(191) نموذج الممارسة المستندة إلى البراهين فى الطب والخدمة الاجتماعية، إثراء للعلم أم محاولة لتدميره: قراءة فى ضوء نظرية الفوضى الخلاقة
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7150
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
(1)
تواجه الخدمة الاجتماعية منذ زمن بعيد انتقادا حادا مؤداه : أن علاقتها بالطب هى علاقة الغالب بالمغلوب. ويتمثل " النقاد " فى بيان هذه العلاقة بما قاله "ابن خلدون" فى مقدمته : " أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب فى شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب فى ذلك أن النفس تعتقد أبدا الكمال فيمن غلبها، إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعى وإنما هو لكمال الغالب".
ويرجع السبب الرئيس فى هذا الانتقاد إلى أن (معظم) النماذج التى تعتمد عليها الخدمة الاجتماعية مأخوذة أساسا من الطب، وكان آخرها نموذج "الممارسة المعتمدة على البراهين ".
يعرف هذا النموذج فى الطب بأنه : "الاستعمال الصادق والواضح والحكيم لأفضل البراهين الحالية في صنع القرارات بشأن رعاية المرضى".
وقد نقل هذا التعريف إلى الخدمة الاجتماعية على أنه :
"استخدام أفضل المتاح من نتائج البحوث والدراسات ذات المصداقية العليا عند إجراء كافة التدخلات المهنية مع كافة عملاء الخدمة الاجتماعية ".
فسر "النقاد" تبعية الخدمة الاجتماعية للطب فى ضوء حديث رسول صلى الله عليه وسلم الذى جاء فى صحيح البخارى :{ لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى إذا سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يارسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ }، فمتابعة الغالب فى جزئية من جزئيات حياته اعتراف بكماله يقود إلى تبعيته فى نمط حياته كلها.
ويرفض هؤلاء "لنقاد"إرجاع هذه التبعية إلى مبدأ أن الخدمة الاجتماعية هى مهنة من المهن التى تسعى دائما إلى مساعدة ممارسيها على الوصول إلى المستوى المرغوب فيه الذى يصطبغ فيه العلم والمعرفة بالفن والمهارة، أو أن الاتجاه والبحث فى الخدمة الاجتماعية يسعى إلى كل ماهو جديد، ويساهم فى إثراء ونمو المهنة وممارسيها. ذلك لأنهم أى "النقاد" يفرقون بين مبدأ الانتفاع بثقافة الآخر، والتأثر بها. ويرون أن هذه التبعية هى تأثر بالثقافة الأمريكية التى انطلق منها نموذج "الممارسة المستندة إلى البراهين " وليس مجرد انتفاع. فالتأثر بالثقافة يعنى دراستها وأخذ محتويات أفكارها وإضافتها إلى الثقافة الأصلية، إما لوجود أوجه تشابه بينهما وإما لاستحسانها.ويؤدى التأثر بالثقافة إلى الإعتقاد في أفكارها وإلى اختلاط الأفكار مع بعضها وضياع الأفكار الأصلية منها.أما الإنتفاع بالثقافة فيبدأ بدراسة الثقافة دراسة عميقة ومعرفة الفروق بينها وبين الثقافة الأصلية، واستعارة المعاني والتشبيهات دون أن يتطرق التناقض للثقافة الأم، ودون أخذ أو تبنى أفكار الثقافة الأخرى عن الحياة والتشريع بحيث لا تؤثر مطلقا على وجهة النظر في الحياة. فدعاة هذا النموذج من الباحثين فى الخدمة الاجتماعية، تجاوزوا خط الانتفاع وذهبوا بعيدا إلى حد التأثر بما جاء به الأمريكيون بدعوى الأخذ بكل ماهو جديد مما يساعد على تطوير المهنة وإثرائها.
ويعيب هؤلاء "النقاد" على الباحثين فى الخدمة الاجتماعية من دعاة هذا النموذج فى العالم العربى أنهم لم يدركوا أن اتجاه رجال الخدمة الاجتماعية فى الولايات المتحدة إلى تبنى نماذج المهنة من الطب وغيره من العلوم له ما يبرره. فالمجتمع الأمريكى مجتمع بلا ثقافة أو مجتمع ذو ثقافة ذات طابع متدن. ومن هنا فإن مهنة الخدمة الاجتماعية فى الولايات المتحدة لها أن تأخذ نماذجها من أى مصدر كان. أما العالم العربى، والعالم الإسلامى عامة، له ثقافته المميزة القائمة على عقيدة وطيدة الأركان، لا يجوز بأى حال من الأحوال تخطيها أو اعتقاد النقص فيها، فهى المصدر الأول والأوحد الذى يجب أن تستمد الخدمة الاجتماعية قواعدها منها، وعلى المتخصصين إثبات عجز هذه العقيدة عن إمداد هذه المهنة ذات الطابع الإنسانى بمقوماتها قبل أن يمدوا أبصارهم إلى غيرها. فالمشكلة إذن ليست فى هذه المهنة وإنما فى الضعف العقدى الذى يدفع أصحابها إلى استحسان واستسهال انتاج الأجنبى الغالب.
ومن أقوى الأدلة التى يقدمها هؤلاء " النقاد" لدعاة هذا النموذج الجديد للممارسة،على ضعف الثقافة الأمريكية هو اعتراف "بول كريج روبرتس" وهو أحد كبار الاقتصاديين فى إدارة ريجان بأن الولايات المتحدة " دولة بلا ثقافة " . يقول "روبرتس" معلقا على واقعة محاولة اغتصاب مدير البنك الدولى "دومينيك ستراوس" لإحدى العاملات :" بإمكاننا أن نقول أن الثقافة الأمريكية ثقافة شبابية تعرف فى حدود المتعة والترفيه والجنس وموسيقى الروك، أو ما يعادل كل ذلك، ويبدو أنها على وشك تحويل باقى العالم إلى هذا الطريق ". وفى إشارة بالغة الدلالة عن الشباب العربى يقول "روبرتس" :" ان هناك مشيرات واضحة على أن العلمانيين من الشباب العربى لن ينتظروا طويلا حتى يتحرروا من ثقافتهم التقليدية، ويشاركوننا ثقافة الإباحية والروك."
ويفسر هذا الاعتراف من "روبرتس " كيف أن الخدمة الاجتماعية لم تستطع أن تنهض وتعتمد على نفسها رغم أن نشأتها فى الولايات المتحدة بدأت منذ عام 1915. لكن الذى لا يمكن فهمه هو أن الخدمة الاجتماعية فى مصر نشأت فى عام 1935 ومازالت حتى اليوم عاجزة عن أن تستلهم من عقيدتها وتراثها وثقافتها ما يجعلها قادرة على إثبات وجودها فى مواجهة الثقافات الأخرى، وحتى حينما فكر رجالها فى ذلك لجأوا إلى محاولة أسلمة ماهو غير مسلم وألبسوه ثوب الإسلام، أو أوجدوا له نظيرا فى الإسلام بصورة تعسفية لاتخفى على الناقد البصير.
الولع بالغالب الأمريكى والاقتداء به حجب أعين الباحثين فى الخدمة الاجتماعية فى بلادنا عن النظر إلى النماذج الأخرى الناجحة فى بلدان أخرى فى ميدان الخدمة الاجتماعية لا لشيئ إلا لأنها ليست غالبة.
النموذج الذى يقصده "النقاد " هو " النموذج الكوبى ". أطلقت الحكومة الكوبية برنامجا أسمته " معركة الأفكار" وقصدت به : " جهود الحكومة لتقوية كوبا اقتصاديا واجتماعيا وايديولوجيا خلال ادخال العديد من البرامج الاجتماعية والتعليمية ومنها التدريب المكثف لخمسة عشر ألف أخصائى اجتماعى، بغرض تحسين حياة الأفراد فى معظم القطاعات المهمشة فى المجتمع الكوبى الذين عانوا من عدم العدالة الاجتماعية المتزايد والاغتراب الناتج من المشكلات الاقتصادية فى كوبا.
وقد أرغم نجاح البرنامج الكوبى أساتذة الخدمة الاجتماعية الأمريكيين على الاعتراف بهذا النجاح، ودعوا الدول النامية إلى الاقتداء به، ودعوا الحكومة الأمريكية إلى تعويض النقص فى الاخصائيين الاجتماعيين الأمريكيين بأخصائيين اجتماعيين كوبيين والاستفادة من التعاون الأمريكى – الكوبى فى تحسين العلاقات المضطربة بين البلدين.
(2)
يرى دعاة نموذج "الممارسة المستندة إلى البراهين " فى ميدان الخدمة الاجتماعية فى العالم العربى أن تبنى هذا النموذج هو نقطة البداية للوقوف على كل ماهو جديد، الذى من شأنه أن يثرى الخدمة الاجتماعية. لكن الذى يراه "النقاد " هنا يختلف عن ذلك كلية، فهم يرون أن استخدام هذا المدخل هو نقطة البداية لتدمير الخدمة الاجتماعية ونسف قواعدها وإعادة بنائها على أسس جديدة غير وطيدة الأركان.
قد يكون ذلك أمرا غريبا وموهما وغير معقول لأول وهلة، لكن إثبات صحته أو عدم صحته قد يحتاج إلى وقت طويل.
كلنا قد قرأ عن نظرية " الفوضى الخلاقة " التى تعرف بأنها "حالة جيوبوليتيكية (أى دراسة تأثير السلوك السياسى على تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة ) تعمل على إيجاد نظام سياسى جديد فعال بعد تدمير النظام القائم أو تحييده ". يرى " النقاد " أن تطبيق هذه النظرية بعد أن ظهرت تأثيراتها على المسرح السياسى، بدأ ينتقل الآن إلى ميدان العلم. أى من تدمير الأنظمة السياسية إلى تدمير العلم.وبدأ منفذوا هذه النظرية تطبيقاتهم على أبرز العلوم وهو " الطب"، ثم دخل الوسطاء المبهورون والمنتفعون بهذا النموذج الجديد لتطبيقه فى تخصصاتهم مثل الصيدلة والطب النفسى ثم إلى العلوم الانسانية وأخيرا الخدمة الاجتماعية.
يستشهد "النقاد " فى تأييد وجهة نظرهم بتوصل بعض الأطباء إلى إدراك خطورة هذا المخطط ، وتصريحاتهم بأن هناك أصابع خفية وراء السعى لفرض نموذج " الطب المبنى على البراهين " على مهنة الطب، فقالوا ما نصه :
" هذا النموذج مجرد خدعة فرضت على مهنة الطب من قبل قوى خارجية مثل الادارة وشركات التأمين والحكومات واصحاب المهن الاخرى ذات العلاقة بالرعاية الصحية بالمريض ". ومن هنا يظهر للنقاد هنا أن وراء هذه المؤامرة كبار الرأسماليين من المصرفيين والصناعيين وأصحاب الثروات الذين يمسكون بالقرار الحقيقى ويتحكمون فى كل مقدرات البلاد، وهم الذين يسيطرون على رؤوس الأموال والشركات، وهم الذين يحركون عجلة التصنيع، وهم الذين يوقفونها فيكون الركود الاقتصادى، وهم الذين يحركون الاقتصاد كما يشاؤون. ولهذا يرى "النقاد" أن صاحب المصلحة الحقيقى وراء الترويج لهذا النموذج هم رجال الأعمال فى ميدان تقنية ونظم المعلومات الالكترونية الذين يسعون إلى التشكيك فى جدوى الممارسات التقليدية للعلوم التى تعتمد على الكتب والمراجع والدوريات العلمية والتعليم المستمر ثم السعى إلى زيادة اعتمادها على تقنية المعلومات والنشر الإلكترونى لتحقيق مكاسب مادية.
وفصّل أطباء آخرون طبيعة هذه القوى الخارجية بصورة أخرى فقالوا :" لكل من هذه الجماعات اهدافاً معينة من تبني هذا النموذج الحديث وتختلف هذه الاهداف باختلاف توجه هذه الجماعات الفكري والسياسي والاجتماعي، واحياناً يكون هناك تباين في هذه الاهداف، لكنها لا تصب جميعها في مصلحة المريض".
ربط "النقاد" بين الدعوة إلى نموذج "الممارسة المستندة إلى البراهين " ونظرية الفوضى الخلاقة، فقاموا بتحديد الخطوات الأربعة لهذه النظرية، وقاموا بتطبيقها على نموذج " الممارسة المستندة إلى البراهين وذلك على النحو التالى :
المراحل الأربعة لنظرية الفوضى الخلاقة :
1- خلخلة مايسمى بالجمود الغير مرغوب فيه فى النظام المستهدف.
2- الوصول إلى حالة من الحراك والفوضى المربكة والمقلقة لهذا النظام.
3- توجيه تلك الفوضى وإدارتها للوصول إلى الوضع المرغوب فيه.
4- استخدام المدخلات التى أججت الفوضى لإخمادها وتثبيت الوضع الجديد بشكله النهائى.
وعن تطبيق هذه النظرية على ماجرى فى الطب وما يدعو إليه المتخصصون فى الخدمة الاجتماعية تصور " النقاد " الأمر على النحو التالى :
أولا : مرحلة خلخلة ثوابت الممارسات التقليدية للمهنة
2- التشكيك فى القواعد التى تقوم عليها المهنة
أ- التشكيك فى كفاءة الممارسات التقليدية.
بدأت هذه العملية فى الطب وانتقلت إلى الخدمة الاجتماعية. فى الطب دفع التشكيك من قبل دعاة هذا النموذج إلى القول : " نحن الآن نمارس طباً مبنياً على الحكم الإكلينيكي غير المستنير بدرجة كافية القائم على أفضل الأدلة فى البحث العلمي، وهذا منحدر زلق ينم عن عدم الفاعلية وانحدار الكفاءة " ويقولون فى عبارة أخرى :" إن تطور علم الأوبئة وعلم الأوبئة الإكلينيكي أدى إلى استنباط طرق سمحت بالنقد الموضوعي لطرق العلاج التي كانت مستخدمة في الممارسة الإكلينيكية "..
أما فى الخدمة الاجتماعية فقد دفع تحمس المؤيدين لهذا النموذج إلى القول بـ : " ان المراحل التطورية التى مرت بها الخدمة الاجتماعية مرورا بالتحول من الاعتماد على الطرق التقليدية للمهنة ( فرد- جماعة- مجتمع ) إلى الاعتماد على اتجاه الممارسة العامة أدى إلى استنباط طرق سمحت بالنقد الموضوعى لطرق المعالجة التقليدية.
وأدى بآخرين إلى القول بـ " أن الدراسات التقويمية التي هدفت لتقويم الممارسات المهنية منذ الثلاثينيات وحتى السبعينيات من القرن العشرين جاءت نتائجها لتؤكد أن أياً من المداخل التقليدية للخدمة الاجتماعية (الفرد والجماعة والمجتمع) لم تحقق الفعالية المرجوة منها، إن لم تكن أدت إلى تردي حالة العملاء ".
الواقع – كما يقول النقاد- هو أنه مازال أساتذة الخدمة وكذلك الباحثون والممارسون الاجتماعيون حتى اليوم يعتمدون على هذه الممارسات التقليدية، وليس هناك من دليل يثبت عدم فاعليتها وتردى حالة العملاء، أما قول بعضهم بأن الممارسات التقليدية فى الخدمة الاجتماعية قد أثبتت عدم فاعليتها ومن ثم تبدو الحاجة إلى نموذج جديد فهذا اعتراف بفشل الخدمة الاجتماعية فى أن تؤدى شيئا له قيمة على مدى ثلاثة أرباع القرن فى مصر وفى الدول العربية التى لازالت تعتمد على الاخصائيين الاجتماعيين وعلى أساتذة الخدمة الاجتماعية من المصريين.
2- التشكيك فى فاعلية وكفاءة التعليم المستمر
يقول المؤيدون لهذا المدخل الجديد من الأطباء : " كان التعليم الطبي المستمر (CME) كوسيلة لتحديث معلومات الأطباء آخذ في النمو حيث كان ينطلق من محاضرات يلقيها بعض الخبراء على مجموعة صغيرة من المتعلمين إلى مدربين ثم إلى دورات فاعلة للتغذية المرجعية، ألا أن الدراسات بينت أن التعليم الطبي المستمر كان ذو تأثير محدود على تعديل أداء الأطباء. "
"...........كانت هناك حاجة إلى الطب المستند إلى البراهين بسبب إخفاق الأطباء فى التعرف على التغيرات الجديدة والضرورية في الممارسة. كما أن رعاية المرضى سوف تتأثر بسبب قدم معلومات الأطباء وتراجع مستوى أداءهم بمرور الزمن. إن معارفنا الحديثة وأداءنا السريري (الإكلينيكي) يتدهور مع الوقت....كما أن محاولة التغلب على التردي السريري من خلال برامج التعليم الطبي المستمر التقليدي لا تؤدي إلى تحسين أدائنا السريري... ولقد ظهر أن منهجية مختلفة للتعليم الإكلينيكي يمكن أن تكون فاعلة في جعل الممارسين دائماً على اتصال بالحديث هي الطب المبني على البراهين."
وبنفس اللغة يقول دعاة النموذج الجديد فى الخدمة الاجتماعية : " ومن ناحية أخرى فقد كان التعليم المستمر لمهنة الخدمة الاجتماعية من أهم الوسائل الهامة لتحديث ومعلومات الممارسين المهنيين، حيث كان ينطلق من محاضرات يلقيها بعض الخبراء وأساتذة المهنة (ورش العمل) إلا أن هذا الأسلوب لم يثبت فاعليته بسبب قلة عدد المتلقين لهذا الأسلوب وظلت الفجوة بين النظرية والممارسة قائمة.
3- التشكيك فى الاعتماد على الكتب والمراجع العلمية
لا تعول "الممارسة المبنية على البراهين" حتى على أحدث الكتب والمراجع العلمية. وتستند فى ذلك إلى حجة واهية قوامها أن طول الفترة ما بين كتابة مسودة الكتاب وطبعه تجعل موضوعاته قديمة وبالتالى ما تقوله لا يعتبر أفضل البراهين.
يقول "النقاد" : " إذا كنا نقول لطلابنا أنه من الأفضل ألا يمر عشر سنوات على المراجع التى يستعينون بها، فهل نقول لهم الآن أنه لا يعول على المرجع الذى صدر فى عام 2012 لأنه حدثت تطورات فى المهنة لم يحسب حسابها ساعة أن شرع فى كتابة مسودته".
4- التشكيك فى الاعتماد على الدوريات العلمية
لا تعول "الممارسة المبنية على البراهين " أيضا حتى على المجلات العلمية،فيقولون فى ذلك " أن على الممارس المستخدم لهذه الدوريات مراجعة عدة إصدارات من نفس المجلة أو من صحيفة أخرى لكي يصل على المعلومات ذات الصلة بموضوع ما".
يقول "النقاد" :" نحن نصرخ فى طلابنا بضرورة الرجوع إلى الدوريات العلمية والاشتراك فى مكتبة الجامعة الأمريكية لكى تعرف أحدث البحوث فى مجال التخصص، فماذا نقول لهم الآن ؟."
ثانيا : مرحلة الوصول إلى حالة من الحراك والفوضى المربكة والمقلقة لهذا النظام.
يظهر ذلك فى الخدمة الاجتماعية على النحو التالى :
1- اثبات وجود عيوب تحول دون تبنى النموذج الجديد
يقول دعاة هذا النموذج بـ "أن هناك مآخذ يمكن أن تكون عيوباً في تبني استراتيجية الممارسة على البراهين كأسلوب لممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية، وأبرز هذه العيوب هى :
أ - قصور فى الدراسات باللغة العربية فى هذا الموضوع.
ب- عدم وجود قاعدة بيانات إلكترونية بالإضافة إلى القصور فى النشر الإلكترونى.
د- عدم وجود مواقع متخصصة تنشر البحوث العلمية فى المجالات الانسانية.
هـ - قصور في المناهج العلمية التي يمكن أن تفيد في تزويد الممارسين المهنيين بالمعرفة العلمية والمنهجية الكافية التي تمكنهم من إجراء الدراسات والبحوث، أو حتى تقييمها، فهناك نقص في تعليم مواد المناهج، والإحصاء، وأيضاً في تعليم الحاسب الآلي وتوظيفه في البحث عن المعرفة، وكل هذه المعضلات تقف حاجزاً في سبيل تطبيق الممارسة المبنية على البراهين واعتمادها كإستراتيجية وأسلوب في ممارسة الخدمة الاجتماعية في مجتمعنا.
ولا يمكن تصور ذلك إلا أنه حالة من الفوضى والإرباك عند الانتقال من النظام القديم إلى النظام الجديد.
ثالثا : توجيه تلك الفوضى وإدارتها للوصول إلى الوضع المرغوب فيه.
يظهر ذلك فيما يلى :
1- التشكيك فى قدرة الممارسين على تبنى النموذج الجديد لارتفاع تكاليفه وضرورة التدخل بالتالى للمساعدة
يقول دعاة هذا النموذج من الباحثين فى الخدمة الاجتماعية :" تحتاج ممارسة هذا النموذج الجديد إلى تكاليف مادية تتمثل في اشتراكات في مجلات علمية وتوفير الاتصالات بالنت، وأجهزة للحاسب الآلي، ومع انخفاض دخول الأخصائيين الاجتماعيين فإن اعتماد الممارسة المبنية على البراهين كاستراتيجية للممارسة سيؤدي إلى تحميل الأخصائيين الاجتماعيين تكاليف مادية قد لا يقدرون عليها".
2- التشكيك فى امكانية تفاعل الممارسين مع النموذج الجديد وبالتالى ضرورة التدخل للمساعدة
يقول دعاة هذا النموذج من الأطباء :" إذا كانت الممارسة المستندة إلى البراهين تهدف إلى إيجاد الممارس / الباحث القادر على تقديم المساعدة التي يحتاجها العميل. وأن يتحرك للبحث عن المعرفة فلا يعتمد على ما تعود عليه، بل يسعى لتطوير أساليبه، ومهاراته ومعرفته متجنباً الأخطاء المهنية، فإن المهتمين باستراتيجية البراهين من الأطباء يرون أن تطبيقها سوف يسهم في تدني مستوى الممارسين الاكلينكيين نظراً لعدم وجود الحوافز للتجديد والابتكار والمنافسة في تطوير الخدمات الصحية ".
3- التشكيك فى قدرة المؤسسات على تبنى النظام الجديد ومن ثم الحاجة على المساعدة
يقول دعاة هذا النموذج فى الطب :" يحتاج تطبيق هذا النموذج الجديد من الممارسة إلى أنظمة معلومات شاملة ومترابطة وسريعة، ويحتاج أيضا إلى إلزام كل المؤسسات العاملة فى ميدان الرعاية والخدمة الاجتماعية بالاحتفاظ بسجلات موحدة لكل عميل يتم التعامل معه ويشترط أن يكون التسجيل فيها قائما على معايير أربعة موحدة للمصطلحات والاجراءات والتصاميم والأداء " . ويتساءل "النقاد" :" كم يحتاج تطبيق هذا الأمر من السنوات فى ميدان الرعاية الاجتماعية عموما ؟"
رابعا : استخدام المدخلات التى أججت الفوضى لإخمادها وتثبيت الوضع الجديد بشكله النهائى.
عن استخدام المدخلات التى أججت الفوضى فى إخماد هذه الفوضى،يقول دعاة هذا النموذج فى الطب الآتى : " أن هذا النموذج هو الدواء العام لجميع المشاكل التي تواجه الانظمة الصحية في العالم مثل ارتفاع تكاليف الخدمات الصحية، والاستعمال الخاطئ وعدم الانصاف في توزيع الموارد، التباين الواضح في الممارسة الاكلينيكية، وعجز هذه الانظمة عن سد الاحتياجات الصحية للسكان.
وفى الخدمة الاجتماعية يقول دعاة هذا النموذج " أن اعتماد هذا النموذج سوف يؤدى إلى التغلب على بعض إشكاليات المهنة المتعلقة بالفاعلية والكفاءة المهنية، وتتحقق أهدافها فى تقديم خدمات فعالة وبكفاءة عالية لعملائها وفى تحسين خدملات الرعلية الاجتماعية المقدمة لأفراد المجتمع.
أما عن تثبيت الوضع الجديد فقد دعا مؤيدوا هذا النموذج فى الطب إلى الآتى:
1- الدعوة إلى أن تنظر الكليات والمعاهد الطبية في وضع منهاج للطب المبني على البراهين، ويجب ألا يقتصر اهتمام الكلية على الطب المبني على البراهين فحسب بل يجب أن يشمل أيضاً التعليم الطبي المبني على أفضل البراهين (BEME) والرجوع إلى موقع الشبكة العنكبوتية الخاصة به وتمتد مظلة هذا التوجه إلى شمولية تطبيق هذا المفهوم إلى الرعاية الصحية المبنية على البراهين.
2- الدعوة إلى تأسيس لجنة وطنية تلعب دوراً ريادياً في تنفيذ الاستراتيجيات المرسومة... يكون تشكيلها من وزارة الصحة وكليات الطب بالجامعات والمنظمات، والمؤسسات ذات العلاقة بالطب المبني على البراهين، الذي يتمثل دورهم في تقديم المشورة القانونية والدعم ووضع البنية الصحيحة وتوفير مصادر التمويل وخدمات الموظفين المهرة (مبرمجي الكمبيوتر، توفير المواد العلمية والمساندة السكرتارية.. الخ)، والاتصال بوزارة الصحة وبالجامعات وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة، وتصميم المناهج وتطوير برامج التعليم الطبي المستمر للطب المبني على البراهين والتعليم المبني على حل المشكلات والتدريب المهني والتحسين المستقبلي في أساليب وطرق التعليم.
ويجدر الإشارة إلى أن الباحثين فى الخدمة الاجتماعية نقلوا عن الطب كل ما اعتبروه مزايا لهذا النموذج الجديد، ولم يذكروا ما أشار إليه الأطباء من عيوب منها أهمها أنه يقتل الفطنة والخبرة والبديهة الخاصة بالممارس، ويهدد فن صنع القرار بالضياع وأنه يحول الممارسة إلى كتاب طبخ تافه، ولا يكون أمام الممارس سوى اتباع الوصفات المكتوبة والمقررة من قبل أشخاص آخرين، ويتساوى فيها حديث الخبرة بالتخصص بقديم الخبرة فيها، ويستوى فيها الأستاذ مع حديث التخرج.
يقول العلماء :" من تابع غيره فى بعض أموره، فهو منه فى ذلك الأمر ". ويقول العلماء أيضا :" إن جميع أعمال الكافر وأموره لا بد فيها من خلل يمنعها أن تتم له منغعة بها، ولوفرض صلاح شيئ من أموره على التمام لاستحق بذلك ثواب الآخرة، ولكن كل أموره إما فاسدة وإما ناقصة".
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: