مجدي داود
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5508 Mdaoud_88@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يمر العيد الثاني في هذا العام على أمتنا وقد تحررت ثلاث بلدان من أنظمتها الاستبدادية القمعية، بينما بقيت سوريا العروبة والإسلام، جريحا تنزف دما، يعتصر قلبها، وتنتفض أركانها ضد نظام الأسد القمعي الذي يأبى إلا أن يذيق شعب سوريا الويلات، والذي يظن أنه ناج بفعلته، وأنه في منأى عن الحساب والعقاب.
هذا دائما نهج الطغاة فهم لا يتعلمون ولا يتذكرون، إلا حينما تقع الكارثة، حينها فقط سيذرفون دماء بدل الدموع، وهم يتسولون الرأفة من الأبطال، هذا ما فعله القذافي مجنون ليبيا وطاغيتها، فمن كان يسمع خطاباته كان يظن أنه أمام فرعون الذي قال للناس "أنا ربكم الأعلى".
فاليوم يقف بشار الأسد ذات الموقف، فهو يراوغ ويماطل، يعلن موافقته على خطة ما تسمى بـ"الجامعة العربية" وأنا أسميها "جامعة الفساد والخيانة العربية"، يوافق وفي ذات الوقت يستمر في القتل والتدمير، في حمص وحدها سقط ما لا يقل عن خمسين شهيدا في اليومين الماضيين، في حمص وحدها توجد الأدلة القاطعة الثابتة الدلالة على أن "جامعة الفساد والخيانة العربية" قد قررت إمهال ذلك الفأر أشهرا أخرى حتى ينهي على شعب سوريا الحر، في حمص وحدها دلالات ودلالات على إجرام هذا النظام وفقدانه أية شرعية دينية أو قانونية أو سياسية أو عسكرية أو حتى بهائمية، هذا إن رضيت البهائم أن يقترن اسمه بها.
إننا نقف أمام نظام يقاتل من أجل وجوده، ونقف أمام شعب قد قرر خوض معركته حتى النهاية، شعب نعرفه جيدا، أوليس هذا الشعب قد خرج من صلبه العز بن عبدالسلام، سلطان العلماء وبائع الملوك والسلاطين، أوليس أهل سوريا هم الذين ساندوا خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش وولده جلال الدين في قتال التتار، وهم الذين انضموا إلى أهل مصر لما تآمر حاكمهم مع الفرنجة على مصر، وهزم حاكم دمشق والفرنجة شر هزيمة، أوليس أهل سوريا هم الذين كان لهم دور بارز في هزيمة الصليبيين والتتار، ألم يخرج سليمان الحلبي ذلك السوري الحر ليقتل القائد الفرنسي كليبر في القاهرة!!.
ليس عندنا أدنى شك في أن أهل سوريا الذين ثاروا، لن يعودوا إلى بيوتهم ويقبلوا ببقاء هذا الطاغية، ليس عندنا أدنى شك في أنهم لن يقبلوا بالذلة والهوان، ليس عندنا أدنى شك في أنهم سيقدمون الشهداء تلو الشهداء حتى يرحل هذا النظام.
الأمة كلها تفرح اليوم بالعيد، لكن مصاب أهل سوريا كبير، وجرحهم عميق، فكم من أخ فقد أخيه، وكم من أم فقدت رضيعها، وكم من زوج فقد زوجته، وكم طفل فقد أبيه وأمه وعائلته جميعا، كم من أسرة هدم القصف بيتها فما بقي منهم أحد على قيد الحياة، كم من شاب قد سحل وقتل أمام أمه وأبيه، كم من المآسي قد عاشها أهل سوريا منذ بدء الثورة.
كنت أعرف أخا من سوريا منذ أربعة سنوات أو أكثر، وقد كان يحدثني حين بدات الثورة، وكان آخر حديث لي معه أنه أخبرني أنهم يعملون في مدينة حلب على إخراج مسيرة كبيرة في المدينة التي كانت لا تزال ساكنة حتى ذلك الحين، بسبب التواجد الأمني المكثف، ومنذ شهور لم يحدثني ولا أعرف عنه شيئا، وأشعر بقلق بالغ تجاهه، فكيف يكون حال أمه وأبيه، وأخته وأخيه، وزوجته وبنيه؟!
في بلادنا نخرج للمصلى ونحن فرحين مستبشرين نهنئ بعضنا بعضا، نمازح أطفالنا ونسعى لإرضائهم في هذا اليوم، ليمرحوا ويلعبوا، فهذا يومهم، هذا يوم العيد، نزور أقاربنا لنهنأهم ويهنئوننا، نرى اللافتات المهنئة، والأخرى الخاصة بالانتخابات.
لكن في سوريا الوضع مختلف، فقد سقط يوم العيد حتى كتابة هذا المقال ثلاثة عشر شهيدا، فشعارات السوريين هي إسقاط النظام، تهنئهتم تعازي، نساؤهم يصرخون، كبارهم عجزوا عن الحركة بعدما ثقلت الأحمال، أطفالهم يبكون، ويسعون لإرضائهم لينسوا فقدان الأب والأم، الأقارب قتلوا أو اعتقلوا أو فروا من المطاردة، هذا حالهم هناك، وهذا عيدهم.
في سوريا لافتاتهم من نوع آخر، إحدى هذه اللافتات والتي أمدتني بصورة لها إحدى حرائر سوريا تقول "العرب تشتري ثياب العيد .. ونحن نشتري أكفان الشهيد"، كم أنها كلمات معبرة عن الأسى والحزن والمأساة التي يعيشها شعب سوريا، كم أنها رسالة مؤثرة إلى ذوي القلوب الرحيمة، كم أنها تحكي قصة شعب يشعر أن أقرب الناس إليه قد خانوه وخذلوه وطعنوه في ظهره، وتركوه إلى الذئاب لتنهش جسده.
فأود أن أقول لإخوتي في سوريا، إن بلادكم ليست كأي البلاد، إنها عاصمة الدولة الأموية، فيها حكم عمر بن عبدالعزيز، بلادكم هي نبض العروبة، ولن تقوم لهذه الأمة قائمة بدونكم، فالنصر حليفكم، فليس النصر بكثرة العدة والعتاد، ولكنه بفضل الله ومنته، وإنكم قد صبرتم على الأذى كثيرا حتى فاض الكيل، فاصبروا فإن النصر صبر ساعة، ولا تنتبهوا إلى "جامعة الفساد والخيانة العربية"، فإنها أصل الفساد ورأسه، وما أعلم لها موقفا مشرفا منذ ست وسبعين سنة.
فيا سوريا يا نبض الأمة، عزك عزنا، مجدك مجدنا، نصرك نصرنا، مصيرنا واحد وطريقنا واحد وديننا واحد، وإن كان البعض قد خان وباع فهو ليس بغريب عليهم، فإن الشعوب لن تبيع ولن تخون، فلا تبك، وكفكفي دموعك، وجددي النية والعزم على خلع الطاغية، فهو يوم قريب بإذن الله، شاء الطاغية أم أبى.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: