د- جابر قميحة - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5464 gkomeha@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
توفي عن عمر يناهز 87 عامًا في رمضان 1417هـ، وله عشرات من الكتب. وقد أسس رابطة الأدب الإسلامي بالهند، ثم انتقل إلى الرياض 1986م، وألقيتُ هذه القصيدة في حفل التأبين الذي أقامته رابطة الأدب الإسلامي العالمية بجمعية الشبان المسلمين، بالقاهرة مساء الإثنين 17 من شوال 1420هـ، يناير 2000م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبا الحَسَنِ الندْويََ، والروحُ مثقل ٌ =
بكلِّ عوادِي الحزنِ والقلبُ ينْزِفُ
وقد فاضَ دمعي من تواصُلِ محنتي =
فمـا أوقفَـتْ همِّي مدامعُ تذرفُ
فصـرْتُ كيانًا ضائعًا فـي متاهةٍ =
تَهُبُّ عليهـا الناكـباتُ، وتعْنُفُ
أأرثيكَ؟ لكنْ مَـنْ أعـزِّي، وإنني =
قصيرُ مدَى الأشعارِ، والكونُ يَرْجفُ؟(1).
ففي الأرض من هولِ الفجيعة، مأتم ٌ =
تُقيمُ بـه الأحزانُ حَـرَّى.. وتعكفُ
مشارقُ تبكـي يُتْمها، ومغـاربُ.. =
وقد غِبْتَ عنْها، والنوازلُ تقصف
وإنك يـا ندْويُّ بالحـق أمَّـةٌ.. =
إمـامٌ جليـلٌ، زاهــدٌ، متعفِّفُ..
أتتركنا والقدسُ في أسر عُصْبَةٍ =
تزعَّمَها لصٌّ.. بغـىٌّ.. مزيفُ
**********
وهذي شعوبُ المسلمين وأرضها =
أبـاحَ حماهـا غادرٌ.. مُتصلِّف
تجبَّرَ فيها قـادةٌ مـن صَنيعِه =
إذا وعدُوا خانوا، وخابوا، وأخلفَوُا
وإما اشرأبّتْ للخلاصِ رقابُها =
فليسَ لهـا إلا حبالٌ وأسْيُفُ(2).
وأهلُ النفاقِ النذلِ سادُوا وعربدوا =
وهمُّهمُو مالٌ، وجنسٌ، وزخُرف
سلاحُهُمو الإفكُ الكذوبُ، وإنهم =
بكل سَلولىِّ المناهج.. أعرفُ(3).
فقالوا لأضْرى القوم في البخل "حاتمٌ" =
ومَنْ فاقَ في قبح الملامح "يوسُف"
وقالوا لرأسِ الجبن إنك "عنتر" =
وَمَنْ قد عَداه الحلمُ والعفوُ "أحنفُ"(4).
وأنَّ الذي خانَ القضية "مخلِصٌ" =
وكـلَّ ظلومٍ فاسـدِ الحُكْمِ "مُنصِفٌ"
ضمائرُ مِـنْ عِهْنٍ تُباع وتشتَري =
نمتها قـلـوبٌ بالـرذائِل غُـلَّف
**********
سِجُلكَ ـ يا ندْويُّ ـ بالنورِ ناطقٌ.. =
وإن سـجـلَّ الآخـرين.. تكَلُّف
ضربتَ كما ضْربِ الكليم، ففُجِّرتْ =
عيونٌ عن السحر الحلال تكَشَّفُ(5).
ومشربهـا عـلْم غنيٌّ يرومـهُ..=
وينهلُ منـهُ الظامـئ المتلهِّـف
فعينٌ تُروِّى الروح َبالكلمِ الذي =
يُنقِّي مـداها باليقين.. ويُسْعِـف
وعينٌ لفقهٍ صادق.. متسامح =
جليل العطايا لـم يكـنْ يتعسَّفْ
فما كان دينُ الحقِّ إلا تـوسُّطًا =
وقصدًا، وعـدلاً لم يَشُبْهُ تَطرُّف
وعينٌ لدستور الدُّعاة إلى الهدَى =
يَخطَ إلى الحقِّ الدروبَ.. ويَزْلفُ
يـردُّ سهامَ الكائديـنَ لنحرهمْ.. =
وفيهـم دَعيُّ العلْـمِ والمتفلسـفُ
وعـينٌ لآدابِ يِعِزُّ نظيرُهـا.. =
كمثل نَدىَ الأسحارِ، بل هي ألْطفُ
وعلّمْتَنا أن الفنـونَ رسالـةٌ.. =
مـن الأفق الأعلى تعُبّ وترشِفُ
تَشيدُ وتُعلي فـي بيانٍ مؤثرٍ.. =
سَمَا منْهُ تصويرٌ وفكـرٌ وأحْرفُ
تنزَّه عن طَمْثٍ يسمى "حَداثةً" =
ومـا هـي إلا فتنـةٌ.. وتخلفُ
وأهْدَيْت أبناءَ العروبةِ ـ صادقًا =
"روائعَ إقبالٍ" كما اللحن يُعْزَفْ
وعيبك ـ يا إقبالُ ـ إنك مسلمٌ.. =
ولو كنت بوذيًّا.. لهامُوا وأزلفُوا
**********
قرأتُك يا ندْويُّ بالأمِـس يافِعًا =
وكهلاً وشيخًا.. بالمعارفِ يُشْغَفُ
وعشتُكَ في سُؤْلٍ عن العالم الذي =
هوىَ "بانحطاط المسلمين" يُخرِّفُ
حضارتُنا بالأمس قادتْ مسارَهُ =
ومن نورِها تَخْزَى الشموسُ وتكْسَف
فقامتْ ثقافاتٌ، وعمَّتْ عدالـةٌ =
ومنبعُها القدسيُّ عـزمٌ ومصحفُ
فلما جفونْا شرْعنا هانَ أمْرُنا.. =
كأنا غثاءُ السيل، بل نحنُ أضعف
وفي أدبِ الرحْلاتِ قدَّمْتَ رائعًا: =
رُؤى ودروسًا باليقين.. تّعـرِّف
سياحاتِ حقٍّ قد طويْت بها المدى =
من الشرق والغربِ البعيد تُطوِّفْ
إلى الله تدْعـو، والظلامُ معربدٌ =
وكـلُّ غـوِيٍّ بالمفاسـدِ يهتفُ
وضَمَّرها الحزنُ الأليمُ.. لأمَّةٍ=
غدت في قيود الجهلِ والذل ترسفُ
وعشْتَ بقلب ساعرِ النبضِ مؤمنٍ =
يُخيفُ الأعـادِي، وهـو لا يَتَخوَّفُ
يفيضُ به الإصرارُ والحقُّ والسَّنا =
مَضَى فـي سبـيل الله لا يَتوقّف
فكنتَ رفيع الرأسِ كالطودِ شامخًا =
وفي كلِّ جُلَّى لم يَهُنْ لك موْقف(6)
وآثرت عن دنياك أخرى زهادةً=
وعشتَ كَفافًا، لم يشدّك زخرفُ
كمثل أبي حفص بعام "رمادة"=
يجوعُ ويمضي للجياع ويَغْرِفُ(7)
فمـا كنت "يا ندْويّ" إلا بقيَّة =
مـن السلفِ الميمونِ للحقِّ تهدِف
**********
"أبا الحسن الندْويَّ" يلقاكَ سيدي =
"محمدُ" خيرُ المرسلين.. وأشرفُ
فبلِّغْه عنا فـي الجنان رسالةً =
بأنا ـ دعاةَ الحقِّ ـ لا نتوقف
وأنـا رصْدنا للإلـه جهادَنـا =
ليُقْهَرَ عـادٍ، كـافرٌ، متغطرِف
وننصرَ دينَ الله أنّي توجهتْ =
كتائبُنـا، لا يعترينـا تخـوّف
وكيف نهابُ الموتَ، وهْـو شهادة =
وفينا اشتياقٌ نحـوهـا وتلهفُ
وكـل شهيدٍ فـي الجنـانِ مخلَّد =
يعيش نعيمًا غامرًا ليس يُوصف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يرجف، يهتز ويتزلزل.
(2) اشرأبت: امتدت وتطلعت.
(3) سلولي: نسبة إلى عبد الله بن أبي بن سلول راس النفاق.
(4) الأحنف: بن قيس: أشهر العرب في الحلم.
(5) إشارة إلى قوله تعالى: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا قد علم كل أناس مشربهم...) (البقرة: 60).
(6) الجلي:الأمر الخطير العظيم.
(7) عام الرمادة سنة 18هـ. وفيه كانت أشد مجاعة عرفها المسلمون
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: