د- هاني ابوالفتوح - مصر / الكويت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4764
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نعيش في الدنيا ونعلم أننا يقينا راحلون ورغم ذلك نهرب جميعا من لحظة الرحيل ولا نفكر فيها وكيف ستكون وكيف نقابلها وهي واقع لا محال فيه , نمر في حياتنا بعبر كثيرة وحكم للخالق جل وعلا ولا نعتبر , نعيش بين غفلة ورغبة ونهرب من صحوة ورهبة ,حتى الموت لم يعد لنا فيه عبرة فكم قريب وغريب علمنا بموته ونسينا الموت وسكراته ,
ولكن كيف حالك لو رأيت الموت بعينيك وعلمت أن ما يفصل بينك وبينه ما هي إلا لحظات وثوان فماذا عساك أن تفعل في تلك اللحظات التي تمر عليك كالبرق تريد أن تفعل فيها كل شيء قبل أن ينفذ فيك قدر الله ,
ومنذ أيام مضت كنت بين الموت والحياة وهاأنا اليوم قد نجوت برحمة الله وكأنما قدر الله لي أن أعيش لحظات موتي أمام عيني وأقسى ما يمر عليك أن ترى أثر لحظات موتك في عيون أبنائك وأهلك بين صراخهم وصيحاتهم وتضرعهم للخالق سبحانه ,
ما أقساها من لحظات تريدها أن تطول وأنت على يقين أنها العدم وما أقسى أن تنظر النظرة الأخيرة لصغار تتركهم في الدنيا لبارئهم وقلبك يعتصر ألما وحزنا أنك لم تشبع منهم بعد وتريد أن تراهم أكثر حين يشخص بصرك بين يدي الله وتعجز الكلمات وتفقد الحراك وأنت مشتت بين الإستعداد للقاء الله بين التشهد والإستغفار وبين الخوف على مصير هؤلاء ومستقبلهم وهم في غربة عن الوطن والأهل فتسرع بالإتصال بأقرب أصدقائك لتوصيهم بهم وكأنك تسابق الزمن لتلحق بمن يمد لهم يد العون والمساعدة من بعدك وفاءا لك ولذكراك , وحين تقف مقلتيك محدقتين أمام طفلتك الصغرى ذات العشر سنوات وهي تصرخ لالالا وتتساءل في نفسك من ذا الذي سيحن عليها مثلك بعد موتك , وحين تنظر بشفقة وألم لإبنك الوحيد ذو الإثني عشر عاما وأنت توصيه بأمه وإخوته خيراً وتطلب منه أن يتحمل الموقف بثبات وهو ينهار أمامك , وماذا عساك أن ترى مرارة بطعم العلقم وأمامك زوجتك تنظر إليك نظرة وداع في عينيها وتطلب منها أن تكون الأب والأم وهي من تتكيء عليك فتلقي عليها بكاهل الأسرة جميعا في لحظة واحدة لم تخترها ولم تستعد لها ,
هي لحظات بين الموت والحياة تتمناها ألا تمر وتقع أمام عينيك ثم تسرع بعد ذلك في سجدة لله وأنت ترجوه الرحمة بك والمغفرة لك ,
وأي حظ عاثر وابنتك الوسطى تطالبك ألا تموت وأنت لا تملك لنفسك من أمرك شيئا وأن يكون صوت ندائها آخر ما تسمعه وأنت منقول على سرير في سيارة إسعاف ,
أي لحظات ألم وعذاب وحزن ومرارة تلك وهي الحقيقة سواءا تأجلت إلى حين أو نفذت حينها وأي طعم للحياة بعد الموت وأي رغبة في كل فتن الدنيا وشهوتها بعد أن تسمرت قدماك وعجزتا عن الحراك وفقدتا الإحساس والدفء وبعد أن زاغ بصرك وصعدت روحك للحلقوم والدموع تملأ عينيك بحراً وأنت تفارق الدنيا وكنت تعتقد أنك لازلت بعد شابا يافعا , كم تدفع في تلك اللحظة لمن يهب لك لحظة حياة أخرى بعد موتك وماذا عساك أن تفعل إذا منحك الله فرصة لتعلم كيف تكون رحمة الله بعباده وماذا ينفعك في دنياك غير آخرتك , وبماذا تدعو الله تعالى الآن وقد وهبك عمراً آخر رحمة وكرماً وعطاءاً من غير حساب من الخالق الوهاب , وبأي المحامد والشكر ستشكر رب النعم ذو الفضل السميع العليم ,
قصتي أحكيها عبرة لنفسي ولغيري فسبحان من بيده ملكوت السماوات والأرض من جعل لكل أجل كتاب فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستئخرون ,
اللهم إنك أريتني الموت رؤيا العين ووهبتني الحياة من رحم الممات فكيف لا أكون من الشاكرين الذاكرين الأوابين فاللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ويسر لي عند الفراق وعبراته والموت وسكراته ولا تجعل الدنيا في قلبي وإجعل لي في الآخرة حظا أوفر من دنياي وإغفر لي إني كنت من الظالمين .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: