يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
منذ أيام مات جار كريم رحمه الله ويشهد جميع سكان الحي له بالصلاح والطيبة وحسن الخلق، وكل أبنائه ورثوا عنه ذات السمت نحسبهم كذلك. وقبل الوفاة بشهرين كان زفاف أحد أبنائه، قبل هذا اليوم لم تكن هناك رابطة قرابة تجمع أصهار الابن بالجار المتوفى إلا تعارف قليل عبر خطبة قصيرة.
ولكن وبعد أن فرغ المعزون من الدعاء للمتوفى لمحت شقيق زوجة الابن في ركن بجوار قبر المتوفى يتضرع إلى الله بالدعاء وقد امتلأت عيناه بالدموع الغزيرة، صافحته، وعدت أتأمل وأتساءل: هل كان يدري المتوفى يوماً من الأيام وهو يشاهد ابنه يكبر أمامه وينهي تعليمه ويعمل ويتزوج أن يأتيه النفع المتمثل في الدعاء والتضرع بعد الممات من جهة شقيق زوجة ابنه؟.
كنت متأكداً من أن سبب حزن صهر الابن هو حسن خلق المتوفى وصفائه ووده وسخائه مع كل من تعامل معهم بما فيهم أصهار الأبناء.
ولكنني توقفت حين التأمل والتفكر عند قول الله تعالى " آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا " وكيف أن النفع نحسب أنه يصل للمتوفى في القبر من حيث لا يحتسب من جهة أصهار الابن، فما بالنا بنفع الابن ذاته من دعاء وصدقة وفعل للخيرات بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما ذكر القرطبي في تفسيره لنفع الأبناء في تلك الآية.
وأخذت أحدث نفسي عن علاقة الآباء بأصهار الأبناء وأثر ذلك على نفسيات الأبناء والأحفاد وسلامة الاستقرار الأسري، وقوة التماسك والترابط الاجتماعي في الأسر والمجتمع ثم انعكاس ذلك على الآباء والأصهار أخروياً قبل أن يكون دنيوياً.
لا ينكر أحد أن هناك الآن في العالم الإسلامي نوع من الفتور في العلاقات بين بعض الآباء وأصهار الأبناء أو العكس سواء بالقطيعة التامة أو التواصل الجاف المبتور والمسبب، ومبررات الفتور في غالبها واهية.
وهذا أمر بدوره يؤثر على نفسيات الأحفاد وطرحهم لتساؤلات لا مبرر شرعي لوجودها، وأيضاً ينعكس الأمر على سلامة العلاقة بين الزوجين وحساسية الانحياز في المواقف التفاعلية المتعددة، مما قد يتسبب في العديد من المشكلات الأسرية، التي قد تؤدي إلى ضعف الرابطة الأسرية بين الزوجين، وتعكير الصفو وامتلاء النفوس بعدم الرضا والسلبية، وهذا بدوره ينعكس على أبنائهم والسماح للحزبية والضغينة أن تنشأ بينهم، وكل ذلك بسبب هذا الفتور المتبادل بين الآباء وأصهار الأبناء.
إن هناك الكثير من المواقف الطيبة في سيرة الصحابة الكرام تكشف عن سمو خلقهم في تعاملاتهم مع أصهار أبنائهم، وهي أخلاقيات نفيسة مفتقدة اليوم عند كثير من المسلمين.
كما أن حكمة الأب والأم في تكوين نوع من المودة مع أصهار الأبناء سيصب في مصلحة ابنهم أو ابنتهم واستقرارهم الأسري ومن ثم سعادتهم، ليأتي النفع بعد ذلك من حيث لا يحتسبوا، فموقف الأمس القريب بالمقابر وبكاء شقيق زوجة ابن المتوفى وتضرعه بالدعاء إلى الله ليغفر للمتوفى كفيل بأن يفكر كل أب وأم في علاقته بأصهار الأبناء، فلا يدري من أين سيأتيه النفع في يوم لا يستطيع المرء ذاته أن يعمل عملاً ينفع به نفسه.
------------
ينشر بالتوازي مع موقع المصريون
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: