العصيان المدني بين الحق و الباطل (بين العصاة و الدعاة)
د- هاني ابوالفتوح - الكويت / مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5219
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الفكرة أية فكرة هي دعوة تخرج من فكر لشخص ما، تنادي بها مجموعة ما فتتحرك مثل كرة اللهب فلا هي تعرف أين تتجه و ماذا ستحصد ولكنها فكرة، هكذا خرجت فكرة العصيان المدني ولكن لا نعرف هل خرجت للنور أم للظلام ؟ هل هي فكرة حق أم دعوة باطل ؟ هل فكرة خير أم فكرة شر ؟ !
من يرفعون لواءها وينادون بها ويتمنون نجاحها رغباتهم تنحصر في استجابة أكبر عدد من الشعب بمختلف طوائفه لهم لإثبات صحة مواقفهم والضغط على إدارة البلاد الحالية لترفع الراية البيضاء لهم طواعية أو كرها من منظور أن هذا الفكر يؤتي ثماره ومجرب عالميا للوصول إلى الهدف المنشود،
من ينددون بها يرون فيها فكرة شيطانية تضر و لا تفيد، تهدم لا تبني، يرون في أصحابها والداعين لها أصحاب أجندات معينة و أهداف محددة مرسومة بعناية ويجمعها قاسم مشترك إسمه إسقاط مصر لا إسقاط النظام،
الفكرة إذا بين ميزان الحق أو الباطل، لو عرضنا الفكرة ذاتها على مصر الوطن لتدلي أيضا بدلوها لعل لصوتها صدى في نفوس الجميع، مصر تدعي أنها لا زالت حية ترزق وتدعي أيضا أنها لم تورث نفسها لفئة ما كما تدعي أنها تريد أن تعيش و تستمر، البعض منا تصور أنها ماتت إلى رحمة الله و أنه الوصي على عرشها والبعض الآخر يقول لا زالت تنبض وفيها بعض الروح لكنها يجب أن تستند عليه وحده فهو إبنها البار إن لم يكن الشرعي الوحيد، وبما أن مصر حرة شريفة عفيفة فهي لم تنجب لقطاء ولكنها أنجبت فرقاء أو الإخوة الأعداء،
ذهبت إلى مصر في غرفة الإنعاش أسألها عن رأيها في فكرة العصيان المدني، وجدتها مكبلة بكل أجهزة التنفس الصناعي، عيناها محدقة ويداها مرفوعتان إلى السماء وصوتها يئن . يارب يارب . يارب إرحمني من هؤلاء و هؤلاء ’ إرحمني من الفرقاء، إلطف بي، أوهب لي الحياة من رحم الموت، أعدني الى الدنيا مرة أخرى كي أنجب غيرهم و أنجب بشرا لهم قلوب تشعر وعقول تعي ونفوس سوية، أنجب من يفهمون أن الحياة تسع الجميع وأني أم للجميع وأن الإختلاف أحيانا رحمة لكنه لا يجب أن يكون إختلاف الى ما لانهاية، إختلاف حتى الموت . حتى الحرق . حتى القتل، قبل أن أبادرها بالسؤال عن رأيها في فكرة العصيان المدني وجدتها تسأل الخالق يارب . من أين لي بطعامهم ما تركوا لي وقتا للعمل حاصروني بالجُمَعْ والمليونيات والإضرابات، من أين لي بإستيراد غذائهم ولم يتبقى غير رصيد إحتياطي يكفي أقل من ثلاثة أشهر بعدها يأكلون بعضهم بعضا، ما عاد هناك أمن بينهم كي يأتي لهم مستثمر يفتح معهم باب أمل و عمل، حرقوا الأخضر واليابس بدعوى البحث عن الحرية والبحث عن الشرعية وإدعاء الوطنية، القدر يمهل الناس جميعا فرصا للتوبة والنهوض من الكبوة والعودة الى الله فمتى أخطأوا تابوا مرات ومرات، لكنهم معي يدعون أن الوقت انتهى وأن الأيام لن تستمر وأن الغد يحمل الموت و أنهم لا وقت لديهم فإما أن أموت أو أن أموت، يارب ماذا هم صانعون غدا هل هو يوم العصيان أم يوم العصاة،
يارب لقد إستفتيت العلماء جميعا فما وجدت واحدا يقول أنه حق، يارب ارحمني من هؤلاء من تحجرت قلوبهم وفسدت نفوسهم وتركوني على فراش المرض عليلة كليلة وذهبوا ليجتمعوا على موتي . على قتلي، يارب ما عاد لي ملجأ سواك و لا عاد إلا بابك فإهد من تبقى منهم بعقله إلى الخير فيأتي لي بترياق رحمة ليمد شرياني بنقطة دماء أو يبل عروقي بنقطة ماء، من فيهم لا زال بقلبه بعض الوفاء ؟ من فيهم يعرف الرحمة ؟ أم أن القلوب ماتت والضمائر انعدمت والمآقي تحجرت والمشاعر تبلدت،
إن كانوا جميعا قد ماتوا فاللهم لا تجعل في قلبي نبضا بعد اليوم و إن كان في البعض منهم أملا فأجعلني أحيا لمن يحيا منهم، اللهم على من ظلمني وعلى من عصاني وعلى من دعا لعصياني وعلى من أعان عليه بحرف أوكلمة أو دعوة أو نشر، اللهم انتقم من العصاة واستجب لدعوة الدعاة وارحم من رحمني و اقصم من قصمني . يارب ما عاد لي أحد سواك، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله و نعم الوكيل،
أخذت نفسي من الغرفة بعيدا عنها ونبضات قلبها تكاد أن تتوقف ودموعي تذرف وقلبي يرتجف حزناً وألماًًً عليها ولم أستطع أن أحدثها بكلمة أو أن أهمس في أذنها أنه لا زال هناك بررة من أبنائها، لن يرضوا لها إلا أن تعيش وأن تحيا، تركتها مع مولاها وأخذت أردد معها حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: