تحولات المجتمع الإيراني وبداية الانقلاب على ولاية الفقيه
الهيثم زعفان المشاهدات: 9110 Azeg333@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ماذا يحدث في إيران؟ ولماذا ينفجر المجتمع الإيراني ضد الثورة الخمينية؟ وهل هناك شرخ يتشكل الآن في جدار ولاية الفقيه؟ وهل يمكن القول بأن الولاء للخميني بات على وشك الانهيار؟ وهل هناك شكل جديد للنسيج المجتمعي الإيراني يختلف عن النسيج المجتمعي إبان ثورة الخميني؟ وهل يمكن أن تكون المرتكزات التي قامت عليها ثورة الخميني هي ذات مرتكزات هدمها ولفظها من المجتمع الإيراني؟ وهل الانتخابات الأخيرة كانت بمثابة شعلة الانقلاب على ولاية الفقيه الأمر الذي جعل موسوي يصف تزوير وكذب منظومة ولاية الفقيه في نتائج الانتخابات بأنها تصرفات "ستقوض دعائم الثورة"؟ هذا ما سنحاول ملامسته من خلال هذه السطور.
أولاً... الانتخابات الإيرانية الأخيرة تزوير وقمع ومفارقات:
الانتخابات الإيرانية الأخيرة مختلفة عن أية انتخابات أخرى مرت بها إيران منذ ثورة الخميني 1979 فقد شهدت قمع إعلامي بإغلاق مكاتب لقنوات إخبارية عربية وتشويش على أخرى غربية، وغلق العديد من المواقع الالكترونية على الشبكة العنكبوتية فضلاً عن إغلاق العديد من صحف المعارضة الإيرانية خاصة التابعة للتيار الإصلاحي الإيراني، وصار الإعلام الوحيد المتحدث هو الإعلام الرسمي التابع لتيار المحافظين والموجه من قبل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
صاحب هذا التضييق والتعتيم الإعلامي أحاديث عن ممارسات سلبية أثناء يوم الانتخاب من شأنها التأثير على نتائج الانتخابات لصالح تيار المحافظين والمتمثلة في التلاعب في أعداد بطاقات الانتخاب.
ثم خرجت نتائج الانتخابات بعد أحاديث وتقارير عن نوايا تزوير في عدد الأصوات ليعلن وزير الداخلية التابع لتيار المحافظين النتائج التالية (أحمدي نجاد حصل على 24 مليونا و 527 ألفا و 516 صوتا اي بنسبة 62.63 في المائة بينما حصل أقوى منافسيه مير حسين موسوي علي 13 مليوناً و 216 ألفاً و 411 صوتا أي بنسبة 33.75بالمائة من الأصوات.وبلغت أصوات محسن رضائي قائد الحرس الثوري السابق 678 ألفاً و240 صوتا أي بنسبة 1.73 بالمائة . أما مهدي كروبي رئيس البرلمان السابق فقد فاز 333 ألفاً و 635 صوتاً أي بنسبة 0.85 بالمائة من الأصوات).
بعد إعلان النتائج انقلبت إيران رأساً على عقب ومن مظاهر هذا الانقلاب:
1ـ رفض تيار الإصلاحيين للنتيجة وإعلانه نتائج مغايرة ينجح على أثرها موسوي بفارق ثمانية ملايين صوت.
2ـ الحديث عن تزوير وكذب في نتائج الانتخابات بإشراف على خامنئي المرشد الأعلى للثورة والمفترض أنه عند الشيعة معصوم يتمتع بالعصمة كونه ممثلاً للإمام الغائب الذي دخل السرداب وهو طفل ولم يخرج منه حتى الآن.
3ـ حدوث مظاهرات وخروج مئات الألوف في الشوارع منددين بالتزوير والكذب وداعين إلى إعادة الانتخابات بصورة لم تحدث منذ ثورة الخميني عام 1979.
4ـ لأول مرة في إيران منذ الثورة ترفع ذات اللافتات التي رفعتها الثورة ضد الشاه مثل "فليسقط الديكتاتور" فقد تحول أحمدي نجاد ممثل تيار المحافظين والمدعوم من المرشد الأعلى للديكتاتور الذي يجب إسقاطه.
5ـ قمع غير عادي من قبل تيار المحافظين للمتظاهرين نتج عنه اعتقالات واشتباكات وقنابل ورصاص وسقوط جرحى بل وسقوط قتلى في صفوف المتظاهرين.
6ـ اعتقالات موسعة في صفوف تيار الإصلاحيين طالت رموز وقيادات منه إضافة إلى تحديد إقامة عدد غير قليل من القيادات.
7ـ ما زالت الأحداث الساخنة مشتعلة في الشارع الإيراني تندد بكذب وغش وتدليس وتزوير وظلم القائمين والحامين لمنظومة ولاية الفقيه الشيعية.
فما الذي يحدث في المجتمع الإيراني وهل هي بداية لنهاية ثورة الخميني؟ وهل بدأ الولاء للخميني عند الشيعة في السقوط والاندثار؟ وهل ضاق الإيرانيون ذرعاً بولاية الفقيه؟ وهل هناك تحول فعلي في نسيج المجتمع الإيراني يجعله ينقلب على ولاية الفقيه؟ ولو كان فما هي علامات ذلك التحول؟.
ثانياً.. التحول في النسيج المجتمعي الإيراني وانكشاف حقيقة ولاية الفقيه:
المتأمل للنسيج المجتمعي الإيراني خاصة الشيعي منه في ضوء الانتخابات الإيرانية الأخيرة يلمس حجم التباين الشديد بين مجتمع ثورة الخميني والمجتمع الداعم لتيار الإصلاحيين في تلك الانتخابات، وفي ضوء ذلك التباين يتضح حجم ابتعاد وانسلاخ المجتمع الإيراني من سطوة وجبروت ولاية الفقيه التي ابتدعها الخميني، ومن ثم الولاء للخميني كشخصية قيادية كان يأمل الإيرانيون أن يرو من خلالها واقعاً مغايراً لواقع الشاه. وبعد موت الخميني حاولت منظومة ولاية الفقيه الماسكة بتلابيب السلطة بيد من حديد أن تبقي على الولاء للخميني كأنه خالد ظناً منهم أنه بامتداد هذا الولاء للخميني يضمن المرشد لأعلى الاستمرارية للثورة الإيرانية ومن ثم الحفاظ على السلطة لأطول فترة ممكنة تحقيقاً لحلم عودة الإمبراطورية الفارسية، لكن ذلك لم يكتب له الاستمرار وكانت بداية الانقلاب -والذي لم يبلغ ذروته بعد- تلك الانتخابات الإيرانية التي تم تزويرها وما سبقها وما تلاها من أحداث.
وهناك عنصرين رئيسين في تحولات المجتمع الإيراني يكشفان هذا التباين بين نسيج مجتمع الخميني ونسيج المجتمع المضاد بعد ثلاثين عاماً من ثورة الخميني وهما الشباب والمرأة.
1- الشباب بين خميني 1979 وموسوي 2009
في عام 1979 كان عماد الثورة الإيرانية بقيادة الخميني هم الشباب وبهم قامت الثورة وامتدت إلى الآن والمتأمل لكافة القيادات في المجتمع الإيراني سيجدهم من شباب الخميني، والآن نجد موسوي الشاب السابق في صفوف الخميني والمعارض حالياً لكذب وتزوير وتدليس القائمين على الثورة بما فيهم المرشد الأعلى ينطلق في مسيراته الانتخابية ضد نجاد مدعوماً بالشباب رافعاً شعارات من قبيل " جئت لأدافع عن كرامة الإنسان" وكذلك شعار " سأسعى إلى توسيع نطاق الحريات الشخصية" وهو الوتر الذي يميل إليه الجيل الجديد من الشباب في ظل الانفتاح على كافة المجتمعات. والأمر في جزئية الشباب غاية في الخطورة لأنه في ظل التغيرات السريعة في المجتمع وفي ظل سقوط مثالية ولاية الفقيه وكذبها وتزويرها بحسب ملايين الإصلاحيين وكذلك قمعها للمعترضين على الكذب والتزوير ستتسع قاعدة الشباب التواق للتغيير.
وفي خلال عشر سنوات سيكون هؤلاء الشبان في مواضع ومراكز تسمح لهم بتغيير شكل المجتمع الإيراني ككل ومن ثم سيتسع الشرخ بصورة أكثر بين المجتمع الإيراني ومنظومة ولاية الفقيه.
2- المرأة الإيرانية والانقلاب على ولاية الفقيه
من أكثر مفارقات الانتخابات الأخيرة في إيران هو ظهور ملف المرأة الإيرانية بقوة على سطح الأحداث وهناك أربعة نقاط رئيسية في هذا الملف الشائك:
1ـ لم تشهد الساحة الإيرانية منذ ثورة الخميني 1979 خروج زوجة مرشح للانتخابات في حملته الانتخابية حاملة معها جملة من مطالب النساء لتلف حولها مئات الآلف من النساء الإيرانيات التواقات للتغيير، وإن كانت مطالبهن تتقارب كثيراً مع مطالب الحركات النسوية العالمية ذات المنطلقات الليبرالية. وقد مثل هذا الخروج على المألوف في إيران " زهرة راهنافارد" زوجة موسوي والحاصلة على الدكتوراه في الفنون والتي تقول " أنا من دعاة الحرية واحترام أفكار الجميع... وتضيف .. مساندتي لموسوي مبنية على إيمانه بحقوق المرأة ومكانتها في المجتمع فليس هناك سبب لعدم مشاركة المرأة الإيرانية في مختلف مؤسسات صنع القرار والحكم في إيران".
2ـ ملف المرأة على أجندة موسوي الانتخابية، حيث نجده يدندن كثيراً حول تعديل قوانين المرأة في المجتمع الإيراني والتي تم صياغتها في ظل الثورة الخمينية.
3ـ حفيدة الخميني والتي كان لها دوراً بارزاً في الانتخابات الأخيرة داعمة فيها لموسوي وحاملة لملف المرأة الإيرانية وهي زوجة الدكتور محمد رضا خاتمي شقيق رئيس الجمهورية السابق محمد خاتمي، ونائب رئيس البرلمان السابق، كما أنها من ابرز بنات أسرة الخميني. وهي ترفض للحجاب الإجباري وتطالب بتساوي المرأة والرجال في الحقوق، وهنا مفارقة في التحول في الأفكار المعلنة للخميني وفي بيت الخميني ذاته. وقد اعتقلت حفيدة الخميني بعد إعلان الانتخابات وأفرج عنها في ذات اليوم. ولهذه السيدة تهديد شديد الخطورة ويعبر عن حجم الفساد في دائرة ولاية الفقيه حيث هددت بالکشف عن الملفات السوداء لعلماء وآيات إيران من المحافظين.
4ـ من أبرز نقاط الانقلاب على الثورة الخمينية في موضوع المرأة هو " زواج المتعة" حيث علت مطالب المدافعين عن حقوق المرأة في إيران لإلغاء نظام زواج المتعة باعتباره بوابة للدعارة واللقطاء خاصة بعدما تبين للمجتمع الإيراني أن علماء الثورة الخمينية لا يزوجون بناتهم متعة وبالتالي فإن المجتمع الإيراني يرفض هذا الشكل من الممارسات بين الرجل والمرأة والذي تضيع فيه حقوق المرأة وتستغل جنسياً وتختلط من خلاله الأنساب وترمى الأجنة والمواليد في الطرقات.
ثالثاً... أسباب التحول في نسيج المجتمع الإيراني على مدار ثلاثين عاماً
هناك عدة أسباب وحقائق بانت للشعب الإيراني على مدار الثلاثين عاماً المنصرمة عملت على التحول في المجتمع الإيراني وظهور عدد كبير من المعارضين لحكم ولاية الفقيه والمطالبين بالتغيير والانفتاح على العالم ومن هذه الأسباب:
1ـ أن الخميني نفسه عندما أراد أن يعلنها دولة إسلامية لم يجعل القدوة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه جعل نفسه القدوة والإمام المعصوم الذي ينبغي أن يتم الاقتداء به والسير على دربه، وورث تلك العصمة لمن يأتي بعده من مرشدي الثورة والممارسات السلبية للمرشدين تصيب تلك العصمة في مقتل خاصة أنها لا تنبغي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2ـ أثبتت الحقبة الزمنية من خلال الأحداث المترامية منذ الثورة الخمينية أن أهداف الثورة فارسية وأنها تسعى لإحياء حضارة الفرس وبالتالي فهي ليست إسلامية تسعى لوحدة الأمة الإسلامية كما هو معلن في شعارات الثورة.
3ـ سقوط رمز المثالية والعصمة من على علماء الثورة وبخاصة المرشد الأعلى على خامنئي بمشاركته في تزوير الانتخابات الأخيرة لصالح نجاد.
4ـ وضوح الخديعة بين رفع شعار الديمقراطية والحريات العامة واكتشاف حقيقة استبدادية وديكتاتورية ولاية الفقيه الأمر الذي جعل شعار المتظاهرين الرافضين لهذا الكذب والتزوير والقائمين عليه " ديكتاتورية... ديكتاتورية فالتسقط الديكتاتورية"
5ـ الفساد المالي داخل مجتمع العلماء والآيات والذي تحدثت عنه تقارير عديدة وأيدته حياة البذخ والترف الذي يعيشه العلماء والآيات جعل نموذج القدوة والمثال بل والعصمة ينكسر أمام الشباب الباحث عن القدوة والمثل العليا الأمر الذي من شأنه خلخلة قيمة منظومة ولاية الفقيه في نظر هؤلاء الشباب، وأصوات ومظاهرات ملايين الشباب تجسد هذا السخط.
6ـ في ظل الفساد المالي لعلماء منظومة ولاية الفقيه تساءل الشعب الإيراني حول مصير " زكاة الخمس" والتي يدفعها الشيعة ويحصلها العلماء والآيات ذوي العمامة السوداء تحت مبرر انتسابهم لآل البيت رغم أن معظمهم فارسيون، والكتابات كثرت في الآونة الأخيرة حول الفساد والترف الناجم عن هذا الخمس، فضلاً عن تنديد بعض الشيعة بعدم استفادة الشعب الشيعي من أية مردودات لتلك الزكاة التي يأخذها علماء الفرس.
7ـ كشفت التقارير الاستخباراتية والتي جاء بعضها كوثائق رسمية في كتاب التحالف الغادر ( العلاقات السرية بين أمريكا وإسرائيل وإيران) أن شعار الثورة حول فكرة الشيطان الأكبر ما هو إلا للاستهلاك العاطفي وأن الحقائق توضح التعاون الممتد بين شيعة الثورة من ناحية واليهود والنصارى من ناحية أخرى، وبانت ملامح التعاون بصورة أكبر بعد احتلال الأمريكان للعراق ومساهمات إيران في تيسير الاحتلال وذبح المسلمين السنة، وفي ظل تلك المعطيات تساءل الإيرانيون كيف نعلن العداء على اليهود والنصارى ونحن بالحقيقة نمد لهم يد العون في الخفاء؟.
8ـ نحن الآن نعيش في مجتمع المعلومات والانفتاح على كافة التيارات ومن ثم فإن المجتمع الإيراني ينسحب عليه ما ينسحب على باقي الدول من متغيرات وبالتالي فإن ملامح النسيج المجتمعي المتغير في إيران والمتمرد على ولاية الفقيه تساهم في تركيبته العلمانية والعولمة والليبرالية ومجتمع المعلومات وكافة الأفكار التحررية.
إن الانتخابات الإيرانية الأخيرة لا تقف عند حدود اختيار رئيس الدولة والذي قد يأتي رئيس بعده يهدم كل ما اتخذه سلفه من قرارات، لكن المفارقة هي فيما كشفته تلك الانتخابات عن تحولات في النسيج المجتمعي الإيراني عبرت عن الشرخ في ولاية الفقية وبداية انهيار الولاء للخميني، وفي ظل الفساد المالي والاستغلال الجنسي للمرأة والتزوير والكذب وسقوط العصمة والرمز من على المرشد الأعلى للثورة حسبما كشف الإصلاحيون، وفي ظل تفتح الشباب على الأفكار الأخرى ودراسة جذور وأهداف الثورة الخمينية الفارسية ستتسع قاعدة المعارضين لولاية الفقيه والانقلاب عليها وخلخلتها من الداخل بأيدي فئة الشباب والتي دعمت بناء ولاية الفقيه قبل ثلاثين عاماً.
-------------
ينشر بالتزامن مع موقع المسلم
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: