إياد محمود حسين - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 11987
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لقد جاء ذكر ( المخلص) على شكل اساطير الاولين والبدع التي انتشرت في ذلك الزمان. والاساطير هى الاباطيل فى عرف اللغة ومفردها اسطورة وفى ادب القصة هى قصة جمح فيها الخيال فأخرجها من حدود الواقع والمعقول. . وايما اسطورة او بدعة تتقبلها قلوب العامة وتنتقل بالوراثة من جيل الى جيل . فقد صارت جزءا من حياة امة بل جزءا من دينها واصبحت اصلا من مذاهبه واصوله وشعيرة من شعائره . لو نظرنا لشهادة الحسين وسرد قصة مقتله وتزويدها بما يلزم من رموز وطقوسيات وشعائر لأجل الاحتفاء بموته الاستثنائي مهما اختلف العصر وتغيرت الظروف. بهذا المعني يصبح استشهاد الحسين، قد دخل الثقافة القديمة المتواصلة، استطرادا لموت تموز ـ الإله الشهيد في المعتقدات السومرية. ويصبح النواح الجماعي علي الحسين امتدادا ثقافيا ولكن بأدوات أخري، للنواح علي تموز. إن ثقافة البكاء العراقية القديمة المتواصلة في الشعر والغناء وطقوس المناحة علي الميت، ثقافة قوية تستمد قوتها وسطوتها في المجتمع وربما طغيانها، لا من وقائع حقيقية جرت بالضرورة في أرض الواقع؛ بل من الأساطير أيضا. يرتبط هذا التقدير لقيمة الثقافة البكائية القديمة ودرجة تأثيرها وقوة زخم استمرارها،وبشكل جلي،بتقدير أهمية ما تطرحه من قيم وأفكار ومعتقدات تتصل بتراث جمعي أعم لا يزال فاعلا في المجتمع التاريخي. فمجتمعهم لا يزال يختزن بخلاف سائر المجتمعات الأخري ثقافة بكائية كبري، لا تزال بدورها مستمرة ومتواصلة.
استشهاد الحسين بن علي .
وحسب هذا المعتقد فليس ثمة مظلمة في الأرض والتاريخ تساوي مظلمة الحسين، وبالتالي ليس ثمة ما يضاهي مظلمة الشيعي، مقلده والسائر علي دربه. إن ما يجمع ـ داخل منظومات الفقه الشيعي القديم والمعاصر ـ بين أمثولة التضحية التاريخية التي تجسدها شخصية الحسين بن علي وبين كل تضحية أخري، واقعية أو أسطورية، إنما هو النسق نفسه القابل للتجدد. بيد أن الفقه الشيعي أقام في إطار هذه المقاربة تمييزات مذهلة في صرامتها؛ فكل تضحية أخري مهما كانت منزلة المضحي،عدا تضحية الحسين بن علي، تظل اقل قداسة وطهرانية ومأسوية. إنها التضحية الفريدة والمتميزة والاستثنائية التي لا ينبغي عبور منطقتها الخاصة من دون التطهّر بأمثولتها التاريخية. ليس ثمة تضحية مركزية ـ داخل النسق الفكري للتأويل الشيعي التقليدي ـ سوي تضحية الحسين.ولذا ستتماهي فيها كل تضحية أخري .
فهؤلاء الدعاة والقصاص جلبوا كل خرافات الملل والامم فأخذوا من البوذية والزرادشتية والمانوية واليهودية والنصرانية . ووضعوا وتفننوا ليصنعوا لنا المخلص الجديد . . وهذه الاحاديث سيطرت عليها الاساطير والخيالات فى مبالغتها وخيالها كما وضعوا على الصحابة الكرام مايرفع بعضهم الى ذروة الالهة ووضعوا على باقى الائمة من احاديث ملفقة . وهذا الزحف الهائل من الاساطير والبدع اقتحم معاقل الدين الا انه عجز ان يقتحم هذا الزحف معقل القران الكريم ، وعجز ان يغير منه حرفا واحدا.
والعراق مولد الاساطير والبدع والفتن والتشيع حيث ظهرت الفتن اول ماظهرت فى نجد العراق فقد قال رسول الله (اللهم بارك لنا فى شامنا وفى يمننا قالوا وفى نجدنا قال من هنا يطلع قرن الشيطان ) وذكر ابن حجر العسقلانى وغيره من العلماء ان النجد الوارد فى الحديث هو نجد العراق فقد ظهرت الفتن من هناك حيث قتل الحسين بن على رضى الله عنه فى العراق وظهر اصحاب الفتن والكفر والفساد فى الدين فى العراق) ومن المعلوم ان اول بدعة حدثت فى العراق هو قول عبد الله بن سبأ الذى ادعى الوهية امير المؤمنين على. ومن الشيعة من ادعى امامته وعصمته او نبوته او الهيته . . واصبح من الواجب على كل مسلم ان ينظر بعين العقل والتبصر هل لهذه الاساطير التي انتشرت على شكل قصص في الفكر السومري والبابلي التي جاءت بها الحضارات الشرقية السابقة في وادي الرافدين فيها براهين المنطق والعقل ، ام هى مجرد قصص من اساطير الاولين؟.
لقد تميز تاريخ العراق منذ القدم بكثرة الاساطير ، وبظهور المخلصين اكثر من باقي الامم والسبب لان العراق كان مهد الحضارة ، ونبعت الافكار الدينية من ارضه وانتشرت في الاقطار المجاورة ، لكن تاريخ العراق تحدث عن مخلصين تميزا بقصة فائقة الغرابة. وقصة هولاء المخلصين لاعلاقة لها بالمرة بأنهيار الحضارة العراقية القديمة ، او قيام حضارة جديدة على افقاضها . وان الاساطير الدينية التي جاءت بها تلك الحضارات المندثرة لايمكن تفسيرها وكشف اصلها ومنبعها وظروفها ، لان هذه الاشياء لايمكن لنا ان نفهمها كليا لحد الان .
ومن اهم واول هذه الاساطير التي نحن بصددها الان التي نجدها في حضارة وادي الرافدين ، هي قصة هذين المخلصين هما الإلهين السومريين ( إيليا ) و ( سين ) الاله تموز . وقد ذكر الدكتور نوري المرادي في كتابه المعنون (اسفار ميسان ) قيد الطبع قصة الاله ( (ايليا ) السومري الذي يشبه هذا الاله وقصته والتي هي شبيهة بقصة الامام علي ، والاله سين مثله كمثل الشهيد الحسين بن علي . ومن خلال الفكرة التي طرحها في كتابه فأنه يشبه الامام علي ومأساته المفجعة مثل اسطورة وفاجعة الاله ايليا ، التي هي مأخوذة من التراث السومري القديم . والإله إيليا السومري ورد أول الأمر في الرقيمات الطينية بإسم (( لو لو )) الذي يعني: الإله الذي ذبح، الإنسان الأوّل، الضعيف. ثم تسهل أكديا لينطق على شكل: (( وي لاه )) والذي يذكر المنظور الأكدي انه ذبح فخلط دمه ولحمه مع الطين ليصنع منه الإنسان الحالي (متون سومر ص 86 و160 وغيره من كتب التراث)
وقد أسر الإله إيليا في منطقة الآبسو (الأهوار) بعد حرب مع جيوش الأم تعامة التي أحدثت فتنة بين الآلهة، ثم أقتيد إلى بابل وذبح بقرار من الآلهة، ليصنع منه الإنسان الذي سيتحمل عن الآلة عبء العمل والعناء. وهكذا ذُبح إيليا ونتيجة إستقامت حياة الآلهة حيث من دمه صنع الإنسان الذي خلصها من العمل والكدح. لكن الآلهة سرعان ما ندمت على قتله، لذا بكته كثيرا وتأسفت معتبرة إياه ذهب مغدورا.
هل كانت قصة (وي لاه) حقيقية وفاجعية بهذا الشكل، أمها حادثة عابرة تفخمت مع الزمن، أو هي حادثة من الخيال. فكل هذا لا يهم، أزاء قوة حبكها وشدة إستثارتها لأحزان شنعار على مر العصور. حتى لقد صار إسم الإله (وي لاه!) صرخة للتوجع والوجد والحزن، ولازمة تبدأ بها النواح والأغاني على السواء في شنعار. لذا جعلوا إيليا رمزا لهذا الحزن، وانهم حقا إكتشفوا مظلوميته، لذا بكوه وفي كل مرة يبكون يتصارخون بأحد أسمائه ( وي لاه، يا ويل، يا ئيل ) وكأنهم يطلبون عفوه أو يستنجدوه أن يرفع عنهم عذاب الشعور بالذنب تجاهه. أو كأنهم يرجوه أن يعود إلى الحياة لينصروه، أو يعذرهم، أو ينقذهم (يخلصهم) من عذاب النفس الذي يعانوه جراء جريرتهم بحقه. ويتراكم الزمن، فيتحول تمنّي عودة المظلوم إلى رجاء تتوق النفس الظالمة للخلاص به. فيندب المظلوم ليظهر ويأتي معه الخلاص. وبالمحصلة النهاية صار للمخلوق إمكانية للخلاص. عقيدة الخلاص هذه هي حقيقة ثالث أهم إبداعات الميراث العراقي الإنسانية. وإبداعها الأول هو القول أن الخلق تم بسبب الفعل (كن) والثانية هي عقيدة البداء التي تلغي اليأس من أمر مقدر سلفا ولا فكاك منه.
لكن الندبة تستمر، وتستمر، إنتظارا لذلك العود والخلاص. فتتعدد أشكالها ومضامينها، حتى أصبحنا نرى هذه الندبة تظهر كإشارة لعذاب النفس ولازمة للتوجع (يا ويلي!) والتي تحولت عند اهل الجنوب في العراق .
الغريب في فاجعة الإله إيليا الاسطورية التي حدثت في العراق القديم تتجدد مأساتها مرة في ارض العراق بأشخاص حقيقيين قصة إيليا شبيهة بمقتل علي وولده الحسين ، والشيعة يبكون ويستغيثيون به لعل وعسى يتغير الحال . وحسب التراث الشنعاري الأسطوري فالشخص الثاني الذي جرى عليه ما جرى على إيليا، هو إبنه أو حفيده الإله سين (دو مو سين) او الإله تموز . وقد طغت فاجعة الإله سين على فاجعة ايليا. ولهذا بكاه الشنعاريون قرونا وقرونا، حتى أيام النبي حزقيال (القرن السادس ما قبل الميلاد) حين ذكر في الإصحاح الثامن من سفره، أن: ((ووجدت نساءً يبكين على تموز ))
ومن الصدف التي تحدث في التاريخ انه في بعض احيان القصص الخيالية او الاسطورة التي ينسجها الانسان في خياليه تحدث وقاعائها على ارض الواقع . فهكذا حدث التجسيد الأكبر في قصة الإله المخلص في القرن السابع الميلادي. ففي العام 658 ميلادي ، جاء إلى (الكوفة) الإمام إيلي بن أبي طالب فغدِرَ به وقتل. وقد لا أجزم بسبب هجره لموطنه مكة والمدينة وتوجهه إلى الكوفة . هل هو حقا إفتراض كثرة الناصر والمعين في العراق، وهو المعروف بالحصافة والفراسة وبما يكفي لمطالعة محيطه، أم إنه سار دون علمه يدفعه قدره، الذي هو قدر إيليل المخلص الأول. المهم إنه جاء إثر فتنة كبرى لكن استشهد من جراء هذه الفتنة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل جاء علي كمخلص للبشرية ؟ .
ويذكر الدكتور المرادي في كتابه المذكور اوجه الشبه والتكرار او التجسيد في تطابق الإسمين الإله المخلص إيليا والإمام المخلص إيليا (علي) . ونجد أن الفتنة التي قتلت الأول جاءت من تعامة، والفتنة التي أودت بحياة الإمام إيليا سببتها العامّة، التي قتلت الخليفة عثمان (رض). وإيليا الإله وإيليا الإمام ليسا أبناء بابل، لإنما ساقهما قدرهما إليها.
ثم يستمر قائلا ، ولا مراء في الإختلاف بين معنى إسم إله سين ومعنى إسم الحسين، حيث الأول هو إسم القمر، بينما الثاني من الحُسن (والقمر مثال الحسن أيضا). لكن الصدفة جمعت بين اللفظين بحيث جعلت نطقهما يكاد يكون واحدا، خصوصا في لسان شنعار - مسرح فاجعتهما. فالتقارب بين (إله سين ) و (الحسين ) في لهجات شنعار هو كالتقارب بين الإسمين الأهواز والأحواز، حيث تتبادل الهاء والحاء النطق دائما .وسين هو إبن أو حفيد الإله إيليا. والحسين هو إبن الإمام إيليا. ولم يطلق إسم الحسين على أحد من العرب قبل إبن الإمام علي هذا. ومن أطلقه عليه هو شخص لا يشك أحد بنبوءته؛ ألا وهو رسول الله محمّد (ص). فكأن هذا الرسول النبيّ أُلهم بالإسم الغريب على جزيرة العرب وقتها، وأطلقه على حفيده، كمقدمة إخبارية لكون هذا الحفيد، هو النسخة الثانية (أو البشرية) من إله سين. وإله سين وهو سليل آلهة، لو شاء الحسين لإعتزل شؤون الدنيا، وجاءه المجد والغنى وهو في مقرّه .
وقد إختارت آلهة شنعار الإله سين وإستدعته لينقذ عشتار من ورطتها وهي في العالم الأسفل، فذهب ضحية ذلك الإنقاذ. والحسين إستدعاه ذات الشعب الشنعاري، لإنقاذ الأمة من بقية الفتنة، فراح ضحية رسالته. وقبل رحيله إلى مكان قتله رأى الإله سين حلما بأن الآلهة تدعوه أن يقدم إليها على عجل، وقص الحلم على أخته الإلهة كشتنينا التي تكنّى أحيانا بالإسم ( ليلى ) الذي يعني: الحزينة. والحسين أيضا وقبل رحيله إلى كربلاء رأى حلما بأن جده رسول الله يناديه بالقول: (( العجلة العجلة يا حسين! )) فقص الحلم على أخته زينب، التي تلقب وإلى اليوم بالحزينة. والشيء العجيب نجد ان الإسم ليلي هو إسم أحدى زوجات الشهيد الحسين . والحزينة أخت سين، فسرت الحلم وقالت له إنك مقتول، ومع ذلك شجعته على الرحيل، لأنه قدره الذي لن يفلت منه.
وبعد قرون من هذه الاسطورة السومرية نجد ان النبي حزقيال (القرن السابع ما قبل الميلاد) حين ذكر في الإصحاح الثامن من سفره، أن: ((ووجدت نساءً يبكين على تموز )) وقد جاء الإله سين إلى بابل في شهر سين (تموز) وإعتقلته عفاريت الشر ومنعت عنه الأكل والشرب حتّى مقتله بعد ايام. ومقتله كان في شهر سين (تموز) وفي يوم سين (الإثنين) وفي بابل. (ويوم الإثنين يعني يوم القمر ومنه جاء الإسم موندي). وهو المصير ذاته الذي لاقاه الحسين، الذي قتل ممنوعا من الماء والزاد وفي شهر تموز وفي يوم الإثنين، وفي كربلاتو التي يعني إسمها (ضاحية بابل الجنوبية)
وعشتار حين أدركت خذلانها ليسن وتوريطها له، بكت وصرخت نادبة: (( ويلاه ويلاه! ويلي عليك يا ولدي وأخي سين! لقد إختلط دمك بالتراب وعفر وجهك الأرض، يا فتيات! مزّقن جيوبكن وألطمن صدوركن، لقد قتل الفتى سين، يا فتى يا سين! يا فتى يا سين! )) وبقيت صرختها حتى زمن النبي حزقيال القرن السابع قبل الميلاد وهي العبارات ذاتها نصا وروحا التي يرددها الشيعة اهل الجنوب حتى اليوم ومنذ شعورهم بجريرة خذلانهم للحسين.
وقد نعي إله سين لأكثر من أربعة ألاف عام، أو هو أكثر شخص نعي في تاريخ شنعار القديم. وها هو الحسين ينعى منذ 1400سنة، ولازال. وحين لا نجزم بشخصانية الإلهين إيليل وسين، فنحن أمام حالة ترافق التاريخ البشري وهي ظهور مخلصين حقيقيين بين الفينة والفينة. أو تكرار تجسيد حالة المخلص الإله إيليا على البشر. فمن يجزم بأن هذا التكرار إنتهى؟ ومن يجزم أن لا يأتي مخلص أيا كان، ليجسد شخصانية الإله إيليا؟
وهذا التجسيد الشبه تام ما بين سين والحسين، هل هو مصادفة عابرة أم به سر نجهله؟! ام يمكن اعتبارها نظرية او اسطورة من بنات افكار الانسان القديم ، وطبعا الاسطورة يمكن ان تقع احداثها على ارض الواقع في يوم من الايام . والتجسيد الشبه تام ما بين إيليا الإله وإيليا الإمام، تبعه، تجسيد أكثر كمالا بين الإله سين (إبن إيليا الإله) والحسين (إبن إيليا الإمام). ولم يبق على أن يكون التجسيد تاما كاملا كل الكمال . الا ان الاله ايليا اختراع من خيال العراقيين القدماء ، اما علي فهو انسان لايختلف عن باقي البشر . اذن التجسيد لابد ان يتكرر ولكن ليس بالضرورة ان يظهر من احفاد علي بن ابي طالب كما يدعي الشيعة . واذا ظهر هذا المخلص الجديد فهل حقا سيكون الشيعة من جنده ومن ناصريه يبقى السؤال الأخير: هل نحن مستعدون فعلا لأن نكون جند المخلص الجديد، ولن نخذله مرة اخرى كما خذلناه في السابق ؟! أو هل نحن حقا مهيّأون نفسيا لهكذا خلاص؟!