يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5243
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
استمر منحنى الثقة في نوايا المجلس العسكري في التذبذب بين صعود وهبوط عند كل القوى السياسية في الشارع المصري , فما بين مفرط في الثقة يصور المجلس العسكري غير طامع إطلاقا في ممارسة أي سلطة سياسية فعلية وسيتخلى تماما عنها ويعود إلى ثكناته في الوقت الذي حدده , وما بين مفرط في عدم الثقة في الجيش معتبرا أن المجلس العسكري يمارس على ارض السياسة ما يجيده تماما في ميادين المعارك من وضع الخطط وفتح الثغرات والانقضاض على الخصم واختيار دقيق لموعد ومكان المعركة .
وكلا الطرفين ومَن بينهما على حق , فالمجلس العسكري يساهم بنفسه في حالة الضبابية , بل ربما يتعمد إيجادها وتثبيتها حتى يترك كل الخيارات متاحة ومحتملة أمامه لمواجهة أي طارئ خلال الفترة المقبلة مستمسكا بكل خيوط اللعبة في يديه .
فقد يكون فهم نوايا حاكم واحد عسيرا في الكثير من الأنظمة – وعلى عبد الله صالح خير مثال – فكيف يكون فهم 18 قائدا حربيا يشكلون مجلسا حاكما يتحدث كل منهم بلغة سياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار , فبينهم المتشدد الحريص على الحكم والقيادة ومنهم من يؤكد أنهم راحلون وإنهم لا رغبة لهم في الحكم , ولهذا فالأمر جدا في منتهى الصعوبة لفهم نوايا المجلس العسكري تجاه مسالة الحكم في مصر .
ولعل أكثر ما أشعل تلك التكهنات وزاد من صعوبة تخلي الجيش عن السلطة أن الشعب قد اختار إسلاميين ليمثلوه في المجالس النيابية التي يحق لها وفق الدستور الحالي وكل الدساتير في كل الدول ممارسة دورها التشريعي والرقابي على كل مؤسسات الدولة , فأصبح الصدام قريبا ومحتملا جدا بين الإسلاميين وبين كل خصومهم السياسيين الداخليين منهم والخارجيين , وبالطبع لن يكون لخصوم الإسلاميين حائط أقوى ولا أمنع لصد هذا المد الإسلامي إلا المجلس العسكري .
ولم يكن عجيبا ولا غريبا أن يتحول خصوم الأمس إلى حلفاء اليوم , فمن كان ينادي بأعلى صوته بسقوط حكم العسكر وضرورة تسليم السلطة لمدنيين أصبح ينادي اليوم بضرورة مد فترة حكم العسكر باعتبارهم رمزا للاستقرار ولعدم تسليم الدولة للإسلاميين متناسيين أن أول وابسط قواعد الديمقراطية التي ينادون دوما بها وثاروا على النظام السابق من اجلها هي الاحتكام للصندوق الانتخابي والرضا بما ينتجه من قوى تعبر عن الشعب
وربما تبرز عدة سيناريوهات للمرحلة المقبلة وهي أيضا على أطراف نقيض وربما تسمح الموائمات والمساومات السياسية ببعضها
السيناريو الأول : أن يكون المجلس العسكري صادقا فعلا ويسلم السلطة للهيئة المنتخبة والرئيس المنتخب , وهما ما بين إسلامي مؤكد – كمجلسي الشعب والشورى – وإسلامي محتمل – كانتخابات رئيس الجمهورية والتي تؤكد كل الإحصاءات واستطلاعات الرأي أن المنافسة الحقيقية يتكون بين طرف إسلامي إن لم تكن بين طرفيين إسلاميين
وأغلب الظن – القريب من اليقين - أنه لن تسمح الهيئة العسكرية بأن تعود كسابق عهدها كطرف مُقاد ومسير , ولن يمكنها التقديم الكامل لمصر على طبق من ذهب للإسلاميين والعودة للثكنات والسمع والطاعة والتحية العسكرية والانقياد في السياسات من سلطة الجيش لهذا الرئيس المنتخب .
السيناريو الثاني : أن يقوم المجلس العسكري بانقلاب أو شبه انقلاب على الحكم في مصر وعلى الإسلاميين كمجلسين شرعيين منتخبين ويتكرر ذات سيناريو 1954 الذي عانى منه الإسلاميون بصفة خاصة والشعب المصري عامة طيلة ستين عاما بعده
وهذا قد يحقق مصالح تحالف اجتمعت أشتاته ضد الإسلاميين , فالليبراليون والنصارى وأجهزة المخابرات الدولية وأجهزة السلطة الداخلية مثل المخابرات والأمن الوطني ( أمن الدولة سابقا ) والاشتراكيون الثوريون والأحزاب العلمانية القديمة وغيرها قد يجتمعون لإجهاض المحاولة الإسلامية الشرعية لحكم مصر حكما إسلاميا بأفراده لا بتفاصيل شرائعه التي ستجد مواجهات شديدة من قطاعات كبيرة لها صوتها العالي في مصر .
وما بين ذينك السيناريوهين تقع عدة سيناريوهات وسطية عن حلول توافقية قد يلجأ لها أطراف الصراع للخروج من ذلك المأزق الصعب، فالإسلاميون يمتلكون قوة الشارع , والأطراف الأخرى تمتلك قوة الإعلام الذي يتسارع في حملات تشويه لكل الرموز الإسلامية لإفقاد الإسلاميين ذلك السلاح ويمتلكون أيضا السلطة الحقيقية في مصر وهي سلطة المجلس العسكري كما يمتلكون ما سمي بالطرف الثالث القادر على إحداث الأزمات وإنهائها وقتما يشاءون .
فهل يستطيع الإسلاميون الحفاظ على قوة الشارع رغم حملات التشويه ؟ وساعتها ينتصرون للشرعية المكتسبة من واقع الناس
أم هل ينتصر التحالف المناوىء للشريعة الغسلامية وتحكيمها ويستطيع بآلاته الإعلامية الرهيبة تشويه صورة الإسلاميين وتدبير مكيدة يخرج بعدها الشعب ليقول كما قال لجمال عبد الناصر بعد تمثيلية المنشية ( اقتل دبح يا جمال اقتل دبح في الإخوان ) ؟!!
المصدر : مركز التاصيل للدراسات والبحوث
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: