(66) فى جامعة تل أبيب : إستراتيجية المسلمين في تحويل نصارى الغرب إلى الإسلام
د - أحمد إبراهيم خضر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 25624
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بالأمس البعيد، وحتَّى الأمس القريب: بكاء وعويل، بسبب أنشِطة المنصِّرين في العالم الإسلامي، ولكن لا حراك، ولا ردَّة فعل!
لَم تكُن أحداث الحادي عشَر من سبتمبر هي أوَّل تورُّط للغرْب في تنْصير العالم الإسلامي، الَّذي حدث بالفعل هو ما يصفه "جورج براسوييل" أستاذ الإرساليَّات في معهد اللاهوت المعمداني بالولايات المتَّحدة في قوله: "نحن نذهب الآن أكثر من أي وقتٍ مضى إلى بلاد المسلمين، إنَّ أحداث الحادي عشر من سبتمبر أشعلتْ دوافعَنا".
لقد نشطت حركة هذه المنظَّمات والإرساليات، منتهِزة فرصة الغزْو الأمريكي للعراق وأفغانستان، تحالفتْ هذه الهيئات الكنسيَّة مع الجيش الأمريكي وتحت الحماية العسكريَّة، وانطلاقًا من القواعد العسكريَّة الأمريكيَّة، إلى تحويل المسلمين إلى النَّصرانيَّة في المناطق التي يُسيطر عليها الجيش الأمريكي، والتي يُطلِق عليها الكنسيّون: "المناطق المحرَّرة".
قال أحد أعضاء هذه المنظَّمات في ذلك: "إنَّ توجُّهنا بالنَّصرانيَّة إلى المسلمين يدخل الآن مرحلة حاسمةً، وإنَّنا إن لَم نستطِع استخدام حقِّنا المتاح لنا في هذه الفترة بالذَّات، فقد تضيع منَّا هذه الفرصة"، وقال "فراكلين جراهام" أحد الدَّعائم الكُبْرى الهامَّة في الموْجة التَّنصيريَّة الموجهة إلى العراق: "إنَّ هذه الحرب هي لحظة الذّرْوة بالنسبة لنا، كما أنَّها أنضج فترة لتقْديم الإنجيل إلى المسلمين".
كان التَّنصير تحت حِماية الجيْش البريطاني يَسير على قدمٍ وساق في أفغانستان قبْل أكثر من قرنين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ يقول المنصّرون: "لقد استمرَّت جهودنا مع الأفغان ثمانين سنةً عبر جنودِنا النصارى، ورجالات دوْلتنا من مدنيّين أو كنسيّين"، نجح ضبَّاط معسكر كابول في عام 1929 في تأْسيس إرساليَّة كنسيَّة في قندهار وكابول مزوَّدة بطبعات الإنجيل.
وقبل ذلك بأكثرَ من قرنٍ ترجم الدكتور "ليدن" معظم الأناجيل إلى لغة الباشتون، وفي عام 1822 طبعت إرساليات "سيرامبور" الأسفار الخمْسة للعهد القديم إلى نفس اللُّغة.
تسلّل النَّصارى عن طريق الخدمات الطّبّيَّة، وتأسيس المستشْفيات، وإجراء العمليَّات الجراحيَّة إلى الشَّعب الأفغاني سعيًا وراء تنصيره، يقول القس "سيول شابيرز": إنَّ للعمل الطبي شعبيَّته الكبيرة عند كلِّ الطبقات، ويصلح كغطاء لعملنا التَّنصيري.
وفي تركيا - آخر معاقل دولة الخلافة الإسلاميَّة، وقبل سقوطها بثلاثة أرباع القرن - كان المكتب الأمريكي للإرساليَّات التنصيريَّة التَّابع لمجمع الكنائس في الولايات المتَّحدة هو أهم المؤسَّسات التي تقوم بالتنصير هناك، وقبل سقوط دولة الخلافة بعشْر سنوات، وصل أعضاء هذا المكتب إلى مائة وخمسة وسبعين عضوًا، وامتلك سبع عشرة محطَّة تنصيريَّة وتسعة مستشفيات، وأشرف على أربعمائةٍ وستّ وعشرين مدرسة تضمّ خمسةَ آلاف تلميذ وتلميذة".
في عام 1927 ومن مدينة أسيوط في صعيد مصر، كتب القس "والترفريمان": "إنَّ يسوع قد كلَّفنا بأن نذهب إلى المسلمين وأن نصنع منهم حواريّين، وأمرنا بالسبل الملائمة لنجاح هذه المهمَّة... إنَّ ما جاء به القرآن عن المسيح كذِب، وسوء فهْم، وتمثيل مشوَّه... يجب أن نعرض للأخطاء التَّاريخيَّة، والجغرافيَّة، واللغويَّة للقرآن، ونصِف محمَّدًا بأنَّه آثِم، وغير مخلّص، ودجَّال، ورجل يستغلّ الموقف السَّائد في عصره باسم الدّين لأغراض سياسيَّة"، تنزَّه القُرآن ومحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّا يقولون.
جهود المنصرين لم تتوقَّف في أية بقعة من بقاع العالم الإسلامي حتَّى في الصحراء، والجبال، والكهوف، وضع القس "لوفنتال" مواصفات خاصَّة لهؤلاء الذين يقومون بمهمَّة تنصير المسلمين في هذه الأماكن، فيقول: "يجب أن يكونوا أقْوِياء بدنيًّا، قادرين على الوقوف في الشَّمس الحارقة، ومتعرّضين لريح السموم الخانقة، ولفحات البرد القارصة، ويجب أن يكونوا قادرين على السَّير مسافة تَتَراوَح بين خَمسة وعشرين إلى ثلاثين ميلاً يوميًّا، سواء على أقدامهم أو فوق ظهور الجمال، متحمِّلين صعوبة الطَّريق، وندرة المياه، يَجب أن يتعوَّدوا على تقلُّبات المناخ، والعيش تحتَ أسقف الخيام فقط، يجب أن ينسَوا رفاهية المدنيَّة النَّصرانيَّة، يجب أن يكون لديهم بعض المعلومات والإمدادات الطّبّيَّة التي يشيع استِخْدامها في المنطقة الَّتي ينزلون فيها... يجب أن يعتمد الواحد منهم في إعداد طعامِه على مهارته الرياضيَّة، يجب أن يحمل كلُّ واحد منهم بندقيَّة، يجب أن تكون لديهم الإرادة القويَّة للجود بأرْواحهم، حتَّى يَتَمَكَّنوا من مواجهة المسلمين المتعطِّشين إلى الدِّماء"!
لم تتوقَّف، ولن تتوقَّف جهود تنصير المسلمين، لا اليوم ولا غدًا، لكن الَّذي توقَّف بالفعل هو الصراخ والعويل، بدأ المسلمون في التحرُّك والقيام بردِّ فعل مضادٍّ، ولكن في الموعد المقْدور من الله تعالى، والشَّاهد على هذا التحرُّك هم المتخصصون المتابعون لرقاد الإسلام وسباته، ثمَّ يقظته وحركته، وعلى رأسهم: اليهود.
الدكتور "يوريا شافيت" باحث في مركز موشى ديان بجامعة تل أبيب، ومؤلّف كتاب "مجتمع المهاجرين الجدد، وسائل الإعلام وبناء الهويَّات الإسلاميَّة والقوميَّة للمسلمين"، و"فردريك وإيزنباخ" خريج جامعة فرانكفورت، والدَّارس في مدرسة الدراسات الشَّرقيَّة والآسيوية بلندن.
اهتمَّ "شافيت ووإيزنباخ" بما أطْلقا عليه "إستراتيجيَّة المسلمين في تحويل نصارى الغرْب إلى الإسلام"، اعتمد "شافيت ووإيزنباخ" في دراستِهما على تحْليل ومتابعة محْتويات العديد مِنْ أبرز المواقع الإسلاميَّة، وتصْريحات أبرز عُلماء الإسلام ومفكِّريه من المحدثين والقدامى، وكذلك على استِقْراء أكثر من ثمانين روايةً من روايات نصارى الغرْب الَّذين اعتنقوا الإسلام.
ونتصوَّر أنَّ هناك عامِلَين هامَّين دفعا الغرب إلى تركيز اهتمامِه على مسألة اعتِناق نصارى الغرب للإسلام.
الأوَّل: هو أنَّ الإحصائيَّات عن معتنقي الإسلام من نصارى الغرْب تشير إلى أنَّ تزايد أعدادهم يُمثِّل تحدِّيًا فعَّالاً لقِيَم الديموقراطيَّات الغربيَّة.
يرى "شافيت ووإيزنباخ" أنَّ الإحصائيَّات الخاصَّة بأعداد مَن اعتنقوا الإسلام غير دقيقة، لكنَّها تشير على أيَّة حال إلى الاتّجاه العام لِمَن تحوَّلوا من النَّصرانيَّة إلى الإسلام.
تقدِّر الإحصائيَّات في ألمانيا أنَّ آلافًا من الألمان يدْخلون الإسلام في كلِّ عام، ويرى "ميلينا هولمان" - الباحث المساعد في مركز الدراسات السياسية الأوربيَّة في برلين - أنَّ: "أعداد معتنقي الإسلام الجدُد تتراوح من 12.000 إلى 100.000 من إجمالي عدد المسلمين الألمان، الَّذين يتراوح عددُهم من 2.8 إلى 3.2 مليون، وهم يشكِّلون بذلك أقلَّ من 4 % من إجمالي عدد سكَّان ألمانيا.
عشْرون ألفًا من الأسبان اعْتنقوا الإسلام في عام 2006، أربعة عشر ألف بريطاني اعتنقوا الإسلام في نفس العام المذكور، يعتنق الإسلام ما بين عشْرين إلى خمسةٍ وعشْرين ألف أمريكي في كلِّ عام أيضًا، وهناك معلومات توضِّح ازدِياد أعداد مَن اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لكن ليْس هناك ما يؤكِّد تدفُّق هذه الأعداد بعد هذه الأحداث.
صحيح أنَّ هذه البيانات لا تعني أنَّ هناك تغيُّرًا يُمكن أن يحدث للوضع الديموجرافي الحالي العام للدّول الغربيَّة، لكنَّها تركِّز الانتباه على أنَّ قيم الديموقراطيَّات الغربيَّة تتعرَّض لتحدٍّ حقيقي من جانب الإسلام.
أمَّا الثاني فهو: خشية الغرب من اتّجاه أبنائه ممَّن اعتنقوا الإسلام إلى ما يسمَّى بالتشدُّد، خاصَّة بعدما تبيَّن له اشتراك العديد منهم في عمليَّات جهاديَّة.
يرى "شافيت ووإيزنباخ" أنَّه على الرَّغم من أنَّ نسبة قليلة جدًّا من معتنقي الإسلام تتَّجه إلى التشدُّد، فإنَّ ذلك يمثِّل في حدِّ ذاته مصدرَ خطر حقيقي على الدّول الغربيَّة، خاصَّة تلك التي يتمتَّع فيها مواطنو الدّول الأوربية المختلفة بتأْشيرات دخول حرَّة، ولعلَّ هذا الخوف ممَّا يسمَّى بالتشدُّد الإسلامي هو الَّذي دفع الولايات المتَّحدة لاتِّخاذ الاحتِياطات الكافية؛ مثل: الفحْص المسبق لكلِّ المسافرين القادمين إلى الولايات المتَّحدة.
يقول "هولمان": "الكثيرون ممَّن يعتنقون الإسلام يَعيشون في سلام داخل مجتمعاتِهم التي نشؤوا فيها، البعض منهم قد يدخل الإسلام من أجل الزَّواج فقط، ولا يتَّخذ موقفًا من الثَّقافة المعاصرة، ولا القِيم اليهوديَّة المسيحيَّة، لكن القلَّة منهم هي الَّتي تتبنَّى تفسيرات "متطرِّفة" تُشَكِّل خطرًا على الأمن القومي للبلاد، والبعض مِن هؤلاء اشترك في عمليَّات جهاديَّة، صحيح أنَّ أجهزة الأمن القومي والمخابرات وحرس الحدود تتعقَّب هؤلاء، لكنَّهم يمثلون في الحقيقة تهديدًا خطيرًا للديمقراطيَّات الغربيَّة.
إنَّ أجهزة الأمن والمخابرات في الغرْب ليستْ مُعدَّة جيدًا للتَّعامُل مع هذه الظَّاهرة المتنامية".
هناك محاولات لفهْم أسباب هذه الظَّاهرة؛ منها: أنَّ الباحثين عن الإسلام الَّذين يريدون اكتشاف وتعلُّم الدين الجديد غالبًا ما يلْجؤُون للتَّفسيرات الأصوليَّة بحثًا عمَّا يروْن أنَّه الجانب الحقيقي والنقي للإسلام، وتعزّز المواقع الجهاديَّة هذه التفسيرات لهم.
ويُفسِّر عالم الاجتماع "توماس لكمان" Thomas Luckman تبنِّي بعض المسلمين الألْمان الجدُد للجهاد الإسلامي، فيقول: "إنَّ الوضع يُشبه كمَن يذهب إلى السوبر ماركت الَّذي يبيع بضائع دينيَّة، فيحاول المشتري أن يوفِّق بين احتِياجاته القديمة ومعتنقه الجديد؛ فهؤلاء يختارون التَّفسيرات التي تفِي باحتِياجاتهم، فالَّذين يختارون الجهاد هم الَّذين يروْن أنَّ الإرهاب هو وسيلة لتصْحيح الأخطاء الَّتي يروْنَها ماثلة أمامهم".
يرى "شافيت ووإيزنباخ" أنَّ تاريخ العلاقات بين المسلمين والنَّصارى يمثِّل صراعًا بين حضارتَين تحمِلان رسالتَين عالميَّتَين تنافس إحداهما الأخرى في السيْطرة على العالم، وأشارا إلى ما يراه "بيرنارد لويس" من أنَّ الإسلام في المراحل الأولى من هذا الصِّراع كان أكثر تسامُحًا، وفي حين كان النَّصارى الَّذين يسيْطِرون على أراضي المسلمين يفرضون نصرانيَّتهم بالقوَّة، وكان على المسلمين إمَّا أن يتنصَّروا، أو يُطْردوا، أو يُحكم عليهم بالموت، كان النَّصارى واليهود في البلاد التي يفتحها المسلمون لا يُجْبَرون على دخول الإسلام، وكان المسلمون ينظرون إليْهِم على أنَّهم "أهل كتاب".
ويرجع الاختِلاف بين الإسلام والنَّصرانيَّة في نظر "لويس" إلى أنَّ المسلمين يعترِفون بالمسيح - عليه السَّلام - الَّذي يبشِّر بنبيِّهم محمَّد - عليه السَّلام - أمَّا النصارى فكانوا يعتبِرون محمَّدًا - عليه الصَّلاة والسَّلام - دجالاً، تنزَّه النبيُّ عمَّا يقولون!
النَّصرانية في بعْض جوانبها حقيقيَّة عند المسلمين، أمَّا الإسلام عند النَّصارى فكلُّه زائف.
يقول الإمام ابن تيميَّة فيما نراه تحقيقًا لأحد جوانب قول "لويس": "وأمَّا اليهود والنَّصارى: فأصل دينهم حقّ؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 62]، لكن كلّ من الدينَين معدَّل ومنسوخ، فإنَّ اليهود بدَّلوا وحرَّفوا، ثمَّ نسخ بقيَّة شرائعِهم بالمسيح - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونفس الكتُب التي بأيدي النَّصارى؛ مثل: نبوَّة الأنبياء، وهي أكثر من عشْرين نبوَّة وغيرها، تبيّن أنَّهم بدَّلوا، وأنَّ شريعتهم تنسخ، وتبيّن صحَّة رسالة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ (الفتاوى ج 4 ص 208).
يقول "لويس": إنَّ ميزان التَّسامُح قد تغيَّر اليوم، فبيْنما يُعطي الغرب الفردَ الحرّيَّة في تغْيير معتقده إلى معتقدٍ آخر يقتنِع به، ويسْمح للنَّاس من كلِّ المعتقدات أن يُقْنِعوا غيرَهم بأنَّ معتقَدَهم هو المعتقد الحقيقي، فإنَّ الإسلام لا يسمح بذلك، ويَعتبر تغْيير المعتقد جريمة يعاقب عليها.
تحتاج هذه النقطة أيضًا إلى تحقيق آخر؛ حيث يبدو لنا أنَّ "لويس" قد طمس الحقيقة فيها.
سأل سائِل ما مدى صحَّة الحديث القائل: ((مَن بدَّل دينَه فاقتلوه))؛ رواه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث ابن عبَّاس - رضي الله عنْهما - وما معناه؟ وكيف نجمع بيْنه وبين قوله تعالى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256] وبين قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99]، وبين الحديث القائل: ((أُمرتُ أن أُقاتل النَّاسَ حتَّى يشهدوا أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصَموا منّي دماءَهم وأموالهم إلاَّ بحقِّها، وحسابُهم على الله - عزَّ وجلَّ))، وهل يفهم أنَّ اعتِناق الدّين بالاختيار لا بالإكراه؟
ردّ الشيخ صالح بن فوزان الفوْزان على هذا السؤال، فقال:
أوَّلاً: الحديث: ((مَن بدَّل دينه فاقْتُلوه)) حديث صحيح؛ رواه البخاري وغيرُه من أهل السنَّة بهذا اللفظ: ((مَن بدَّل دينه فاقتلوه))، وأمَّا الجمع بينه وبين ما ذُكِر من الأدلَّة فلا تعارُض بين الأدلَّة، ولله الحمد؛ لأنَّ قولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن بدَّل دينَه فاقتُلوه)) - رواه الإمام البُخاري في "صحيحه" من حديث ابن عبَّاس - رضي الله عنهُما - في المرتدّ الَّذي يكْفر بعد إسلامه، فيَجِب قتْله بعد أن يُستتاب، فإن تاب وإلاَّ قُتِل.
وأمَّا قولُه تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256] وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ﴾ [يونس: 99] فلا تعارُض بين هذه الأدلَّة؛ لأنَّ الدُّخول في الإسلام لا يُمكن الإكراه عليه؛ لأنَّه شيء في القلْب واقتِناع في القلب، ولا يُمكن أن نتصرَّف في القلوب، وأن نَجعلها مؤمنة، هذا بيد الله - عزَّ وجلَّ - هو مقلِّب القُلُوب، وهو الَّذي يهْدي مَن يشاء ويُضِل مَن يشاء، لكن واجبنا الدَّعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - والبيان، والجهاد في سبيل الله لِمَن عاند بعد أن عرف الحقَّ، وعاند بعد معرفتِه، فهذا يجب عليْنا أن نجاهده، وأمَّا أنَّنا نُكْرِهه على الدّخول في الإسلام، ونَجعل الإيمان في قلبه، فهذا ليس لنا، وإنَّما هو راجع إلى الله - سبحانه وتعالى.
لكن نحن، أوَّلاً: ندعو إلى الله - عزَّ وجلَّ - بالحكمة والموعظة الحسنة، ونبيِّن للنَّاس هذا الدّين.
وثانيًا: نُجاهد أهل العناد وأهل الكفر والجحود؛ حتَّى يكون الدِّين لله وحْده - عزَّ وجلَّ - حتَّى لا تكون فتنة.
أمَّا المرتدُّ، فهذا يُقتل؛ لأنَّه كفر بعد إسلامه، وترك الحقَّ بعد معرفته، فهو عضوٌ فاسِد يجب بتْره، وإراحة المجتمع منْه؛ لأنَّه فاسد العقيدة، ويُخشى أن يُفْسِد عقائد الباقين؛ لأنَّه ترك الحقَّ لا عن جهْل، وإنَّما عن عنادٍ بعد معرفة الحقّ؛ فلذلك صار لا يصْلح للبقاء فيجب قتلُه، فلا تعارُض بين قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256] وبين قتل المرتدّ؛ لأنَّ الإكراه في الدين هنا عند الدخول في الإسلام، وأمَّا قتْل المرتد فهو عند الخُرُوج منَ الإسلام بعد معرفته بعد الدخول فيه.
على أنَّ الآية: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256] فيها أقوال للمفسِّرين؛ منهم مَن يقول: إنَّها خاصَّة بأهل الكتاب، وأنَّ أهل الكتاب لا يُكرَهون، وإنَّما يطلب منهم الإيمان أو دفْع الجزية، فيقرُّون على دينِهم إذا دفعوا الجِزْية، وخضعوا لحكم الإسلام، وليستْ عامَّة في كلِّ كافر، ومن العلماء مَن يرى أنَّها منْسوخة بقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: 5]، فهي منسوخة بهذه الآية.
ولكنَّ الصَّحيح أنَّها ليست منسوخة، وأنَّها ليست خاصَّة بأهل الكتاب، وإنَّما معناها أنَّ هذا الدين بيِّن واضح، تقْبله الفِطر والعقول، وأنَّ أحدًا لا يدْخله عنْ كراهية، وإنَّما يدخله عن اقتِناع وعن محبَّة ورغبة، هذا هو الصَّحيح"؛ (موقع: طريق الإسلام).
حاول "ميلينا هولمان" أن يَشرح دوافعَ اعتِناق نصارى الغرْب للإسلام، فأوْجزَها في ثلاثة:
الدَّافع الأوَّل: البحث عن جماعة تمدّ الإنسان بالتَّوجيه، وتُعْطي للحياة معنى، وهنا تغطِّي الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ هذا الجانب؛ فهي تحدِّد للشَّخص قواعد يلتزم بها في حياتِه، ليستْ كتلك التي يضعها البشَر للبشر، فهذه القواعد لا تَجعله يتأرْجَح بين جماعة وأخرى، كما أنَّ الإسلام يمنح الفرد شعورًا بالتَّكامُل الاجتماعي، وهذا عامل مهم جدًّا في حياة النَّاس، يقول أحدهم: "حينما أقابل أصدقاء لَم أرَهم من قبل، أشعر وكأنّي في منزلي، وأنّي مقبول من هؤلاء النَّاس".
الثاني: البحث عن وسائل تعتبر سندًا أو شريكًا للشَّخص الذي يشعر باغتِرابه عن الثَّقافة السَّائدة في نقده لقيم المجتمع الغربي، يقول أحدُهم: "لقد أصبحتُ مسلمًا حين انهارت الشيوعيَّة، وأنا لا أُريد الرأسماليَّة، وكان لا بدَّ لي من فعل شيء".
الثالث: البحث عن سبيل يعطي للفرْد معنى لروتين الحياة اليوميَّة، والصَّلاة خمس مرَّات تحقّق له ذلك، يقول أحدهم: إني أشعر أني أعيش في مجتمعٍ مُتوازن لكنَّه رائع.
ويُعطي "هولمان" العديد من التَّفسيرات الأخرى لاعتِناق نصارى الغرب للإسلام، فيقول:
"إنَّ السمعة السَّيِّئة للإسلام في الغرْب، أعطتْ معْتنِقيه فرصة لإسقاط مشاعر التمرُّد على الثَّقافة السَّائدة، وأصبح الإسلام المُتَمَرِّد هُويَّة للمتظاهرين ضدَّ هذه الثَّقافة، ويرى آخرون أنَّ الإسلام هو النَّصر البديل، وأنَّه أفضل بديل لمرحلة ما بعد المجتمع الصناعي الغربي، على حدِّ قوْل الدبلوماسي الألماني المسلم "ولفريد هوفمان".
يقول "أيوب إكسل كوهلر" الرَّئيس الحالي للمركز الإسلامي الألماني الذي اعتَنَق الإسلام في عام 1963: "إنَّ الإسْلام طريقة حياة؛ حيث يُعطي معتنِقيه فرصة تجنُّب الاغتراب في ظلِّ الحياة الغربيَّة".
أمَّا "شافيت ووإيزنباخ" فقد توصَّلا في دراستِهما عن إستراتيجيَّة المسلمين في تحويل نصارى الغرب إلى الإسلام - إلى العديد من الحقائق الهامَّة، التي يُمكن بيانُها على النَّحوالتالي:
أوَّلا: الدَّور الفعَّال لنداء عُلماء السُّنَّة للمهاجرين المسلمين في بلاد الغرْب، بدعوة النَّصارى إلى الإسلام.
منذ السبعينيَّات من القرن الماضي، ومع زيادة أعداد المهاجرين المسلمين إلى دول الغرب، طلب العلماء المسلمون السنَّة من المهاجرين المقيمين في دول الغرْب الاضطلاع بدوْرِهم في نشر كلمة الله، وذلك بالعمل على هداية نصارى الغرب إلى الإسلام، واعتبر العلماء أنَّ القيام بهذه المهمَّة جزء من الإطار الأكبر الذي يُحَدِّد هُويَّة المسلم وواجباته حيال دينه.
رأى علماء السّنَّة أنَّ إغفال أو تَجاهُل هذا العدد الكبير من المهاجرين المسلمين، سيؤدّي إلى شعورهم بالاغتِراب؛ ولهذا فإنَّ هناك ضرورةً لتعْزيز هويَّة هؤلاء المهاجرين، وتوْجيه هذه الهويَّة لخدمة الإسلام.
يدعو علماء السنَّة هؤلاء المهاجرين إلى أن يعتبِروا أنفسهم جزءًا من الأمَّة الإسلاميَّة العالميَّة، وأن يكون لوجودهم في دول الغرب شرعيَّة محدَّدة المعالم، وذلك بأن تكون تصرُّفاتهم وسُلُوكيَّاتهم نموذجًا مشرِّفًا يُحتذى به، وأن يبنوا المؤسَّسات الإسلاميَّة؛ كالمساجد، والتَّنظيمات الخيريَّة لخدمة مصالح المسلمين السياسيَّة العالميَّة، والعمل على نشْر الإسلام.
يقول "شافيت ووإيزنباخ": "كتب الشيخ "يوسف القرضاوي" - وهو أحدُ كبار علماء السّنَّة المعاصرين - في مقالة له بعنوان: "واجبات المسلمين الَّذين يعيشون في الغرب"، يقول: "يَجب أن يخلص المسلمون المقيمون في الغرب لدينِهم، وأن يضعوا في اعتِبارهم أنَّ دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ليْست مقصورة على العُلماء والمشايخ، إنَّها تمتدُّ لتشمل كلَّ مسلم ملتزم بدينه، إنَّنا كعلماء وكمشايخ نكتُب، ونخطُب، ونعطي محاضرات ندافع بها عن دينِنا، وعليْنا ألاَّ نتعجَّب إذا رأيْنا المسلم العادي يُمارس الدَّعوة إلى الإسلام بالحِكْمة والموعظة الحسنة".
الشيخ المعروف "محمَّد الغزالي" (1917 - 1996) كان يُعَلِّق أمَلَه على مِئات الآلاف من المهاجِرين المسلمين، ليس بالعمل على المحافظة على دينِهم فقط، وإنَّما في أن يصبحوا روَّادًا في نشره".
يقول "حمدي حسن" - أستاذ الإعلام في جامعة الأزْهر -: "لقد تغيَّر الحالُ الآن، تحوَّل المسلِمون الموجودون في أوربَّا من موقف الدِّفاع عن دينهم - كما كان الحال في القرنَين الثَّامن عشر والتَّاسع عشر - إلى نَمَطٍ جديدٍ منَ التَّبشير بالإسْلام والعمل على نَشْره".
أمَّا الشيخ "سفر الحوالي" - وهو أحد عُلماء السعودية - فقد استخدم عبارات أقوى وأشدَّ من سابقيه، تدعو إلى غزْو الغرب بالدعوة؛ يقول الحوالي: "إذا سأل أحدهم: إنَّ المسلمين يملكون قوَّة بشريَّة دعويَّة كبيرة، فلماذا لا يغْزون كوريا واليابان بالدَّعوة إلى الإسلام؟ وإذا سأل آخر: أيّ البلاد يجب أن نوجِّه مصادرَنا البشريَّة الدعويَّة إليها: كوريا واليابان، أم أوربَّا والولايات المتَّحدة؟ الصَّحيح هو أن توجَّه الدعوة إلى الغرْب، لماذا؟ لأنَّ الغرب هو العدوّ، إنَّه هو الذي يُهاجمُنا، وهو الأخْطر علينا".
الدَّعوة إلى أسْلمة الغرْب وجدتْ صداها في أعمال المسلمين الغربيِّين أيضًا؛ "محمد القاضي العمراني" مسلم يعيش في هولندا كتب أطروحته للدكتوراه عن هجرة المسلمين إلى دول الغرب؛ يقول "العمراني": "إنَّ من النتائج الإيجابيَّة لهجرة المسلمين إلى خارج بلاد الإسلام العملَ على هداية النَّاس هناك إلى الإسلام، لقد أثبتت الهجرةُ لأغْراض التّجارة والدَّعوة عبر التَّاريخ فاعليَّتَها البنَّاءة في نشر الإسلام".
أصبحتْ هذه الدَّعوة مِحْور اهتمام الكتابات الإسلاميَّة المعاصرة، ليس بين صفحات الكتُب والمجلات فقط، وإنَّما في خُطب الجمعة، وشبكات الإنترنت، واليوتيوب، والأقراص المدْمجة، وفي المواقع الإسلاميَّة عمومًا.
يرى "شافيت ووإيزنباخ" أيضًا أنَّ الإستراتيجيَّات التي يستخدمها الإعلامُ الإسلامي العالمي في العمل على هداية نصارى الغرب إلى الإسلام، تعْكِس مدى إدراك الإسلاميّين لأهمّية هذا العمل، وتعكس في الوقت نفسِه قُدرتهم على إثارة قضايا يَطرحونَها ويدافعون عنها كجزءٍ من الدبلوماسيَّة العامَّة والثَّقافيَّة الَّتي ينتهجونها في التَّعامُل مع الغرب.
ثانيًا: الدور المهم للمواقع الإلكترونيَّة في تشْجيع نصارى الغرْب على اعتِناق الإسلام:
يقول "شافيت ووإيزنباخ": "يشرف العديدُ من علماء الإسلام والتَّنظيمات الإسلاميَّة على العديد من المواقع بشبكة الإنترنت، وتلعب هذه المواقع دورًا فعَّالاً في تشْجيع النَّصارى على اعتِناق الإسلام، وليس هذا الدَّور إلاَّ جزءًا من منظومة شاملة تستخدم الإنترنت كوسيطٍ لخدمة الإسلام.
المشكلة هنا هي أنَّ صانعي القرار في الدّول الغربيَّة ركَّزوا جهودهم في رصد ما يَجري في المواقع الجهاديَّة، ولَم يُعْطوا إلاَّ اهتِمامًا قليلاً للمواقع الأخرى، صحيح أنَّ معظم المواقع الإسلاميَّة ليست جهاديَّة، لكن محتوياتها تتضمَّن تصوُّرات تُحثّ على كراهية الغرب.
ومن المهمّ ملاحظة أنَّ علماء المسلمين الحاليّين يتفاعلون بقوَّة مع التكنولوجيات الحديثة التي تطوَّرت في الغرب، على عكس العلماء القدامى الَّذين رفضوا الرَّاديو والتليفزيون عند بداية اختِراعهما واعتبروهما بدَعًا، لقد شجَّع العلماء المسلمون المحْدَثون - حتَّى أكثرهم تشدُّدًا - التحوُّل نحو الإنترنت وأعطَوا له الشَّرعيَّة، وقام العديد منهم بتأْسيس مواقع شخصيَّة، لقد فهم هؤلاء العُلماء أنَّ شبكة الإنترنت حلبة قوية في الصّراع على كسب العقول والأرْواح، خاصَّة بالنسبة للجيل الجديد.
يقول الدكتور "جعفر شيخ إدريس": "إنَّ التكنولوجيات الحديثة تسمح للمسلمين بالدَّعوة إلى الإسلام بسهولة ويُسر، إنَّ إثبات أنَّ الإسلام هو الدين الحقيقي الَّذي يقوم على وجود إله واحد معروف منذ أربعة عشر قرنًا، وهذا في حدّ ذاته يتَّسق مع القول بأنَّه سوف يأْتي اليوم الَّذي سيتحوَّل العالم فيه إلى قرْية واحدة، ومِن ثمَّ يَحتاج فيه إلى نبيّ عالميّ واحد هو محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم".
إنَّ التكنولوجيات الحديثة تسمح لغير المسلمين أن يفعلوا نفس الشَّيء الذي يفعله المسلمون حسب معتقداتهم، وهنا يتمتَّع الغرْب بقدرات أكبر في استخدام هذه التكنولوجيات لإضعاف عقيدة المسلمين، لكن هذه المخاطر - كما يقول الدّكتور "إدريس" - لا تنكر جدارة الإنترنت وحاجة المسلمين إلى هذه التكنولوجيات لخدمة دينهم.
خصَّصت بعض التنظيمات الإسلاميَّة ومواقع بعض علماء الإسلام ركنًا مهمًّا في هذه المواقع لأدبيَّات المهتدين من النَّصارى إلى الإسلام، ورغم أنَّ وسائل الإعلام المطبوعة والكتب والأقراص المدمجة كانت قد طوَّرتْ هذه الأدبيَّات، وبقي الإنترنت وسيطًا قويًّا فعَّالاً في هذه الأدبيَّات.
تعمل هذه المواقع على تشْجيع النَّصارى على دخول الإسلام بطرُق متعدّدة، تبدأ بمدخل أساس عن الإسلام، ثمَّ تقدّم بعض المعلومات الأساسيَّة لغير المسلمين الرَّاغبين في اعتِناق الإسلام، ثمَّ تعلن أخبارًا تَحتفي بالإسلام كأسْرع ديانة نامية في الغرب، وأخيرًا تُعطي دليلاً إرشاديًّا يوجِّه المسلمين إلى الكيفيَّة التي يدعون فيها النَّصارى إلى الإسلام، وبمرور الزَّمن تتوسَّع هذه الإرشادات وتصبح أكثر تفصيلاً، وتشكِّل مجال خبْرة مُمتدَّة، صالحًا للتَّسويق.
قام "شافيت ووإيزباخ" بتحْليل محتويات العديد من المواقع الإسلاميَّة ودوْرها في اعتِناق نصارى الغرب للإسلام، فتبيَّن لهما أنَّ عرض هذه المواقع لقصص كيفيَّة دخول هؤلاء النَّصارى للإسلام هي من أقوى سبُل الدَّعوة إلى الإسلام.
تشترك روايات التحوُّل إلى الإسلام في خطوط عامَّة، تبيِّن أنَّ الرَّاوي يشْرح أوَّلاً أسباب عدم رضاه عن النَّصرانيَّة، وعن حياته بصفة عامَّة، ثمَّ يشرح الكيفيَّة الَّتي تعرض بها للإسلام ثانيًا، وأخيرًا تُؤَكِّد الروايات على جدارة الإسلام بأن يكون هو الدِّين الحقّ، وتصوّر هذه الرِّوايات خبرات حياة وعواطف وقناعات حقيقيَّة، تحتوي على العديد منَ التفاصيل المرتبطة بالسيَر الذَّاتية لأصحابها، وتتضمَّن هذه التفاصيل مسائل شخصيَّة مرتبطة بالحياة الزَّوجيَّة وغير ذلك.
إنَّ هذه المنهجيَّة تُعطي انْطِباعًا بالمصْداقية، وتولِّد تعاطُفًا من قبل زائري المواقع يُنسَى بمقتضاه أنَّ اعتِرافات الرَّاوي هي جزء من مخطَّط أكبر لإقناع النَّاس أنَّ الإسلام هو الدِّين الحقّ - حسبما يرى "شافيت ووإيزنباخ" - ورغْم ذلك، فإنَّهما قد أكَّدا أنَّ المواقع أو محرريها لَم يتعمَّدوا إعادة صياغة هذه الرِّوايات بالصورة الَّتي تُحقِّق أهداف مواقعهم!
يقول "شافيت ووإيزنباخ": "تُعتبر شهادات النَّصارى السَّابقين أحد أهم المناهج التي تعتمد عليها المواقع الإسلامية في حثِّ غيرهم على اعتناق الإسلام، ولعلَّ مِنْ أشهر هذه الشهادات السّيرة الذاتيَّة للأمريكي الأسود "مالكوم إكس"، يصف "مالكوم إكس" حياتَه قبل اعتِناقه الإسلام بأنَّها كانتْ حياة مليئة بالفساد: ممارسة القمار، إدْمان للمخدِّرات والجنس، وارتِباط بعصابات الجرائم في بوسطن، وبعد اعتِناقه الإسلام ترأَّس "مالكوم إكس" جماعة "أمَّة الإسلام"، وذهب لأداء فريضة الحجّ في مكَّة المكرَّمة، وهناك وجد الإسلام الحقيقي - كما يقول.
ما فعلتْه المواقعُ الإسلاميَّة هي أنَّها أنتجتْ وكرَّرت بكثافة هذه الشّهادة لـ"مالكوم إكس"، واستمرَّت هذه المواقع في إمداد مشاهديها بالعديد من الرّوايات الشَّخصيَّة لمن اعتنقوا الإسلام، مع بعض التغيُّرات التي تسمح للمشاهد بأن يوحِّد نفسه مع واحدة أو أكثر من هذه الرِّوايات.
استخلص "شافيت ووايزنباخ" من روايات النَّصارى عن قصص إسلامِهم الآتي:
1- الخطّ الذي يجمع هذه الروايات بطريق مباشر أو غير مباشر هو مفهوم "العودة إلى الإسلام": ويتركَّز هذا المفهوم حول فكرة أنَّ الإنسان يُولد مسلِمًا بالفِطرة، لكن الأسرة والمجتمع هما اللَّذان يُفسدان هذه الفطْرة؛ بمعنى أنَّ الإنسان يكون قد انحرف في حياته عن الإسلام ثمَّ عاد إليه، وهذه العوْدة تمثِّل العودة إلى الحالة البشريَّة الأصليَّة التي كان عليها، وهذا يعني أنَّ هذه العودة طبيعيَّة، وليست تمرُّدًا أو انقلابًا في حياة الإنسان.
وواضح هنا أنَّ "شافيت ووإيزنباخ" يقصدان الحديث: ((ما مِنْ مَوْلودٍ إلاَّ يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسّون فيها من جدْعاء، ثمَّ يقول: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ﴾ [الروم: 30]))، وهو الحديث الصَّحيح الذي رواه أبو هُريرة - رضي الله عنْه - وجاء في صحيح البخاري؛ (الدُّرر السنيَّة).
وتختلف العلاقة غير المرضية مع النَّصرانية في آثارها ونتائجها؛ فكلُّ الذين تحوَّلوا إلى الإسلام كانوا يُمارسون الشَّعائر النَّصرانيَّة في بداية حياتِهم بسبب خلفيَّاتهم الاجتماعيَّة أكثر من قبولِهم لها كاختِيار ذاتي رُوحي، ومن هنا كان التَّأكيد على أنَّ كلَّ شخص وُلِد مسلمًا وأنَّ المجتمع هو الَّذي أفسده أحدَ أسباب عقلانيَّة اعتِناق الإسلام؛ ولهذا ارتبطت النَّصرانيَّة عندهم بالثَّقافة والتَّقاليد والمجتمع، أكثر منها بالمعتقد الشَّخصي الحقيقي.
2- الفقر الرُّوحي شرط متكرِّر يسبق عمليَّة اعتناق الإسلام:
وجد "شافيت ووإيزنباخ" في تحْليلهما لهذه الرِّوايات أنَّ حالة الفقر الرّوحي لدى مَن يعتنقون الإسلام هي شرط متكرّر يسبق عمليَّة التحوّل إليْه، ثمَّ يأْتي بعد ذلك الإحساس بقُرْب المسافة بين الإنسان والله، وهذا الإحساس هو الَّذي ينتج عنه قبول الإنسان للدّين الجديد.
كما تبين من تحليل الرِّوايات المُشار إليها كذلك أنَّ الكثيرين منهم كانوا يَعيشون حياة معذَّبة قبل دُخُولهم الإسلام، وأنَّهم إمَّا أجبروا على أن يكونوا نصارى أو قبلوا النَّصرانيَّة لأسباب انتهازيَّة.
3- الشكوك حول النصرانيَّة:
يقول "شافيت ووإيزنباخ": ليس هناك ثمَّة دليل على أنَّ للعلمانيَّة والإلحاد دورًا هامًّا في اعتِناق الإسلام، وإنَّما تعلَّق الأمرُ بشكوكهم حول النَّصرانيَّة، شعر معتنقو الإسلام بعدَم عقلانيَّة النَّصرانية كدين، كما أنَّها لم تستطع أن تصِل بهم إلى مفهوم صريح متَّفق عليه عن الله، فهُم لَم يَستسيغوا عقْلاً الجمْع بين الألوهية والكينونة البشريَّة، ولم يَستسيغوا عقْلاً مفهوم التَّثليث، ومفهوم القديسين، ومفهوم الخطيئة الأولى، وكذلك لم يَستطيعوا فهْم أسباب التناقُضات بين العهدَين القديم والحديث.
لَم يكن اعتناقُ نصارى الغرْب للإسلام ناتجًا عن مجرَّد شعور بالخواء الرُّوحي ملأه الدِّين الجديد الذي دخلوا فيه، هناك أيضًا مَن أعمل عقله في قضايا لم يجِدْ لها إجابةً في النصرانيَّة، ووجدها في الإسلام.
الأمريكيَّة "حياة آل كولنز عثمان" كانت تتساءل: هل أستطيع الحديث مع الله مباشرة دون واسطة؟
تقول "حياة": لقد كان الأمريكيّون في الماضي أكثر تديُّنًا ممَّا هو الحال عليه اليوم.
عاشت "حياة" في ظلّ أسرة متديّنة، تمارس أنشطة كنسيَّة مكثَّقة، وتدعو القسس إلى منزلها، تقول "حياة": "كلَّما تعلَّمت من الإنجيل أكثر كلَّما ازدادتْ شكوكي أكثر، إنني لَم أجِد لفكرة الخطيئة الأولى معنًى، ولا لفكرة التَّثليث الَّتي تقول: إنَّ الله ثالث ثلاثة واحد منها بشر".
البريطاني "أبو محمد عبدالله يوسف" تحدَّى غير المسلمين بقولِه لهم: "أنتم مسلمون، لكنَّكم لم تعرفوا هذه الحقيقة بعد".
قضى "يوسف" طفولته في أسرة كاثوليكيَّة شديدة التديُّن، كان الدِّين هو أحد موضوعات دراسته المفضَّلة، حصل في سنّ الحادية عشرة على منحةٍ من مدرسة الجزويت الدَّاخلية، لاحظ "يوسف" عدم الاتّساق بين ما يتعلَّمه من دروس الدين، وبين حقائق التَّاريخ، لم يستطع "يوسف" أن يفهم مسألة عِصْمة البابا في النَّصرانيَّة، وكيف تنتقِل قواعد العِصْمة من البابا القديم إلى البابا الجديد، وعلى أيِّ أساس؟
طبق "يوسف" نفس المبدأ على عِصْمة آيات الله عند الشِّيعة، ولَم يستطع أن يفهم على أيّ أساس تنتقل العِصْمة إلى آية الله الجديد بعد موت آية الله الذي سبقه، وذلك على عكس علماء السنَّة الَّذين لا يدَّعون العصمة، بل يحْرِصون على الوقوف على درجة صحَّة الأحاديث المنسوبة إلى النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
4- إدْراك عقلانيَّة الإسلام، وعدم تعارُضه مع العلم الحديث:
وجد بعض نصارى الغرْب في الإسلام علاجًا لمشكلة العلمانيَّة المتطوِّرة في الحياة الغربيَّة، التي لم تستطِع النصرانية أن تجدَ حلاًّ لها، لكن أهم الأسباب التي دفعتْ بعض نصارى الغرب إلى اعتِناق الإسلام هو إدراكهم عدم تعارُض الإسلام مع العلم الحديث.
تقول "سوزي إكسبوردا" في قصَّتها "لماذا دخلت الإسلام؟": "إنَّ من دلائل أنَّ الإسلام حقّ، أنَّ القرآن يحتوي على تصوُّرات للحقائق العلميَّة التي اكتشفها العلمُ الحديث مؤخرًا، على رأس هذه الحقائق كرويَّة الأرض، والعديد من الإعجازات الأخرى، وإنَّه لَمِن السخرية أنَّ المسلمين يَملكون هذه الحقائق ورغم ذلك فهم متخلِّفون علميًّا عن الغرب".
العالمة النمساوية "أمينة إسلام" تقول: "إنَّ الله تعالى أثبت لي صحة أفكاري عن الإله وعن العالم؛ لأنَّ كلَّ ما جاء به القرآن والذي يدخل تحت مظلَّة العلوم الطبيعيَّة لا يناقض الواقع".
"موسى رايحاني" يقول: "لقد سحرتْني الآيةُ القرآنية التي تقول: ﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: 19، 20]، إنَّ هذه المعجزة تؤكّد أنَّ هذا الدّين حقّ".
ورغْم اختلاف روايات معتنِقي الإسلام من نصارى الغرب، فإنَّها تُجْمِع على عدم عقلانيَّة النَّصرانية، وفراغ الحياة في ظلِّها، في الوقْت الذي ترى في الإسلام عقلانيَّة تربط معتنقَه بالله، ويشعر فيه بالسَّلام الدَّاخلي والانسِجام الاجتماعي.
5- إدراك حقيقة مبْدأ المساواة في الإسلام:
يُقرِّر القرآن مبدأ المساواة بين البشَر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، وعدم أفضليَّة جنس على آخر، هذه المساواة كانتْ سببًا في إسلام بعض النَّصارى، ذهبت امرأة لأحد المساجد لأوَّل مرَّة في حياتها، تقول هذه المرأة: "لقد كنتُ مبهورةً وأنا أرى النَّاس جميعًا سواسية في صفٍّ واحد على اختِلاف أجناسِهم وألوانهم، يركعون معًا، يسجدون جميعًا لصانعِهم، لا وساطة بين الخالق والمخلوق، وذلك على عكْس الحضارة الغربيَّة، وقد عبَّر عن ذلك أحدهم بقولِه: "الكلّ يرتدي رداءً أبيض، أمَّا الاختلافات الجينيَّة فهي بالدَّاخل".
يقول "جون بوخ" الأسترالي الجنسيَّة، الكاثوليكي المذهب، قبل إسلامه: "ليس في الإسلام فضلٌ لعربي على غير عربيّ، ولا لغير عربي على عربي، الكلُّ متساوون".
6- الحملات المكثَّفة المعادية للإسلام، وخاصَّة بعد أحداث الحادي عشر تعزز البحث عن حقيقة الإسلام:
لعبت الحملات المكثَّفة المعادية للإسلام - وخاصَّة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر - دورًا مهمًّا في مُحاولة بعض النَّصارى فهْم الإسلام وتعْزيز معرفتهم به، لقد حوّلت هذه الحملات ما كان يتصوَّر من أنَّه ضعف للإسلام إلى قوَّة، يقول "برادلي" الكاثوليكي المذهب قبل اعتِناقه الإسلام: "كنت مهتمًّا بدراسة الحضارات الأخرى، وشعرتُ بخيْبة الأمل من هذه العجرفة وهذا النِّفاق الذي يسود حضارتَنا الغربية، بدأت أبْحث عن الطريق إلى الله، فوجدتُه في الإسلام وفي عمق معانيه عن الحبّ وعن الحقيقة الرّوحيَّة".
تقول واحدة من اللاَّتي اعتنقن الإسلام: "بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر دخلتُ على محرّك البحث (جوجل) لأعرف هل الإسلام دين قتْل وكراهية حقًّا، بدأتُ أكتب مفردات (الإسلام - القرآن).... أنا كاثوليكيَّة النشأة، لم يزِدْ عمري وقت هذه الأحداث عن سبعة عشر عامًا، التحقت بالجامعة بعد عامَين، والتقيت هناك مع طلاب مسلمين، أعطَوني بعض الكتيبات والأقراص المدمجة عن الإسلام، ذهبت مع بعضهم إلى أحد المساجد، وهناك لم أشعر أنّي في كنيسة؛ بل شعرتُ كأنِّي في بيتي، كانت هذه أولى خبراتي مع الدين الجديد الذي انتسبت إليه".
7- تحدِّي الإسلام قد يقود إليه:
يرْوي "محمد عبدالله يوسف" أنَّه لم يكن محبًّا للإسلام، بل كان يتَّحداه، غادر يوسف بريطانيا في عام 1976 لتعليم الإلكترونيات لضباط وضباط صف القوَّات الجوية في أحد البلاد الإسلاميَّة، يقول "يوسف": "لم يكن سلوك طلابي المسلمين يعجبني ويكن له أثر عندي، منهم من لَم يكونوا مصلّين، وكانوا يعاقرون الخمر، ويمارسون الجِنْس مع النساء، ولم تكن لهم أيَّة ميول دينيَّة، كنت أودّ أن أكون معلِّمًا جيّدًا، بدأتُ بقراءة القرآن لأفهم عقليَّة الطلاب المسلمين أوَّلاً، ولأُثبت خطأ هذا القرآن ثانيًا، كانت النتيجة على عكس ما كنت أرجو، ما إن لاحظَ أحد طلابي أنّي أقرأ القرآن حتَّى أتى لي بأحد الشيوخ المسلمين للتحدُّث معه، سألتُه عدَّة أسئِلة، قال لي الشَّيخ: أنت مسلم؛ ولكنَّك لا تعرف هذه الحقيقة!".
استمرَّ يوسف في قراءة القرآن أكثَرَ وأكثر، تأثَّر يوسف بمنطق القرآن واتِّساقه مع نفسه، وبعد عدَّة شهور أشهر إسلامه.
8- دور العلاقات والصداقات مع المسلمين وسلوكهم الشَّخصي والرحلات إلى بلاد الإسلام في اعتناق الإسلام:
يَرْوي الكثيرون ممَّن اعتنقوا الإسلام كيف أنَّ علاقاتهم وصداقاتهم مع المسلمين أو رحلاتهم وعِملهم في بلاد المسلمين كانتْ سببًا في اعتناقِهم الإسلام.
ورغم اختلاف الظروف التي دفعت النَّصارى إلى دخول الإسلام، فهناك أربعة قواسم مشتركة في كلّ الروايات التي روَوها، هذه القواسم هي: أنَّهم اعتنقوا الإسلام بصفة شخصيَّة، وليس عن خبرة جماعيَّة، والكثيرون منهم اعتنقوه بلا أيّ معرفة سابقة لهم به، وبلا تفكير في أيّ منافع أو مكتسبات أو ضغوط مورست عليهم، وأخيرًا هو أنَّ أصدقاءَهم المسلمين الَّذين كانوا سببًا في دخولهم الإسلام لم يكونوا علماءَ دين أو تلقَّوا تدريبًا دينيًّا خاصًّا، إنَّما كانوا مسلمين عاديّين أرادوا أن يتقاسم الآخرون معهم الحقيقة التي يؤمنون بها.
تؤكّد الروايات التي سردها النَّصارى السابقون الدَّور الجوهري الذي تلعبه الصداقات والعلاقات مع المسلمين في اعتناق النَّصارى الإسلام، كما تؤكِّد أيضًا أنَّ الدَّور الذي يلعبه الإعلام الإسلامي ليس بديلاً عن هذه العلاقات، هذا ما أكَّده علماء الإسلام وحركات الدَّعوة الإسلاميَّة.
إنَّ مثل هذه العلاقات تشكِّل جسرًا بين الطَّرفين يصل ما بين الجهل الكامل بالإسلام وقبول حقيقتِه، لقد تبيَّن أنَّ العلاقات الودّيَّة التي يظهرها المسلمون تِجاه النَّصارى والتي تبدو طبيعيَّة غير مفروضة، يحوطها الإخلاص واللُّطْف، هي أكبر دوافع اعتناق النصارى الإسلام.
عمر الفاروق "توماس أوديناس" سابقًا، كان عمره حين أسلم في حدود الثَّلاثين عامًا، كان له صديق ألماني من أصْل تركي، قدَّمه هذا الصديق إلى مجموعةٍ أُخرى من أصدقائه الأتْراك، أدَّت هذه العلاقة مع مجموعة الأتْراك إلى اهتمام الفاروق بالثَّقافة التّركيَّة، وأعجبه فيها سمات الضّيافة وحرارة العلاقات فيها، ذهب الفاروق إلى تركيا وزار قرْية تركيَّة والتقى بأحد أئمَّة المساجد هناك، وكان لا زال حتَّى هذا الوقت يَخاف الإسلام، ازداد اهتِمام الفاروق بالإسلام، عاد بعد هذه الزّيارة إلى ألمانيا، دعاه هناك أحد أصدقائه إلى أحد المساجد التي تبعدُ ثلاثين ميلاً عن المدينة، وهناك أشْهَرَ إسلامه، وبعد ثلاث سنوات ذهب الفاروق إلى المدينة المنوَّرة ودرس اللُّغة العربيَّة.
إنَّ هذا يبيِّن أنَّ السلوك الشخصي للمسلم يلْعب دورًا هامًّا في اعتناق النَّصراني الإسلام، حينما يتفاعل المسلم مع النَّصراني، تكون حتَّى إيماءاته وصبره وضيافته ذات معنى عنده، كما توضّح ذلك الرواية السابقة.
تقول "حياة عثمان" إنَّها حينما قرَّرت أن تدخل الإسلام اتَّصلت بإدارة أحد المساجد هاتفيًّا، فردَّ عليها أحد مسؤولي المسجد وقال لها: "انتظري، وتمهَّلي قبل اتخاذ قرارك"، شجع هذا الرَّدّ "حياة" وانتظرتْ عدَّة أشهُر ثمَّ قرَّرتْ اعتناق الإسلام.
وممَّا يلفت الانتباه في قصَص اعتناق نصارى الغرب للإسلام أنَّ المسلمين قد يكونون سببًا في دخول النَّصارى دينهم دون أن يقصدوا ذلك!
يقول "شافيت ووإيزنباخ": إنَّ هذا الأمر يوضّح أنَّ حقيقة الإسلام أمر لا مفرَّ منه، وهذا يعني أنَّ مجرَّد الوقوف على حقيقة هذا الدّين يفتح الباب لاعتِناقه كاملاً؛ لهذا فإنَّ الدّعاة المسلمين يوجّهون نصائحهم للمسلمين قائلين: "لا تَخافوا من التَّفاعُل مع غير المسلمين، إنَّ مثل هذا التَّفاعُل قد يخدم مصلحة الإسلام".
9- المشاكل الاجتماعيَّة والعاطفية ووقوع المسلم في علاقة حبّ مع نصرانيَّة يودّ الزَّواج منها، أو العكس، قد يقود إلى الإسلام:
"جنيفر بل" كانتْ تعيسة في حياتها الزَّوجيَّة، فقدت الإيمان بالنَّصرانيَّة، ولم تجد راحة في الهندوسيَّة، ولا اليهوديَّة، ولا الشنتونيَّة، ولا أيّ ديانة أخرى، اتَّجهتْ إلى الإنترنت وزارت غُرَف الشات لتهرب من الواقع الَّذي تعيشه، وفي الشات تعرَّفت على رجُل مختلف عن كلّ الرجال الآخرين، تحدَّثت إليه ولم تعرف سببًا لذلك، قال لها الرجل إنَّه مسلم، في المرَّة الثَّالثة والرَّابعة من محادثته معها شرَح لها معنى أنَّه مسلم، وأرسل لها بريدًا إلكترونيًّا يَحتوي على بعض آيات من القُرآن تثبت كلَّ ما قاله لها.
شعرت "جنيفر" أنَّ كلَّ شيء بدأ يسير في الطَّريق الصَّحيح، وحتى هذا الوقت لم تكن مقتنِعة أنَّ الإسلام هو الدين الصَّحيح، وحينما فشل زواجُها أصبحت محبطة، أعادت الاتصال بهذا الرَّجُل مرَّة أخرى حيث اعتقدتْ أنَّه يعرف كلَّ شيء، طلب منها الرَّجُل أن تغتسِل من الرَّأس إلى القدَم، وأن تجلس بهدوء، وأن تفكِّر بعقْلها.
فعلت "جنيفر" كلَّ ذلك، بدأت تهتزّ من داخلها بشدَّة، ثمَّ توقَّف الاهتزاز، وشعرتْ بحالة من السلام الدَّاخلي المطلق الذي ملأ قلبها وروحها، تقول "جنيفر": "لقد شعرت أنَّ الله دخل قلبي، وقبلت دخول هذا الدين الذي عرضه عليّ، أخيرًا وجدت دينًا يتَّسق مع مشاعري وأفكاري".
"سيشان كاسل" وقع في حبِّ فتاة مسلمة كان يودّ الزَّواج منها، لَم يكن من سبيل أمامه إلاَّ اعتناق الإسلام، شعر "كاسل" بأنَّ هذا إشارة من الله إليه بالدّخول في الإسلام، حصل "كاسل" على نسخة من القُرآن، وتصوَّرت صديقتُه أنَّ هذا بداية طيّبة منه في دخول الإسلام، ولمَّا لم تتأكَّد من ذلك انفصلت عنْه، لم يتسبَّب هذا الانفِصال في ترْكه الاهتمام بالإسلام، بل تزايد اهتمامُه به، قرأ "كاسل" القرآن أكثر فأكثر، وبعد عدَّة شهور اعتنق الإسلام.
في رواية أخرى مشابهة لرواية "كاسل"، تقول "آنا لينا ثروستادوتر" وهي آيسلندية تربَّت في كندا والولايات المتَّحدة، وتزوجت من مسلم كانت قد قابلتْه في دمشق عندما كانت تعمل هناك، تقول "أنا لينا": "لكي أكون أمينة مع نفسي، تزوَّجتُ "محمَّدًا" لأني أحببتُه بالرَّغم من أنَّه كان مُسلمًا، ومع الزَّمن أحببتُه أكثر وأكثر ليس لأنَّه زوجي، ولكن لأنَّه مسلم جيّد".
10- الحديث عن تغيير الإسلام لحياة الناس يدفع الآخرين إلى التفكير فيه:
يقول موسى ريحاني: "كان اعتناقي للإسلام هو أفضل قرار اتَّخذته في حياتي، لقد أصبحت إنسانًا آخر، توقَّفت عن التدْخين، التزمت بالدّقَّة في مواعيدي، إنَّ الإسلام يجعلك تَتَخَلَّى عن السلوكيَّات الشخصيَّة والاجتماعيَّة التي لا تتَّفق معه".
عبداللطيف عبدالله (ستيفن كروس سابقًا) أمريكي، ولد في نيويورك عام 1973، اعتنق الإسلام وهو في الثامنة والعشرين من عمره، يقول "كروس": لقد فهمت الآن فقط لماذا يُعاني غير المؤمنين الخوف بداخلِهم، إنَّ الحياة بدون الإيمان بالله مخيفة حقًّا، إنَّ الإسلام يقدّم لك برنامجًا إلهيًّا لمساعدة نفسك ذاتيًّا، يضع لك كلَّ شيء في مكانه المناسب، يُعطيك معنى للحياة، إنَّ الحياة هي النّظام، الآن عرفت لماذا أنا وُجِدت في هذه الحياة؟
هناك لحظة عاطفيَّة تملأ قلب كلّ مَن يفكر في اعتناق الإسلام، وهي شرط لازم لاعتِناق هذا الدين، وحينما يعتنق الإسلام فعلاً يشعُر بتحولات عميقة في حياتِه، الخواء الذي كان يستشعِرُه في هذه الحياة يتلاشى، وتصبح للحياة عنده معنى وهدف، الخلل الذي كان يسود هذه الحياة يحلّ محلَّه الانسجام والنظام، اليأس الذي كان يسيْطِر عليه يستبدل بالأمل، يزول التردُّد والاضطراب الذي يعانيه ليحلَّ محلَّه السلام مع نفسه ومع من يحيطون به، ومع المجتمع الذي يعيش به، وفوق هذا وذاك مع الله تعالى.
يقول أحدهم صاحب مقولة: "الكلُّ يرتدي الأبيض": "قبل أن أذْهب إلى المسجد كنتُ أشعر بأنَّ الضَّوء الداخلي في قلبي قد احترق، أمَّا في المسجد فإنّي أشعر بالسَّلام وبالطمأنينة والسَّكينة والرَّاحة الداخليَّة، وأجد هذه المشاعر حينما أقرأ القرآن وأفكِّر في معانيه، وأحاول أن أطبقَ تعاليمه".
لا شكَّ أنَّ الحديث عن تغْيير الإسلام لحياة الناس عامل مهم يدفع الآخرين الَّذين يعيشون حياة مضطربة إلى التفكير فيه، خاصَّة إذا سدَّت السبُل أمامهم في إيجاد حُلُول لمشاكِلهم.
11- القرآن وحْده قد يكفي للهداية رغم عدم معرفة المستمع للغة العربية التي نزل بها:
تحت عنوان "لماذا أصبحت مسلمة؟" تقول "سلمى كوك": "بعد أن انتقلت إلى شقَّة جديدة، قابلت جيرانًا مسلمين، فكَّرت في محاولة تحويلهم إلى النَّصرانيَّة، استمعوا إليَّ بصبر، واستمعت إليهم، لَم يدخلوا معي في قضايا معقَّدة، كلّ ما فعلوه هو أنَّهم قرؤُوا عليَّ بضعَ آيات من القرآن، لقد كان هذا كافيًا بالنسبة لي، صوت جميل، لغة عربية جديدة عليَّ، ترجمة سهلة مباشرة لمعاني القرآن، كلّ ذلك لمس شغاف قلبي".
يقول أحد كبار المفكِّرين الإسلاميّين في ذلك: "إنَّ الأداء القرآني يمتاز ويتميَّز عن الأداء البشري، إنَّ له سلطانًا عجيبًا على القلوب ليس للأداء البشري، حتَّى ليبلغ أحيانًا أن يؤثّر بتلاوته المجرَّدة على الذين لا يعرفون من العربيَّة حرفًا، وهناك حوادث عجيبة لا يمكن تفسيرها بغير هذا الَّذي نقول - وإن لم تكن هي القاعدة - ولكن وقوعها يَحتاج إلى تفسير وتعليل، ولن أذكر نماذج ممَّا وقع لغيري، ولكنّي أذكر حادثًا وقع لي وكان عليه معي شهود ستَّة، وذلك منذ حوالي خمسة عشر عامًا؛ كنَّا ستة نفر من المنتسبين إلى الإسلام على ظهر سفينة مصريَّة تمخر بنا عباب المحيط الأطلسي إلى نيويورك، من بين عشرين ومائة راكب وراكبة أجانب ليس فيهم مسلم، وخطر لنا أن نُقيم صلاة الجمعة في المحيط على ظهر السَّفينة!
والله يعلم أنَّه لم يكن بنا أن نُقيم الصَّلاة ذاتها أكثر ممَّا كان بنا حماسة دينيَّة إزاء مبشّر كان يزاول عمله على ظهر السَّفينة، وحاول أن يُزاول تبشيرَه معنا! وقد يسَّر لنا قائد السَّفينة - وكان إنجليزيًّا - أن نقيم صلاتَنا، وسمح لبحَّارة السفينة وطهاتِها وخدمها - وكلّهم نوبيّون مسلمون - أن يصلي منهم معنا مَن لا يكون في "الخدمة" وقت الصلاة، وقد فرحوا بهذا فرحًا شديدًا؛ إذ كانت المرَّة الأولى التي تقام فيها صلاة الجمعة على ظهر السَّفينة، وقمت بخطبة الجمعة وإمامة الصَّلاة، والرّكّاب الأجانب معظمهم متحلّقون يرقبون صلاتنا، وبعد الصَّلاة جاءنا كثيرونَ منهم يهنِّئونَنا على نجاح "القدَّاس"!
فقد كان هذا أقْصى ما يفهمونه من صلاتنا، ولكنَّ سيّدة من هذا الحشد - عرفنا فيما بعد أنَّها يوغسلافية مسيحية هاربة من جحيم "تيتو" وشيوعيته - كانت شديدة التأثُّر والانفعال، تفيض عيناها بالدَّمع ولا تتمالك مشاعرها، جاءت تشدّ على أيدينا بحرارة، وتقول - في إنجليزيَّة ضعيفة - إنَّها لا تملك نفسها من التأثّر العميق بصلاتِنا هذه وما فيها من خشوع ونظام وروح! وليس هذا موضع الشَّاهد في القصَّة، ولكن ذلك كان في قولها: أيّ لغة هذه التي كان يتحدَّث بها "قسيسكم"؟ فالمسكينة لا تتصوَّر أن يُقيم "الصلاة" إلاَّ قسيس - أو رجُل دين - كما هو الحال عندها في مسيحيَّة الكنيسة، وقد صحَّحنا لها هذا الفهْم، وأجبْناها، فقالت: إنَّ اللغة التي يتحدَّث بها ذات إيقاع عجيب، وإنْ كنت لَمْ أفهم منها حرفًا، ثمَّ كانت المفاجأة الحقيقيَّة لنا وهي تقول: ولكن هذا ليْس الموضوع الَّذي أريد أن أسأل عنْه، إنَّ الموضوع الذي لفت حسّي، هو أنَّ "الإمام" كانت ترِدُ في أثناء كلامه فقرات من نوعٍ آخر غير بقيَّة كلامِه! نوع أكثر وأعمق إيقاعًا، هذه الفقرات الخاصَّة كانت تُحدِث فيَّ رعشة وقشعْريرة، إنَّها شيء آخر كما لو كان - الإمام - مملوءًا من الرّوح القدس - حسب تعبيرها المستمدّ من مسيحيَّتها - وتفكَّرنا قليلاً، ثمَّ أدْركْنا أنَّها تعني الآيات القرآنيَّة التي وردت في أثناء خطبة الجمعة وفي أثناء الصَّلاة، وكانت - مع ذلك - مفاجأة لنا تدْعو إلى الدهشة، من سيّدة لا تفهم ممَّا نقول شيئًا!
وليست هذه قاعدة كما قلت، ولكن وقوع هذه الحادثة، ووقوع أمثالها ممَّا ذكره لي غير واحد، ذو دلالة على أنَّ في هذا القرآن سرًّا آخَر تلتقطه بعض القلوب لمجرَّد تلاوته، وقد يكون إيمان هذه السيّدة بدينها، وفرارها من الجحيم الشيوعي في بلادِها، قد أرهف حسَّها بكلمات الله على هذا النَّحو العجيب، ولكن ما بالُنا نعجب وعشرات الألوف ممَّن يستمِعون إلى القرآن من عوامّنا لا يطرق عقولهم منه شيء، ولكن يطرق قلوبهم إيقاعه - وسرّه هذا - وهُم لا يفترقون كثيرًا من ناحية فهْم لغة القرآن عن هذه السيّدة اليوغسلافيَّة!".
انتهى "شافيت ووإيزباخ" من دراستِهما إلى القول بأنَّ الإسلام في نظر علمائِه دين عالمي، والأمَّة الإسلاميَّة هي كيان ديني سياسي يعطي أصحابه هويَّة خاصَّة، قد يفسِّر الغربيُّون ذلك بأنَّه يمثِّل هُجُومًا على ثقافتهم؛ لكن الأمرَ يختلف بالنّسبة للمهاجرين المسلمين إلى دول الغرب.
إنَّ ارتباطهم بدينهم يربطُهم بجذورهم، ويطلب منهم أداء مهمَّة روحيَّة تعوِّضهم عن مشاقِّ الحياة اليومية التي يكابدونها، وتكافِئُهم بالعزّ والشرف لأداء هذا الدَّور.
وبالرَّغم من كلِّ الجُهُود التي بذلها الباحثون الغربيّون في الوقوف على الدَّوافع التي تدفع نصارى الغرب إلى اعتناق الإسلام، تبقى الحقيقة الكبرى: ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: 56].
يقول العُلماء في تفسير هذه الآية التي نزلت في أبي طالب عمّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إنَّ الله - سبحانه وتعالى - أخرج أمْر الهداية من حصَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجعله خاصًّا بإرادته وتقديره - عزَّ وجلَّ - وما على الرَّسول إلا البلاغ، وما على الدَّاعين بعده إلاَّ النَّصيحة، والقلوب بعد ذلك بين أصابع الرَّحمن، والهُدى والضَّلال وفق ما يعلمه مِن قلوب عباده واستِعْدادهم للهدى أو الضلال".
المصادر:
1- أحمد إبراهيم خضر، التحالف الكنسي العسكري ضدَّ الإسلام في العراق وأفغانستان، مجلة المجتمع الكويتية، العدد 1870 في 2 /10 /2009، وكذلك في موقعي (بوابتي تونس ونور الإسلام).
2- أحمد إبراهيم خضر، قبل خمسين سنة: أمريكا المتورطة في أفغانستان، مجلة المجتمع الكويتية، العدد 894 في 6/12/1988.
3- أحمد إبراهيم خضر، الخارجية الأمريكية وواقعة تنصير التلميذات التركيات، مجلة المجتمع الكويتية، 30 أغسطس 1988.
4- أحمد إبراهيم خضر، "المبشرون " بين الافتراء والاعتراف، مجلة المجتمع الكويتية 1988.
5- Daniel Benjamin, The Convert s Zeal: why are so many jehadists converts to Islam? Center on US and Europe, Slate, May 4, 2010
6-Milena Uhlmann , European Converts to Terrorism Middle East Quarterly, Summer 2008, pp. 31-37
7-Uriya Shavit, Global news for a global nation, openpdf.com/ebook/uriya-pdf.html
8- Uriya Shavit and Frederic Wiesenbach, Muslim Strategies to Convert Western Christians, Middle East Quarterly Spring 2009, pp. 3-14.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: