د - الضاوي خوالدية - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6997 dr_khoualdia@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان الحبيب بورقيبة و أعضاده في الحكم معادين هوية تونس العربية الإسلامية معاداة لم يعرف مثيلها أي مجتمع عربي رزح تحت نير الاستعمار الفرنسي ( الجزائر ، تونس ، موريتانيا ، المغرب...) أو الانجليزي (مصر ، العراق، اليمن...)، فقادة الجزائر المستقلة دعموا هوية بلادهم العربية الإسلامية بالتعريب و تبني القضايا العربية و الاندماج في المحيط العربي،على أن محاولات المستعمر طيلة 130 سنة مسخ أسس الشخصية الجزائرية و تشويهها كانت تبدو غير قابلة للإفشال.
و كذلك قادة مصر و العراق و سوريا، كانوا على قوميتهم و علمانيتهم، محافظين بل مجذرين هوية أوطانهم العربية الإسلامية، و لعل عناية عبد الناصر بمؤسسة الأزهر و تطويرها لدليل على ذلك.
إن شذوذ بورقيبة بسياسة العداء السافر لهوية الشعب التونسي ليعود كما أجمع الدارسون و على رأسهم د.محمود الذوادي عالم الاجتماع، إلى إيمانه الراسخ بأن العروبة و الإسلام صخرتان أمام الالتحاق بركب الحضارة الغربية / الحداثة، و انبهاره بحضارة الغرب انبهارا رسمه ديبلوماسي غربي مختص في الشؤون العربية بقوله : " لم أر رجلا خارج فرنسا أقرب إليها من الرئيس بورقيبة ، و لم أر في العالم العربي رجلا أقل تشابها للعرب منه ." ووعيه بأصوله غير العربية ورعبه من هوية "عربية إسلامية" انتماء تونس إليها يفقده الزعامة و القيادة اللتين تقلدهما عبد الناصر بامتياز و مقته "لإسلام" يحرم عبادة الشخصية التي انتهجها بتسمية جل الشوارع باسمه و الاحتفال بعيد ميلاده و نصب تماثيل له في كل مدينة و قرية و مؤسسة و بث ، كل صباح ، أذكار تمدحه لا الرسول ص .
إن تنفيذ بورقيبة سياسته المعادية لهوية شعبه بالتعليم و الثقافة و الخطب و الإعلام و القوانين و مثقفي القصر و منظريه ...أنشأ جيلين أغلبهما منتم إلى أحد تيارين متعاديين متصارعين أولهما اليسار الماركسي الذي كان أشد كراهية و مقتا لمقومات هوية الشعب التونسي من الأستاذ الأكبر ذاته، و ثانيهما اتجاهات إسلامية سرعان ما تسمت بالاتجاه الإسلامي الذي جعل نصب عينيه الدفاع عن إسلام تونس (و عروبتها) اللذين أخذا في التداعي بفعل ضربات النظام الفتاكة، يسانده فيما يتعلق بعروبة تونس قوميون أوهن عظمهم تشظيهم ورومنطقية تنظيرات مؤسسيهم، ووصول بعض أحزابهم إلى السلطة منتهجين الاستبداد و التلاعب مع الأنظمة القطرية المعادية للقومية، و كانت ميادين الصراع بين الإسلاميين و المسلمين عامة و اليساريين و العلمانيين قاطبة بما فيهم رجال النظام ساحات الجامعات و دور العبادة وفريضتي الصوم و الحج (خاصة)، و فتح المقاهي و المطاعم في رمضان و مطاردة الإسلاميين و سجنهم و تصفيتهم و استئصالهم و تجفيف ينابيع البلاد.
إن علاقة نظام بورقيبة ثم نظام خالعه المخلوع باليسار عامة كانت ذات وجهين : وجه ظاهر يوهم بعداء متبادل ووجه باطن يؤكد العلاقة المصيرية الوطيدة بين الطرفين و الدليل، إضافة إلى المذكور، أن إفلاس تونس و البلاد العربية في الثمانينيات و التسعينيات من القرن الماضي اقتصادا و تداينا و حقوق إنسان و سوء تصرف و فسادا و إفسادا و نهبا و صراعا على السلطة و سعيا إلى التوريث، أخافت الغرب على مصالحه فقدم وصفة للأنظمة العربية تديم بقاءها و تجمل وجهها و تؤمن مصالحه منها ربط الاقتصاد العربي المتداعي بالاقتصاد الغربي المزدهر مع ما يتطلبه ذلك من "إصلاحات هيكلية" ، "شراكية"، "تحديثية"...مميتة للبلاد والعباد و إحداث تعددية سياسية و مدنية شكلية مسيرو أحزابها و جمعياتها و منخرطوها منتقون من الأحزاب الحاكمة أو من الدائرين في فلكها و إغراق السوق بصحف الفضائح و الدعارة و الجنس و إعلان الحرب الاستئصالية على كل ما هو عربي إسلامي تنظيمات و أفرادا و قيما و ثقافة و عبادة، و الأهم من كل ما ذكر استيعاب و إشراك بقايا اليسار الماركسي في أجهزة الحكم المهمة ، هذا اليسار الذي أصابه التفكك و الانحلال نتيجة لسلوكه السياسي و تشرذمه ورفض المجال العربي لنظام فكره الغريب (حتى في مراكز حكمه التي انهارت دفعة واحدة) .
إن إشراك اليسار الماركسي في السلطة لخطة جهنمية نسج خيوطها محترفو السياسة الغربيون ظاهرها تفتح الأنظمة على شعوبها و معارضيها و باطنها دعم هذه الأنظمة "بحلفاء جدد " يجمعهم و إياهم الفشل السياسي و الهيام بمظاهر الحضارة الغربية و معادة كل ما هو عربي و إسلامي و عشق الحكم الفردي الاستبدادي.
إن ما جمع بين الأنظمة الفاسدة و اليسار قد أتى أكله سريعا باستفحال القمع المقنع بمؤسسات و الملثم بحقوق الإنسان و تجفيف الينابيع بعصا الحداثة و ثقافة العولمة و نشر ثقافة العري و تخريب الاقتصاد بفأس الشراكة و الهيكلة و التأهيل و التهريب و النهب و الخصخصة ...
كان من المتوقع أن يستوعب اليسار التونسي الدرس من خلال فشل الأنظمة الاشتراكية و الشيوعية و الدائرة في فلكها اقتصاديا و سياسيا و حقوقيا و محاولة محو الهويات فإذا به يزداد وفلول نظامي المخلوعين شراسة بعد ثورة شباب تونس التي كانت الهوية العربية الإسلامية و الكرامة و الحرية مرتكزاتها الأساسية فهل تجهز الخمسون سنة من الانبتات و المسخ و التشويه على تونس التي تغذت طيلة 14 قرنا برحيق الإسلام و إعجاز قرآنه و رجالات علمه و فلسفته وأدبه ولغته العربية السائدة مغربا و مشرقا و عقله العربي المسلم و تربته العبقة بأرواح الأجداد العظام؟
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: