د- هاني ابوالفتوح - مصر / الكويت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4536
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كاذبون، حازمون، شاطرون، سنحيا كراما، واحد مننا، يسقط يسقط حكم العسكر، الفلول، هي بعض من كلمات وأزمات مرت بالوطن نتج عنها أصوات تتعالى ودماء تنزف ونيران تمزق سِتْرَ مصر وتقتل فجرها ومشهد عاد بذاكرتي أكثر من خمسة عشر شهرا أراجع ما كنا فيه وما صرنا إليه، مرت الأحداث بمرها ومرها بألمها ودموعها وحرقتها لتقتل كل سعادة وبهجة تمنيناها حصاد ليلة لم يكتمل فرحتها ولم نحصد ثمارها وعروس لم تسعد بثوب فرحها ولم تنهي حدادها ولا يعلم إلا الله متى هو،
أنظر للمشهد من زوايا عدة لأكون منصفا مع نفسي أولا فبداية الطريق أن تعدل في قياسك للأمور وتحليلك للأحداث وترفع عن كاهلك كل إنتماءاتك وتمنياتك فالواقع يقول أننا نعيش في بلد متعدد الثقافات والفكر والهوى ومتنامي الأطراف من الصعب أن تجمع فيه قلوبا شتى تخاف من بعضها البعض كالفرقاء، فالإسلاميون منقسمون فلا فريق الإخوان يسمح بالتنازل لجمع الصوت الإسلامي معا ولا السلفيون يقبلون بسيطرة الإخوان المطلقة ولا التيار المتشدد يقبل بالإعتدال وكل يرى نفسه الحق المطلق،
حتى الإخوة الأقباط لا يتفقون أيضا علي قلب واحد وفكر واحد، وقس على ذلك اليساريون وكم مرشح لهم في إنتخابات الرئاسة، وإذهب لشباب الثورة وكيف تنازعوا وإنقسموا منذ البداية على من الأحق بميراث الثورة ومن صاحب النصيب الأكبر من التورتة فرأينا عشرات المسميات والإئتلافات والأفكار،
ورغم كل هذا التباين والتناقض لا تمثل جميع تلك الفئات المتنافرة الطامعة الطامحة الشعب بأسرة بل أن الأغلبية المهمشة صاحبة العدد الأكبر هي الصامتة التي تتأثر ولا تؤثر في الأحداث رغم كثرتها وغلبتها إلا انها شتى فتسير حسبما يتجه بها الريح وتقذفها الأمواج وربما تفتت أصواتها مع الجميع وربما يرضى الكثيرون منها عن حكم العسكر،
وسط هذا الرخام المتراكم نتيجة لفقدان ثقافة الحرية وفهمها الصحيح وإدراك قيمتها ومسؤوليتها، ورث المجلس العسكري إرثا ثقيلا من نظام حكم فاسد عاش آخر عشر سنوات من عمره ليقسم أواصر الوطن ويفكك أركانه ويفقد ثرواته ويعبث بخيراته فزادت الهوة والعزلة بينه وبين فئات الشعب المختلفة، كما تحمل المجلس العسكري إرث أنظمة حكم توالت لمدة ستون عاما منذ قيام ثورة يوليو كان من يجلس على مقعد الحكم فيها ممن ينتمي للمدرسة العسكرية، وهناك من أضير كثيرا من هذه الأنظمة نتيجة لصراع أيديولوجي وحرب تكسير عظام ومخاوف دارت رحاها بينهما، وكأن قيام الثورة قد أذن بأن وقت رد الدين لهم قد حان فلم تعد الآلة العسكرية حاكمة حكما مطلقا قويا يسمح لها بالسيطرة على الأمور وترجيح كفتها، فوجدها البعض فرصة سانحة للإنتقام من كل ما ينتمي لهذه المدرسة حتى لو كان فيها وطنيون شرفاء أحرار أطهار حالهم حال الآخرين من المدنيين، ومهما إختلفنا مع من حكمونا طوال السنين الماضية فهم أنفسهم مختلفين عن بعضهم البعض فكرا ورسالة وأهدافا، ولكل مرحلة سلبياتها ولن نخوض في تعداد الأخطاء لكن من منا يستطيع أن ينكر أن جمال عبد الناصر قد غير وجه الحكم في مصر كلية والعالم العربي والإفريقي بأسره، ومن يستطيع أن ينكر أن السادات قد أخذ على عاتقه قرار الحرب وتحرير الأرض وإعادة الهيبة لا للعسكرية المصرية وحدها بل للشرف العربي كاملا، ومن يستطيع أن ينكر أن العشر سنوات الأولى لحكم مبارك كان فيها من الإيجابيات لعودة مصر للجسم العربي دون تقديم تنازلات وبدأ فيها إقامة بنية أساسية للوطن حتى بدأ عقد التسعينات في الإنحدار والإنفصال عن الوطن ومتطلباته،
ومن الذي يستطيع أن يجزم أن الحكم المدني القادم هو جنة الله في أرضه وأنه العدل ولا سواه وأنه سينهض بمصر لمصاف الدول العظمى وأن مصر ستهدأ تماما بعدها فلن تقوم ثورات ولا أخطاء وسيعم الرخاء ويتفق الفرقاء ويسعد الكادحون والبسطاء،
الحقيقة الواحدة هي أن من يجلس على مقعد الحكم لابد أن يكون وطنيا مخلصا أمينا حرا في ذاته عادلا ولا يحكم برغباته وأهوائه وبأهل الثقة لا أهل الخبرة، قويا لايخشى إلا الله فالحاكم العادل القوي الأمين هو ما تحتاجه مصر الآن أكثر من أي وقت مضى لأن بعض الناس وهم كثيرون في مصر يحتاجون للحزم والحسم ليهابون سلطة الدولة وحقها، والبعض الآخر لا يحترم إلا سطوة القانون وقوته،
ولن يستقيم حال مصر بعد الثورة مع سياسة الأيدي المرتعشة التي مارسها المجلس العسكري في الكثير من المواقف والأمور التي كانت تحتاج من أول يوم للحزم والقوة مع العدل فبات في كثير من المواقف ضعيفا عاديا ضاعت معه هيبة الدولة وقيمتها تحت مسمى الحرية الثورية والخوف من ضغط الشارع مما نتج عنه كثرة الفرقة والصراع والإنقسام وزادت المطامع فيه فبات الهتاف ضده هو أقل الأشياء حتى وصلنا لليوم الذي نرى فيه مبنى وزارة الدفاع المصرية هدفا لهجوم البعض وهو المكان الذي لم يجرؤ أشد أعدائنا على الإقتراب من حماه، وبات الإعتداء على جندي مصري وقتله شيئا عاديا لأن هذا هو حصاد سياسة الضعف والإستجابة للضغوط في وقت كانت مصر في أشد الحاجة لإنضباط المدرسة العسكرية وحزمها وإلتزامها خلال المرحلة الإنتقالية لا سياسة الأيدي الناعمة المرتعشة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: