(194) مناقشة رسالة ماجستير بعنوان ": اتجاهات القرويين نحو تنظيم الأسرة : دراسة اجتماعية لعينة من الأسر الريفية ببنى سويف" *
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 11435
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
خطاب المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلاة وسلاما على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد
كلمة شكر ووفاء واعتراف بالجميل فى حق إخوة وزملاء أفاضل، جاء الوقت الذى يحتم على أن أقولَها بعد أن تأخرت كثيرا.
دعوة كريمة تلقيتها فى العاشر من شهر يناير 2012 من أخى وصديقى العزيز الأستاذ الدكتور جلال مدبولى رفيق الصبا والشباب ومابعد الشباب يرشحنى فيها لمناقشة رسالة ماجستير لواحدة من طالباتى، وبارك هذا الترشيح الأساتذة الأفاضل الدكتور طلعت لطفى والدكتور حسن إبراهيم والدكتور جمال عبد المطلب على هذا الترشيح .
كنت سعيدا بهذه الدعوة، فقد قضيت فى بنى سوبف وفى كلية الآداب وقسم الاجتماع بها أعواما عديدة أحمل فيها جملة من الذكريات التى يستحيل نسيانها. كانت بنى سويف أول من استقبلتنى بعد اثنتين وعشرين عاما قضيتها فى غربة خارج مصر . رحب بى الأستاذ الدكتور جلال مدبولى للتدريس فى القسم ومعه الأخ الصديق الأستاذ الدكتور كمال الزيات . وفى القسم وفى الكلية التقيت بأساتذة وزملاء أفاضل، جميعهم رحبوا بى وشرفونى بموافقتهم على أن أكون زميلا لهم، لكن إرادة الله شاءت أن أعمل فى مكان آخر، وهاهم الآن يشرفونى مرة أخرى بالاشتراك فى هذه المناقشة .
فى بنى سويف التقيت بكوكبة من الشباب من معيدى هذا القسم الذين أصبحوا الآن دكاترة . كنت أقضى معهم الساعات الطوال فى أعمال الاختبارات والكنترول، ورغم فارق العمر بينى وبينهم الذى يزيد عن العشرين عاما، فإنهم قد أفقدونى الإحساس بالزمن وكبر السن الذى لم أشعر به إلا حينما افتقدتهم، وإنى لأشعر اليوم بالسعادة وأنا أراهم – حاضرهم وغائبهم - بعد أن أصبحوا أعضاء فى هيئة التدريس بالقسم .
شكر وتقدير خاص للأستاذ الدكتور طلعت لطفى الذى لم أنس له استقباله الحار وترحيبه بى فى بيته العامر، وللأخ العزيز الدكتور حسن إبراهيم الذى كان يحيطنى بحبه وتقديره وبالسؤال المستمر عنى، وشكر خاص للدكتور جمال عبد المطلب الذى كان يؤنسنى دوما بجلساته وأحاديثه ومناقشاته الممتعة، وتحية حارة لكافة الأخوة والزملاء بالقسم والكلية .
حياكم الله جميعا وبارك فيكم وسدد خطاكم لمافيه رضاه وما فيه خير لهذا الصرح العلمى الكبير.
حيثيات المناقشة
هذه الرسالة كان يمكن أن تكون علامة بارزة بل وفارقة فى التحليل السوسيولوجى لقضية تنظيم الأسرة . فالباحثة – وأنا أقر لها بذلك، بل وأشكرها - وضعت يدها سواء - أكانت تدرى أو لا تدرى- على مفاتيح هامة لأبواب مغلقة ومسكوتِِِِِ عنها فى هذه القضية، لكنها لا تعلم قيمة هذه المفاتيح، فتركت لنا مهمة فتحها .
والذى أراه هو أن المناقشة تكتسب قيمتها وثقلها حينما يكون موضوع النقاش دائرا حول قضية يختلف فيها الطرفان المتناقشان اختلافا جذريا ويتجهان فى اتجاهين معاكسين .
الباحثة تنطلق من فكرة قوامها أن الزيادة السكانية فى مصر هى مشكلة اجتماعية تمثل خطرا جسيما يهدد الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى وله أثر بعيد على الدخل القومى وانخفاض مستوى المعيشة وأن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو تنظيم الأسرة ( المقدمة ) .
والمناقش يرى أنه ليست هناك مشكلة زيادة سكانية فى مصر، وأن تنظيم الأسرة هو اتجاه عالمى تقوده دول الشمال ضد دول الجنوب خوفا من أن تذوب وتنهار بسبب اتجاه معدلاتها السكانية إلى الانخفاض .
وقبل أن أبدى ملاحظاتى على الرسالة أود أن أعلم الباحثة أن مناقشتى لها ليست من باب النقد أو التقليل من شأن ما بذلته من جهد فى هذه الرسالة وإنما هى من باب التوجيه . كما أود ألا يفهم من ملاحظاتى أنها ثقيلة على مستوى طالبة ماجستير، ولكنها وإن ثقلت عليها فهى من قبيل ملاحظات قد تستفيد منها مستقبلا، أو قد يستفيد منها باحثون آخرون يجلسون بيننا الآن .
لدى (ست) ملاحظات على الرسالة، وسبعة أدلة منها ما أقرت به الباحثة أثبت بها عدم وجود مشكلة سكانية فى مصر .
أولا : الملاحظات
الملاحظة الأولى : عدم انطباق عنوان الدراسة على مجالها التطبيقى
الدراسة هنا هى دراسة اتجاهات بمعنى قياس استعداد أو ميل الناس نحو تنظيم الأسرة . وطالما أن الباحثة تدرس العلاقة بين متغيرات أثناء دراستها للاتجاهات كان يلزمها تبعا لذلك أن تحدد ماهو المتغير المستقل وماهو المتغير التابع .
ويرى بعض الباحثين اليوم أن من شروط تحديد العنوان أن يتضمن المتغير المستقل والمتغير التابع . فإذا تغاضينا عن ذلك وقمنا بتركيب العلاقات بين المتغيرات على دراسة الاتجاهات على اعتبار أن الاتجاه متغير مستقل كامن (استعداد نفسى ) لدى الشخص نحو تنظيم الأسرة كمتغير تابع (يتضمن قبولا أو رفضا )، سنجد مع ذلك أن الباحثة ركزت على المتغيرات الوسيطة دون المتغير المستقل والمتغير التابع .
قانت الباحثة بالتحليل الإحصائى للعلاقة بين أفراد الأسرة والتعليم ونوعية العلاقة بين الزوجين والدخل والعلاقة بين أفراد الأسرة، والعلاقة بين الدخل وموافقة الآباء على تعليم الذكور دون الإناث، وعلاقة الدخل بعدد غرف السكن . كل هذه هى عبارة عن متغيرات وسيطة تأتى فى المرتبة الثانية للمتغير المستقل والمتغير التابع . والباحثة وإن كانت قد درست علاقة الدخل باختيار قرار تنظيم الأسرة أو الشعور بالرضا عن هذا القرار فهى علاقة بين متغير وسيط وليس مستقلا وبين المتغير التابع . ص ( 132-140)
الملاحظة الثانية : عدم مراعاة القواعد العلمية عند اختيار العينة
اختيار العينة فى البحث العلمى له شروط، والأسباب التى ذكرتها الباحثة فى اختيارها لعينة البحث لا تفى بهذه الشروط . تعلل الباحثة أسباب اختيارها لوحدة تنظيم الأسرة بحى صلاح سالم بالمرماح بأن " العيادة قديمة، يتردد عليها عدد كبير من السيدات، وقربها من سكنها " وتقول بأن " هذه العيادة تعتبر نموذجا ممثلا لكثير من العيادات الصحية المماثلة لها فى الحجم والأهداف مما يؤدى إلى صدق النتائج بالنسبة لغيرها من العيادات التى يتم الدراسة عليها ". ص (109)
وهذه الأسباب كلها غير علمية . فعنوان الدراسة هو" اتجاهات القرويين نحو تنظيم الأسرة، دراسة لعينة من الأسر الريفية ببنى سويف " المفترض إذن أن تختار العينة من كل الأسر الريفية ببنى سويف " وليس من إحدى عيادات تنظيم الأسرة، فعنوان الدراسة يقول أنها ستطبق على القرويين والدراسة أجريت على اربعمائة سيدة يعنى من القرويات . العنوان لا يقول أن الدراسة ستطبق على عيادات تنظيم الأسرة، وحتى فى حالة أنها ستطبق على هذه العيادات، فإن اختيار وحدة صلاح سالم بالمرماح ص (108) غير صحيح علميا، لأن الأصل هنا بعد أن تحدد وحدة العينة وحجم العينة أن تحدد قائمة بالمجتمع الأصلى وهو جميع عيادات تنظيم الأسرة ببنى سويف،وأن تراعى درجة تجانس أو تباين هذا المجتمع، ثم تحدد نوع الإطار الذى ستختار منه العينة ثم تحدد طريقة اختيار العينة ".
الملاحظة الثالثة : ضعف الارتباط بين الإطار النظرى وموضوع الدراسة
عند مراجعة الإطار النظرى تبين ضعف الارتباط بين الإطار النظرى سواء على مستوى النظريات السيوسيولوجية أو على مستوى نظريات الاتجاهات بموضوع الدراسة . لقد صاغت الباحثة الإطار النظرى فى ضوء معيار واحد فقط وهو تقديم مسوغات تبرر مشكلة الدراسة مما أوقعها فى ثلاثة أخطاء :
الأول : أنها قامت بلوى أعناق بعض النظريات لتوافق موضوع بحثها
كما فعلت مع النظرية البنائية الوظيفية ونأخذ لذلك مثالا قولها فى ص(26) :" وبتطابق الفكر مع الواقع تنطبق النظرية البنائية الوظيفية مع ظاهرة تنظيم الأسرة فى نظرتها إلى المجتمع على أنه كل أى نسق واحد مركب من مجموعة عناصر صغيرة ............الخ "، وحينما تقول فى ص (25) :" وبما أن هذه النظرية تدعو إلى تراجع الخصوبة وحث الرجال والنساء على إنجاب عدد قليل من الأطفال فإن الفكر يتطابق مع الواقع....الخ ".
كما قامت الباحثة بلوى عنق النظرية الماركسية لتبدو وكأنها تعارض الزيادة السكانية وذلك على لسان "ماركس" ص (29) و"ريابوشكين" ص (30) و"سينى كونتر" ص(30) و"وكوزولوف" ص (31) . والواقع أن الماركسيين يؤمنون بأنه ليست هناك أية علاقة سببية بين السكان والتنمية الاقتصادية ويرون كذلك أن الفقر والجوع والأمراض الاجتماعية الأخرى المصاحبة للتنمية الاقتصادية هي نتيجة لطبيعة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة وليس بسبب النمو السكاني.
الثانى : أنها ركزت على النظريات والآراء التى تتناول مخاطر الزيادة السكانية وأغفلت تماما النظريات المضادة لها التى تؤكد على فوائد الزيادة السكانية ، فالباحثة ركزت على نظريات مالتوس وهربرت سبنسر ص (27) والمالتسيون الجدد ص (32) . ومن أمثلة الآراء والنظريات التى أغفلتها الباحثة إلى جانب آراء ونظريات الماركسيين الأتى:
1- أغفلت آراء ونظريات أصحاب الاتجاهات القومية الذين يرون أن النمو السكاني سوف يشجع على التنمية والمزيد من الإنتاجية ومن ثم إلى المزيد من القوة الاقتصادية.
2- أغفلت آراء الاقتصادى البريطانى " كولن كلارك" الذى يعتبر أشهر من دعا إلى فكرة أن النمو السكاني عامل مشجع على التنمية واستخلص ذلك من دراسته لتاريخ أوروبا حيث كانت الثورة الصناعية والزيادة في الإنتاج الزراعي مصاحبة لنمو سكاني كبير.
3- أغفلت كذلك فكرة أن النمو السكاني مشجع لعملية التنمية ليس فقط من الناحية النظرية بل من الناحية التطبيقية أيضا . ففي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن النمو السكاني كان عاملا مشجعا على التنمية.
الثالث : أنها حاولت دمج الآراء المحذرة من الزيادة السكانية مع الآراء المؤيدة لها، فطمست آراء هامة فى هذه القضية ، الباحثة وضعت آراء كونفوشيوس وأفلاطون وأرسطو وابن خلدون فى سلة واحدة فى حين أن ماقاله ابن خلدون يختلف تماما مع آراء الفلاسفة الثلاثة . ص (38)
الواقع هو أن ابن خلدون على عكس ما تصورت الباحثة كان :
(1) يؤيد النمو السكانى ويتحدث عن مزاياه.
(2) يرى أن النمو السكاني يخلق الحاجة الى تخصص الوظائف الذي بدوره يؤدي الى دخول أعلى. وهي الفكرة التي تناولها آدم سميث فيما بعد في معرض حديثه عن تقسيم العمل.
(3) يرى أن النمو السكاني يتركز أساسا في المدن، فيقول : أن سكان المدن ذات الحجم الكبير أكثر رفاهية من المناطق ذات الحجم السكاني الاقل، والسبب الجوهري وراء ذلك هو الاختلاف في طبيعة الوظائف التي تؤدي المناطق المختلفة. ولكل مدينة هناك سوق للأنواع المختلفة من العمال وكل سوق يستوعب من الانفاق الكلي ما يتناسب مع حجمه.
(4) يرى أن الثروة تنمو وتزداد بازدياد السكان لأنها نتاج الجهد البشري، كما رأى أن هذه الزيادة تشجع الانتقال من البداوة إلى الحضارة وتضمن الحفاظ على مؤسسات الدولة.
وأخيرا: يبرز فى الدراسة عدم الارتباط بين الإطار النظرى الخاص بالاتجاهات وبين موضوع الدراسة، ومن أمثلة ذلك أنه لا أثر فى الدراسة الميدانية لمكونات الاتجاهات المعرفية والوجدانية والسلوكية .
الملاحظة الرابعة : شكلية الارتباط بين الدراسات السابقة ودراسة الباحثة
المفترض أن الدراسات السابقة ليست مجرد عرض عشوائى أو تاريخى لمناهج أو نتائج، إنما هى عملية ابتكارية تحتاج إلى مهارة لا تختلف عن مهارة البحث المكتبى . ومن أحدث المقترحات لتناول الدراسات السابقة أن يتناول الباحث هذه الدراسات مجتمعة ويقف على كيفية تناولها لمشكلة بحثه وهل ما كتب فيها يتفق أو يتعارض مع هذه المشكلة، وما هو توجهها العام، وهل عالجت جميع عناصر مشكلة الباحث بشكل لا يترك مجالا لدراسات أخرى أم عالجتها ببعض القصور أو الضعف ...الخ .
أولا : بتطبيق ذلك على الدراسات السابقة التى عرضتها الباحثة تبين أن الباحثة عرضت لتسع دراسات مصرية حرصت فيها على أن تبين أن هناك ارتباطا بين هذه الدراسات ودراستها الحالية ولكنه لم يظهر وجود هذه العلاقة، مثال ذلك:
1- تقول الباحثة أن الدراسة الأولى ترتبط بدراستها فى العلاقة بين نمط الخصوبة الزواجية والعامل الاقتصادى الاجتماعى (ص 67) والواقع أن دراسة الباحثة ربطت بين متغيرات السن والدخل والتعليم وعدة متغيرات وسيطة وليس بتنظيم الأسرة .
2-تقول الباحث أن الدراسة الثانية ترتبط بدراستها فى العلاقة بين المستوى التعليمى للزوجين والانجاب (ص77)، الواقع هو أن متغير المستوى التعليمى للزوجين فى دراسة الباحثة ليس مرتبطا بالانجاب وإنما بنوعية العلاقة بين الزوجين .
3- تقول الباحثة أن الدراسة الثالثة المرتبطة بوسائل منع الحمل ص (77) ترتبط بدراستها فى علاقتها بالدخل الأسرى والسن والمستوى التعليمى، والواقع أن هذه المتغيرات فى دراسة الباحثة مرتبطة فقط بمتغير السن وليس بباقى العوامل .
ثانيا : عرضت الباحثة لسبع دراسات أجنبية كان يمكن أن تستفيد منها استفادة كبيرة ولكن بمراجعة مدى ارتباط هذه الدراسات مع دراسة الباحثة تبين الآتى :
1- لم نجد ارتباطا مباشرا بين دراسة فيتنام عن مشاركة الرجل فى القرار ص (91) وبين دراسة الباحثة وان ما ركزت عليه الباحثة هو علاقة الدخل واختيار قرار تنظيم الأسرة والارتباط بين انفراد الزوج بقرار تنظيم الأسرة وضعف شخصية الزوجة .
2- عرضت الباحثة فى دراستها عن باكستان عن تأثير مقدمى الخدمة وقبول موانع الحمل، وليس فى دراستها إشارة من قريب أو بعيد لتأثير مقدمى الخدمة . ص (93)
3- عرضت الباحثة فى دراستها عن الفيليبين لدور القانون فى الصحة العامة لتنظيم الأسرة، وليس فى دراستها إشارة من قريب أو بعيد لدور القانون . ص (96)
الملاحظة الخامسة : عدم إخضاع المفاهيم للتحليل والنقد فى ضوء الثقافة الخاصة بالمجتمع المصرى
1- تعرضت الباحثة لخمسة مفاهيم رئيسة فى الدراسة وكان من المفترض أن تعرض كل مفهوم فى ضوء معناه اللغوى ومعناه الاصطلاحى، ولم تفعل ذلك إلا فى مفهوم واحد هو مفهوم الأسرة .
2-الباحثة لم تعرض مفهوم الأسرة ص (11-16) بالمعنى السوسيولوجى للتحليل والنقد، فهو يعنى " معيشة رجل وامرأة أو أكثر على أساس الدخول فى علاقات جنسية يقرها المجتمع، أو أنها تجمع اجتماعى قانونى لأفراد اتحدوا بروابط الزواج أو القرابة أو برباط التبنى، أو أنها تقوم على المقتضيات التى يرتضيها العقل الجمعى والقواعد التى تقرها المجتمعات المختلفة ".
إن تبنى مفهوم الأسرة بهذا الشكل لايجعله صالحا للتطبيق عندنا فهو يركز على البعد القانونى والاجتماعى للأسرة، والبعدان القانونى والاجتماعى يدوران فى ثقافتنا مع البعد الشرعى . وهو يجعل الأسرة تقوم على مقتضيات العقل الجمعى التى يقرها المجتمع وهذا لا يصلح عندنا لأن القانون والعقل الجمعى فى الغرب يقران الزواج بين رجل ورجل وامرأة وامرأة ويقران التبنى، ونحن لا نقره، كل هذا لا يجعل مفهوم الأسرة بالمعنى السوسيولوجى مقبولا لدينا .
3- فى مفهوم الثقافة ص(6-8)، فإن عدم تتبع الباحثة للمعنى اللغوى للمفهوم فى اللغة العربية واقتصارها على المعنى السوسيولوجى والأنثروبولوجى للمفهوم أفقدها بيان ثراء هذا المفهوم فى ثقافتنا العربية . فالثقافة فى اللغة العربية من ثقف بمعنى حذق وفطن . ووردت اشتقاقات هذه الكلمة في القرآن الكريم بمعنى الوجود والتمكن في بضع مواضع من سور القرآن الكريم : {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} : أي وجدتموهم ؛ البقرة آية 191،{ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا) : أي حيثما وجدوا ؛ آل عمران 112،{فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم} : أي فإما تجدنهم في الحرب وتظفر بهم فنكل بهم حتى يكونوا عظة وعبرة لغيرهم ؛ الأنفال 57،{أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا}:أي أينما وجدوا وتمكن منهم ؛ الأحزاب61 {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء} : أي إن يظفروا بكم في الحرب يتسلطوا عليكم بالقتل والضرب والشتم ؛ سورة الممتحنة آية رقم 2
كذلك وردت اشتقاقات كلمة ثقف فيما ورد في الأثر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تصف أباها أبا بكر الصديق، حيث كان مما قالت فيه : ( وأقام أوده بثقافه) : أي هذب نفسه بنفسه، أو استخدم زاجره الداخلي وضميره في تقويم اعوجاجه وبناء ذاته الداخلية.
كما كانت ستجد مفاهيما للثقافة عربية بحتة فهى تعنى اصطلاحاً بـ " المعرفة التي تؤخذعن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط، كالتاريخ واللغة والأدب والفلسفة والفنون من وجهة نظر خاصة عن الحياة، فالثقافة بمعناها العام هي مجرد المعرفة النظرية،وهى تختلف هنا عن الثقافة بمعنى الحضارة فالحضارة هى وجهة النظر عن الحياة، فإذا قلنا الحضارة الغربية فنعنى بها وجهة نظر الغرب عن الحياة . وإذا قلنا الحضارة الإسلامية فنعنى بها وجهة نظر المسلمين عن الحياة .
الملاحظة السادسة : عدم فهم موقف الإسلام الحقيقى من تنظيم النسل
أولا : درج العديد من الباحثين والكتاب ومنهم الباحثة على تصدير مؤلفاتهم وبحوثهم بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية يعتقدون خطأ أنها ترتبط بموضوع هذه البحوث وذلك لإضفاء المصداقية لها أو لصبغها بصبغة دينية تحدث تعاطفا من القراء، وذريعة لبيان عدم تعارضها مع القواعد الدينية .
القاعدة هنا هو أنه يحرم على أحد أن يفسر آية دون أن يعرف سبب نزولها . وأسباب النزول علم من العلوم التى يكون العالم بها عالما بالقرآن .
صدرت الباحثة الصفحة الأولى من الرسالة بالآية التاسعة من سورة النساء التى يقول الله تعالى فيها :" وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا" . ربما فهمت الباحثة من هذه الآية أن ضعف الذرية أمر ناتج عن كثرة النسل وأن من يفعل ذلك فإنه ليس على تقوى من الله، وأن هذه الآية تتمشى مع موضوع الدراسة .
الواقع أن مثل هذا الأمر خطير للغاية فهو تفسير لكتاب الله بالرأى وبغير علم، وهذا أمر محرم . فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار" . ويقول العلماء فى ذلك :" و لو لم يكن عند الإنسان فهم للمعنى اللغوي ولا للمعنى الشرعي الذي تفسر به الآية فإنه إذا قال قولا بلا علم، فيكون آثما، فأي إنسان يقول على الله ما لا يعلم في معني كلامه أو في شيء من أحكامه فقد أخطأ خطأ عظيماً . وروى عن أبى بكر قوله " أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم . وقال ابن عباس لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن وعلمنا فيم نزل، وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن، ولا يدرون فيما نزل، فيكون لهم فيه رأى، فإن كان لهم فيه رأى اختلفوا،فإذا اختلفوا اقتتلوا.
نزلت هذه الآية فى اليتامى وفيها وعظ للأوصياء على اليتامى , أي افعلوا باليتامى ما تحبون أن يفعل بأولادكم من بعدكم ) ; قاله ابن عباس . ولهذا قال الله تعالى : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " [ النساء : 10 ] .
من هنا نقول أن على الباحثين أم يحذروا حذرا شديدا عند استخدامهم للآيات القرآنية ولا يقدمون على تطويعها لتخدم موضوع دراستهم، وإذا صحت استعانتهم بها فلا بد من ذكر الآية ورقمها والسورة، وإذا ذكروا حديثا للنبى فعليهم ألا يكتبوا (ص) أو (صلعم) وإنما يكتبوا صلى الله عليه وسلم كاملة .
ثانيا : فى ص (58) عرضت الباحثة لموقف الإسلام من تنظيم الأسرة فوقعت فى ثلاثة أخطاء:
الأول : أنها لم تعتمد فى عرضها على موقف علماء الإسلام من القضية واستندت إلى رأى وزارتى الإعلام والصحة، وهو رأى يتمشى مع سياسة الدولة ولا يستند إلى قواعد شرعية صحيحة .
الثانى : أنها أخطأت فى عرض الآية فقالت : يقول تعالى " والوالدات يرضعن أولادهما حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " والصحيح "أولادهن" ولم تشر إلى رقم الآية ولا السورة .، وكان على الباحثة أن ترجع إلى المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم لتعرف موضع ورقم الآية ثم تراجعها على القرآن الكريم حتى تكتبها صحيحة.وقد وردت الآية فى سورة البقرة برقم 233
الثالث : أنها اعتمدت على تفسير وزارة الصحة وليس علماء الإسلام لقوله تعالى :" إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم "( التغابن 14) فقالت أن كثرة الذرية تجعل الأولاد يشقون فى حياتهم المعيشية ويكونون بذلك مضيعين آبائهم فيكون أعداء لهم " والتفسير الصحيح لهذه الآية أن الأزواج والأولاد يلهون على العمل الصالح فيحملون الرجل مع حبه لهم على معصية الله أو قطيعة الرحم .
ثالثا : كان من المفروض على الباحثة فى عرضها موقف الإسلام من تنظيم النسل أن ترجع إلى قرارات المجامع الفقهية بدلا من الرجوع إلى فتاوى وزارتى الإعلام والصحة . وهذا هو قرار مجمع الفقه الإسلامى .رقم : 39 ( 1/5)، بشأن تنظيم النسل :
ان مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الآخر 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر)1988م .
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تنظيم النسل، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
وبناءً على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد، لأن إهداره يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به، باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها
قرر ما يلي :
أولاً : لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب .
ثانياً : يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم، ما لم تدعُ إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية .
ثالثاً : يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان، إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً، بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراضٍ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حملٍ قائم . والله أعلم . انظر : مجلة المجمع (ع 4، ج1 ص 73 ) . وهذا يعنى أن الأصل تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به، وليس الحد منه أو تنظيمه بدعوى عدم تدمير الرفاهية الإنسانية والتأثير على الدخل القومى أو انخفاض مستوى المعيشة .
ثانيا : الأدلة
الخط العام الذى تبنى عليه هذه الأدلة يقوم على أربع نقاط :
الأولى : أن فكرة تنظيم النسل - كما أسلفت- هى فكرة غربية فى الأساس ذات هدف محدد وواضح يصب لصالح دول الشمال على حساب دول الجنوب.
الثانية : أن حركة تنظيم النسل كما نشأت فى الستينيات من القرن الماضى فى الغرب لم تكن تفرق بين تنظيم الأسرة وتحديد النسل وتعتبرهما شيئا واحدا، وأن هذه التفرقة كانت محاولة للتغلب من هذه الحركة على مقاومة دول الجنوب لفكرة تحديد النسل .
وهذا ما أكدته الباحثة نفسها فى ص (16و17 ) قولها استنادا إلى كتاب "إيفريت روجرز" استراتيجيات الاتصال فى تنظيم الأسرة :" لذا تنظيم الأسرة family planning مرادف بالضرورة لمنع الحمل birth prevention، وتحديد النسل birth control والأبوة المنظمة planned parenthood وفى الحقيقة أن الكلمة تستخدم أحيانا كبديل للمصطلحين الآخرين .
وما أشارت إليه فى ص (52) من أن الدعوة إلى تنظيم النسل فى مصر هى قضية قومية باعتبارها واحدة من الحلول للمشكلة السكانية وأنها أصبحت قضية تنظيم للأسرة وليس تحديدا للنسل .
الثالثة : أن القليل من الباحثين وغيرهم من يدركون أهداف مؤتمرات السكان التابعة للأمم المتحدة .وأهمها مؤتمرى القاهرة وبكين . الباحثة أشارت فى ص(17) أن تنظيم الأسرة هو أحد عناصر الصحة الإنجابية . لكنها لم تقف عند حقيقة التعريف الذى ذكرته وهو " مقدرة الناس على تحقيق حياة جنسية آمنة ومرضية لهم، وكذلك قدرتهم على الإنجاب وحريتهم فى تقرير التوقيت والوسيلة لتحقيق ذلك " . هذا المعنى حدده مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة عام 2000والذى تضمنت وثيقته التحضيرية فى : " الدعوة إلى الحرية الجنسية والإباحية للمراهقين والمراهقات والتبكير بها مع تأخير سن الزواج، وتشجيع جميع أنواع العلاقات الجنسية خارج إطار الأسرة الشرعية ( رجلاً وامرأة )، وتهميش دور الزواج في بناء الأسرة. إباحة الإجهاض. تكريس المفهوم الغربي للأسرة، وأنها تتكون من شخصين يمكن أن يكونا من نوع واحد - ( رجل + رجل، أو امرأة + امرأة ). المطالبة بإنشاء محاكم أسرية من أجل محاكمة الزوج بتهمة اغتصاب زوجته. إباحة الشذوذ الجنسي اللواط والسحاق بل الدعوة إلى مراجعة ونقض القوانين التي تعتبر الشذوذ الجنسي جريمة.
الرابعة : ما أشار إليه علماء الاجتماع من أن الذين يحددون وجود مشكلة اجتماعية إلى جانب الناس هم أصحاب المصالح فى وجود هذه المشكلة
يقول علماء الاجتماع أن العوامل التي تؤثر في تحديد ظرف معين بأنه يمثل مشكلة اجتماعية.
جماعات الصفوة في المجتمع، والتي تميز بالقوة مثل: الأشخاص الذين يحتلون مراكز اجتماعية في المجتمع، أو الأشخاص المسئولون عن المجتمع.
الجماعات التي لها مصلحة خاصة في تحديد سلوك معين، أو موقف معين على أنه مشكلة اجتماعية.
تفسير الجماعات ذات المصالح للمشكلة الاجتماعية على أنها نتاج لمجموعة من السمات الشخصية للأفراد، أكثر من كونه نتاج للبناء الاجتماعي.
تحديد نطاق المشكلة الاجتماعية من خلال النطاق القومي أو المحلي، دون إدراك أو تحليل لهذه المشكلة من خلال النطاق العالمي . (ص52)
عادة يتم تحديد المشاكل الاجتماعية بعد شعور أفراد المجتمع بها وليس قبل حدوثها
السؤال هنا : من الذى حدد أن الزيادة السكانية تمثل مشكلة اجتماعية ؟ من المفروض أن أفراد المجتمع هم الذين يقولون أن الزيادة السكانية تمثل مشكلة اجتماعية عندما يرون أن هناك فجوة متزايدة بين القيم والمثاليات الموجودة في المجتمع وبين السلوك الواقعي لأفراد هذا المجتمع. وهذا لم يحدث فأفراد المجتمع لم يقولوا بذلك، إنما الذى قال ذلك هم جماعات الصفوة في المجتمع، مثل: الأشخاص الذين يحتلون مراكز اجتماعية في المجتمع، أو الأشخاص المسئولون عن المجتمع وكذلك الجماعات التي لها مصلحة خاصة في تحديد سلوك معين، أو موقف معين على أنه مشكلة اجتماعية.
وفوق هذا كله جماعات الضغط صاحبة المصالح على النطاق العالمى .
لنبدأ قصة تنظيم النسل فى مصر من بدايتها دليل رقم 1 من تقرير للبنك الدولى بقول أنه : حتى بداية القرن العشرين لم تكن لزيادة عدد السكان فى مصر أى تأثير على الوضع الاقتصادى
جاء فى تقرير البنك الدولى عام 2007 بعنوان الثورة العالمية فى تنظيم الأسرة : " لم يكن لدى الصفوة الحاكمة فى مصر ولا مختلف الخبراء والمستشارين الأجانب فى بداية القرن العشرين أى قلق من زيادة عدد السكان فى مصر . يقول اللورد كرومر حاكم مصر البريطانى من عام 1833 -1907 " : إن أحد المزايا العظيمة للوضع فى مصر أن ميزانيتها لم ترصد أى مشاكل اقتصادية غير ظاهرة ."
دليل رقم 2 : يعتمد على المفتاح الأول الذى وضعت الباحثة يدها علية فى ص (45) على أن أول من أشعل فتيل مشكلة الزيادة السكانية فى مصر هو عميل المخابرات الأمريكية وأستاذ الاجتماع فى الجامعة الأمريكية " ويندل كليلاند"، ولو تعمقت فى بحث هذه النقطة لتوصلت إلى الآتى :
1- أن كليلاند كان أستاذا لعلم الاجتماع فى الجامعة الأمريكية، وكان مقيما فى القاهرة منذ عام 1917، وكان ينفذ السياسة الأمريكية فى الحد من الخصوبة فى الدول الفقيرة، ولهذا كان أول وأول من كتب عما يزعم بأنه "مشكلة السكان في مصر" وفى عام 1944 دعا الحكومة المصرية إلى الحد من الخصوبة وتنظيم النسل وتشجيع المصريين على الهجرة إلى السودان والعراق .
2- أن كليلاند كان أحد رجال المخابرات الأمريكية فى مصر، وكان يعمل "بمكتب معلومات الحرب" خلال فترة الحرب، وكان مقره آنذاك بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وأن "كريستوفر ثورن" وهو رئيس سابق للجامعة كان عميلاً في ذات الوقت للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA) كما يتضح من كتاب "فيليب آجي" "يوميات المخابرات المركزية الأمريكية"، كما كان "مالكوم كير" مدير الجامعة الأمريكية السابق ببيروت، والذي عمل تحت لواء المخابرات الأمريكية خلال الستينيات، على علاقة حميمة مع الجامعة الأمريكية في القاهرة من خلال برامج مشتركة بين الجامعتين الأمريكيتين في بيروت والقاهرة. وكان "كليلاند" أول عميد لكلية الآداب فى أول جامعة أسست فى ليبيا لمدة تسعة شهور تقريبا.
دليل رقم 3 يستند إلى المفتاح الثانى الذى قدمته الباحثة عن الدور الجوهرى لمارجريت سانجر فى تأسيس حركة تنظيم النسل
أشارت الباحثة فى ص ( 53) أن مصطلح تحديد النسل دخل إلى الإنجليزية فى عام 1914 بسبب المصلحة الإنجليزية " مارجريت سانجر" التى أصدرت كتابا بعنوان " المرأة المتمردة" لتشجع على استخدام وسائل منع الحمل مع رفع شعار لا آلهة ولا أسياد . فلو أن الباحثة تعمقت فى عنوان الكتاب وبحثت عمن هى " سانجر" لتوصلت إلى أصل حقيقة الدعوة إلى تنظيم النسل .
والواقع أن تاريخ سانجر يوضح أنها كانت من الذين دعموا الحركة النازية فى ألمانيا، وكانت تعتقد فى الثيوصوفية وهى عقيدة تدعو إلى محاربة لكافة الاديان السماوية بما فيها ديننا الاسلامى , تدعو الى عبادة الشيطان وتقديس الارض وتمهيد الارض والعالم اجمع الى البربرية العالمية القادمة ونشر الانحلال والفساد والشذوذ تمهيدا وانتظارلخروج مسيحهم المنتظر ألا وهو المسيح الدجال.
ومن اهم ما تدعو اليه هذه الحركة إبادة النسل أو بالادق إبادة الانواع البشرية المتدنية ( Depopulation Of The Planet) فى كافة انحاء العالم وخصوصا الدول الفقيرة والنامية و البلاد الاسلامية حيث يعتبر مروجو هذه العقيدة بان الارض والموارد الطبيعية محدودة و ان الانسان نفسه هو من اهم العوامل التى تؤدى الى الاضرار بالبيئة واستغلال مواردها الطبيعية . اذن لديهم لابد من التخلص من اكبر عدد من السكان فى العالم وذلك إما بإثارة الصراعات والنزاعات القبلية والحروب والدمار لهذه الأمم .
كما أن المزيد من البحث فى هذه النقطة كان سيوصل الباحثة إلى علاقة "سانجر" بما يعرف بـ " اليوجينيا " وهو المصطلح الذى استبدل بمصطلحات " تنظيم الأسرة" و" تحسين النسل "، وخلاصته علم تحسين الإنسان عن طريق منح السلالات الأكثر صلاحية فرصة أفضل للتكاثر السريع مقارنة بالسلالات الأقل صلاحية مع اتباع مناهج مختلفة لإبادة هذه السلالات المتدنية ”.
دليل رقم 4 : يستند إلى المفتاح الثالث الذى أشارت إليه الباحثة بأن الإجهاض هو جزء من تنظيم الأسرة
فى ص (16) عرفت الباحثة تنظيم الأسرة هى برنامج أو العمل على الحد من المواليد وتجنب عواقب ذلك، وبهذا التعريف يمكن اعتبار الإجهاض جزءا من تنظيم الأسرة . لو أن الباحثة تعمقت فى هذا الذى قالته وربطت بينه وبين حركة تنظيم النسل على يد "مارجريت سانجر " لتوصلت إلى أن دعوة تنظيم النسل حققت نتائج أبعد من الخيال حيث تم خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية في العالم أكثر من مليار ونصف المليار عملية إجهاض فتناقص متوسط عدد الأطفال للمرأة بأكثر من الثلث في ظرف ثلاثين عاماً ونقص المتوسط في كل الدول النامية من 6.3 طفل إلى 1.6 طفل.
دليل رقم 5 على أن دول الشمال وعلى رأسها الولايات المتحدة كانت تخطط منذ زمن بعيد للحد من خصوبة السكان فى الدول الفقيرة
1- كتب نورمان ستولتنبرج المفوض السابق لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة مقالا في صحيفة " كريستيان سيانس مونيتور " سنة 1990 قال فيه بوضوح : إن هذه الزيادة المطردة في سكان العالم الثالث والدول الأفريقية خاصة : " تهدد أمن الدول الأوربية بشكل مباشر " .
2- على مستوى العالم الغربى يقول "جون بورجوا بيشا " كأحد مسئولي مركز الأبحاث السكانية الدولية في باريس : " إذا استمر الوضع كما هو عليه فالمستقبل ينذر بكارثة كبيرة ففى حين تتدهور الأوضاع السكانية في الغرب من جراء تدني معدلات الإنجاب بصورة غير مسبوقة في تاريخه، فإن الخصوبة العالية الحاصلة في العالم النامي تكاد تحدث انقلابا في خريطة العام السكانية ".
3- كتب "جان كلود شسنيه" مدير المعهد الوطني للدراسات السكانية باريس – " إن أوربا تواجه غلبة المسلمين عليها والأفارقة، مع اتساع الفجوة السكانية والاقتصادية بين شمال البحر المتوسط وجنوبه، فمع تركز الثراء في الشمال الأوربي سيتحرك الناس من الجنوب إلى الشمال .. وفي الجنوب ستبزغ قوى فتية بفضل الزيادة في حجم سكانه التي تبعث الحيوية، وفي المقابل فإن قوى الشمال الهرمة ستذوي مع النقص في عدد السكان. "
4- أشار ( جون كالدويل ) إلى أن الأمريكيين هم من تولوا زعامة حركة ما بعد الحرب لدعم وتشجيع برامج السكان في العالم الثالث .
5- يؤكد " فرانك نوتشتين " – الذى كان مديرا لمركز البحوث السكانية في جامعة برنستون، ثم رئيسا للجنة الإسكان في الأمم المتحدة – السياسة الأمريكية فى الحد من الخصوبة بقوله :" أنه يجب إعداد برامج للحد من النمو السكاني في نصف الكرة الجنوبي، وإلا فإن التقدم الاقتصادي في هذه الأصقاع سيؤدي إلى قيام عالم في المستقبل تتحول فيه الدول المسيطرة حاليا إلى أقلية يتضاءل وزنها باطراد، ويقل بالتالي باطراد نصيبها من ثروة العالم، وتقل قدرتها على التحكم فيه . إن تحديدنا لسياستنا القومية نحو المناطق المتخلفة يجب أن يتحقق في ضوء هذه الحقيقة "
6- يقول "هنري كيسنجر" فى بحث أعده عندما كان مستشارا للأمن القومي في الولايات المتحدة "أن زيادة السكان في العالم الثالث تعتبر تهديدا للأمن القومي الأمريكي، ومن هنا هنا تبدو ضرورة التركيز بشكل خاص على تخفيض النمو السكاني في ثلاث عشرة دولة، حددها، منها سبع دول إسلامية، على رأسها مصر، أو فيها أقلية مسلمة كبيرة مثل الهند " وقد كانت مذكرة كيسنجر هذه ممنوعة من التداول والنشر حتى عام 1990.
7- يقول الدكتور حبيب نوير الأمين العام لاتحاد المؤسسات غير الحكومية العربية والأفريقية : " الدول الغنية مصابة بالشيزوفرانيا، عندما تتحدث عن مشاكل السكان فهي تعطي أولوية لعمليات تنظيم الأسرة ثم تصاب بالصمت لدى مطالبة الدول الفقيرة لها بالاشتراك في برامح التنمية " ويضيف : " ليس غريبا أن تأتي وثيقة المؤتمر الدولي للسكان التي وضعت بأقلام الدول الغنية وقد ابتعدت بدرجة 90% عن مجال التنمية ."
دليل رقم 6 : قدمته الباحثة يؤكد ما سبق من أن الليبراليين والعاملين فى تجارة الأدوية وراء برنامج تنظيم الأسرة
تقول الباحثة فى ص (70) :" وقد أصبح المشاركون فى حركة تنظيم الأسرة متعاطفون مع أهداف جماعات أخرى، وأحيانا ما يشاركون بفاعلية فى جماعات عديدة فى نفس الوقت، وهذا وضع مألوف فتنظيم الأسرة جزء من تحالف لنشطاء أصحاب توجه ليبرالى ".
وأصحاب التوجه الليبرالى باعتراف الليبراليين أنفسهم يتفقون على ما يلى :
أولا : اعتبارهم أن الدين يقف حجر عثرة أمام الفكر الحر وتطوره، كما يقف حجر عثرة أمام ميلاد الفكر العلمي.
ثانيا : عدم الحرج من الاستعانة بالقوى الخارجية، والوقوف إلى جانب العولمة وتأييدها، باعتبارها أحد الطرق الموصلة إلى الحداثة الاقتصادية العربية التي يمكن أن تقود إلى الحداثة السياسية والثقافية.
وفى ص (71) اعترفت الباحثة اعترافا صحيحا بوجود علاقة بين الأنشطة التجارية وبرامج تنظيم الأسرة فقالت :" إنه من المهم القول بأن مايسمى بمصالح السوق غير الشرعية أن تكون فى مقدمة من يهيئون السبيل أمام الاستخدام الواسع لمنتجات تنظيم الأسرة ولتطبيقات منع الحمل ".
دليل رقم 7 : يستند إلى التصريحات الخاصة بأنه قبل وبعد ثورة 25 يناير لم تكن مشكلة الزيادة السكانية مشكلة حقيقية وأنها كانت شماعة علق عليها النظام السابق مشكلات المشكلات الاقتصادية .
أولا : ما جاء على لسان " مهاتير محمد " رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وباني نهضتها الحديثة, وذلك في محاضرة له بمكتبة الإسكندرية عند أول زيارة له لمصر بعد تركه لمنصبه الوزاري :" لو كانت لدي في ماليزيا عند التخطيط لبناء حضارتها الحديثة, ربع ما لدي مصر من موارد بشرية وإقتصادية وموارد طبيعية لجعلت بها من ماليزيا أعظم وأول دولة في العالم, ولكن مشكلة مصر أنها لاتوجد بها الإدارة القادرة علي حسن تنظيم وتوظيف تلك الموارد الهائلة بشريا واقتصاديا ناهيك عن الموقع الجغرافي المتميز لمصر في سهولة وسرعة الاتصال بالعالم كله بريا وبحريا وجويا..".
ثانيا :أن الوعي بأهمية الثروة البشرية بدأ يتعمق وينتشر في دوائر صناعة القرار المصري في أعقاب ثورة 25 يناير, علي أساس أن هذه الثروة صارت ضرورة للأمن القومي داخليا وخارجيا, كما هي ضرورة لإقامة المشروعات القومية الكبري في المساحات الشاسعة من أرض مصر الخالية من أي بشر, برغم ما في هذه المساحات من ثروات طبيعية يمكن الإستفادة بها في إقامة مجتمعات عمرانية جديدة تكون جاذبة للسكان من الوادي والدلتا, وخلخلة الكثافة السكانية التي أصبحت مبعث خطر إقتصادي وإجتماعي علي المجتمع, وبهذا يكون إعادة توزيع السكان علي أرض مصر الخالية ضرورة حيوية للأمن القومي وبخاصة في سيناء بوابة مصر الشرقية حتي لايتهددها خطر خارجي
ثالثا :من أقوى الأدلة على أن الزيادة السكانية لا تشكل مشكلة اجتماعية فى مصر هذه الدراسات والأبحاث التي أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, والتي كانت محل نقاش طويل وعميق من جميع العلماء والخبراء في المؤتمر السنوي الأخير للمركز تحت عنوان الاستثمار الاجتماعي ومستقبل مصر حيث جاءت حصيلة أعمال المؤتمر مؤكدة ضرورة الاستفادة من الثروة البشرية في تحقيق التنمية الشاملة.
رابعا : بدأت الأصوات الآن ترتفع وتعلن أن قضية الأزمة السكانية كانت الشماعة التى كان النظام السابق يعلق عليها عليها العجز أو القصور في كل أزمة أو مشكلة اقتصادية تعيشها البلاد .
ختام المناقشة
تقول الباحثة فى ص (71) فى تعليقها على مدى نجاح البرامج القومية لتنظيم الأسرة :" .....لذا فإنجازات تنظيم الأسرة غير مؤثرة، ومحبطة، وفوضوية، وغير لائقة، ومشكوك فيها .
وكما أشرنا فى بداية المناقشة أن هذه الملاحظات لا تقلل من جهد الباحثة فى هذه الرسالة، ونعذر الباحثة فى أن تصوراتها لهذه القضية كانت أسيرة كما كنا نحن أسرى من قبل لكم وكيف هائلين من سياسة دولة وإعلام داخلى وخارجى ترك بصماته على كل صغيرة وكبيرة من حياتنا الأسرية والاجتماعية . ونأمل أن تكون هذه الملاحظات بداية لفهم جديد لهذه القضية الحيوية .
--------------
(*)
وقع اختصار العنوان الأصلي كما وردنا وذلك لطوله، والعنوان هو:
مناقشة رسالة ماجستير بعنوان ": اتجاهات القرويين نحو تنظيم الأسرة : دراسة اجتماعية لعينة من الأسر الريفية ببنى سويف نوقشت فى يوم 28/2/2012 بمقر كلية الآداب جامعة بنى سويف
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: