البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من أعلام المعاصرة المثقف الكبير الأستاذ مصطفى الفيلالي

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3056


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الموت لا يغيّب الحي ولكن يخلّده بأعماله، وممن أعماله لا تموت فقيدنا العزيز، بل فقيد الوطن ومَفْخرة أبنائه الأستاذ مصطفي الفيلالي، الذي هو أكثر من أستاذ وقائد وقدوة في كل مجال من مجالات حياته، النضالية والنقابية والإدارية والسياسية والنيابية والحزبية؛ وفي غير ما سوى ذلك من مجالات الإبداع الفكري والثقافي والفلسفي والديني.

رجل رؤية وإصلاح واستشراف، حتى لكان أحد القلائل، لا تغادرهم خطة أو يغادرونها - أو وظيفة أو مهمة أو رسالة - إلا وهو عالي الهمة كبير النفس، غير طَموع أو طموح في تكريم أو تشريف غير مستوجب أو مستحق؛ وإلا وهو لم يترك فيها بصمته القوية وكلمته النافذة، وكلمته الناقدة كذلك، وأسلوبه المتفرد.

عاصر القبائل والعروش في أوْجها شهامة ووحدة كلمة، ونَفرة ونُصرة واستبسالاً من أجل الوطن ومجده، والدين وعزته، والرجولة وبيض أياديها؛ وعاصر الدولة الحديثة، تحت بسطة القائد الأوحد الموحِّد لقريبها وبعيدها، مغمورها ومهجورها، حضَرها وباديها، وكأنه أراد أن يبني من ورائه أمة واحدة موحدة، تكون كذلك الجزء الذي لا يتجزأ لوحدة المغرب العربي الكبير المأمول ثم للوحدة العربية الإسلامية. ولم يُعجزه حُلمه، وهو الذي يعلم أن الدول لا تُبني بعمر الأنسان القصير ولكن بأعمار الأجيال من عمر البشر، فمضى يُعدِّي على سلبيات المواقف ومخلفات العُقد وصعوبات الظروف بالكتابة والحوار والمحاضرة والتحرك لدفع الهمم وإثارة العزائم، من أجل التمسك بالعروة الوثقى، التي لم يكن ليَفلت حبلها من يده، ككل مؤمن بمستقبل بلاده تحت غير نير الذلّ والتعبية للعادي والمعتدي على ذاتيتها القومية والدينية المخلّدة.

فبقي مصطفى الفيلالي هو هو، الجديد المتجدد مع كل جديد يَجدّ، وكأنه يريد الأول أن يأخذ الأحداثَ على براءتها الأولى ليصنع منها ما صنعه الفاتحون الأولون من مجد لأوطانهم. وظل ثابتاً على عروبته لغة وثقافة وانتماء وعلى دينه عقيدة واجتهاداً، حين كرمه الله بالمسؤوليات الأولى في بناء دولتها الوطنية بعد الاستقلال، ثم في أزماتها بالحداثة والمعاصرة ومواكبة الأمم علماً وتقنية وصناعة؛ ولا تجده إلا مقداماً في الخطوات الأولى للتصحيح والإصلاح والبناء دون التهديم، مثلَ فِعله الحثيث مع الثورة في أقسى ظروفها استقراراً، كأحد شيوخ الحكمة ومراجع النظر والتدبير.

وإذا قلنا إنه، من الأول ملأ صدره بالقرآن الكريم وتربى على فضائل المنشأ في صميم جلاص وأعاليها، مَحتد العراقة والفروسية والكرم والشرف، ثم أخذته الرحلة للعاصمة، من بلدته البعيدة في أعالي شراحيل سيدي علي بن نصر الله، بلدة القرآن والأولياء الصالحين والكدح وبناء الهمم العالية، للتعليم الوطني الحديث العصري من صادقية خير الدين وخلدونية الزيتونة، ما تقَوّم به عُودُه قبل أن تؤهله مواهبه الخارقة على أقرانه للالتحاق بجامعة السربون لنيل الاختصاص في الآداب والعلوم الإنسانية، وفي مقدمتها علوم بلاده العربية وحضارته الإسلامية وما خلفته من آثار على تقدم العلوم الاجتماعية والاقتصادية في فرنسا وفي سائر أوروبا منذ أيام القيروان والأندلس وبلرم وغيرها. وجعلته ينافس فيها أقرانه الفرنسيين في ألزم ما ألزمهم من أسرار تقدّمهم في الحريات وفي جماليات الكون والحياة وفي الديمقراطية واكتساب ناصية العلوم والمعارف.

فلم يكن هذا الزاد ليخطئه في سائر حياته خطيباً مصقعاً ومحاضراً لبقاً ومحللاً اقتصادياً واجتماعياً ومسؤولاً سياسياً ونقابياً ورجل دولة معتبر. وأكثر من ستين عاماً عطاء بعد شبابه الأول وهو على رأس المسؤوليات، لا يخطئ الباحثُ إذا لم يجد عطاء متفرداً في كل سنوات مصطفى الفيلالي الواحدة تلو الأخرى، الى آخر أيامه كيعسوب النحل يعالج خلايا ما بعد الثورة ليستقر على حال تكون للدولة فيها وللمجتمع الغلبة على مشاكل التخلف والنمو.

إن الموت يخلد الأحياء بقدر ما تخلدهم أعمالهم.

تونس في ٢١ جانفي ٢٠١٩


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

مصطفى الفيلالي، تونس، النقابيون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 22-01-2019  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  الانتصار بغمامة وقف إطلاق النار
  ‌الدهس سياسة إسرائيل
  إن الإنسان ليأسى أن يرى أرواحا تزهق باطلا
  مايوت والإعمار أو المحنة بالاستعمار الفرنسي
  ‌‏العاصفة تكشف عن واقع التدمير الاستعماري الفرنسي لجزيرة مايوت الإسلامية
  الذين هم في موعد مع التاريخ
  عدوى التهارش السياسي في الديموقراطيات المعطلة
  ‌‏الشعوب العظيمة شديدة المراس على زعمائها
  ‌لو كان لا يبقى للفلسطينيين غير الدعاء لتحرير أرضهم..
  ‌‏‏لبنان أكبر من حجم التحدي الإسرائيلي الأمريكي
  دافع كره اليهود ومعاداة السامية ؟؟ أو ناتنياهية أشبه بالنازية
  اختبار الإبادة لإسرائيل
  ‏حرب يتحمل تبعاتها الطرف المتسبب
  ‏لا خيار أمام ترامب غير خيار الحق
  لابن خلدون نظر وتحقيق
  ‌في ذكرى انبعاث الطوفان لحمل العدو وآلته العسكرية إلى حيث مصيره
  قتل بحجم النصر لقضية ‏المتوفى
  الإسلاموية في فرنسا
  حبر الانتخاب أو بيعة الرضوان
  ‌قدس يسوى أغلى من حسن وهنية
  ‏لينعم السيد حسن نصر الله باستشهاده
  ‌‏بقتل سيد المقاومة اللبنانية تخسر ‏ إسرائيل
  الرمز يُعلى بالإستشهاد ولا يسقط بالموت
  اللائكية كدين يستقلع الأديان ليحل محلها
  الحرب سجال والإنتصار قتال
  قليل من قلة الذوق ‏والشعارات الفارغة
  عملية أللنبي الأخيرة
  جامعة وكلية وقانون‏ ونفوس معقدة من مخلفات الاستعمار ومقبلات الاستقلال
  المستقبل السعيد
  ونقول للمحسن أحسنت

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سلام الشماع، عمار غيلوفي، رشيد السيد أحمد، د. خالد الطراولي ، أحمد ملحم، د - الضاوي خوالدية، سلوى المغربي، عواطف منصور، أشرف إبراهيم حجاج، أ.د. مصطفى رجب، عزيز العرباوي، د - صالح المازقي، عبد الله الفقير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، منجي باكير، صلاح المختار، المولدي الفرجاني، طلال قسومي، محمود سلطان، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، د. أحمد بشير، حاتم الصولي، رمضان حينوني، سيد السباعي، محمد أحمد عزوز، طارق خفاجي، محمد عمر غرس الله، محمد العيادي، حسن عثمان، أحمد النعيمي، مصطفى منيغ، علي الكاش، د. مصطفى يوسف اللداوي، مجدى داود، حسني إبراهيم عبد العظيم، علي عبد العال، عراق المطيري، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد شمام ، يزيد بن الحسين، د. طارق عبد الحليم، وائل بنجدو، الناصر الرقيق، محمد علي العقربي، أبو سمية، رافد العزاوي، صالح النعامي ، الهيثم زعفان، الهادي المثلوثي، سليمان أحمد أبو ستة، سامح لطف الله، صفاء العراقي، نادية سعد، بيلسان قيصر، فتحي الزغل، تونسي، محمد الياسين، حسن الطرابلسي، سامر أبو رمان ، د. عبد الآله المالكي، ياسين أحمد، العادل السمعلي، رضا الدبّابي، إيمى الأشقر، إسراء أبو رمان، د- محمود علي عريقات، ماهر عدنان قنديل، كريم السليتي، المولدي اليوسفي، محمود طرشوبي، محمد يحي، د - مصطفى فهمي، صفاء العربي، أحمد بوادي، عبد العزيز كحيل، عبد الرزاق قيراط ، فوزي مسعود ، حميدة الطيلوش، د. عادل محمد عايش الأسطل، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - عادل رضا، د- محمد رحال، خالد الجاف ، محرر "بوابتي"، كريم فارق، صباح الموسوي ، يحيي البوليني، صلاح الحريري، فهمي شراب، د - محمد بن موسى الشريف ، مصطفي زهران، د. صلاح عودة الله ، د- جابر قميحة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - محمد بنيعيش، د - المنجي الكعبي، فتحـي قاره بيبـان، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد الحباسي، جاسم الرصيف، أنس الشابي، د.محمد فتحي عبد العال، د- هاني ابوالفتوح، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رافع القارصي، عمر غازي، ضحى عبد الرحمن، سعود السبعاني، عبد الغني مزوز، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد الطرابلسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، إياد محمود حسين ، عبد الله زيدان، د - شاكر الحوكي ، مراد قميزة، محمد اسعد بيوض التميمي، سفيان عبد الكافي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز