اياد محمود حسين- برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 11055
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان الدين عند الشعوب القديمة عبارة عن مجموعة من الاساطير والعقائد والقيم والمواقف مرتبطة بثقافتهم ، والتي تتناول القوى الالهية ونشاطاتها وعلاقتها بالانسان ، وكل هذا ويشكل محورا للثقافة وجوهره . فجميع الاديان القديمة تقوم على اساس عبادة الكواكب ، والقوى الالهية المتعددة . وقد انتج الانسان القديم كمية هائلة من النصوص الدينية الاسطورية التي عبر فيها عن مختلف جوانب عقيدته ، مثل ماهية الالهة ووظائفها ، وخلق الكون والانسان ، والموت والخلود ، وغيرها من العديد من الاسئلة الوجودية المحيرة التي طرحتها جميع الاديان . ونستطيع ان نعتبر ان الانسان العراقي القديم هو اول من خلق مفهوم الشريعة على شكل قوانين ، مثل قوانين حمورابي المشهورة ، فهذه القوانين لم تصدر بأسم الملك حمورابي ، بل صدرت بأسم الاله شمش ، فهو الذي منح هذه القوانين الدينية الى حمورابي . وهذه الاساطير الدينية التي تكونت في عقلية وتفكير العراقي القديم هي التي اثرت على الديانة اليهودية والمسيحية .
وهكذا تواجدت الافكار والمعتقدات والطقوس الدينية منذ القدم, بما يتناسب ودرجة تطور العقل البشرى. وهذه الافكار تكونت عند الناس فى العصور القديمة، و تحولت بدورها الى مفاهيم، وجرى التصديق بها، و أثرت على الإنسان، وجعلت سلوكه ونظرته الى الحياة تتطور بمرور الوقت واصبحت هذه الفكرة المعينة عن الحياة تتمثل فى مجموعة من القناعات والمفاهيم التى تسيطر على افكارهم حول الكون وخالقه بعدما اصبحت البشرية مهيأة ووصلت الى حالة من النضج تستطيع معها استيعاب تعاليم الله التى تجتذب القلب والعقل والاسلام هو دين الفطرة وهو نهاية الشوط فى التشريع السماوى لصالح البشرية وانه جاء وقد اكتمل العقل البشرى وارتفعت الانسانية الى ارفع مما كانت عليه قبله فى الادراك والتعقل.اما هؤلاء الذين يدعون ان الاسلام قد استنفذ اغراضه فى العصر الحالى لتطور الحياة نقول لهم ان هذا الدين لايمكن ان يستنفذ اغراضه بل هذا التطور قد استنفذ اغراضه ووصل الى حافة الانهيار الاخلاقى والاجتماعى والاقتصادى. هذا التطور دمر الحياة الفطرية للانسان ولم يعد هناك توازن بين التطور والحياة بينما الاسلام مازال صالحا للبشرية وحتى مع تطورها لان هو نظام الحياة وبدونه لايكون للحياة طعم . ديننا يحيط بهذا المدى الواسع فى حياة البشر فى افكارهم ومشاعرهم وعملهم وحركاتهم وفى جميع نزعاتهم الفطرية والاسلام رسالة ربانية شاملة تشمل العلم والمعرفة . فالقران يتحدث عن العلم والفكر والتدبير والبصر والعقل فى ايات كثيرة ، ويربط بين ذلك وبين المعرفة باللة والايمان بة . ومدلول العلم فى الاسلام لايقتصر على العلوم الشرعية ، والدراسات الدينية ، وانما يشمل غيرها ، فهو يشمل العلوم الانسانية والعلوم الطبيعية . كما ان رسالة الاسلام دائمة وصالحة لكل عصر، ولاتقتصر على الصدر الاول للمسلمين . .ان الشريعة الاسلامية والنظام لاينفصلان فى الاسلام .
واذا كانت المرجعية فى العلمانية هي البشر فى كل الامور , فالمرجعية فى الاسلام الى الله فى الخلق والامر , واذا كانت العقيدة فى الاسلام تقوم على الايمان بالله وافراده بالربوبية فتشترط افراده بالخلق والملك والتدبير والرزق , فهى ايضا تقوم على التوحيد فى الالوهية فتشترط افراد الله بالتأله والتعظيم وبالطاعة والانقياد المسلم لايخرج الله من دنياه ليقوم هو مقام الله والعياذ بالله . فالله اكد فى اكثر من موضوع ان الامر كله له وان له الخلق والامر فلا حلال الا ماحلل ولا حرام الا ماحرم ومن يرفض سلطة الرب فانه كافر او مشرك بالله. ان كمال العبودية لن يتحقق الا بالبراءة من الشرك والشرك غالب على النصارى والكبر غالب على اليهود. ان اصداء صيحة العودة الى الاصول تهز العالم الاسلامى اليوم وهى تحدى لنا لكى نفحص بعناية تراثنا الاسلامى والحضارى ، وان نفرز هذا الركام التاريخى الذى تجمع عبر القرون ، وان نهجر مايعتبر منه عقبة فى طريق التقدم ، فاذا فعلنا هذا بطريقة عملية مستقلة سنجد ان العودة الى الاصول ليس من المحتمل ان تفسح المجال للتخلف الرجعى ، كما يدعى هؤلاء العلمانيون ، وانما على العكس من ذلك يمكن ان تؤدى بنا الى فهم اصغى للاسلام فى تنظيم الحياة فى كل موقع بما يتفق واحتياجات العصر مع التسليم الكامل لله. ان الاسلام يمنح معتنقيه اساليب ناجحة لمواجهة الحياة فى مجتمع علمانى وذلك لانه خلوه من الاسرار المقدسة ومن النظام الكهنوتى والعماد ورفض فكرة الحرمان الكنسى والموقف الايجابى من المعرفة والبحث العلمى وثم ان التعليم الاسلامى الحديث القائم على المعرفة العلمية وهو عنصر هام لازم للمسلمين فى شهادتهم لله ولانه يقودنا الى افاق جديدة للحياة .
وهناك ثلاث وجهات من النظر متكاملة عن العالم ونظامه وهى . المسيحية والمادية والاسلام وسنجد ان جميع الايدلوجيات والفلسفات والتعاليم العقائدية من اقدم العصور الى اليوم يمكن ارجاعها الى واحدة من هذه النظريات الثلاث. فالنظرة المسيحية المتمثلة فى التركيز على الروح والروحانيات والثانية المرتبطة بالمادة والمحسوسات الواقعية والثالثة الوجود المتزامن للروح والمادة )العلم والدين( معا. والخط الاول يبدا من افلاطون ويمتد حتى المفكرين المسيحين فى العصور الوسطى اما الخط المادى فيتمثل فى طاليس وهرقليطس وسبنسر وماركس. الماديون يعتبرون الحضارة هى يقظة الانسان المرتبطة بالاحساسات الملموسة وليس بالروح حيث تنطلق هذه الحضارة وهى مصحوبة برفض المحرمات الدينية والروحية حيث يعتبرون الانسان حيوان يرفض ان يكون كذلك حسب نظرية دراوين ولكن الانسان وفق فعل الخلق الالهى يقف بصلابة ضد فكرة التطور التاريخى للانسان برمتها لان الحيوانات تعيش بأجسامها وانما الانسان يعيش بروحه. وهذه هى الحقيقة القاطعة للحياة الانسانية على هذا الكوكب . ويقف هذان التياران فى الفكر الانسانى على طرفى نقيض يمثل التيار الاول المذهب الانسانى ويمثل التيار الثانى التقدم وان الدين كما هو فى المفهوم الغربى العلمانى لايؤدى الى التقدم والعلم ولايؤدى الى الانسانية. ولكنه فى الواقع لايوجد دين خالص بدون علم اى بدون وجود عناصر علمية فيه ولايوجد علم بدون عناصر من امل دينى فيه. ان الفلسفة الاسلامية التى ازدهرت حتى نهاية القرن الثالث عشر الميلادى اسقرت على فكرة ان العلم والوحى )الدين( متفقان بالضرورة
ولقد اثبت التاريخ الحضارى للاسلام بشكل مقنع ، ان الدين والعلم يمكنهما حقا ان يتفقا ، لان الدين الاسلامى متسق مع العلم ، وكثير من العلماء الكبار يسود عندهم الاعتراف بنوع من الوحدانية ، وفق هذا يستطيع العلم ان يساعد الدين فى محاربة المعتقدات الخرافية ، فاذا انفصلا ينتكس الدين فى التخلف ويتجه العلم نحو الالحاد. وقد اتخذ الاسلام موقفا وسطا ، ويمكن ادراك ذلك من خلال هجوم الطرفين المتعارضين ضده ، فمن جانب المسيحية اتهم الاسلام بانه اكثر لصوقا بالطبيعة والواقع ، مما يجب وانه متكيف مع الحياة الدنيا ، ومن جانب العلم انه ينطوى على عناصر دينية وغيبية ، وهو اتجاه يمينى بينما يراه المسيحيون فقط لحركة اجتماعية سياسية ذات اتجاه يسارى . ويقول الشاعر ادونيس )ان الرؤيا الدينية الاسلامية هى رؤيا غيبية وحياتية فى ان واحد ، اى نظرة شاملة للفكر والعمل للوجود والانسان للدنيا والاخرة . وبما ان هذه الرؤيا لم تكن تكملة للجاهلية بل نفيا ، فقد كانت تأسيسا لحياة وثقافة جديدتين ( وكما كان الاسلام فى الماضى الوسيط الذى عبرت من خلاله الحضارات القدية الى الغرب فانه فى العصر الحاضر مازال يتحمل دوره كاملا وسط عالم منقسم وهو الطريق الثالث والبديل. واذا كانت العلمانية تتفق مع واقع الحياة الاوروبية بعد انفصالها عن الكنيسة فهل واقعنا الاجتماعى والسياسى والثقافى يلزمنا بأن نحذو حذو التجربة الاوروبية العلمانية بفصل الدين عن الدولة ؟ الاسلام ليس مجرد علاقة بين الفرد وربه ينتهى عند عتبة المسجد ولا هو عقيدة مجردة نابعة من ضمائر البشر بل الاسلام عقيدة وشريعة صالحة للبشرية جميعا لانها شريعة الله صاحب السلطة والحاكمية والالوهية ووحدها واجبة الاتباع والطاعة . وفى الدين الاسلامى ليس هناك انفصال بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية فالاسلام يقوم على اساس التوحيد بين السلطتين كما حدث فى تجربة الحكم الاسلامية الاولى والتى تعتبر فى نظر كثيرا من المفكرين اعظم تجربة عرفتها الانسانية لانها تدعو الى تقييد السلطة بمصلحة الرعية . والاسلام مازال ذلك الدين الصالح لكل وقت وزمان لمواجهة متطلبات الحياة العصرية .
يقول الدكتور مصطفى حلمى ان موضوع الفصل بين الدين والسياسة لم يخطر على بال علماء الاسلام فى الماضى , ولم يثر الا حديثا , خصوصا بعد الغاء الخلافة . فالعلماء المسلمون فى الماضى كانوا يناقشون فى امور الخلافة وعلاقتها بالسياسة والدين , ويشير الى ان اول من دحض مقولة الفصل بين الدين والسياسة او فصل الدين عن الدولة كان الشيخ مصطفى صبرى اخر شيوخ الاسلام فى الخلافة العثمانية فى كتابه )النكير على منكرى النعمة فى الدين والخلافة والامة( ويقول عبد القادر عودة فى كتابه )المال والحكم فى الاسلام( الدين فى الاسلام ضرورى للدولة , والدولة ضرورة من ضرورات الدين , فلا يقام الدين بغير الدولة , ولاتصلح الدولة بغير الدين .
بينما العلمانية هى عبادة الهوى وتحكيمه من دون الله . فالانسان المعاصر الذى شب عن الطوق , واستغنى عن الاله لم يعد بحاجة الى الرجوع اليه . واصبحت العلمانية تتميز بالاهداف والافكار التالية : من ناحية علم النفس , فعلماء هذا الفرع يرون ان الدين كبت ينبغى ان يحطم لكى لايؤذى الكيان النفسى للفرد . والذى يتحدث فى الاقتصاد يقول ان الاقتصاد الصناعى يحتاج الى مجتمع متحرر من القيود الموروثة , ويجب فتح المجال امام المرأة لكى تعمل . والذى يتحدث عن العلوم يدعى ان البشرية فى العصور السابقة لجهلها الشديد كانت تنسب مايحدث فى الكون كله الى الله . والذى يتحدث عن السياسة , يرثى لحال الانسان ايام القرون السابقة حين كان يحتكم ويخضع لقوانين غيبية لايد له فى وضعها , وكان محرما بأسم الطاعة الالهية .
وهكذا نجد الباحثين العلمانيين يكتبون فى كل التخصصات من منطلق العداوة العمياء للدين . ان دعاة اللادينية )العلمانية( من المخادعين والمخدوعين يقولون انه لاضرر على الدين من قيام حياة اللادين , فالجوامع والكنائس ستظل مفتوحة تستقبل افواج المصلين , المؤمنين بالله والدين , وهناك الحرية الشخصية التى لاتضع على حرية العقيدة اى قيد , وتتيح لاى متحمس للدين ان ينضم الى الجمعيات الدينية والاجتماعية , ويمارس معتقداته الدينية بكل حرية واطمئنان . وكل هذه الامور فى نظرهم تجعل الدين يحتفظ بمكانته ونفوذه ضمن دائرته الخاصة , وتتيح له ان يوجه اتباعة فى نطاق هذه الدائرة كما يشاء .
وكما وضحنا ان العلمانية فكرة مستوردة , وهى ليست من الاسلام , ولاهى حتى من انتاج المنتسبين اليها , ولذلك وجب علينا اعتبارها بضاعة مستوردة , نحن فى غنى تام عنها , لانها من حكم نظرتها الى دين الله )الاسلام( لاتدع لنا فرصة للتفكير او التردد ان العلمانية تعنى بداهة الحكم بغير ماانزل الله , اى قيام
الحياة على غير الدين , ومن ثم فهى نظام جاهلى لامكان لمعتقده فى دائرة الاسلام