مجدي داود - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5822 Mdaoud_88@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
سيناء هي الشغل الشاغل للكثيرين اليوم، الكثيرون يتحدثون عن سيناء تلك البقعة المباركة من أرض مصر، تلك البقعة التي استشهد في تحريرها الآلاف من المصريين فما من قرية ولا نجع ولا كفر في ربوع مصر كلها إلا وفيها شهيد سقط على أرض سيناء، والكل يطالب بتعمير وتنمية سيناء، يتحدثون من منطلق عاطفي ووطني، ويريدون أن يروا هذه البقعة من أرض مصر قد تم تعميرها وتنميتها وسكنها الناس ليكونوا هم صمام الأمان لها، ويدافعون عنها إذا ما فكر العدو في اجتياحها.
لكن أحداً لم يذكر ولم يتحدث عن كيفية تعمير سيناء وتنميتها في ظل وجود اتفاقية الذل والعار المسماة باتفاقية كامب ديفيد، لم أجد أحدا قد نظر في هذه الاتفاقية وقرأها جيدا ليخبرنا بعد ذلك كيف يمكن التنمية والتعمير في سيناء في ظل وجود هذه الاتفاقية اللعينة.
إن المفاوض الصهيوني ليس مفاوضا سهلا، وإن الشروط التي وضعها الكيان الصهيوني في اتفاقية كامب ديفيد والخاصة بتحديد عدد القوات المسلحة "صراحة" والشرطة المدنية "ضمنيا" في أرض سيناء لم تكن فقط من أجل الحفاظ على السلام كما يدعون بل إنهم كانوا يهدفون من وراء ذلك إلى الإجهاض المبكر لأية محاولة لتعمير المنطقة وتنميتها وتوطين السكان فيها.
لا أصدق ما يقال أن الرئيس السابق أنور السادات كان يخطط لتعمير وتنمية سيناء ونقل ملايين المصريين وتوطينهم هناك، ولا أصدق أي شائعات شبيهة في عصر المخلوع حسنى مبارك، بل أنا على يقين أن السادات عندما وقع على هذه الاتفاقية اللعينة كان يدرك جيدا أنه لا يمكنه أن يبنى مدينة واحدة في سيناء إلا بإذن صريح من الكيان الصهيوني وأنه لن يزيد عدد السكان في سيناء عما يريده الكيان الصهيوني وحدده في هذه الاتفاقية.
لعل هذا الكلام غريب ولكنها الحقيقة المرة التي نعيشها منذ التوقيع على هذه الاتفاقية اللعينة، إنه لا يمكن أن نتخيل أن هناك ملايين من السكان في شبه جزيرة سيناء بينما هناك تحديد لعدد الجنود ونوع الأسلحة المتواجدة في سيناء، فمن البديهي أنه طالما هناك سكان فهناك شرطة مدنية مسلحة، وكلما زاد عدد السكان كلما ازدادت أعداد الشرطة، وعندما يصل عدد السكان في سيناء إلى ملايين كما يحلم البعض اليوم أو كما يقال أن السادات أراد ذلك فهذا يعنى أن عدد أفراد الشرطة يجب أن يكون عشرات الآلاف وهذا لا يمكن أن يقبله الكيان الصهيوني.
إن المفاوض الصهيوني كان يدرك جيدا أن وجود مئات الآلاف أو مليون مصري في سيناء مع عدد محدود من أجهزة الشرطة والقوات المسلحة يعنى أن هذه الآلاف من البشر ستكون خارج نطاق السيطرة الأمنية القمعية لأي حكومة ونظام مصري، وبالتالي فإن أي حكومة ونظام لن يخاطر بوجوده في السلطة بإرسال آلاف من البشر إلى منطقة يدرك جيدا أنهم سيكونون خارج سيطرته.
كما أن وجود مئات الآلاف أو الملايين من المواطنين كما يحلم البعض دون وجود شرطة وقوات مسلحة كافية يعنى رواج تجارة السلاح والمخدرات بشكل غير مسبوق وإن أي حكومة ما كان لها أن تخاطر بتوطين السكان ناسية أو متناسية لهذا الاعتبار لما لسيناء من طبيعة جغرافية خاصة، حيث البحر الأبيض في الشمال والبحر الأحمر في الجنوب والكيان الصهيوني في الشرق وهى ثلاثة جهات مفتوحة لكل أنواع التجارة غير الشرعية.
كما أن لسيناء طبيعة خاصة، حيث سكانها من البدو، والبدو دائما لهم تقاليد وأعراف خاصة بهم، وتوطين عدد كبير من السكان بجوار البدو وبناء مدن بجوارهم يتطلب وجود قوات شرطة وقوات مسلحة أيضا كافية لحفظ الأمن ولفض أي اشتباك يحدث بين الجانبين حيث تختلف الطبيعة والثقافة بين البدو والسكان الجدد لأن التعامل مع البدو دون الالتفات لطبيعتهم الخاصة يؤدى إلى نتائج كارثية وما تعانيه الشرطة في سيناء اليوم ليس إلا جنيا لثمار غرسهم السيئ وتعاملهم مع البدو بانتهاك أعرافهم وتقاليدهم.
تظهر تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر أن عدد سكان محافظة جنوب سيناء حوالي 158 ألف نسمة، وشمال سيناء حوالي 392 ألف نسمة، بينما كان عدد السكان في كل سيناء عام 1976 حوالي 160 ألف نسمة، مما يعني أن عدد السكان تضاعف حوالي ثلاث مرات ونصف تقريبا، بينما كان عدد سكان مصر في نفس العام حوالي 36 مليون نسمة، في حين أن عدد سكان مصر حاليا حوالي 77 مليون نسمة، أي أن الزيادة أكثر من الضعف.
وبالنظر إلى هذه الإحصائية نجد أن عدد سكان سيناء لم يزداد بشكل كبير، بالنسبة للزيادة في الدولة ككل، ولولا وجود نشاط سياحي رائج في سيناء، بالإضافة إلى أن سكان سيناء من البدو لا يلقون بالا لمشاريع تحديد وتنظيم النسل، في حين أن نسبة الإنجاب قد انخفضت في كافة ربوع مصر بخلاف مناطق البدو، فنستنتج منها أنه لم يذهب سكان جدد إلى سيناء من غير أهلها إلا عدد لا يذكر، وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه من إعراض الحكومة والسكان أيضا عن التوجه إلى سيناء وسكنها.
إذا أرادت الحكومة المصرية تعمير وتنمية سيناء فعلا، فلابد أن يسبق ذلك تعديل تلك الاتفاقية اللعينة بما يسمح للحكومة المصرية بالحق في إدخال ما تشاء من قوات شرطة وقوات مسلحة إلى سيناء وألا يكون هناك أي نوع من القيود على الأسلحة المستخدمة وألا يكون هناك أي نوع من القيود على الحكومة المصرية في اختيار المشاريع التنموية في سيناء، وأن تكون للحكومة المصرية كامل السيادة على أراضيها، وإلا فالكلام عن تنمية بلا تعديل الاتفاقية هو نوع من "الكلامولوجيا" الذي لا يجدي ولا يفيد.
وأخيرا فإني أدعو الكتاب والمفكرين إلى قراءة معاهدة كامب ديفيد من جديد، وقراءة ما بين سطورها ودوافع كل شرط وقيد وضعه الصهاينة في تلك الاتفاقية وأن يضعوا نصب أعينهم طبيعة الصهاينة وأهدافهم حتى يستطيعوا الوصول إلى مبتغاهم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: