البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المشهد الثقافي في تونس بعد الثورة

كاتب المقال فتحي العابد - إيطاليا    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7412


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الثورة في تونس غيرت فقط نظام الحكم ولم تغير الإنسان بعد، ولذلك مازلت محنة المهتم بالشأن الثقافي التونسي متواصلة بعد الثورة. مازالت ثورتنا لم تطح بعقلية وثقافة سلطوية منتشرة في المجتمع بقدر ماأسقطت نظام سياسي معين. ومن هذا المنظور يمكن القول بأن النتائج الثقافية للثورة التونسية لا يمكن رؤيتها بوضوح إلا إذا ركزنا أنظارنا فقط على الحراك السياسي في مرحلة الثورة وما بعدها، وهو حراك تمثله بشكل أساسي الديناميكيات الحزبية والعقليات الدستورية. أما إنجازات الثورة في ثقافة المجتمع فهي غير ملموسة، لأنه حسب اعتقادي أن الأحزاب الفاعلة في الساحة خاصة حزب النهضة الإسلامي الحاكم الذي عقدت عليه آمالها الشريحة الكبرى من المجتمع وتنتظر منه الكثير، لم يبذل جهدا في هذا المجال، ولم يراهن على الثقافة ولا يبالي بالعاملين فيها، ليس تنكرا لها، إنما تراخيا خوفا من أن يشوهها ذاك السواد الأعظم والظاهر اليوم من مثقفي تونس الذين تمعشوا بحرية قذرة في ظل نظام بن علي، وورثوا عنه عدم القدرة على التعايش مع اختلاف الرأي وإن ادعوا القطع معه، وهي كذلك لم تستطع ضم المثقفين الموجودين خارج حدود الوطن إلى صفها ليخطف منهم الساسة وحدهم زمام تلك المكانة، ولم تستخدم سلاح المثقفين لدعم مواقفها السياسية، والدليل على ذلك أن منابرها في الخارج لم تشهد صدى ولا حبرا للنخبة المثقفة، وبالتالي غدت أغراض السياسة ثابتة ومبادئ الثقافة متقلبة.. على غير العادة.

من الناحية الأخرى ألاحظ أن هناك فتور اليوم من جهة المثقف التونسي الموجود خارج حدود الوطن، ربما لأن الغمة التي كانت تهيمن على صدره انقشعت، وأن التغيير المرجو الذي كان يستمد منه استمراره في الإنتاج المعرفي المنطقي الآن أصبح يراه حقيقة وأنه أمر لامفر منه، أو أنه بدأ يركن إلى الراحة لأنه اعتقد أنه قاد أو ساهم في الثورة.

لقد أقرت الثورة بعجز المثقف عن قيادتها، وأن تهميش الثقافة وتسييسها والتغني من خلالها بصاحب الجلالة خلال عهدي بورقيبة وبن علي يجهض إنشاء حركة ثقافية نشطة ومستقلة، فاستحق كثير من المثقفين الذين عاشوا داخل تونس في حقبة المخلوع البطالة بعيدا عن عقول وقلوب جمهورهم، لغلبة السلطة الأمية على عقولهم الذكية في لمحة عين، وجعلتهم يخشون من إحتمال فقدانهم منصب ثقافي ما، يتبع البلاط أو يرأس اتحادا مثلا، بالرغم أنها مناصب لا ينافسهم عليها أحد بمثل وزنهم الثقافي والشعبي. فهؤلاء خلقوا منتجا ثقافيا مسطحا ترفيهيا في أبعاده، بعيد الصلة عن الواقع، لا يطرح أسئلة الوعي والهوية، مما جعلهم يفشلون في تحمل مشروع تنموي توعوي وطني يتطلع باستقلال الثقافة عن الأفعال السياسية، وقيادة جمهورهم لتنوير المجتمع نحو التحرر والتطور عندما أخضعوا وظيفتهم الإنسانية للغرض السياسي الشخصي وإن من موقع المتغيب وقت الضرورة، ليتحول كثير منهم ضمن الأغلبية الصامتة، وليتحول الجزء الآخر نحو إجهاض الثقافة النقدية وإضاعة فرصة ثمينة لتنمية الفعل المعرفي، وبذلك سقطت عنهم ورقة التوت التي تغطي عورتهم ذات الطبيعة الإنتقائية الساعية إلى حماية مكتسباتهم الضيقة.

بعد حوالي سنتين من الثورة لا يسعنا القول إلا أن تونس امرأة حبلى، وإن كان المخاض يبدو عسيرا فإن سنوات العقم التي سبقته تجعل من الولادة لحظة تستحق العناء.
هناك محاولات لكل طرف من الأطراف والإتجاهات السياسية والإديولوجية لفرض وجوده في الوقت الحالي، بما في ذلك أحزاب الترويكا التي أعيب عليها أنها مازالت لم تلتفت إلى تلك المجموعة من مثقفي تونس في الغرب، التي بادرت بجدية في دورها الجديد من تقييم وتصويب، ولم تتحول بكتاباتها للثورات العربية دون مجتمعها كما فعل الكثير، وهربت من واجبها للتعبير عن مشاعر المجتمع وحاجاته ومناصرة مستلزمات تغييره.

بمعنى آخر أن الثقافة في تونس لم تخرج بعد من سجن النخبة، ولن يكون الرقي بالثقافة في بلدنا ممكنا مالم يتمكن الإنسان التونسي من جميع المعارف. بل تكوينه على أساس القدرة على استنباطها بحسب الظرف، وإعادة الإعتبار للمثقفين الحقيقيين بتقريب أصحاب الأعمال الجديدة اعتمادا على الأعمال التي أبدعوها في الزمن الصعب، سواء داخل الوطن أو خارجه، وعلى نزاهتهم، واحترامهم للمبادئ الثقافية في معناها العميق.

الثورة التونسية تتقدم في انجاز مشروعها السياسي وتعيد بناء أسس الدولة على أسس شرعية وديمقراطية، ونتفهم أن يصير الشاغل السياسي الآني والعملي مركز اهتمام الجميع، فيصبح غالب المتكلمين أما سياسيا يعرض نفسه، أو محللا يستنقص ويستزيد.. ويغفل في الخضم السؤال الثقافي أو يكاد إلا من جملة هنا وأخرى هناك، وفي جمل كثيرة رغبة في ملء شغور أو سد ذريعة، وهو توقع مستقبل الثقافة التونسية في فجر الألفية الثالثة. هل تنتهي الثورة التونسية إلى إنتاج ثورتها الثقافية المنتظرة والمأمولة؟ وهل تقود أو تساهم في توجيه روح الثقافة بعيدا عن التجاذبات الحزبية الضيقة؟

وعلينا أن لا ننسى أن مستقبل ثقافتنا مرهون بإعادة النظر في العديد من مؤسساتنا الثقافية والفنية والفكرية، وأن قائمة موضوعات الفعل الثقافي المستقبلي في تونس لا يمكنها ألا تتضمن عناصر القيم، والزمن، والهوية، كعناصر لم يعد الفصل القديم بين الإرادة والأداة يحميها من شيء، خاصة أنه بفضلها يتجلى جمال ثقافتنا ويظهر صدقها وعفويتها التي تجـعل من المحبة والصداقة والحرية، واحترام الاختلاف بين المثــقفين، عنصرا أساسيا من شأنه أن يعمق الحسّ النقدي لدينا، ويبعــدنا عن كل محاولات إذكاء الصراعات الفـكرية والــعقائدية، وعن الضغائن والأحـقاد التي بدأت تظهر الآن.

الثورة في تونس غيرت نظرة التونسي لوطنه وأدرك حقيقة أنه لم يعرفها من خلال معرفة رجالها، وغيرت نظرة العالم لتونس. تونس اليوم أصبحت مدرسة، بل هي دائما مدرسةٌ عبر تاريخها، وتاريخها تاريخ تمدرُس من العالم \"ماوغون\" إلى الإمام \"سُحنون\"، ومن \"أوغسطيس\" إلى \"مقديش\"، وبين البرادي وابن خلدون، وغيرهم كثير في القدامى والمحدثين.

لذلك لابد من منابر ثقافية تلتزم بمبادئ الثورة لا تحيد عنها، وتنشر قيمها. عندها فقط قد يجد هؤلاء المتملقين الذين أكلوا على جميع الموائد أنفسهم خارج المسار.
وباختصار، فإن الثورة، أية ثورة، لن تكتمل دون ثورة ثقافية، وأتمنى أن لا يطول انتظارنا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، المشهد الثقافي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 10-10-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  بيع الجمل ياعلي
  الهدهد واللقاء الأول
  البغولية
  ابني بدأ يكبر
  ثروة العقول
  حتى لا ننسى..
  الدعوشة إعاقة ذهنية
  الجدية قيمة مفقودة في تونس
  بومباي Pompei عبرة التاريخ
  معنوية النضال
  علاقة النهضة بمنزل حشاد
  حنبعل القائد العظيم
   زرادشتية حزب الله
  بناء الإنسان
  تجديد الفهم الديني
  منزل حشاد
  لطفي العبدلي مثال الإنحدار الأخلاقي
  النهضة بين الفاعل والمفعول به
  حركة النهضة بين شرعية الحكم ومشرعتها الشعبية
  التمرد على اللغة العربية في تونس
  قرية ساراشينسكو “Saracinesco” صفحة من الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيطالية
  هروب المغترب التونسي من واقعه
  سياسة إيران الإستفزازية
  محاصرة الدعاة والأئمة في تونس
  المعارضة الإنكشارية في تونس
  حجية الحج لوالديا هذا العام
  إعلام الغربان
  المسيرة المظفرة للمرأة التونسية عبر التاريخ
  رسالة إلى الشيخ راشد الغنوشي
  الدستور.. المستحيل ليس تونسيا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد يحي، العادل السمعلي، د- محمد رحال، عراق المطيري، علي الكاش، نادية سعد، مصطفي زهران، أحمد بوادي، سلام الشماع، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د- جابر قميحة، سيد السباعي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد الياسين، إياد محمود حسين ، محمد أحمد عزوز، محمود فاروق سيد شعبان، عمار غيلوفي، محمد الطرابلسي، سعود السبعاني، مصطفى منيغ، صالح النعامي ، وائل بنجدو، محمد العيادي، د.محمد فتحي عبد العال، رمضان حينوني، د. خالد الطراولي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حسن عثمان، إسراء أبو رمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. طارق عبد الحليم، تونسي، خبَّاب بن مروان الحمد، أبو سمية، د. صلاح عودة الله ، رضا الدبّابي، صفاء العراقي، أحمد الحباسي، سامح لطف الله، أحمد النعيمي، عواطف منصور، د - شاكر الحوكي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحـي قاره بيبـان، عمر غازي، صباح الموسوي ، سفيان عبد الكافي، منجي باكير، رافد العزاوي، إيمى الأشقر، فتحي الزغل، عبد الله الفقير، ضحى عبد الرحمن، عبد الغني مزوز، فوزي مسعود ، عبد الرزاق قيراط ، المولدي الفرجاني، د - صالح المازقي، الناصر الرقيق، مراد قميزة، محمد عمر غرس الله، حاتم الصولي، حميدة الطيلوش، صلاح الحريري، يزيد بن الحسين، كريم فارق، د- محمود علي عريقات، فتحي العابد، محمود سلطان، حسني إبراهيم عبد العظيم، عزيز العرباوي، طلال قسومي، د - المنجي الكعبي، د- هاني ابوالفتوح، أ.د. مصطفى رجب، رافع القارصي، سليمان أحمد أبو ستة، كريم السليتي، د. أحمد محمد سليمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، صفاء العربي، عبد الله زيدان، ماهر عدنان قنديل، د. عبد الآله المالكي، مجدى داود، محمد شمام ، د - الضاوي خوالدية، سامر أبو رمان ، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد ملحم، محمود طرشوبي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حسن الطرابلسي، أنس الشابي، الهيثم زعفان، رشيد السيد أحمد، د. أحمد بشير، محمد اسعد بيوض التميمي، د - محمد بنيعيش، جاسم الرصيف، يحيي البوليني، الهادي المثلوثي، خالد الجاف ، علي عبد العال، محرر "بوابتي"، د - عادل رضا، سلوى المغربي، ياسين أحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، فهمي شراب، د - مصطفى فهمي، صلاح المختار، د. عادل محمد عايش الأسطل،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة