مجدي داود - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7462 Mdaoud_88@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
وصل إلى الحكم بعد ثورة على النظام الملكي، قضى على الملكية، وأسس الجماهيرية، وحكم الناس، وطال حكمه فبلغ اثنين وأربعين سنة، قاد خلالها ليبيا إلى التخلف والتراجع، فلا دولة جماهيرية كانت أو ملكية، إنما مجموعة من القرى والمدن، يحكمهم عصابات نظام فسد وأفسد وانتهت صلاحيته، وكان لابد من زواله بأي شكل كان.
في حدث غير متوقع، سقط نظام ابن علي غرب ليبيا، ولم تمض أيام قلائل حتى انتفض شعب مصر، وكان الجيشان في تونس ومصر على قدر المسؤولية وأدركوا أنه ما من سبيل للحفاظ على البلاد والأنفس إلا بالإنحياز للشعب، لأن تحرك الشعب بهذا الشكل قد تخطي إمكانيات كل القوى الأمنية، وأن هذا الجيل قد نفض عن رأسه غبار الخوف والجبن، ولن يستطيع أحد أن يقف في وجهه أو يرده أو يمنعه من تحقيق أهدافه.
إلا أن القذافي ظن أنه أكبر من هذا، وأنه لن يصيبه ما أصاب غيره، وجذب مرتزقة من بلاد عدة، وأمرهم بمساعدة الجيش في القضاء على هؤلاء "الجرذان" وخرج يخطب ويهدد ويتوعد، ويتهم بالثوار الخيانة والعمالة، ربما لم يكن هناك من ينصحه بأنه قد فات الأوان على كل هذا وآن أوان الرحيل، ولكنه حتما لم ينظر إلى مصر وتونس ولم ير ماذا جرى فيهما، وهكذا ذهب يقتل شعبه ويظن أنه منتصر، ويشيع أن الناس تلتف حوله.
ثبت الثوار، وتدخل الناتو، وأراد أن يبطئ المعركة ويطيل أمدها، لأسباب ليست خافية على المراقبين، ولكن الثوار حينما أدركوا خبايا الناتو، اعتمدوا على الله وأخذوا بأسباب النصر، فكتب الله لهم هذا، وفتح عليهم طرابلس، ووقف عبدالحكيم بلحاج على أنقاض باب العزيزية يعلن فرار القذافي وسقوط طرابلس وكان ذلك في شهر رمضان الكريم، وفي هذا من الدروس والمعاني الكثير لكن من يفهم ومن يعقل؟!
لم يهدأ القذافي، راح يهدد ويتوعد، ورتب الصفوف وأعد العدة في سبها وبني وليد وسرت، وظن أنه إن قتل فهو شهيد، ولكن هيهات هيهات فأنى لقاتل لشعبه أن يكون شهيدا، حارب القذافي وتوعد شعبه بالدمار والخراب، حاصر المدنيين ومنعهم من الخروج من سرت حتى لا يصابون بأذى في المعارك، وراح يطالب الشعب بالخروج في مسيرات "مليونية" لكي يرجع إلى الحكم.
سقطت بني وليد، واتجهت الأعين إلى سرت، وحشد الثوار قوتهم وبدأ الهجوم الأخير، وفي صبيحة الخميس، ألقي القبض على القذافي ثم تم قتله، لتنتهي حياة رجل غريب الأطوار، عجيب الأفكار، يتصف بالعند وأحيانا كثيرة بالجنون، وربما هذا ما كان يخيف الكثيرين من ردود فعله التي تكون غالبا غير متوقعة.
انتهى القذافي لتنتهي معه حقبة زمنية سوداء على الشعب الليبي، وليقف الشعب الليبي وفي القلب منه الثوار أمام منعطف خطير، وتحديات جسام، ومهام صعبة، تحتاج أول ما تحتاج إلى فهم وإخلاص وتجرد، والبعد عن النزعات والمصالح الشخصية، وتغليب مصلحة الوطن على مصلحة الأحزاب والجماعات، للخروج بالوطن الكبير من هذا المأزق الخطير، والوصول به إلى بر الأمان.
إن ليبيا صارت ملآى بالسلاح، صار السلاح في كل بيت من بيوت الثوار، وفي ليبيا قد بدأت معركة مبكرة وهي معركة تحديد الهوية، ولهذا فإن على المجلس الإنتقالي أن يسارع في دمج هؤلاء الثوار في قوات الجيش والشرطة أو يسحب السلاح من بين أيديهم قبل أن تنشب الخلافات فيما بينهم، وقبل أن يلجأ البعض إلى استخدام السلاح ضد بعضهم الآخر، فتصير بحورا من الدماء لا يطيقه الشعب ولا تطيقه الأمة وتذهب الثورة ودماء الشهداء هدرا والعياذ بالله.
انتهى الثائر على الملكية قتيلا برصاص شعبه، إن في ذلك عبرا لأولي الألباب، ورسالة واضحة إلى الطغاة والحكام، وإلى كل من وصل إلى كرسي الحكم، وإلى كل من تسول له نفسه أن يصل إليه، وإلى كل من تسول له نفسه أن يطلق النار على شعبه، مفادها "انتهى زمن الطغاة، انتهى زمن الظلم والبغي، هذا زمن الشعوب، هذا زمن يصير الحاكم خاما للشعب، استجيبوا لشعوبكم أو انتظروا الموت".
الرسالة يجب أن يفهمها هؤلاء الذين يحكمون سوريا واليمن وغيرها من بلاد الإسلام، فليفهموا الآن قبل فوات الآوان، فليفهموا إن كان ثمة عقل أو بعد نظر، فليفهموا قبل أن يسبق الرصاص الكلام، وقبل أن تأتي اللحظة التي لن يجدوا فيها أحدا على وجه البسيطة يجرؤ على القتال معهم أو الدفاع عنهم، فليفهموا وليرحلوا وإلا فلينتظروا الموت ليلحقوا بأقرانهم.
وهي رسالة أخرى إلى الشعوب التي لم تتحرك، ألا يقبلوا بالظلم بعد اليوم، ولا يرضوا أن يصيروا عبيدا لغير الله، فإن طريق الحرية –إن أرادوا- بات معروفا للجميع، فلينهض الجميع إلى بناء الأمة من جديد، حتى ترتقي إلى مكانها الطبيعي بين الأمم، وحتى تستعيد دورها وتحقق التقدم المطلوب في كافة المجالات.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: