يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5135
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن المتابع لمواقف وكتابات ولقاءات الدكتور على جمعة مفتي جمهورية مصر العربية في الآونة الأخيرة ليدرك جيدا أن الرجل قد جند نفسه في كل موطن للدفاع عن الصوفية ومهاجمة ما يسميها بالسلفية، ودائما ما يوجه كلماته المسجلة منها والمباشرة حول هذه القضية، وأيضا يصدر مقالات وكتب في نفس الأمر، ولا ندري لِم يشغل نفسه بهذا الأمر ؟ وإلام يرمي ولماذا يحب أن يشعل حربا فكرية دائما في كل وقت يتطلب أن يجتمع الناس ولا يتفرقوا ؟.
فالقضية تشغله كثيرا، ولهذا يسخر لها وقته وجهده المملوكين لنفع الشعب بحكم منصبه، بل ويسخر لها وسائل الإعلام المملوكة للمواطنين لكي يدافع فيها عن وجهة نظره – التي من حق أي مسلم أن يختلف معها إذا استصحب الدليل والبرهان – ويستعمل أيضا منصبه الرسمي وإعلام الدولة الرسمي ليرهب مخالفيه ويضطرهم للسكوت، حيث يعتقد العامة أن كل قول يتفوه به المفتي – صاحب المنصب- هو الحق الوحيد وأن ما سواه هو الباطل، وهذا لا يليق مع مكانة منصب المفتي العلمية والأدبية والتاريخية.
وإذا كانت مصر كلها في مرحلة إعادة بناء بعدما وأدها حية النظام المخلوع فكان المفترض أن تُدخر كل القوى وتتجه إلى إعادة البناء - كل حسب موقعه - لا أن تُهدر الأوقات وتُستنزف الجهود وتُشتت الأفكار، فكان حريا بفضيلة المفتي أن يوجه جهده وكلماته العذبة الرقراقة والمؤثرة لتجميع الجهود لا لبعثرتها.
ففي برنامج "كلمة حق" على القناة المصرية الرسمية لفضيلة المفتي ومعه الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم، وهما قطبان من أقطاب صوفية مصر، ولهذا عُنونت الحلقة بـ "الصوفية والتصوف"، ولا ندري بداية لماذا أُختير هذا العنوان ؟ إلا إذا كان فضيلة المفتي ومعه عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية السابق يريدان خوض حرب فكرية يدخلان فيها الناس – جهلاءهم قبل علمائهم - في صراعات فكرية وخصومات ثأرية بين مؤيد ومعارض في وقت لا تتحمل فيه مصر انقسامات جديدة.
وبالطبع كانت الحلقة كلها مدحا في الصوفية وقدحا في كلمة السلفية بأسلوب قاس حينا ومتهكم أحيانا أخرى.
فقال الدكتور جمعة " على الجميع أن يفهموا أن التصوف هو الدين رغم أنف جميع المنكرين، وأن التصوف هو الفهم الصحيح للإسلام، وأن من أنكر التصوف هو مادي أراد قتل الإسلام "، وقال الدكتور عمر هاشم " إن الذين افتعلوا هذه الخصومة الكاذبة بينهم وبين التصوف ما عرفوا ولا تذوقوا حلاوة الدين، ومن ذاق عرف "
وكلا الرجلين بارع في الحديث متمكن من أدواته وخاصة إن كانا وحدهما دون معارضة، فالمجال مفتوح والحضور منبهر.
وينبغي أن نتوقف عدة وقفات مع هذه الأفكار التي عرضاها في هذه الحلقة :
يعلم فضيلة المفتي وفضيلة رئيس جامعة الأزهر السابق أن الحكم على الشيئ فرع عن تصوره، فلم يحررا لنا معنى واضحا للصوفية ولم يضعوا له تعريفا جامعا مانعا كما يفهم الأصوليون، وبالتالي فالصوفية كلمة فضفاضة لا معنى محدد لها لكي يوضع على مائدة البحث ومن ثم التقييم، فكيف يقولان أنها هي الإسلام ؟، والإسلام له تعريف جامع مانع لا لبس فيه ولا غموض.
- فإذا كانا يعنيان بالتصوف أنه أداء العبادات القلبية التي يفعلها المؤمن والتي تعمل على تنقية القلب من شوائبه وأدرانه للوصول للقلب السليم الذي يرضى رب العالمين، فهذها هي جوهر مقصود الإسلام الذي جاء لإصلاح المرء ظاهرا بالعبادات التي تؤتي أكلها في القلوب باطنا فتهذبها، وهذا لا يختلف عليه مسلم سواء من الجماعات الإسلامية التي يهاجمها المفتي دوما أو حتى من العوام، فلم يأت مفتينا بجديد، فهذا ما عليه سلف الأمة وخلفها منذ بعثة الحبيب محمد إلى قيام الساعة، ولهذا لا ندري سببا لتسمية جديدة مختلفة عن الإسلام نسميها ابتداعا باسم آخر وهو الصوفية، ويجب أن نرجع إلى الاسم الصحيح للدين وهو الإسلام وننبذ ما سواه من الأسماء، فالمسمى واحد كما قال.
- أما إذا كانا يعنيان بالصوفية ما نراه من ممارسات للمتصوفة من تصرفاتهم العقدية من الطواف حول القبور والتوسل للمقبورين والنذر لهم ومناداتهم وإعطائهم أكبر من قدرهم والاعتقاد فيهم أنهم يملكون لغيرهم نفعا أو ضرا، فهذا ليس من الدين، بل هو مناف لأهم ما بني عليه ديننا وهو توحيد الله الخالص ونبذ كل شريك له سواء كان حجرا أو شجرا أو عبدا صالحا من عباده، فلا نبي مرسل ولا ولي مكرم يغنيان من الله شيئا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في كلمات واضحة جلية لأقرب الناس إليه كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها " يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا عباس عم رسول الله اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئا، لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل "
- وأما عن كانا يقصدان بالصوفية الممارسات العملية لمن نراهم يتسمون بالصوفيين كالرقص والصفير والتمايل والانقطاع عن شئون الحياة وقضاء الأعمار في الانتقال من مولد لمولد بكل ما يرتكب حول تلك الموالد من منكرات وموبقات وشرب مسكرات واختلاط الرجال بالنساء يصل لحد المبيت سويا في خيام واحدة، فكل هذا الإسلام منه برئ، والله ورسوله منه براء، ولا يمكن لأحد من الناس عالما أو جاهلا أن يقركما عليه ويصدق دعواكما أن صوفيتكما هذه هي الإسلام.
- يتحدث فضيلة المفتي وفضيلة رئيس جامعة الأزهر السابق عن بعض الأسماء وينعتها بالصوفية ويقول أنهم كانوا من أفاضل الأمة، وصدقا في بعض قولهما، فمن الأسماء التي يطرحها الصوفيون على مواقعهم مثلا العالم المجاهد الكبير العز بن عبد السلام الفقيه الشافعي الشهير بسلطان العلماء رحمه الله، فهل صوفيتكم وفعلكم مثل فعله ؟
إن العز بن عبد السلام الذي كان يوجع السلاطين بكلماته ومواقفه، والذي أصر على بيع المماليك في سوق العبيد وهم حكام البلاد حينها، والذي رفض الإفتاء بجمع الضرائب من الفقراء حتى يأخذ السلطان من الأغنياء، إن هذا الرجل ليختلف تماما في مواقفه عن موقف رجل الفتوى التي مورست كل الموبقات من رجال النظام السابق وهو شاهد عيان ولم يتمعر لها وجهه قط، فلم يأمرهم ولم ينههم، بل كان معهم واحدا منهم، وأيضا يختلف تماما عن رجل لجنة السياسات الذي صرخ يوما بأعلى صوته مناديا جموع الصوفيين أن يبايعوا الرجل الأمين الذي لن تجد مصر أحدا يحكمها أفضل منه !!، وبالقطع كان هذا في مؤتمر الصوفية وهم يدعون لتأييد الرئيس المخلوع حسني مبارك لفترة رئاسية جديدة.
أولى بفضيلة المفتي أن ينشغل بإفتاء الناس بما يحتاجونه من بيان، وأن يتفرغ لما أوكله الله له من عمل فيه صالح البلاد والعباد بدلا من أن يشغلهم ببرامج وتصريحات وكتب تثير حفيظتهم وتفرق جمعهم وتشتت شملهم، وأولى بالدكتور عمر هاشم أن يؤدي عمله كأستاذ لمادة الحديث الشريف فيعلم الناس سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبصرهم بحقائقها ويزيل عنهم ملتبسها فهو رجل صاحب علم وقدر، واسأل الله لهما أن يتخلصا كلاهما مما أرهقا فيه أنفسهما وتسببا في بلبلة الناس، وأسأله أن يغفر لنا ولهم
المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: