيقيَّة لرقي الحياة، فالدعوةُ إلى الأخلاق تُوهِم أنَّ الدعوة الإسلاميَّة دعوةٌ أخلاقيَّة، وتطمس الصُّورة الفِكريَّة عنِ الإسلام، وتَحُول دون فهْم الناس له، وتصرِفهم عنِ الطريقة الوحيدة التي تؤدِّي إلى تطبيقه".
ومِصْداق ذلك ما قاله لي أحدُ اليهود الأمريكيِّين يومًا: "إذا كان الدِّين هو الأخلاق العالية، فأنا على درجةٍ قويَّة من الأخلاق، أنا لا أُخادِن النِّساء، ولا أزْني، ولا أسرِق، ولا أرتشي، ولكن لا أُؤمن بالله، ولستُ في حاجةٍ إليه"، وما كنت أعي أنَّ بيت شعر "أحمد شوقي" الشهير: "إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاَقُ مَا بَقِيَتْ..... يحتاج إلى مراجَعة، لولا هذه الكلمةُ لهذا اليهودي.
والذي أقصد أنَّ أقوله: إنَّه حتى لو كان النَّصارى على أفضلِ قلْبِ رجلٍ واحد أخلاقيًّا ما كان ذلك سببًا في اقتناع المسلمين بالنصرانيَّة، أو كان سببًا في أن يكونوا في صَفِّ المسيح بالصورة التي يؤمِن بها النصارى، فالعقيدةُ هي التي جعلتْهم في صفِّ المسيح، وليس أخلاق النصارى ورِعايتهم، وتديُّنهم.
رابعًا: يحثُّ "القِسُّ" النَّصارَى على أن يُظهروا القوَّةَ الأخلاقية الفِعلية لإرثِهم النصراني الغربي، وأن يُقدِّموا للمسلمين أمثلةً حيَّة لتديُّن النصارَى ورِعايتهم.
الواقِع هو أنَّ النصارى قد أظهروا فعلاً ما يعتقدون بأنَّه القوَّةُ الأخلاقية لإرْثهم النصراني الغربي، إنَّ التاريخَ قديمَه وحديثَه يشهد على فسادِ الكثير من الرُّهبان وفِسْقهم، فالتاريخ المعاصِر كشَف عن تستُّر البابا "بندكت" الذي يُكِنُّ عداءً ظاهرًا للإسلام على فضائحِ الرهبان واعتداءاتِهم الجِنسيَّة على الأطفال في الكنائس الغربية، أمَّا في التاريخ البعيد فيقول القدِّيس برنردوس: "نزَعوا مِنَ الكنيسة الزواج المكرَّم، والمضجع الذي هو بلا دَنَس فملؤوها بالزِّنا في المضاجِع مع الذكور، والأمَّهات، والأخوات، وبكلِّ أنواع الأدْناس"؛ الهندي (2/44).
وقال برنردوس أيضًا: "... ألاَ ترى أنَّ الأساقفة والشمامِسة من فِرْقة "كاتلك" لا يتزوَّجون، ويَدَّعون أنَّ هذا الأمر مِن العفاف، ويَفْعلون ما لا يفعله الفاسِق الغني مِن أهل الدنيا كأنَّ كنائسَهم بيوتُ الفاحشات الزانيات... وُجِد قساوسة قلائل غير معتادين على نجاسة متكاثرة مع النِّساء، وأنَّ أديرة الرُّهْبان متدنِّسة مثل البيوت المخصوصة للزِّنا"؛ تابع (2/ 345-346).
هذا هو حال القسس والرُّهْبان والشمامسة، أو ما يُسمَّون بـ(رجال الدين) النصارى.
أمَّا مجتمعات الغرْب النصراني فهي تغوصُ في مقدِّمات الزنا مِن تبرج، وعُري، وتهتُّك، واختلاط مثير، وكلمات، وإشارات، وحرَكات، وضحِكات فاجِرة، وإغراء، وتزيين، واستثارة، وإطلاق للغرائزِ بالكلمة، والصُّورة، والقِصَّة، والفيلم، وبسائرِ أدوات التوجيهِ والإعلام، وكلها مقدِّمات تُحيط بالفاحشةِ الكبيرة، وهي الزِّنا، فأين النموذج في أخلاقِ النَّصارى الذي يمكن أن يَقتدي به المسلمون؟! في الوقت الذي يَعلمون فيه أنَّ رسولهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أشدَّ حياءً من العذراء في خِدْرها، وهو الذي حذَّرَهم مِن فِتنة النِّساء، وأمرَهم بغضِّ البَصَر...إلخ.
خامسًا: أنَّه وإنْ كسبت النصرانية إلى صفِّها عددًا محدودًا من المسلمين تحتَ عوامل الأخلاق النصرانيَّة، أو الحاجة والعوز، أو الرِّعاية الطِّبِّية، فإنَّ كسبَ الإسلام النصارى إلى صفِّه أبرزُ وضوحًا وأكثرُ أعدادًا.
إن َّ الإحصائيَّاتِ الخاصَّة بأعدادِ مَن اعتنقوا الإسلام غيرُ دقيقة، لكنَّها تُشير على أيَّة حالٍ إلى الاتِّجاه العام لِمَن تحوَّلوا من النَّصرانيَّة إلى الإسلام، وتُقدِّر الإحصائيَّاتُ في ألمانيا أنَّ آلافًا مِن الألمان يدْخلون الإسلامَ في كلِّ عام، ويرَى "ميلينا هولمان" - الباحِث المساعِد في مرْكز الدِّراسات السياسية الأوربيَّة في برلين: أنَّ "أعداد معتنقي الإسلام الجُدُد تتراوح من 12.000 إلى 100.000 مِن إجمالي عددِ المسلمين الألْمان، الَّذين يتراوح عددُهم من 2.8 إلى 3.2 مليون، وهم يُشكِّلون بذلك أقلَّ مِن 4 % من إجمالي عددِ سكَّان ألمانيا.
عِشْرون ألفًا مِن الإسْبان اعْتنقوا الإسلام في عام 2006، أربعة عشر ألف بريطاني اعتنَقوا الإسلام في نفْس العام المذكور، يعتَنِق الإسلامَ ما بيْن عشْرين إلى خمسةٍ وعشْرين ألْف أمريكي في كلِّ عامٍ أيضًا، وهناك معلوماتٌ تُوضِّح ازدِيادَ أعداد مَن اعتنقوا الإسلام بعدَ أحداث الحادي عشر مِن سبتمبر، لكن ليْس هناك ما يُؤكِّد تدفُّق هذه الأعداد بعْدَ هذه الأحداث.
أما لماذا دخَلوا في الإسلام؟
فيقول "شافيت ووإيزنباخ": ليس ثَمَّة دليلٌ على أنَّ للعلمانيَّة والإلْحاد دورًا هامًّا في اعتِناق الإسلامِ، وإنَّما تَعلَّق الأمرُ بشُكوكهم حولَ النَّصرانيَّة، شعَر معتنقو الإسلام بعدَمِ عقلانيَّة النَّصرانية كدِين، كما أنَّها لم تستطعْ أن تَصِلَ بهم إلى مفهومٍ صريح متَّفق عليه عنِ الله، فهُم لَم يَستسيغوا عقْلاً الجمْع بيْن الأُلوهية والكينونة البشريَّة، ولم يَستسيغوا عقْلاً مفهومَ التَّثليث، ومفهوم القدِّيسين، ومفهوم الخطيئة الأولى، وكذلك لم يَستطيعوا فهْمَ أسباب التناقُضات بيْن العهدَين القديم والجديد.
سادسًا: أنَّ مقارَنة القس "مايكل" بيْن الإسلام والنصرانية أغفلتْ جانبًا هامًّا، قد يُشكِّل عاملاً قوياًّ في انتشار الإسلام، وهداية النصارى إليه، هذا الجانب هو أنَّ المسلمين يرَوْن أنه لا بدَّ لكي يكون الكتاب سماويًّا واجبَ التسليم أن يَثبُتَ أولاً بدليل تامٍّ أنَّ هذا الكتاب كُتِب بواسطة نبي، ووصَل إلينا بعدَ ذلك بالسَّنَد المتصل بلا تغيير ولا تبديل، ولا يكفي الاستنادُ إلى شخص ذي إلْهام بمجرَّدِ الظن والوهْم في إثبات أنَّه تصنيف ذلك الشخْص، كما أنَّ ادِّعاء فرْقة أو فِرَق لذلك لا يكفي أيضًا؛ الهندي (1 /61).
ويعتقد المسلمون كذلك أنَّ إساءةَ الأدب إلى كتاب مِن كُتب الله تعالى، أو إلى نبي مِن أنبيائه مِن أقبح المحظورات، لكنَّه طالما لم يَثْبُت كون الكتب المسلَّم بها عندَ اليهود والنصارى كُتبًا إلهاميَّة مِن الله تعالى، بل ثبَت عكسُ ذلك، وثبت أيضًا أنَّ بعض مضامين هذه الكُتب يجبُ على المسلمين أن يُنكروه أشدَّ الإنكار، وثبَت كذلك أنَّ الخطأ والاختلاف، والتناقُض، والتحريف واقعٌ فيها جزمًا، كان مِن المنطقي القولُ بأنَّ هذه الكتب ليستْ مِن عند الله تعالى، وأن يُنكِر المسلمون ما جاء فيها من القصص، فكيف يُمكن القولُ: إنَّ الله تعالى أنْزَل في كتبه أنَّ لوطًا - عليه السلام - شرب الخمر وزنَى بابنتيه، وأنَّهما حملتَا بالزِّنا منه؟! كما جاء في كتاب العهد القديم:
"وقالتِ البِكر للصغيرة: أبونا قد شاخ، وليس في الأرْض رجلٌ ليدخل علينا كعادةِ أهل الأرْض، هلمِّي نسقي أبانا خمرًا ونضطجع معه فنُحيي مِن أبينا نَسلاً، فسقتَا أباهما خمرًا في تلك الليلة، ودخلتِ البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلمْ باضطجاعها ولا بقِيامها، وحدَثَ في الغدِ أنَّ البكر قالت للصغيرة: إنِّي قد اضطجعتُ البارحة مع أبي، فاسقيه خمرًا الليلة أيضًا فادخلي اضطجعي معه، فنُحيي من أبينا نَسْلاً، فسقتَا أباهما خمرًا في تلك الليلة أيضًا، وقامتِ الصغيرة واضطجعتْ معه، ولم يعلمْ باضطجاعها ولا بقِيامها، فحبلت ابنتَا لوط مِن أبيهما فولدتِ البكر ابنًا...."؛ سفر التكوين، الإصحاح التاسع عشر، الآيات (31 - 37)، الكتاب المقدَّس دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.
وكيف يُمكِن القول بأنَّ داود - عليه السلام - زَنا بامرأةِ أوريا وحمَلتْ بالزنا منه، وأنَّه أشار إلى أمير العسكر بأن يُصدِر أمرًا بقتل أوريا؟! كما جاء في كتاب العهد القديم:
"وكان في وقتِ المساء أنَّ داود قام عن سَرْيره، وتمشَّى على سطْح بيت الملِك، فرَأى مِن على السطح امرأةً تستحمُّ، وكانت المرأة جميلةَ المنظر جدًّا، فأرسل داودُ وسأل عن المرأةِ، فقال واحد: أليستْ هذه بثشبع بنت إليعام، امرأة أوريا الحثى؟ فأرسل داود رُسلاً وأخذَها فدخلتْ عليه فاضطجع معها وهي مُطهَّرة من طمثِها، ثم رجعتْ إلى بيتها، وحبلتِ المرأة فأرسلتْ وأخبرت داود، وقالت: إني حُبْلَى..."؛ تابع سفر صمويل الثاني، الإصحاح الحادي عشر، الآيات (3 - 36).
وكيف يمكن القول: إنَّ هارون - عليه السلام - صنَع عِجلاً، وبنَى له مذبحًا يَعبُده، وأنَّه عبدَه مع بني إسرائيل، وأنَّهم سَجَدوا له، وذبَحوا الذبائح أمامَه؟! وكيف يُمكن القول: إنَّ سليمان - عليه السلام - ارتدَّ في آخِر العمر، وعبَد الأصنام وبنَى المعابد لها، ولم يثبُت في كُتبهم المقدَّسة أنَّه تاب، بل الظاهر أنه مات مشركًا مرتدًّا؟!
جميع هذه القصص يُنكرها المسلمون، ويرَوْن أنَّها غيرُ صحيحة جزمًا، ويعتقدون اعتقادًا يقينيًّا بأنَّ ساحة الأنبياء بريئةٌ مِن هذه الأمور القبيحة، وذلك على عكسِ القرآن، فلا يُوجَد في القرآن أنَّ نبيًّا زَنَى بابنته، أو بزَوْجة الغَيْر، أو قتَلَه بالحِيلة، أو عبَدَ العِجل، أو ارتدَّ في آخر عمره وعبَد الأصنام، وبنَى المعابد لها، أو أنَّ داود وسليمان وعيسى - عليهم السلام - كلهم مِن أولاد الزِّنا، وهو فارض بن يهودا، ولا يُوجَد في القرآن صُنْع الصور والتماثيل والسُّجود لها، أو أنَّه لا خلاصَ بدون الإيمان بالبابا، وإنْ كان غيرَ صالح، أو أنَّ بابا روما هو البابا دون غيرِه، وأنه رأسُ الكنيسة، وأنَّه معصومٌ من الخطأ، أو أنَّ له منصبَ تحليل الحرام، وتحريم الحلال.....إلخ؛ تابع (1/9)، (2/ 36 -40).
وإذا كان العلماء المسلمون مثل "القرطبي" قد قالوا: "إنَّ الكتاب الذي بيدِ النصارى ليس هو الإنجيلَ الذي أنزله الله، وأوردَ الدليل على أنَّ الحواريِّين ما كانوا أنبياءَ ولا معصومين"؛ تابع (1/ 202 - 239)، وإنْ كان قول "القرطبي" ليس حُجَّةً على النصارَى، فإنَّ علماء النصارى أنفسهم يُؤيِّدون ما قاله القرطبي.
يقول "أوكهارن" وهو واحدٌ من أبرز العلماء الألْمان المتأخِّرين، مؤكِّدًا على أربعةِ أمور في أنَّ الأناجيل الحالية ليستْ إلهامية صِرفة: "الأمر الأول: أنَّ الإنجيل الأصلي قد فُقِد، والثاني: أنَّه يوجد في الأناجيل الرِّواياتُ الصادِقة والكاذبة، والثالث: أنه وقَع فيها التحريفُ، وكان "سلسوس" مِن علماء الوثنيِّين يُصيح في القرن الثاني أنَّ المسيحيِّين بدَّلوا أناجيلَهم ثلاث أو أربع مرَّات، أو أزيد مِن هذا تبديلاً، كما أنَّ مضامينَها قد بُدِّلت أيضًا، والرابع: أنه لا تُوجد إشارة إلى هذه الأناجيل الأربعة قبلَ آخِر القرن الثاني، أو ابتداء القرن الثالث"؛ تابع (ج1/197).
يقول "زونكليس" وغيرُه مِن فرق البروتستانت: "إنَّ رسائل بولس ليس كلُّ ما هو مندرِج تحتَها مُقدَّسًا، وهو خطأٌ في أشياء عديدة"، ونَسَب "فولك"إلى بُطرس الحواري الخطأَ والجهل بالإنجيل"، وقال "جان كالوين": إنَّ بطرسًا زاد بِدعةً في الكنيسة وألْقى الحريَّة المسيحيَّة في الخوف، ورمَى التوفيق المسيحي بعيدًا"؛ تابع (191 - 192).
يقول "هيرالد": "إنَّ "استادلن" قد كتَب أنَّ كافة إنجيل يوحنا كان مِن تصنيف طالِب مِن طَلَبة مدرسة الإسكندرية، وقال المحقق الشَّهير "برت شنايدر": إنَّ هذا الإنجيل كلَّه، وكذا رسائل يوحنَّا ليستْ مِن تصنيفه، بل صنَّفها غيرُه في ابتداء القرن السادس".
يقول "فاستس" مِن علماء فِرْقة "ماني كير": "إنَّ الأمر المحقَّق هو أنَّ هذا العهد الجديد ما صنَعه المسيح ولا الحواريُّون، بل رجلٌ مجهول الاسم ونَسَبه إلى الحواريِّين ورفقائهم؛ خوفًا مِن ألاَّ يعترفَ الناس بتحريره، ظانِّين أنه غيرُ واقف على الحالاتِ التي كتَبَها، وأنَّه آذَى المريدين بعيسى إيذاءً بليغًا بأنْ ألَّف الكتب التي توجَد فيها هذه الأخطاءُ والتناقضات"؛ تابع (1/35 - 36).
سابعًا: القوْل بألوهية المسيح غيرُ مقبول عقلاً:
أولاً: لأنَّ الإلهَ عبارة عن موجود واجِب الوجود لذاته، يجب ألاَّ يكون جسمًا، ولا متحيِّزًا، ولا عرَضًا، وعيسى عبارةٌ عن ذلك الشخص البشري الجُسماني الذي وُجِد بعد أنْ كان معدومًا، وقُتِل بعد أن كان حيًّا - على قول النصارى - وكان طفلاً ثم تَرَعْرَع وصار شابًّا، وكان يأكُل، ويشرب، ويُحدِث، وينام، ويستيقظ، ومِن المقرَّر أن المُحْدَث لا يكون قديمًا، والمحتاج لا يكون غنيًّا، والممكن لا يكون واجبًا، والمتغيِّر لا يكون دائمًا.
ثانيًا: يَعترِف النصارى بأنَّ اليهود أخذوا المسيح، وصلَبوه، وتركوه على الخَشَبة، وقد مزَّقوا ضلعَه، وأنَّه كان يحتال في الهَرَب منهم، وفى الاختفاء عنهم، وحينما عاملوه بشدَّة أظْهَر الجزع الشديد، فإنْ كان المسيح إلهًا أو كان الإلهُ يحلُّ فيه أو كان جزءًا مِنَ الإله فلِمَ لم يدفعْهم عن نفسه؟! ولِمَ لَمْ يُهلِكْهم بالكلية؟! ولِمَ يظهر الجزعَ ويُحاول الفرارَ منهم وهو إله؟!
وثالثًا: لقدْ كان المسيح عظيمَ الرَّغْبة في العِبادة والطاعة لله تعالى، ولو كان المسيحُ إلهًا لاستحال ذلك؛ لأنَّ الإله لا يَعْبُد نفسَه؛ تابع (1/431 - 433).
ثامنًا: في رَكاكةِ وفسادِ عقيدة التثليث، يقول الفخْرُ الرَّازي: "اعلم أنَّ مذهب النصارى مجهولٌ جدًّا... ولا نرَى مذهبًا في الدنيا أشدَّ ركاكة، وبُعدًا عن العقل مِن مذهب النصارى،... ولا نرَى في الدنيا مقالةً أشدَّ فسادًا، وأظهر بُطلانًا مِن مقالة النصارى"؛ تابع (1/404).
التوحيد والتثليث أمرانِ حقيقيَّان عندَ النصارى، لكن ذلك مُحال، فقائلُ التثليث لا يُمكِن أن يكون موحِّدًا بالله تعالى بالتوحيد الحقيقي في نفْس الوقت.
والقول بأنَّ التثليث الحقيقي والتوحيد الحقيقي، وإنْ كانَا ضِدَّين حقيقييْن في غير الواجب، لكنَّهما ليسَا كذلك، فيه سَفْسَطةٌ محْضة؛ لأنَّه ثبَت أن الشيئَيْن بالنظر إلى ذاتِهما ضدَّان حقيقيَّان، أو نقيضان في نفْس الأمر، فلا يُمكن اجتماعُهما في أمرٍ واحد شخصي في زمان واحد، مِن جِهة واحدة؛ تابع (1/399).
يقول علماءُ المسلمين: "لو كان التثليثُ حقًّا لكان الواجبُ على موسى - عليه السلام - وأنبياءِ بني إسرائيل أن يُبيِّنوه حقَّ التبيين، والشريعة المُوسويَّة التي كانتْ واجبةَ الإطاعة لجميع الأنبياء إلى عهْد عيسى - عليه السلام - خاليةٌ عن بيانِ هذه العقيدة التي هي مدارُ النَّجاة عندَ أهل التثليث كما يزْعُمون، هذه واحدة، أمَّا الثانية، فعيسى - عليه السلام - ما بيَّن هذه العقيدةَ بيانًا واضحًا إلى عُروجِه ببيانٍ واضح بأنْ يقول: إنَّ الله ثلاثة أقانيم: الآب والابن والرُّوح القدس، فكيف يُظَنُّ بالمسيح - عليه السلام - أنه ترَك بيانَ هذه العقيدة التي هي مدارُ النجاة عندَ النصارى؛ خوفًا من اليهود - كما يزعمون؟!
أمَّا الثالثة: فإنَّ العديد مِن آيات الإنجيل تُؤكِّد أنَّ الله واحدٌ لا ثلاثة، منها ما جاء في الآية الثالِثة من الإصحاح السابع عشر مِن إنجيل يوحنَّا، قول عيسى - عليه السلام -: "وهذه هي الحياةُ الأبدية أن يعرفوك أنَّك أنت الإلهُ الحقيقي وحْدَك، ويسوع المسيح الذي أرسلته".
إنَّ كون المسيح رسولاً ضدٌّ لكونه إلهًا؛ لأنَّ التغاير بيْن المُرسِل والمُرسَل إليه ضروري، كما جاء في الإصحاح الرابِع مِن سفر التثنية في الآية الخامِسة والثلاثين: "إنَّك قد أريتَ لتعلم أنَّ الربَّ هو الإلَه، ليس آخَر سواه".
وجاء في الآية التاسعة مِن الإصحاح السادس والأربعين مِن كتاب أشعيا: "إني أنا الله، وليس غيري إلهًا، وليس لي شَبَه".
وجاء في الآية السابعةَ عشرةَ مِن الرِّسالة الأُولى إلى تيموثاوس: "ومَلِك الدهور الذي لا يَفْنَى لا يرَى الإلهَ الحكيم وحْدَه"، فكيف يعجز ويموت الذي هو إلهٌ سرمديٌّ بريء مِنَ الضعف والتَّعَب، حي قدُّوس لا يموت، ولا إلهَ غيره، أيكون الفاني العاجز إلهًا؟! تابع (1/396 -411).
ومنذ خمسٍ وعشرين سَنَة سألتُ مستشارًا ألمانيًّا يحمل الدكتوراه في الهندسة البحريَّة، وكان يعمل في السودان، وأشْهَر إسلامَه هناك: ما الذي جعَلَك تَعتَنِق الإسلام؟ قال - ببساطة شديدة -: "عدم اقتناعِي بعقيدةِ التثليث".
تاسعًا: أينَ العدلُ في تحمُّلِ المسيح ذنوب البشَر بدلاً منهم؟!
يُؤمِن المسلمون في تصوُّرٍ واضح لا تَعقيد ولا غموضَ فيه بأنَّ الخطيئة فرديَّة، والتوبة فردية، وأنَّه ليستْ هناك خطيئة مفروضة على الإنسان قَبلَ مولده - كما تقول نظرية الكَنيسة - وليس هناك تكفيرٌ لاهوتي كالذي تقول به الكَنيسة مِن أنَّ عيسى - عليه السلام - صُلِب تخليصًا لبني آدَم مِن خطيئة آدَم، خطيئة آدَم كانتْ خطيئته الشخصيَّة والخَلاص منها كان بالتوبةِ المباشِرة في يُسْر وبساطة، تَصوُّرٌ مُريح وصَريح، وخطيئة كلِّ ولد مِن أولاده خطيئةٌ شخصيَّة كذلك، والطريق مفتوحٌ للتوبة في يُسْر وبساطة، تصور مريح، يحمل كل إنسانٍ وِزْرَه، ويُوحي إلى كلِّ إنسان بالجهد والمحاولة، وعدمِ اليأس والقُنوط".
إنَّ الذي تقول به الكَنيسة أمرٌ غير معقولٍ؛ لأنَّ المراد بالذنب على زعمِ النصارى هو الذنب الأصلي الذي صدَر عن آدم - عليه السلام - لا الذنب الذي يَصدُر مِن أولاده، ولا يجوز أن يعاقب أولاده على هذا الذَّنْب الأصلي؛ لأنَّ الأبناء لا يُؤاخَذون بذُنوب الآباء ولا بالعَكْس، إنَّ هذا مخالفٌ للعدل.
ويؤكِّد ذلك ما جاء في الآية العشرين مِن الإصحاح الثامِن عشر من كتاب حزقيال: "النفْس التي تُخطئ هي تموت، الابن لا يَحمِل مِن إثمِ الأب، والأبُ لا يحمل من إثمِ الابن، وعدْل العادل يكون عليه، ونِفاق المنافِق يكون عليه"، وفى ترجمةٍ أخرى: "بِرُّ البار عليه يكون، وشرُّ الشرير يكون عليه"؛ تابع (1/ 414).
عاشرًا: طعَن القس "مايكل" في النبيِّ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورأَى أنَّه رجل متديِّن (ضال)، تنزَّه الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّا يقول.
لا يَعْلَم القسُّ أنَّ طعْنَه في نبيِّنا - عليه الصلاة والسلام - هو طعنٌ في الربِّ - عزَّ وجلَّ؛ يقول العلامة ابن القيِّم:
"إنَّ إنكارَ النصارى لنبوَّة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيه مسبَّةٌ للربِّ تعالى أعظم مسبَّة، فهم يَزْعُمون أنَّ محمَّدًا ليس برسول صادِق، وأنه خرَج يستعرِض الناسَ بسَيْفه، فيستبيح أموالَهم، ونساءَهم، وذَرارِيَهم، وأنَّه كذَبَ على الله بقوله: إنَّ الله أمرَني بهذا، وأباحه لي، ولم يأمرْه الله ولا أباحَ له ذلك، ويقول: أوْحَى إلي، ولم يُوحَ إليه شيءٌ، ويَنسخ شرائعَ الأنبياء من عنده، ويُبطِل منها ما شاءَ، ويُبقي منها ما شاء، وينسب ذلك كلَّه إلى الله، ويقتُل أولياءَه، وأتباع رُسله، ويسترقُّ نساءَهم وذريتَهم.
الردُّ على ذلك هو: إمَّا أن يكونَ الله رائيًا لذلك كلِّه، عالمًا به، أو لا؟ فإنْ قالوا: إنَّ ذاك بغيْر عِلْمه واطِّلاعه، يكونوا قد نَسَبوا إلى الله الجهلَ والغباوة، وذلك مِن أعظم السبِّ، وإنْ كان عالمًا به، فإمَّا أن يكون قادرًا على منعِه مِن ذلك أو غيرَ قادر، فإنْ قالوا: إنَّه غيرُ قادر على منْعِه نَسَبوا إلى الله العَجْز، وإنْ قالوا: إنَّه قادرٌ على منْعِه ولم يفعل، نسَبوا إليه السَّفَهَ والظُّلم.
والحقيقة هو أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان ربُّه إلى أن توفَّاه الله يُجيبُ دعاءَه، ويَقضي حوائجَه، ويَزيده ظهورًا وعلوًّا ورِفعة، وكان أمرُ مخالفيه في اضمحلالٍ وهبوط، وكانتْ محبَّتُه في قلوب الخلْق تزداد، وأيَّده الله بأنواعِ التأييد".
والذي لا شكَّ فيه هو أنَّ النصارى نَسَبوا إلى الله تعالى العديدَ مِن النقائصِ منها: الحَمَاقَة أو الجَهَالة والضَّعْف - تعالى الله عمَّا يقولون.
والدليل على ذلِك ما جاء في طبْعة الكتاب المقدَّس لدارِ الكِتاب المقدَّس في الشَّرْق الأوسط، وما جاءَ في ما يُسمَّى "كتاب العهْد الجديد لربِّنا ومخلِّصنا يسوع المسيح" ما نصُّه: "لأنَّ جَهَالة الله أحْكمُ مِن الناس، وضعْف الله أقوى مِنَ الناس"؛ رِسالة بولس الأُولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح الأوَّل الآية (25).
وأكَّدَ ذلك ما جاء في الترْجمة التفسيرية لكتاب الحياة في (ص: 423) ما نصُّه: "ذلك لأنَّ "جهالة الله أحْكمُ مِن البشر، وضعف" الله أقوى مِنَ البشر"، ونص هذه الآية باللُّغة الإنجليزية في نفس هذه الترجمة:
For the foolishness of God is wiser than the man's wisdom، and the weakness of God is h2er than man's strength.
أمَّا في نسخة الملك جيمس، فقدْ كان النص بالإنجليزية:
Because the foolishness of God is wiser than men، and the weakness of God is h2er than man..
أما في الترجمات القديمة للإنجيل فقدْ أوْرَد الشيخ "الهندي" نصَّها على النحو التالي: "إنَّ حماقةَ الله أعْقلُ مِن الناس، وضعْف الله أشدُّ قوةً من الناس"؛ الهندي (1/31).
لم يَكتفِ النَّصارى بوصْف الله تعالى بالحماقةِ أو الجهالةِ أو الضَّعْف، بل وصَفُوه أيضًا بالعَجْز وعدمِ القُدرة، وأنَّه يحتاج إلى معونةِ البشر مِن خلْقه - تعالى الله عمَّا يقولون - جاء في الآية التاسعة عشرة من الإصحاح الأوَّل مِن كتاب القُضاة: "وكان الرَّبُّ مع يهوذا ووَرِث و(ملك) الجبَل، ولم يستطعْ أن يستأصِلَ أهلَ الوادي؛ لكونِهم ذوي مراكبَ كثيرةٍ مِن حديد"، وجاء في ترجمةٍ أخرى: "ولكن لم يَطْرُدْ سُكَّان الوادي؛ لأنَّ لهم مركبات حديد"، ونصُّها بالإنجليزية في نُسخة الملك جيمس:
(Could not drive out the inhabitants of the valley because they had chariots of iron).
وذلك على عكسِ ما جاءَ في الآية الأولى مِنَ الإصحاح السابع عشر مِن سفر التكوين: "أَنَا اللَّهُ القادِر"، وفي ترجمة أخرى: "أنا اللهُ القدير"، وجاء في الآية الثالثة والعشرين مِن الإصحاح الخامس في كتاب القضاة: "الْعَنوا أرْضَ ماروض، قال ملاك الربّ: الْعَنوا سُكَّانَها؛ لأنَّهم لم يأتوا إلى معونةِ الربِّ في مقابلةِ الأقوياء"، وفي ترجمة أخرى: "الْعَنوا ميروز، قال ملاك الربّ: العنوا ساكنيها لعنًا؛ لأنَّهم لم يأتوا لمعونةِ الربِّ؛ معونة الربِّ بيْن الجبابرة"، وذلك على عكسِ ما جاء في الآية الثامِنة والعشرين من البابِ الأَرْبعين من كتاب أشعيا: "الرَّبُّ الذي خَلَق أطرافَ الأرْض لا يَنْضَب ولا يتعَب".
وإذا كان القسُّ "مايكل" قد وصَف النبيَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنَّه (ضال)، فإنَّ النَّصارَى قد وصَفوا الله تعالى نفْسَه بأنَّه يُضِلُّ أنبياءَه، كما جاء في الآية التاسعة من الإصحاح الرابع عشر مِن كتاب حزقيال: "والنبي إذا ضَلَّ وتكلَّم بكلامٍ، فأنا الربُّ أضللتُ ذلك النبي".
ويقول علماءُ النصارى، ومنهم (جان كلارك) ما نصه: "إنَّ إلهَ بني إسرائيل هذا ليس قاتِلاً ظالمًا كاذبًا، أحْمق مُضِلاًّ فقط، بل هو نارٌ محرِقة أيضًا، كما قال بولس في الآية التاسِعة والعشرين من الإصحاح الثاني عشر من الرِّسالة العَبْرَانية: "إلهنا نارٌ آكِلة"، كما قال بولس في الآية الحادية والثلاثين مِن الإصحاح العاشِر من الرِّسالة: "مخيفٌ هو الوقوع في يدي الله الحي"؛ تابع (2/ 136) - تَعَالى الله عمَّا يقولون.
أمَّا في الإسلام، فلا تجد آيةً طويلة في القرآن تكون خاليةً عن ذكر الصِّفات الكامِلة الإلهيَّة، مثل كونه واحدًا، وقديمًا، وأزليًّا، وأبديًّا، وقادرًا، وعليمًا، وسميعًا، وبصيرًا، ومتكلِّمًا، وحكيمًا، وخبيرًا، وخالقَ السموات والأرْض، ورحيمًا، ورحمانًا، وصبورًا، وعادلاً، وقدُّوسًا، ومحييًا، ومميتًا، منزَّهًا عن المعائبِ والنقائص مثل الحدوث، والعجْز، والجهْل، والظُّلم، وغيرها؛ تابع (2 /36).
حادي عشر: يقول القس "مايكل": " استنَدَ الإسلامُ - كما يشهد التاريخ - إلى القُوَّة والإخضاع، والإذلالِ وقَهْر كلِّ مَن يرفض دخولَ الإسلام، أمَّا النصرانية فقدِ اعتمدتْ على النقيض مِن ذلك؛ على قاعدةِ الاهتداء الشخصي، وتبْحَث عن تجديدِ القلْب الإنساني بالصُّورة التي تؤدِّي إلى طاعة الله".
يقول الشَّيْخ الهنديُّ ردًّا على هذا الاتِّهام: "... ومَن قال: إنَّ الإسلام شاع بقوَّة السَّيْف فقط، فقوله تُهْمة صِرفة؛ لأنَّ بلادًا كثيرة ما ذُكِر فيها اسمُ السَّيْف أيضًا، وشاع فيها الإسلامُ، أسلَم أبو ذرٍّ - رضي الله عنه - وأُنَيس أخوه وأمُّهما في أوَّل الإسلام، فلمَّا رَجَعوا أسلم نِصفُ قبيلة غِفار بدَعْوة أبي ذرٍّ، وهاجَر في السَّنَة السابعة من النبوَّة مِن مكة إلى الحبَشَة ثلاثة وثمانون رجلاً وثماني عشرة امرأة، وقد بقِي في مكة أناسٌ أيضًا من المسلمين، وقد أسْلَم نحوُ عشرين رجلاً مِن نصارَى نجران، وكذا أسْلَم ضمادٌ الأزدي قبلَ السَّنَة العاشرة مِن النبوَّة، وقد أسْلَم الطُّفَيل بن عمرو الدوسي قبلَ الهِجْرة، وكان شريفًا مطاعًا في قومه، وأسْلَم أبوه وأمُّه بدعوته لَمَّا رجَع إلى قومه، وقد أسْلَم قبل الهجرة قِبيلةُ بني الأشهل في المدينة المنوَّرة في يوم واحد بِبَركة وعْظ مُصْعَب بن عُمَير - رضي الله تعالى عنه - فما بقِي منها رجلٌ ولا امرأة إلاَّ أسْلَم، غيرَ عمرو بن ثابت فإنَّه تأخَّر إسلامُه إلى غزوة أُحُد، وبعدَ إسلامِهم كان مُصعَب - رضي الله عنه - يدْعُو الناس إلى الإسلام حتى لم تَبْقَ دارٌ من دُور الأنصار إلاَّ فيها رِجالٌ ونِساء مسلمون، إلاَّ ما كان من سكَّان عوالي المدينة؛ أي: قُراها مِن جِهَة نجْد، ولمَّا هاجَر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى المدينة أسْلَم بُرَيدة الأسلمي مع سبعين رجلاً من قومِه في طريق المدينة طائعين، وقد أسْلَم النجاشي ملِكُ الحبشة قبلَ الهِجرة، ووفَد قبْلَ الهِجرة أبو هند، وتميم ونعيم، وأربعةٌ آخرون من الشام، وهكذا أسْلَم آخَرون"؛ تابع (1/28).
أمَّا قول "مايكل": "فمِن المعلوم أنَّ انتشارَ الإسلام كما كان بطريقِ الجهاد في مصر وسوريا وإيران وشمال إفريقيا...."، فإنَّ الشيخ "الهندي" يضرِب مثلاً بدُخول الإسلامِ إلى إيران عن غيرِ طريق الجبْر والإكراه، فيقول: "يقول: يقصد "فندر" وهو القِسِّيس الذي كان الشَّيْخُ يُناظره: "لَمَّا استقرَّتِ الخِلافة على عمر - رضي الله عنه - أرسل عسكَر العرَب إلى إيران، وأمر بأنَّ أهل إيران إنْ قبِلوا الدِّين المحمدي بالحُسْن والرِّضا فيها، وإلا فاجعلوهم معتقدِين للقرآن، وتابعين لمحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - جبرًا وإكراهًا".
يرد الشيخ "الهندي" على هذه التُّهْمة فيقول: "وهذا أيضًا غلطٌ فاحِش، وكذِب محْض، ما أمَر عمرُ - رضي الله عنه - أن يدخل أهل إيران بالجبْر والإكراه في المِلَّة الإسلامية، ألاَ يرَى هذا النبيلُ أنَّ عمرَ - رضي الله عنه - حضَر بنفسه الشريفة في غزْوة بيْت المقدِس، فلمَّا تسلَّط ما جبَر على أحدٍ مِن أهل التثليث وما أكرَهَهم على قَبولِ المِلَّة الإسلامية، بل أعْطاهم شروطًا جليلة، وما نزَع كنيسةً من كنائسهم، وعامَلَهم معاملةً جميلة، مدَحَه عليها المفسِّر توماس نيوتن؟!"؛ الهندي (1/ 29).
أما قول "مايكل": "أمَّا النصرانيَّة فقدِ اعتمدتْ على النقيض مِن ذلك؛ على قاعِدة الاهتداءِ الشخصي، وتبْحَث عن تجديدِ القلب الإنساني بالصورة التي تؤدِّي إلى طاعة الله".
هذا القول مردودٌ بما جاء في الإصحاح العاشِر من إنجيل متَّى في الآية الرابعة والثلاثين: "ولا تظنُّوا أنِّي قد جئتُ لأُلقي سَلامًا على الأرْض، ما جئتُ لألقي سلامًا، بل سيفًا".
Think not that I am come to send peace on earth: I came not to send peace، but a sword"
وقد اتَّخذتْ أحدُ المواقع النصرانية هذه الآيةَ شِعارًا لها تُحرِّض بها على قتْل المسلمين.
ثاني عشر: في قضية النِّفْط العربي، وقاعدة أنَّ الإسلام لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
كل ما قاله القس "مايكل" في هذه القضية يَعتمِد اعتمادًا كليًّا على ربطِه ربطًا كاملاً بيْن العقيدة والنِّفْط، وهذا هو الذي يجب أنْ يكون، وسيكون - بإذن الله - وإنْ كان في الظاهِر حُلمًا بعيدَ المنال، لكن الواقِع الحالي يؤكِّدُ انفصالَ هذين العنصرين تمامًا في تعامُل العرَب الحالي مع النِّفط.
في مقالة لعلاء سليم أبي ضهير، بعنوان "النِّفط نعمة أم نقمة على العرَب؟"، انتهَى أبو ضهير إلى القوْل بعدمِ فاعليةِ سِلاح النِّفط، سواء في الماضي أو الحاضر، أو حتى المستقبل، وبنَى النتيجة التي توصَّل إليها على ما يلي:
1- صرَّح "وليم سايمون" - وزير الخزانة الأمريكيَّة سابقًا - بأنَّ "شيوخ النِّفط لا يَملِكون النفطَ حقيقة، ولكنَّهم يجلسون عليه فقط"، هذه العبارة تكْفِي للتعبير عن مدَى سيطرة العرَب على نفطهم، وقد تتضمَّنُ هذه العبارةُ الجوابَ على كلِّ تساؤل، أو أملاً حولَ بقاء هذا النفط عربيًّا، وليس هناك ما هو أبلغُ مِن هذا القول للتعبير عن الذِّهنية الغربيَّة السائدة لدَى أوساط راسمي السياسات؛ إذ إنَّها تعكس بوضوحٍ وجلاء الفَهمَ الغربي لعناصِرِ الضعْف والقوَّة الإستراتيجية في الموقِف الراهِن؛ نتيجةَ ضعْف سيطرة العرَب على مقدَّراتهم النفطية، فالعِبرةُ ليستْ بالسيادة الشكلية، والملكية القانونية للمواردِ النفطية، بل العِبرة بآليات وأَوْجُهِ الاستخدام للموارد النفطية، سواء في شكْلها العَيْني المختزَن في باطن الأرض، أو في أشكالِها المالية.
2- ظهرتِ الأمَّةُ العربية بعدَ حرْب الخليج الثانية في أقْصى درجات السلبية وعدمِ الفعالية، ولم تستطعِ الأنظمةُ العربية أن تؤثِّرَ في الأحداث بالشكل الذي يَحْمي مصالِحَ شعوبها وثرواته الإستراتيجيَّة، وعلى رأسها البترول.
3- كانتْ إنجازاتُ النفط العربي كسلاحٍ إستراتيجي للأمَّة متواضعةً للغاية، بل إنَّ سلبياتِ هذا الحظْر كانتْ أكثرَ حظًّا، حيث لفتَ هذا الحظر انتباهَ الولايات المتحدة إلى ضرورةِ فرْض المزيد مِنَ الهَيْمنة والنفوذ على البلدان المصدِّرة للنفط، وإلى إعادةِ تقييم إستراتيجيتها في الخليج بالشكل الذي يضمن المزيدَ مِنَ السيطرة على منابِعِ النِّفْط، وعلى تجريدِ الدول النفطية مِن إمكانيةِ محاولة تَكْرار مثل هذا الحظْر، وذلك بابتداعِ وسائلَ عديدةٍ تجرِّد هذه الدول مِن قرارها السياسي، سواء مِن خلالِ شبكةٍ مِن عَلاقات التبعية الاقتصادية للغرْب، أو بتحويل هذه البلدان النفطية إلى سوقٍ يعتمد كليًّا على السِّلَع الاستهلاكية الغربية؛ وصولاً إلى إغراقِها بالديون الناجِمة عن تكاليفِ قيام الغرْب بخوْض الحرْب نيابةً عنها ضدَّ العراق؛ لتستكملَ الولايات المتحدة فرْضَ أقْصى درجات هيمنتها وسيطرتها على النِّفْط العربي بشكلٍ لا يُعْطي الفرصةَ لإعادة استخدامِ سِلاح النفط مِن جديد، حيثُ تَمَّ نزْع سلاح النفط مِن أيدي العرَب في ظلِّ سياق دولي وإقليمي معيَّن.
4- استفادتِ الولاياتُ المتحدة من تجارِبِ حظْر النفط العربي عنها إلى اتِّجاهِها نحوَ إجهاض ثورة أسْعار النفط مِن خلال مجموعةٍ من الإجراءاتِ المحسوبة بدقَّة، مثل ترشيد استخدام الطاقة، وزِيادة استخدامِ بدائلِ النفط كالفحْم والغاز، والطاقة الشمسية والنوويَّة، وكذلك مِنْ خلال تكوينِ مخزوناتٍ نفطية هائِلة تُستخدَم عندَ اللزوم للضغْط على الأسعار في السُّوق النفطية، وزيادة إنتاج النِّفْط في دول أخرَى غير الأوبك، والحِرْص على شقِّ صفوف الدول الأعضاء بالأوبك، وإِذْكاء الخِلافات فيما بينها، كلُّ هذه الإجراءاتِ والسياسات نجَحَتْ في النهاية في تحويلِ سوق النفط مِن سوق كان يُسيطِر عليها البائعون إلى سوقٍ يُسيطر عليها المُشْتَرون.
وهذا يعنى أنَّه ليس مِنَ الوارد أن يعودَ النفط سلاحًا بِيَدِ العرَب مرَّةً أخرى، لا حاليًّا ولا في المستقبل المنظور، اللهمَّ إلا إذا تعرَّضتِ المنطقة لتغيُّرات جسيمة تطال النُّظمَ السياسية العربية، وجملة العلاقات التي تربط هذه الأنظمةَ بالولايات المتحدة والغرْبِ عُمومًا.
5- إنَّ نظرةً سريعة على الدَّوْر السِّياسي الذي لَعِبه النفط في العقود الأرْبَعة الماضية، تُعطينا الانطباعَ بأنَّ الغرْب لَم يتوانَ لحظةً واحدة في تكريسِ سيطرته على منابعِ النفط، ليس فقط بعد الحظْر النفطي سنة 1973، بل استمرَّ في هذه السياسة حتى بعدَ حرْب الخليج الثانية، والتي كان النفط أحدَ أهمِّ العوامل التي دفعَتِ الغرب عمومًا لاستقدامِ جيوشه للخليج العربي، وإعادةِ احْتلاله مِن جديد، وبذلك لا يُمكننا القولُ أنَّ النفط لا يزال سلاحًا عربيًّا في الوقت الذي تُسيطِر فيه جيوشُ الولايات المتحدة على منابعِه، وتسيطر الشركاتُ الغربية على عملية التنقيبِ عنه واستخراجِه، وتسويقه وتوزيعه، بل وتشترط الولاياتُ المتحدة الأمريكية أيضًا على بلد مصدر للنفط كالعِراق أن يَشتريَ الغِذاء فقط بأثمانِ نفْطه، وذلك تدخُّلٌ سافِر لم يسبق له مثيل، حيث يقوم المُشْتَرُون بتحديدِ ما يحقُّ للبائع أن يشتريه بعوائدِه النفطية، والأمْر لا يقتصر على العراق وحْدَه، بل إنَّ أية دولة نِفطية معرَّضة أيضًا للمصير نفسِه، طالما امتلَك الغرْبُ آلة الإعلام القادِرة على تغيير الحقائق، وتحويل أيَّة دوْلة عربية نِفطية تتمرَّد أو ترْغَب في التمرد على الإرادة الأمريكيَّة إلى دولة إرهابيَّة.
هذه هي خلاصةُ أفكار وتصوُّرات القس "مايكل يوسف"، وهذه أهم ملاحظاتِنا عليها، أوضحْنا في هذه الملاحظاتِ أنَّ السببَ في انتشار الإسلام يعودُ إلى قوَّة، وسلامة، وسلاسة الفِكرة التي يَحمِلُها وهي التوحيد، فليس في الإسلام تثليثٌ ولا إنكارٌ للمسيح، أو تأليه له، أو تجسيد للإلِه فيه، ولا تحمّل للمسيح أوزار الناس وخطاياهم.
وليس في الإسلامِ نَعْتٌ لله تعالى بالحَماقة أو الجَهالة أو العجز، أو الحاجة إلى المعاونة مِن خلْقه، أو إضلال لأنبيائه، وليس في الإسلام اتِّهام للأنبياء بالوقوع في الزِّنا، فهم برِيئون تمامًا مِن كل ما نُسِب إليهم في كتُب النصارى (المقدَّسة).
لقدْ تعهَّدَ الله تعالى في الإسلام بحِفْظ كتابه، ولم يوكلْ هذا الحفظَ إلى الناس، ولهذا انتشَرَ الإسلام وضمَّ إلى صفوفه أعدادًا كبيرةً مِن النصارى وغيرهم، ولم تستطعِ النصرانيةُ أن تضمَّ إلى صفوفها إلا الحمْقَى من المسلمين.
تَحدَّثْنا كذلك عن قضيةِ النِّفط التي أثارَها "القس"، وأوْضَحْنا أنَّ النفط كمصدرِ قوَّة في يدِ المسلمين ليس بهذه الصورة التي تخيَّلَها هذا القس، وإنْ كنَّا نشكُرُه على تصوُّرِه لما يجب أن يكونَ عليه تعامُلُ المسلمين مع نفطهم، لكنه وحتى هذا اليوم لم يربطِ المسلمون نفطَهم بعقيدتهم، وإنَّما بمصالحِهم، ولن يتحقَّقَ هذا الرَّبطُ إلا بقيام دولةِ الإسلام الكُبْرى التي تحكُم بشريعةِ الله، ويكون أمنُها وأمانها بيَدِ المسلمين أنفسهم، لا بِيَدِ أعدائهم.
وليس انتشارُ الإسلامِ أحدَ شروط قيامِ هذه الدولة، إنَّما هو مِن أسباب التمهيد لقِيامها، قد يبدو الأمرُ بعيدًا، لكنَّه ليس على الله ببعيد، فمتَى قامتْ في الأرض جماعةٌ مؤمِنة توفَّرتْ شروط خمسة فيها وهي:
(1) أن يُقيمَ أفرادها الدِّين أوَّلاً في ضمائرهم، وفي حياتهم في صورة: عقيدة وخُلق، وعبادة وسلوك.
(2) أن تكونَ نفوسُهم قد فرغتْ مِن النظر إلى حظوظِ الدنيا وانتظارِ جزاءٍ في الأرْض، حتى ولو كان انتصارَ الدِّين.
(3) ألاَّ تمتلئ قلوبُهم اعتزازًا بجِنس أو قوميَّة، أو وطن أو عشيرة، أو أرْض.
(4) أنَّه لا سبيلَ أمامَهم إلا التعرُّضُ للابتلاء الشاقِّ والشِّدَّة، ومواجهة أصحابِ السلطان والمصالِح الذين يَكْرهون هذا الأمْرَ في كلِّ زمان، وكلِّ مكان.
(5) أن يُؤمِنوا بأنَّ الجزاءَ الوحيد الذي سيقع لهم ليس النَّصْر، أو التمكين وحْدَه، إنَّما هو الجَنَّة في المقام الأوَّل.
متَى قامتْ هذه الجماعةُ في عالَم الواقِع، وتوفَّرتْ فيها هذه الشروط الخمْسة، فلن يعودَ أمل قيام هذه الدولة مستحيلاً.
المصادر:
1- أحمد إبراهيم خضر، إستراتيجية المسلمين في تحويل نصارَى الغرْب إلى الإسلام، موقع الألوكة، رابط:
http://www.alukah.net/Culture/0/22081/
2- أحمد شلبي، مقارنة الأديان - المسيحية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1984.
3- رحمة الله خليل الرحمن الهندي، إظهار الحق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، سَنَة الطبع غير مبيَّنة.
4- علاء سليم أبو ظهير، النفط نعمة أم نقمة على العرب jemesuis.maktoobblog.com/
5- القنوات الفضائية البروتستانتيتية، الجمعيات الخيرية، موقع موسوعة تاريخ أقباط مصر.
6- الإنجيل: كتاب الحياة، ترجمة تفسيرية، English text of the New Testament from The Holy Bible الطبعة الأولى 1989
7- الكتاب المقدَّس، تُرجِم من اللغات الأصلية، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، سنة الطبع غير مبينة.
8- كتاب العهد الجديد لربِّنا ومخلِّصنا يسوع المسيح، تُرجِم من اللغة اليونانية، جمعيات الكتاب المقدس في الشرق الأدنى، القاهرة، الإسكندرية، الخرطوم، حلب 1974.
9- English text of the New Testament, from the holy bible new International version by international bible society 1989.
10- The Holy Bible in the King James Version، Thomas nelson publishers Nashville, Camdem, New York, 1984
11- Michael Youssef، En.Wikipedia/org/wiki.
12- Michael Youssef، www.Leadingtheway.org/site.
St-takla.org/…/tafseer-engil-Mata_oo-introduction-2.html.
13-Michael Youssef, Islam vs. Christianity Comparison، Christianity in today's America, Jul 19، 2010،
14- Michael Youssef, Christianity – #1 Enemy to Islamic Extremists, Christianity in today's America, July 29، 2010.
15- Michael Youssef, countering the spread of Islam, Christianity in today's America، july، 8، 2010.
16- Michael Youssef، where Does the oil money End up ?, Christianity in today's America، june,25, 2010.
17- Michael Youssef، Islam is steeped in Revenge & Retaliation, Christianity in today's AmericaAugust، 11, 2010.
18- What is salvation? www.riverpower.org/answers/salvation.htm
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: