يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5686
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كلنا نحب التجارة، وكلنا نحب أن ندفع القليل ونربح الكثير، وكلنا نحب أن يزداد ما لدينا ويتعاظم، فهناك صفقة تجارية متكاملة الأركان الأربع تحتاج منا لكثير من التفكير والدراسة إن كنا نحب أن يتضخم رصيدنا.
ففي قوله تعالى " إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ " فهناك مشتر وبائع وسلعة وثمن، فالله عز وجل هو المشتري والمؤمن هو البائع والسلعة هي النفس والمال والثمن المقابل هو الجنة.
ما أعظمه من كرم من مشتر كريم يشتري ما يملكه ويأخذ ما يستطيع أخذه جبرا دون اعتراض من البائع الذي لا يملك ما يبيعه بل ويعطيه في مقابل ذلك جنة عرضها السماوات والأرض.
فالله سبحانه هو الذي يملك الأرض ومن عليها ولا يملك غيره شيئا لا ينازعه فيها مالك، ولا يطالبه فيها مطالب بأي حق كان، ولا يستطيع أحد أن يدعي ملكيته فيها فقال سبحانه "وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً " وقال أيضا " الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً "
فهل يملك الإنسان إذا أراد الله سبحانه أن يقبض روح إنسان أو إن أراد أن يقضي أمرا في أي شأن من شئون الناس، فهل يملك الإنسان أن يعترض أو يمتنع وهل يجدي ذلك نفعا، فيقول الله سبحانه " وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " وقال أيضا " إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ".. فكيف يعرض الله على الإنسان شراء إلا إذا كان كرما إلهيا عظيما منه سبحانه.
والإنسان فقير لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا يملك نفسه التي بين جنبيه، ولا يملك ماله الذي بين يديه، ولا يملك الامتناع عن تسليمهما لربه إذا أرادهما، وهو سيفارق نفسه وماله بالموت يوما ما، وذلك اليوم حتمي آت لا محالة، فكيف يرفض عرضا سخيا مثل هذا.
إن العاقل لا يرفض عرضا مثل هذا، عطاء بلا حدود بسلعة لا يملكها وسرعان ما سيفقدها وسيستبدلها بثمن غال نفيس يعتبر اثمن شيئ في الوجود رضا الله والجنة.
وموعد التسليم وكيفيته لا يعلمهما البائع بل يقررهما المشتري سبحانه.
ولقد فهم الصحابة هذا المعنى جيدا، وكيف لا وقد تنزل القرآن عليهم لحظة بلحظة وعاشوا وتعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهاهو صهيب الرومي حينما أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة وأراد المشركون أن يساوموه على ماله ليأخذوه في مقابل أن يسمحوا له بالهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجد أن ماله كله لا يساوي لحظة إيمانية بالقرب من نبيه وحبيبه فترك لهم المال وهاجر بدينه فقابله النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا إياه بقوله " ربح البيع يا صهيب ربح البيع أبا يحيي "
وهاهو عبد اللّه بن رواحة - رضي اللّه عنه - في بيعة العقبة الثانية يقول للرسول صلى الله عليه وسلم اشترط لربك ولنفسك ما شئت.فيقول الحبيب له :" أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم ". فيسأله ابن رواحة ويقول : فما لنا إذا نحن فعلنا ذلك ؟ فيقول "الجنة " ". فيرد ابن رواحة والنفر الذين معه قائلين " ربح البيع،لا نقيل ولا نستقيل..
إنها التجارة الرابحة التي لا تخسر أبدا، إنها الربح الأبدي والسعادة الدائمة وخير ما تكون بدايتها في رمضان حيث تستقر الأرواح وتهدا القلوب وتأوي إلى جلال علام الغيوب سبحانه.
ولكن هل يشتري الله كل الأنفس، وهل يقبل كل القلوب ؟
لقد حدد صفات سبعة أوردها في الآية التي تليها للأنفس التي تستأهل أن يقبلها الله
ولنا مع تلك الصفات وقفة أو وقفات بإذن الله
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: