د- جابر قميحة
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 11572 gkomeha@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من بضعة أعوام أقامت سفيرة إسرائيل في النرويج «لورا هرتزل» الدنيا ولم تقعدها علي السلطات النرويجية، مطالبة بإزالة مجسّم يوضح المجازر التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وقالت السفيرة في رسالة: إن المجسم التشكيلي «يظهر أن إسرائيل ترتكب (هولوكوسٍت) ضد الفلسطينيين، وهذا غير مقبول» ويشعر الإسرائيليون أن المجسم يزيد الكراهية لهم في النرويج.
وكان الفنان التشكيلي «سيغورد بيون انغفيك» - الذي توفي في بداية سبتمبر (2004)- قد صمم هذا المجسم التشكيلي واسمه «الجدار» موضحًا موقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وطلب أن يتم عرض المجسم في ساحة «يونس ثورغت» وسط العاصمة النرويجية «أوسلو».
والمجسم عبارة عن قطعة من المعدن كتب عليها أن قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947، وأدي لقيام دولة إسرائيل علي أرض فلسطين التاريخية هو إبادة للشعب الفلسطيني. كما كُتب علي المجسم اسم شارون، والمجازر التي ارتكبها مثل مجزرة صابرا وشاتيلا، بالإضافة إلي كلمات مثل: دمار وعنف، وقتل، وكذلك نجمة إسرائيل ملطخة بالدماء. وحُفرت علي المجسم التشكيلي قنابل وأسلحة ودولارات أمريكية، في إشارة إلي أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تبيع الأسلحة للجيش الإسرائيلي.
شموخ ورفض ودلالات
وقال مدير جمعية الفنانين التشكيليين في النرويج: «إن الجمعية نفذت وصية الفنان، وأن بلدية أوسلو سمحت بعرض المجسم في عدة أماكن، مشددًا علي أن النرويج بلد يحترم حرية التعبير، وعلي الجميع أن يتقبل ذلك، ونحن نستغرب هذا الموقف من سفيرة إسرائيل».
وعبر النرويجيون عن استيائهم من تصريحات السفيرة الإسرائيلية، وقالوا إن المجسم يُظهر حقيقة ما يعانيه الفلسطينيون.
**********
وأمام هذا الخبر لا يخطئ النظرُ عدةَ حقائق ودلالات، نوجزها فيما يأتي:
1- أن إسرائيل نصبت من نفسها وصية، أو دولة ذات «سيادة نافذة مُخترِقة» من حقها أن تقتحم سلوكيات الدول الأخري، وتقوم بتعديلها وفقًا لمشيئتها.
2- أن إسرائيل توظف مصطلح «الهولوكوست» إلي أقصي مدي، وإلي حد الاستنزاف لتظهر أمام العالم أن اليهود الذين كانوا وقودًا للمحارق النازية في الحرب العالمية الثانية، لا يمكن أن يتبعوا هذا النهج الوحشي مع الآخرين.
3- أن إسرائيل تتعامل - علي مستوي العالم - بوجهين متناقضين: الأول يعكس الحرص - في التعامل مع الآخرين- علي الأخلاقيات والقيم الإنسانية، أما الثاني فيشي بتحقيرها عمليًا للقرارات الدولية، بل مخالفتها وضربـها. وتحاول أن تستخلص من النقيضين ما توظفه، ويدرّ عليها النفع في الوقت المناسب فالسفيرة الإسرائيلية - في أوسلو - تقول في احتجاجها علي المجسم المعدني المعروض: «إنه يُظهر أن إسرائيل ترتكب (هولوكوست) ضد الفلسطينيين، وهذا غير مقبول».
4- أن الدولة التي تحترم نفسها تعتز بأبنائها، وتحرص علي حمايتهم، والانتصار لهم في مواجهة أي دخيل متطفل مهما كانت صولته ومكانته علي المستوي العالمي وانتصار الدولة «لواحد» من أبنائها لا يعني وقوفها مع «مواطن فرد»، ولكن يعني دفاعها عن سيادتها، وحفاظها علي كرامتها ومكانتها.
مع الدكتور رفعت
ومعاداة السامية هي التهمة التقليدية التي تلصقها إسرائيل بكل من يكشف سوآتـها، ويفضح أكاذيبها وافتراءاتـها، كما حدث من بـضعة أشهر مع الدكتور رفعت سيد أحمد الذي كتب مقالا في صحيفة «اللواء الإسلامي» من جزئين (في 24/6/2004، 1/7/2004) بعنوان «أكذوبة إحراق اليهود». والمقال يعتبر بحثًا علميًا مركزًا موثقًا، يعتمد علي الاستقراء، ومناقشة الأمور بعقلانية وموضوعية، فهو ينكر المحرقة الهتلرية التي يقال إنها أكلت ملايين اليهود في ألمانيا، وكانت مبررًا صهيونيًا للاستيلاء علي فلسطين. ومع ذلك يُبرز مبدأ إنسانيًا بقوله: «... وإن من الإنسانية واحترام الضمير، ومن التحضر ألا يدفع شعب حر ثمن عذاب شعب آخر (مع الافتراض جدلا حدوثه) لأن ذلك ضد منطق الإنسانية..» والعدل الإلهي مقرر مؤكد لا مرية فيه ، كما نرى في قوله تعالي : {... ولا تزرُ وازرةٌ وِزْر أخـرى ... } [الأنعام: 164].
ويشاء الله أن يشهد العالم أن ما كتبه الدكتور رفعت كلامًا من قيام الصهاينة بمحرقة «هولوكوست» لفلسطين.. صبّه الفنان النرويجي «سيغورد» في مجسم معدني معروض من أيام في أوسلو.. وشهدت السفيرة الإسرائيلية في أوسلو بأن هذا المجسم المعدني يُظهر أن إسرائيل ترتكب «هولوكوست» ضد الفلسطينيين».
درس من النرويجي للبلتاجي
وحينما احتجت السفيرة الإسرائيلية في صراخ وصخب تصدي لها نرويجي (ليس وزير إعلام، ولا رأسًا من رءوس حزب أغلبية) واسمه «أرفي برينغاكر» وهو مدير جمعية الفنانين التشكيليين في النرويج، ورفض الضغط الصهيوني لأن النرويج - علي حد قوله - «بلد يحترم حرية التعبير، وعلي الجميع أن يتقبل ذلك....».
أما في مصر فبعد كتابة الدكتور رفعت مقاله نهض اللوبي الأمريكي الصهيوني والإسرائيلي، وأظهروا «العين الحمراء» لأسيادنا البُعَدا، فانخلعت قلوب، وتحشرجت صدور، وتقفعت أصابع، فأُبعد د. رفعت عن الكتابة في «اللواء الإسلامي». وأُكره الأستاذ محمد الزرقاني علي ترك رياسة التحرير.
وكانت ثالثة الأثافي، وأم المخزيات أن يكتب السيد ممدوح البلتاجي -وزير الإعلام آنذاك- (بوصفه عضوَ هيئة مكتب أمانة الحزب الوطني وأمين الإعلام) مقالاً يعتذر فيه لأبناء عمومتنا اليهود. وختم البلتاجي مقاله- أعني اعتذاره- بأكذوبتين:
الأولي: قوله إن الحزب الوطني الديمقراطي هو حزب الأغلبية في الجماعة المصرية. وهي أكذوبة فادحة، وإذا لم تكن كذلك فما الذي يخيفكم من الانتخابات النزيهة، واختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب المباشر... أعني المباشر الحقيقي الحر ، بلا تزوير ؟
الثانية: قوله: «إن ما كتبه الدكتور رفعت عن أكذوبة حرق اليهود لا يمت بصلة إلي رؤية الإنسان المصري»!!!. يا «راجل» يا كبير.. عيب!! بل يمتَّ.. ويمتّ بصلات لا إلي رؤية الإنسان المصري فحسب.. بل العربي كذلك وإن لم تصدقني «فيلاّ بينا» إلي استفتاء عام علي هذه المسألة بشرط أن يكون حرًا نظيفًا.. وآمل أن يعود القارئ إلي ما قاله النرويجي (أرفي برينغاكر) في تصديه للسفيرة الإسرائيلية في أوسلو، وإلي ما اعتذر به السيد البلتاجي وزير الإعلام ليري أن الفرق شاسع جدًا جدًا.. بين منطق نرويجي يقطر عزة وشموخًا وإباء.. و«كلام» بلتاجي يسيل ضعفًا وهوانًا. وما كان البلتاجي ليستطيع أن يقول «نرفض الضغوط الأمريكية الصهيونية لأن مصر بلد يحترم حرية التعبير، وعلي الجميع أن يتقبل ذلك».
وتبدو الحقيقة مُرة.. مُرّة جدًا ولكنها دامغة تدين منطق الدكتور البلتاجي وزير الإعلام المصري، بل تعصف به وتسقطه، وهي أنه من قرابةعشرين عامًا كان يؤمن برؤية الدكتور رفعت في تكذيب «الهولوكوست»، فعندما كان سيادته رئيسًا للهيئة العامة للاستعلامات، أصدر من خلالها في الثمانينيات ترجمة لكتاب «أرثر بونز» الشهير «خدعة القرن العشرين: أكذوبة إحراق اليهود في أفران النازي» فهل غيّر التاريخُ نفسه ؟ أم تغيرت، وتبدلت النظرة البلتاجية للتاريخ ؟؟!! إن ما تفعله دولة العدوان الصهيونية بالفلسطينيين أشد وأعتي من المحرقة النازية - علي فرض حدوثها جدلاً- إن المحرقة الصهيونية قائمة -لا ينطفئ لها أوار- مما يزيد علي نصف قرن. وما حدث في غزة أخيرا يؤكد ذلك .
كيف تعتذر لهؤلاء؟
نعم ، كيف نعتذر لهؤلاء ، ونصب عيوننا تاريخهم الأسود القذر الدامي ؟؟؟ . ففي عام واحد فقط - هو عام 1948- ارتكب الصهاينة عشرات من المذابح منها:
مذبحة قرية الشيخ - مذبحة قرية سعسع - مذبحة قرية أبو كبير - مذبحة دير ياسين (علي يد الصديق مناحم بيجن)- مذبحة أبو شوشة - مذبحة اللد- مذبحة قرية علبيون - مذبحة قلقيلية.
ومن أشهر مذابح 1951: مذبحة قرية «شرفات» - مذبحة قرية «تلة».
وفي سنة 1953 كانت مذبحة قرية «قبية»
وفي سنة 1956 كانت مذبحة «كفر قاسم»- ومذبحة مخيمات خان يونس- مذبحة مخيم رفح.
وفي سبتمبر سنة 1982 كانت مذبحة «صابرا وشاتيلا» وراح ضحيتها أكثر من 3500 من المدنيين الفلسطينيين أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ.
وفي أكتوبر 1990 ارتُكبت مذبحة المسجد الأقصي.
وفي فبراير 1994 كانت مذبحة الحرم الإبراهيمي.
وفي أبريل 1996 كانت مذبحة قانا.
وفي سبتمبر كانت مذبحة النفق.
ويرتفع منسوب المذابح الصهيونية مع الأيام كمًا ونوعًا: اعتيالات- قتل- نسف- اغتصاب مزيد من الأرض- تخريب الأرض الزراعية- بناء الجدار الغاشم.. إنه تاريخ من الدم والغدر والوحشية..أما ما ارتكبته إسرائيل أخيرا في غزة فمعروف للعالم كله. فهل لهؤلاء تعتذرون يا سيدي البلتاجي؟!
وقرآننا لا بواكي له
وبعد اتفاقية «كامب ديفيد» بدأت إسرائيل مخططًا مدروسًا للقضاء علي هويتنا العربية والإسلامية، وكان من أهم آلياتها لتحقيق هذا الهدف الخسيس تزييف القرآن الكريم وتحريفه: ففي يوليو سنة 1983 كشفت دار الإفتاء الإسلامية في بيروت أن نسخًا من القرآن الكريم غزت الأسواق والمكتبات العربية واللبنانية، وقد زُوّرت بعض آياتها، وحُذفت 160 آية من سور مختلفة، مع إدخال بعض الآيات من سور أخري.
وأشارت المعلومات إلي أن مليون نسخة مزورة من القرآن الكريم تم طبعها سنة 1982 في إحدي دور النشر المعروفة في بيروت بتمويل إسرائيلي، وغُلفت النسخ بالحرير، وطُعّمت بالذهب، ووُزع منها خمسون ألف نسخة في باكستان، و150 ألفا في ماليزيا وأفغانستان وإندونيسيا وتركيا، و150 ألفًا في المغرب العربي، و30 ألفًا في الكويت واليمن...
وما زال مسلسل «المحارق» الصهيونية مستمرًا.. محارق ينصبونها لديننا وعروبتنا وشعوبنا، ولغتنا... إلخ. فهل يعتذرون لنا، كما اعتذرت لهم يا سيدي.. يا بلتاجي ؟!!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: