مجدى داود - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5732
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لقد ثار الشعب المصرى وخرج ليزيح نظام الظلم والطغيان، ويعلن عن بداية عصر جديد لدولة كبيرة المكانة مثل مصر، خرج الشعب المصرى لينفض عن نفسه غبار الذل والهوان ويعلن عن عزمه الأكيد وسعيه الحثيث لكى يستعيد مكانته بين الأمم ولكى يستعيد دور بلاده الريادى في المنطقة العربية والعالم.
من الطبيعى ونحن نتحدث عن الثورة المصرية أن نتطرق إلى الحديث عن علاقة مصر مع الكيان الصهيونى بعد رحيل نظام حسنى مبارك، لأن النظام القادم لن يكون مثل النظام السابق، فالنظام السابق كان يتعامل مع الكيان الصهيونى من منطق الضعيف الذى لا يملك من أمر نفسه شئ، واتسمت علاقة مصر الخارجية بالدول الغربية والكيان الصهيونى بالتبعية المذلة، حيث ما كان النظام السابق يجرؤ على فعل أى شئ بخلاف ما تريده هذه الدول، حتى فى حصار غزة بل فى إدخال المعونات إليها، بل أكثر من ذلك حينما سمح لمهندسين أمريكيين وفرنسيين بالإشراف على بناء الجدار الفولاذى العازل بين مصر وقطاع غزة، هذا ناهيك عن الموقف المشين من الإنقسام الفلسطينى وانحياز النظام السابق الواضح إلى جانب سلطة أوسلو وحركة فتح ووقوفها ضد الحكومة المنتخبة، أضف إلى هذا الموقف المخزى بتصدير الغاز المصرى للكيان الصهيونى بثمن بخس رغم صدور أحكام قضائية ملزمة بوقف تصدير الغاز لهذا الكيان إلا أن النظام كان لا يلقى بالا للمعارضة الشديدة لهذا الأمر.
بعد هذه الثورة المصرية يكون أمامنا ثلاثة سيناريوهات للعلاقة بين مصر والكيان الصهيونى، نستعرضها ثم ننظر أيهم أرجح وفق المعطيات الحالية.
أولا: استمرار علاقة التبعية، أي أن تظل السياسة المصرية تابعة للسياسة الخارجية للكيان الصهيوني وتظل مصر مكبلة كما كانت في عهد النظام البائد، وتبقى مصر تدور في فلك السياسة الخارجية للكيان الصهيونى، فيبقى الحصار مفروضا على قطاع غزة، وتبقى مصر منحازة إلى سلطة أوسلو، ويستمر تصدير الغاز المصرى للكيان الصهيونى، وتظل مصر منحازة إلى ما يسمى بفريق الاعتدال، غير قادرة على توحيد الصف العربى مرة أخرى، وفي هذه الحالة يعنى أن دور مصر سيظل فى التراجع وبدلا من أن تكون الثورة دافعة لاستعادة مصر دورها ومكانتها بين دول العالم فسيحدث خلاف ذلك.
ثانيا: أن تقوم مصر بقطع علاقاتها نهائيا مع الكيان الصهيونى، وتقوم بإلغاء معاهدة السلام مع هذا الكيان، وبالرغم من تأكيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة على التزام مصر بالإتفاقيات الموقعة عليها، إلا أن هذا التأكيد يخص الفترة الإنتقالية التى يدير شؤون البلاد فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وفى حالة إلغاء معاهدة السلام فإن كل احتمالات المواجهة مع هذا الكيان ستكون مفتوحة وأولها المواجهة العسكرية، كذلك سيؤثر هذا على علاقة مصر بالدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثا: أن تعمل مصر على استقلال قرارها السياسى واستقلال موقفها وأن تتعامل بندية مع الكيان الصهيونى –وهو ما يسمى بالنموذج التركي- فتتخذ مصر موقفا مختلفا من معاهدة السلام بحيث تعيد قراءة هذه المعاهدة من جديد ويكون هناك التزام متبادل بين مصر والكيان الصهيونى بتنفيذ بنود هذه المعاهدة بشكل متوازى وفى حالة عدم التزام الكيان الصهيونى بأي من بنود هذه المعاهدة تصير مصر في حل منه، وهكذا كل الإتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني، وأن تستعيد مصر دورها العربى والإسلامى المفقود، فتعمل على توطيد علاقتها بالفصائل الفلسطينية وتقف في وجه غطرسة الكيان الصهيوني.
هذه هي الخيارات الثلاثة المطروحة أمام أى حكومة مصرية قادمة، سواء كانت هذه الحكومة حكومة علمانية ليبرالية أو كانت حكومة إسلامية مع أن هذا مستبعد فى الفترة القادمة، ولكنه يبقى احتمالا بالرغم من ضعفه.
إنه لا يمكن تصور أن أي حكومة قادمة سوف ترضى أن تظل مصر أسيرة لدى الكيان الصهيونى والدول الغربية، بل إن أية حكومة قادمة سيكون من أول اهتماماتها العمل على استقلال القرار السياسى لمصر، والسعى نحو جعل مصر دولة قوية ورائدة في المنطقة، ذلك لأن الحكومات القادمة ستكون بإذن الله حكومات منتخبة من الشعب المصرى وستكون مراقبة من البرلمان المصري الذي من المتوقع أن يعبر بمعظم أعضائه عن رغبة الشعب المصرى وألا يكون هناك تزوير فى الانتخابات، وطالما كان الأمر هكذا فإن أى حكومة ستسعى لنيل رضا الشعب المصرى وإلا سيكون مصيرها الإقالة أو سحب الثقة من خلال ممثلي الشعب في البرلمان.
إن الشعب المصرى رغم أنه لا يريد حربا مع الكيان الصهيونى في هذه المرحلة، وعلى الرغم من كونه شعبا مسالما إلا أنه أيضا لا يرضى أن يكون ذليلا لأى دولة كانت، ولهذا فقد كان الشعب المصرى ولا يزال هو من أكثر الشعوب دعما للمقاومة وتأييدا للمجاهدين فى فلسطين، هذا على الرغم من التشويه الإعلامي المتعمد الذي استمر لسنوات وسنوات، والشعب هو الذي رفض التطبيع مع الكيان الصهيونى، ورفض تصدير الغاز المصرى للكيان الصهيونى، وكثيرة هى المواقف التى تثبت عزة الشعب المصرى ورفضه أن يكون تابعا لعدو لدود له، وأبسط دليل على هذا أن الشعب المصرى كان ولا يزال يعتبر الكيان الصهيوني هو العدو الأول له، حتى أثناء الثورة المباركة التى ظهرت فيها عزة الشعب المصرى فى أسمى صورها كانت خشية بعض المعارضين للتظاهرات أن تكون مدبرة من قبل الكيان الصهيوني وهذا ما حاول المفسدون فى النظام السابق تخويف الناس به، والليبراليون أنفسهم غير راضين عن علاقة مصر بالكيان الصهيونى فى فترة حكم مبارك، فالدكتور محمد البرادعى ومثله الدكتور أيمن نور وهما مرشحان للرئاسة المصرية أكدا أكثر من مرة أنهما سيرفعان الحصار عن قطاع غزة فى حالة فوزهما بالرئاسة.
الجميع فى مصر يتفق على ضرورة تغيير مصر لسياستها تجاه الكيان الصهيونى، بل حتى الصهاينة أنفسهم يرون هذا حادثا لا محالة، فقد ذكرت صحيفة هاآرتس الصهيونية أن الأحداث التي وقعت في مصر، تدعونا لإعادة النظر بسرعة في تفكيرنا الاستراتيجي، وأن الثورة المصرية لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، وسوف تطالب حكوماتها، بسياسة خارجية قوية، وكتب المحلل العسكري رون بن يشاي (لا تعتقدوا أن مصر القديمة أيام مبارك، ستعود ثانية، وعليكم الاستعداد لمصر جديدة)، وقال تسيبي مازل السفير الاسرائيلي السابق في القاهرة (نحن في مأزق كبير بعد نهاية عصر مبارك، وأمامنا الآن أزمة استراتيجية واسعة المدى).
إلا أن هذا التفاؤل بحدوث تغيير كبير في السياسة الخارجية المصرية تجاه الكيان الصهيونى، يجب أن يكون تفائلا حذرا وفي حدود المسموح به في الفترة الحالية، فلا يتصور أن تقوم الحكومة المصرية القادمة بإلغاء معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، وإلغاء كافة المعاهدات الموقعة مع هذا الكيان اللقيط أو حتى ما يطالب به بعض السذج من ضرورة إعلان الحرب على الكيان الصهيونى، فهذا من قبيل الأحلام الغير قابلة للتحقيق في الفترة المقبلة، لأن الوضع الحالي يقتضي بناء الدولة المصرية أولا لتكون قادرة على مواجهة التحديات الجسام التي ستقابلها باعتبارها دولة قوية رائدة لها مكانتها ووزنها بين دول العالم كله.
إن الكيان الصهيونى كيان عدوانى بطبعه، تتحكم فيه غريزة العنف، فأي تغيير في السياسة تجاهه يجب أن يكون تغييرا مدروسا بعناية ويكون هناك استعداد لمواجهة أية ردود فعل همجية من هذا الكيان، وهذا الأمر يجب أن يكون معلوما لأي حكومة قادمة.
إن العلاقة المصرية الصهيونية فى طريقها إلى الندية، وسوف تعمل مصر على وضع الكيان الصهيوني في زاوية ضيقة، فسوف تراجع بعض المعاهدات والإتفاقيات التي فيها ظلم شديد لمصر وتعمل على تعديلها وتلتزم بها طالما أن الكيان الصهيونى ملتزم بها، وفي حال تنصل هذا الكيان من اتفاقياته فسوف تفعل مصر نفس الشيء، سوف ترفض مصر أن تكون حارسا للكيان الصهيوني وضامنة لأمنه وتعادي في سبيل ذلك الشعب الفلسطينى وتقف في طريق مشروعه الوطني الرامي إلى تحرير كافة الأراضي الفلسطينية، سوف تعمل مصر على دعم الشعب الفلسطينى سياسيا وتقف معه في حالة العدوان الصهيونى عليه وترفع الغطاء السياسى عن هذا الكيان وتطالب بكسر الحصار.
سوف تعمل مصر على إيجاد صيغة جديدة للأمن القومي العربي تحمي مصالح الدول العربية وشعوبها وتملأ الفراغ الذي خلفه غيابها عن قضايا الأمة مما دفع بقوى غير عربية إلى السعي لملئ هذا الفراغ لحماية مصالحها الخاصة وأقصد هنا إيران والدول الغربية، وستسعى إلى توحيد كلمة الأمة العربية مرة أخرى، لأن ما حدث فى مصر ليس بالأمر الهين ولا البسيط بل هو الزلزال الذى ضرب المنطقة كلها، فلابد أن الجميع سيتأثر به، وقد أدرك الجميع أنه ليس أمامه إلا أن ينصاع لإرادة الشعب وإما أن يترك السلطة ذليلا صاغرا تطارده الإتهامات وتنتظره السجون، وقد يكون هناك تعاون قوي بين مصر وتركيا في هذا المجال حيث تتجه تركيا هذه الفترة إلى الإندماج مع عمقها الإسلامي.
-----------
ينشر بالتوازي مع موقع قاوم
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: