مجدى داود - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6234 Mdaoud_88@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الفساد هو السوس الذى نخر فى عظم الشعب المصرى وبقية شعوب المنطقة, وهو الذى أوصلنا إلى هذه الحالة المزرية فى كل المجالات, والفساد حددته "منظمة الشفافية الدولية" بأنه " كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته ", وللفساد أسباب كثيرة وصور كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
لقد كان الفساد فى عهد النظام البائد فسادا ممنهجا, فقد كان النظام البائد يعمل على نشر الفساد فى كافة مؤسسات الدولة وبين كافة العاملين بها, وذلك حتى يضمن ولاء هؤلاء الفاسدين إليه, ولأن الفاسد نادرا ما يثور, كيف يثور الفاسد ضد فاسد مثله, إن الفاسدون جميعا تراهم متفقون وبينهم ترابط غير معلن وغير معروف, ولهذا لما قامت الثورة رأيت هؤلاء الفاسدين المنتشرين بين عوام الناس يبثون بين الناس الرعب والخوف, ثم بدأوا يثبطون عزيمتهم ويشوهون صورة الثوار, ويرددون بتعمد واضح ما كان يسوقه النظام البائد من أكاذيب وافتراءات.
إن الفساد الممنهج كان فسادا رأسيا, ولهذا عندما كنت تحاول أن تقف فى وجه هذا الفساد كنت تصطدم بحقيقة أنك تشكو فاسدا صغيرا لفاسد كبير, وتشكو مرتش صغيرا لآخر كبير, وتشكو لصا صغيرا لآخر كبير, فلا تأخذ حقك ولا تستطيع أن تنال من هذا الفاسد المفسد, ولا تقضى مصلحتك إلا إذا رضخت لطلبات هؤلاء الفاسدين المفسدين, لأن هذا الفاسد كان يدرك تماما أن رئيسه فى العمل لن يقوم بأى إجراء عقابى ضده لأنه أيضا فاسد وهكذا.
وبعد هذه الثورة العظيمة, وبعدما صدر قرار بحبس حسنى مبارك, وحبس ولديه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيقات فى بعض وليس القضايا المتهم فيها, وبعد أن حبس أركان نظام الفساد والإفساد, وبعد أن صدر حكم من المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطنى بما يعنى القطيعة التامة والنهائية مع العصر البائد, واستطعنا بفضل الله تعالى فى تحقيق الكثير من أهداف الثورة العظيمة, فقد وصلنا فعلا إلى المرحلة التى نستطيع أن نقول فيها حقيقة لا مجازا أنه لا أحد اليوم فوق القانون, مهما كان منصبه, وأيا كانت وظيفته, ومهما كان يستند إلى فلان أو علان, فبعد ما حدث لمبارك وولديه وأركان نظامه فإن كل شخص يتبوأ منصبا عليه أن يدرك جيدا أنه قيد المحاسبة فى أى وقت.
إن من أفضل نتائج هذه الثورة والتى كانت أيضا من أهم أهدافها هى الحرية وعدم الخوف من البطش الأمنى الذى جعل لدى الناس جرأة على مناقشة قضايا الفساد, وهذا أمر عظيم, لكن علينا أن نستغله أفضل استغلال فى محاربة الفساد فى المؤسسات والهيئات والمصالح الحكومية، علينا أن نستغل الروح الإيجابية التى سرت فى نفوس الشعب المصرى ونوجهها فى إكمال مسيرة هدم أركان الفساد التى أسسها النظام الفاسد السابق كى يطيل فترة بقائه ويحمى وجوده.
إن المطلوب اليوم هو أن تقوم وسائل الإعلام بعمل حملة قومية لمواجهة الفساد ومحاربته, فبدلا من محاولات تشويه صورة التيارات الإسلامية واختلاق القصص والأكاذيب فى ذلك للدرجة التى دفعت صيحفة روز اليوسف إلى ادعاء أن الشيخ وجدى غنيم يحرض على الأقباط من مسجد بالدقهلية فى حين أن الرجل لم يدخل مصر منذ عشرة سنوات أو أكثر، توجه وسائل الإعلام هذه إلى ما يفيد المجتمع وما يحمى منجزات الثورة ويعمل على تحقيق باقى أهدافها، وبدلا من استضافة وجوه كالحة على شاشات الفضائيات لا تجيد سوى سوق الأكاذيب ومهاجمة التيار الأكثر انتشارا بالشارع المصرى, ووصف الشعب المصرى بأنه شعب جاهل, يجب أن يتم استضافة أهل القانون والخبرة فى مواجهة الفساد ليبينوا للناس السبل البسيطة التى يستطيع البسطاء من الناس القيام بها, ويجب أن يكون الحديث فى هذا الأمر بالذات موجها إلى عوام الناس لأنهم هم الذين يتعرضون يوميا لهذا النوع من الفساد.
إن العمل على محاربة الفساد الأفقى المنتشر فى هيئات ومؤسسات الدولة صار أمرا حتميا ضروريا بعدما استطعنا القضاء بفضل الله تعالى على قمة هرم الفساد الرأسى، وإن كان القضاء على قمة هرم الفساد الرأسى أخذ وقتا يسيرا, فإن القضاء على الفساد الأفقى قد يستغرق أكثر من عقد كامل من الزمان, حيث يلزم نشر ثقافة مواجهة الفساد بين فئات المجتمع المختلفة, لأن هذا النوع من الفساد يحتاج إلى ثقافة ووعى مجتمع وليس إلى مجرد قوانين ولوائح, ويلزم أن تكون هناك رغبة وإرادة شعبية وعزيمة أكيدة على فضح الفساد والكشف عنه.
فلنبدأ العمل على محاربة هذا الفساد, ولنكف عن المهاترات والمراهقة السياسية, واللعب بالأوراق المحترقة ولنضع مصلحة أمتنا أولا, ولننهض ببلدنا والله ولى التوفيق والسداد.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: