البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

(36) مقايضة صور القتلى بالمواد الإباحية
"الوَجْهُ الحَقِيْقِيُّ للحَرْبِ في الَعِرَاقِ و أَفْغَانِسْتَانَ"

كاتب المقال د - أحمد إبراهيم خضر - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8123


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


"مِنْ أجلِ السَّماحِ لهمْ بدُخُوْلِ المواقعِ الإباحِيَّةِ مَجَّانًا؛ كانَ الجنودُ الأمريكيُّونَ يُرْسِلُونَ صُوَرَ جُثَثِ المَوْتَى ، و المُشَوَّهِيْنَ مِنَ العراقِيِّيْنَ، إلى هذهِ المواقعِ، و هذا خَرْقٌ واضحٌ لاتِّفاقيةِ " جنيف ".

كانتْ هذهِ مقدمةُ المقالةِ التي كَتَبَها " كريس طومسون "، بعنوانِ : " الجنودُ الأمريكيُّونَ يُقَايِضُوْنَ الصُّوَرَ الدَّمَوِيَّةَ بمَشَاهَدَةِ المَوادِّ الإباحيَّةِ ".

يتحدَّثُ " طومسون" عَنْ خَرْقِ الجنودِ الأمريكِيِّيْنَ لاتِّفاقيةِ جنيف، ما يَعْرِفُهُ الكاتبُ، و لمْ يُشِرْ إليْهِ ، هوَ أنَّ مِثْلَ هؤلاءِ الجنودِ، و قادتِهم ، و سَاسَتِهم، لا عَهْدَ لهمْ عندَ تَعَامُلِهمْ معَ المُسْلِمينَ، إلا في حالةِ عَجْزِهِمْ عَنِ التَّغَلُّبِ عليهمْ، و ها همُ الآنَ لا يَرْعَوْنَ عَهْدًا، و لا يَقِفُونَ عندَ حَدٍّ في التَّنْكِيْلِ بالمُسْلِمينَ ، و لا حتَّى في الحدودِ المُتَعَارَفِ عليها ، فيما يُسَمَّى << باتِّفاقيَّةِ جنيف >> ؛ و السَّببُ في ذلكَ هو شِدَّةُ ما يَكْتُمُوْنَهُ للمُسْلِمينَ مِنَ البَغْضَاءِ و الحِقْدِ . إنَّ هذا الحِقْدَ - كما يقولُ المُفَكِّرُونَ الإسْلامِيُّونَ - ليسَ لأشخاصِ مَنْ يُنَكِّلُوْنَ بهمْ ، و لكنَّهُ حِقْدٌ على الصِّفَةِ التي هُمْ عليها ، و هيَ الإسلامُ . هذا إلى جانبِ أنَّ صِفَةَ الاعتداءِ أصيلةٌ في هؤلاءِ الجنودِ ، تبدأُ مِنْ نُقْطَةِ كُرْهِهِمْ للإسلامِ و صُدُوْدِهِمْ عنه ، و تنتهِي بالوقوفِ في وَجْهِهِ ، و تَرَبُّصِهِمْ بالمُسْلِمينَ، و عَدَمِ مُرَاعَاتِهِمْ لأيِّ عَهْدٍ و لا صِلَةٍ معهمْ، إذا هُمْ ظَهَرُوا عليهمْ، و أَمِنُوا بَأْسَهُمْ و قُوَّتَهُمْ؛ عندئذٍ يفعلونَ بهمُ الأفاعيلَ بلا حَرَجٍ، و لا إحساسٍ بالذَّنْبِ مِنْ كلِّ ما يفعلونَهُ بِهِمْ ، و هُمْ آمنونَ، على حَدِّ قَوْلِ المفكِّرِيْنَ الإسلامِيِّيْنَ أيضًا .

" كريس ويلسون " شَابٌّ أمريكيٌّ يعيشُ في " فلوريدا " لمْ يَتَجَاوَزِ السَّابعةَ و العِشْرينَ مِنْ عُمْرِهِ، أَسَّسَ لنَفْسِهِ مَوْقِعًا إباحيًّا ينطلقُ مِنْ " أمستردامَ " بهولندا، يطلبُ " ويلسون " مِنْ مُشَاهِدِي مَوْقِعِهِ أنْ يُرْسِلُوا إليْهِ صُوَرَ زَوْجَاتِهِمْ و صَدِيْقَاتِهِمْ، في مواقفَ جِنْسِيَّةٍ صارخةٍ، مقابلَ دُخُولٍ مَجَّانيٍّ إلى كلِّ مَنَافِذِ المَوْقِعِ، لمُدَّةِ ثلاثةِ شُهُورٍ. هذا و قدْ وَصَلَ عددُ المُشْتَرِكِيْنَ في هذهِ الخِدْمةِ إلى ثلاثِ مائةِ ألفِ مُشْتَرِكٍ، ثُلُثُ عُمَلاءِ " كريس ويلسون" مِنَ العَسْكَرِيِّيْنَ. الجنودُ في العراقِ و أفغانستانَ، كانوا يُرْسِلُونَ إليْهِ امْتِنَانَهُمْ و شُكْرَهُمْ؛ لأنَّهُ كانَ يرفعُ مَعْنَوِيَّاتِهمْ، و ينقلُ إليهمْ جانبًا مِنْ ثقافةِ وَطَنِِهمْ في قواعدِهِمْ. اشتكَى إليْهِ بعضُ الجنودِ ، مِنْ أنَّ لديهِمْ مُشْكِلاتٍ ، في الحُصُولِ على عُضْوِيَّةِ هذا المَوْقِعِ ؛ بسببِ صُعُوبةِ وجودِ الزَّوْجةِ و الصَّديقةِ، و كذلكَ لصعوبةِ إرسالِ اشتراكاتِهِمْ مِنْ بغدادَ و كابولَ؛ لرَفْضِ الشَّركاتِ التَّعَامُلَ معَ مناطقَ تُعْتَبَرُ بالنِّسَبَةِ إليها عاليةَ الخُطُوْرَةِ؛ مِنْ هنا اسْتَلْهَمَ " ويلسون " فِكْرَتَهُ التي اُسْتُدْعِيَ مِنْ أَجْلِها للتَّحقيقِ في البنتاجون ، و تَلَقَّى بسببِها عِدَّةَ تهديداتٍ بالقتل .

عَرَضَ " ويلسون" على الجنودِ الاشتراكَ المَجَّانيَّ في المَوْقِعِ، مُقَابلَ أنْ يُرْسِلَ إليهِ الجنودُ صُوَرًا عَنِ الحياةِ في العراقِ و أفغانستانَ ، يَنْقُلُونَها مُبَاشرةً مِنَ الكاميرا إلى مَوْقِعِهِ . و فعلاً يُرْسِلُ إليْهِ الجنودُ مُخْتَلَفَ أنواعِ الصُّوَرِ ، لكنَّهُ خَصَّصَ نافذةً مَجَّانيَّةً – أيضًا - للصُّوَرِ الأكثرِ دَمَوِيَّةً ، احْتَوَتْ هذهِ النَّافذةُ على صُوَرٍ لجُثَثِ القَتْلَى مِنَ العراقِيِّيْنَ، منها مَنْ هو مُشَّوَهٌ، و منها مَنْ هو مُقطََّعٌ إلى أَشْلاءٍ، و منها ما هوَ موضوعٌ في وِعَاءٍ مُمْتَلِئٍ بالدِّماءِ، و منها مَنْ هو مُحْتَرِقٌ، و منها رُءْوْسُ قَتْلَى، عليها دِمَاءٌ جافّةٌ، و منها مَنِ اخْتَرَقَهُ الرَّصَاصُ، و منها مَنْ هو مُلْقَى على الرِّمالِ ، أو وسطِ أكوامِ الحجارةِ ، و منها مِنْ هو ساقِطٌ في أسفلِ سيارةٍ مُحْتَرِقَةٍ .

هذا هو الجانِبُ الأَوَّلُ مِنَ القضيَّةِ ، أمَّا الجانِبُ الثَّاني ، فيتمثَّلُ في التَّعليقاتِ التي كَتَبَها الجنودُ على هذهِ الصُّوَرِ، و هي التي تَكْشِفُ هذا الحِقْدَ الدَّفينَ على الإسلامِ و المُسْلِمينَ ؛ كَتَبَ جنديٌّ أمريكيٌّ على صورةٍ، أرسلَها لهذا المَوْقِعِ الإباحيِّ - تمثِّلُ جُثْةً لعِرَاقِيٍّ ، ترقدُ في بركةٍ قذرةٍ، تتدلَّى أمعاؤُهُ فيها - يقولُ : " هذا الذي يجبُ أنْ يكونَ عليه كلُّ عراقِيٍّ ". و صورةٌ لجُثْةِ عِراقِيٍّ آخرَ، تَعَفََّّنَ فَكُّهُ، و سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ العُلْيَا، كَتَبَ عليها الجنديُّ الأمريكيُّ : " يَوْمٌ سَيِّئٌ لِهَذَا المُتَأَنِّقِ ". كما كانتْ هناكَ بعضُ الصُّوَرِ لجنودِ البَحْرِيَّةِ الأمريكيَّةِ ، يضحكونَ و يَبْتَسِمُونَ للكاميرا، بينما هُمْ يُشِيْرُونَ إلى جُثْةٍ مُتَفَحِّمَةٍ تحتَ أقدامِهِمْ. و كَتَبَ أحدُ الجنودِ على صُوَرِ بعضِ جُثَثِ العِرَاقِيِّيْنَ في الشَّوارعِ - قَوْلَهُ : " يا حاجي مت يا حاجي ". دافعَ أحدُ الجنودِ الأمريكِيِّيْنَ عَنْ نَشْرِ هذهِ الصُّوَرِ بقَوْلِهِ : " إنَّ هذهِ الصُّوَرَ، قدْ تَدْفَعُ الانْتِحَارِيَّ إلى أنْ يُفَكِّرَ مَرَتَيْنِ ، قبلَ أنْ يُقْدِمَ على تَفْجِيْر ِنَفْسِهِ ". و هذا تعليقٌ يَكْشِفُ عَنْ ضِيْقِ أُفُقِ هذا الجنديِّ ، الذي يَحْكُمُ على فِكْرِ الآخرِ ، مِنْ واقعِ ثَقَافَتِهِ التي تَرَبَّى فيها ، غافلاً عَنِ الدَّوافِعِ التي تَدْفَعُ هذا الانِتَحَارِيَّ – على حَدِّ قَوْلِ الجنديِّ- إلى الإقدامِ على تفجيرِ نَفْسِهِ، و جاهلٌ في نَفْسِ الوقتِ، بالقاعدةِ التي تَحْكُمُ الثَّقافةَ العربيَّةَ، و يُؤْمِنُ بها الكثيرونَ مِنَ أصحابِ هذهِ الثَّقافةِ، و هي " ماذا يَضِيْرُ الشَّاةَ سَلْخُهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا ؟"، و يُؤَيِّدُ ذلك، ما أشارَ إليْهِ تعليقُ جنديٍّ آخرَ على بعضِ هذهِ الصُّوَرِ الدَّمَوِيَّةِ، و هذا التَّعليقُ، و إنْ كانَ يَكْشِفُ عَنْ إدراكِ البعضِ مِنْ هؤلاءِ الجنودِ لهذهِ الدَّوافعِ ، لكنَّهُ يُبَيِّنُ سُخْرِيَّتَهُمْ منه؛ يقولُ الجنديُّ في تعليقِهِ : " هؤلاءِ المُتَمَرِّدُوْنَ يُضَحُّوْنَ بأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَجْلِ " اللهِ " ، لكنَّ القَتْلَ عندي ليسَ حادثًا غيرَ مُتَعَمَّدٍ ، أنا مُسْتَعِدٌ لأنْ أَقْتُلَ الآلافَ مِنْهُمْ مِنْ أَجْلِ إنقاذِ حياةِ جنديٍّ أمريكيٍّ واحدٍ " .

وعَنْ رُدُوْدِ فِعْلِ كبارِ المسئولينِ الأمريكيِّيْنَ على هذهِ القضيةِ ، خَشِيَ رئيسُ الأركانِ " ريتشارد مايرز" مِنَ السَّماحِ بِنَشْرِ صُوَرِ أُخْرَى ؛ لأنَّها قدْ تُشْعِلُ العالَمَ الإسلامِيَّ ، و تَدْفَعُ شبابًا جُدُدًا للانضمامِ إلى تنظيمِ " القاعدةِ " . أمَّا الجنرالُ المُتَقَاعِدُ " مايكل مارشاند " - و هوَ أَحَدُ القُضَاةِ العَسْكِريِّيْنَ ، و كانَ مسئولاً عَنْ إصلاحِ سياسةِ التَّدريبِ في الجَيْشِ الأمريكيِّ بعدَ فَضِيْحَةِ " أبو غريب " - فقدْ قالَ : " لوْ سَمِعْتُ مُنْذُ عامَيْنِ أنَّ هذا قدْ حَدَثَ مِنْ جنودِنا ؛ لَقُلْتُ إنَّ هذا كَذِبٌ " .

و كَتَبَ الصَّحفي " ريتشارد إلرخ " – الذي يُرْسِلُ تقاريرَهُ الصَّحفيةَ مِنْ آسيا على امتدادِ سَبْعَةٍ وعشرينَ عامًا - مقالةً مِنْ " بانكوك " بعنوانِ : " تجارةُ الجنودِ الأمريكيِّيْنَ بالقَتْلَى العِرَاقِيِّيْنَ مِنْ أَجْلِ الموادِّ الإباحيَّةِ " ، مُشِيْرًا إلى تعليقِ وزيرِ الدِّفاعِ السَّابقِ " رامسفيلد " الذي اكْتَفَى فيهِ بالقَوْلِ : " هذهِ مُمَارَسَةٌ غَيْرُ مَقْبُوْلَةٍ " .

و لكنْ ما هذهِ الدَّوافِعُ التي دَفَعَتْ " ويلسون " إلى التَّفكيرِ في هذهِ الطَّريقةِ ؟!! لا تَخْرُجُ هذهِ الدَّوافعُ في - تَصَوُّرِنا - عَنْ دوافعِ الجنودِ أَنْفِسِهِمْ ؛ إنَّها دوافعُ الحِقْدِ و الكراهيةِ ضِدَّ الإسلامِ و المُسْلِمينَ، نَاهِيْكَ بالطَّبْعِ عَنْ هذا الانْحِدارِ الأخلاقيِّ الذي بَلَغَهُ ؛ بانْغِمَاسِهِ و تجارتِهِ بالجِنْسِ، بالإضافةِ إلى مُساومةِ الجنودِ بمقايضةِ هذا بذاكَ. هذا و يُعْتَبَرُ " ويلسون" - في تَصَوُّرِنا - نَمُوذَجًا حَيًّا ، لثقافةِ اللَّذَّةِ و المنفعةِ التي تَحْكُمُ الغَرْبَ اليومَ.
إنَّ الإسلامَ يُمَثِّلُ بالنِّسبةِ لويلسون - في تَصَوُّرِنا أيضًا - أكبرَ عائقٍ لسيادةِ مُكَوِّناتِ هذهِ الثَّقافةِ، و أكبرَ دليلٍ على انْحِطَاطِ هذا الجانبِ غَيْرِ المَادِّيِّ لهذهِ الثَّقافةِ.
يقولُ " إلرخ " عَنْ " ويلسون " : " إنَّهُ واحدٌ مِنْ أَقْوَى المُؤَيِّدِيْنَ لحُرِّيَّةِ التَّعبيرِ ، و لا يَهُمُّهُ تهديدُهُ بالقَتْلِ ، و أنَّهُ ليسَ ضِدَّ الحربِ ، و أنَّهُ يُؤَيِّدُ إرسالَ الجنودِ الأمريكيِّيْنَ إلى أيِّ مكانٍ في العالَمِ ، و رغمَ أنَّهُ ليسَ بالسِّياسيِّ المُتَمَرِّسِ ، إلا أنَّهُ أَيَّدَ إعادةَ انتخابِ " بوش " لفترةٍ رئاسيَّةٍ ثانيةً " .

يقولُ المُفَكِّرُونَ الإسلامِيُّونَ : " إنَّ الغَرْبَ لا يَقْعُدُ عَنِ الفَتْكِ بالإسلامِ و المُسْلِمينَ ، بلا شَفَقَةٍ و لا رَحْمَةٍ، إلاَّ إذا عَجَزَ عَنْ ذلكَ، و أنَّهُ لا أمانَ لهُ، و لا عَهْدَ، و لا ذِمَّةَ، و أنَّ هذا هوَ الخَطُّ الأصيلُ، الذي لا يَنْحَرِفُ عنهُ الغَرْبُ إلا لطَارِئٍ زائلٍ، ثُمَّ يعودُ فيأخذُ طريقَهُ المرسومَ ".

إنَّ ما يُفْعَلُ بـ " بغدادَ " اليومَ، هو ذاتُهُ ما فُعِلَ بها بالأمسِ البعيدِ؛ ففي عام 656هـ مالَ التَّتارُ- كما يقولُ " ابنُ كثيرٍ" في " البداية والنّهاية " - على البلدِ فقتلوا جميعَ مَنْ قَدَرُوا عليه، مِنَ الرِّجالِ، و النِّساءِ، و الوِلْدَانِ، و المشايخِ، و الكهولِ، و الشّبانِ، و دخلَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ في الآبارِ، و أماكنِ الحُشُوشِ[ م . الحَُِشّ ، البستان ]، و قِنَى الوَسَخِ ... كانَ النَّاسُ يهربونَ إلى الأمكنةِ، فيقتلونَهُمْ بالأَسْطُحِ، حتَّى تجري المَيَازِيْبُ [ م . المِيْزاب ، القناةُ يجري فيها الماءُ ، فارسيةٌ ] مِنَ الدِّماءِ في الأَزِقَّةِ، كذلك في المساجدِ و الجوامعِ و الرُّبُطِ، و لمْ يَنْجُ منهمْ أحدٌ سِوَى أهلِ الذِّمَّةِ مِنَ اليهودِ و النَّصارَى، و مَنِ التجأَ إليهمْ مِنَ الرَّافِضَةِ، " و عادتْ " بغدادُ " بعدَ ما كانتْ آنسَ المُدُنِ كلِّها، كأنَّها خرابٌ، ليسَ فيها إلا القليلُ مِنَ النَّاسِ، و همْ في خَوْفٍ، و جُوْعٍ، و ذِلَّةٍ، و قِلَّةٍ ".

إنَّ الواقعَ التَّاريخيَّ الحديثَ لا تختلفُ صُوَرُهُ عَنْ هذهِ الصُّوْرَةِ ، ليسَ في العراقِ فقطْ، و لكنْ في كلِّ مكانٍ به مسلمونَ؛ فهؤلاءِ هُمْ خمسونَ ألفَ موظَّفٍ باكستانيٍّ مسلمٍ، يتحوَّلُونَ إلى أشلاءٍ و دماءٍ على يدِ الهنودِ؛ عندَ انفصالِ باكستانَ عنها، في حادثةِ قطارِ النَّفقِ المعروفةِ. و هؤلاءِ هُمُ الشُّيوعِيُونَ الرُّوْسُ و الصِّينيُّونَ ، يُبِيْدُونَ ستةً وعشرينَ مليونًا مِنَ المُسْلِمينَ، خلالَ ربعِ قرنٍ. و رَغْمَ أنَّ ما فُعِلَ بالمُسْلِمينَ في " البوسنة "، ما زالَ ماثلاً في الأذهانِ، إلا أنَّ النَّاسَ لا يعلمونَ أنَّ هذا لمْ يَكُنْ أمرًا طارئًا قدْ زالَ، إنَّما هو خطٌ أصيلٌ؛ فـ " صِرْبُ " الحاضرِ هُمْ أَنْفُسُهُمْ يوغسلافُ الماضِي، الذينَ أبادوا مليونًا مِنَ المُسْلِمينَ؛ حتَّى تصيرَ " يوغسلافيا " شيوعيَّةً، لقد ألقى اليوغسلافُ بالمُسْلِمينَ رجالاً و نساءً في مفارمِ اللُّحومِ، التي تصنعُ " لحومَ البولوبيفِ " ؛ ليَخْرُجُوا مِنَ النَّاحيةِ الأُخْرَى، عجينةً مِنَ اللَّحْمِ و العِظَامِ و الدِّماءِ.

إنَّ كلَّ ذلكَ - كما يقولُ المُفَكِّرُونَ الإسلامِيُّونَ - ما هوَ إلا وقائعُ حاضرةٌ، و ذكرياتٌ قريبةٌ، يَدْعَمُها ما يُفْعَل الآنَ بالمُسْلِمينَ في العراقِ و أفغانستانَ و غَيْرِهِمَا، و كلُّها يُؤَكِّدُ الإصرارَ الذي يَصِفُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَ لاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِيْنِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوْا } البَقَرَةُ / 217 .

-----------------
دكتور أحمد إبراهيم خضر
* دكتوراة في عِلْمِ الاجتماعِ العَسْكَرِيّ
أستاذ مشارك وعُضْوُ هَيْئَةِ التَّدريسِ السَّابقِ بجامعاتِ القاهرةِ، و الأزهرِ، و أُمِّ دُرْمَانَ الإسلاميَّةِ، و المَلِكِ عبدِ العزيزِ .


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

العراق، احتلال، الغرب الكافر، عنصرية، جنس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 22-12-2008  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  (378) الشرط الأول من شروط اختيار المشكلة البحثية
  (377) مناقشة رسالة ماجستير بجامعة أسيوط عن الجمعيات الأهلية والمشاركة فى خطط التنمية
  (376) مناقشة رسالة دكتوراة بجامعة أسيوط عن "التحول الديموقراطى و التنمية الاقتصادية "
  (375) مناقشة رسالة عن ظاهرة الأخذ بالثأر بجامعة الأزهر
  (374) السبب وراء ضحالة وسطحية وزيف نتائج العلوم الاجتماعية
  (373) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية (2)
  (372) التفكير النقدى
  (371) متى تكتب (انظر) و (راجع) و (بتصرف) فى توثيق المادة العلمية
  (370) الفرق بين المتن والحاشية والهامش
  (369) طرق استخدام عبارة ( نقلا عن ) فى التوثيق
  (368) مالذى يجب أن تتأكد منه قبل صياغة تساؤلاتك البحثية
  (367) الفرق بين المشكلة البحثية والتساؤل البحثى
  (366) كيف تقيم سؤالك البحثى
  (365) - عشرة أسئلة يجب أن توجهها لنفسك لكى تضع تساؤلا بحثيا قويا
  (364) ملخص الخطوات العشر لعمل خطة بحثية
  (363) مواصفات المشكلة البحثية الجيدة
  (362) أهمية الإجابة على سؤال SO WHAT فى إقناع لجنة السمينار بالمشكلة البحثية
  (361) هل المنهج الوصفى هو المنهج التحليلى أم هما مختلفان ؟
  (360) "الدبليوز الخمس 5Ws" الضرورية فى عرض المشكلة البحثية
  (359) قاعدة GIGO فى وضع التساؤلات والفرضيات
  (358) الخطوط العامة لمهارات تعامل الباحثين مع الاستبانة من مرحلة تسلمها من المحكمين وحتى ادخال عباراتها فى محاورها
  (357) بعض أوجه القصور فى التعامل مع صدق وثبات الاستبانة
  (356) المهارات الست المتطلبة لمرحلة ما قبل تحليل بيانات الاستبانة
  (355) كيف يختار الباحث الأسلوب الإحصائى المناسب لبيانات البحث ؟
  (354) عرض نتائج تحليل البيانات الأولية للاستبانة تحت مظلة الإحصاء الوصفي
  (353) كيف يفرق الباحث بين المقاييس الإسمية والرتبية والفترية ومقاييس النسبة
  (352) شروط استخدام الإحصاء البارامترى واللابارامترى
  (351) الفرق بين الاحصاء البارامترى واللابارامترى وشروط استخدامهما
  (350) تعليق على خطة رسالة ماجستير يتصدر عنوانها عبارة" تصور مقترح"
  (349) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رافد العزاوي، عواطف منصور، صفاء العراقي، أبو سمية، عبد الغني مزوز، رضا الدبّابي، إيمى الأشقر، مراد قميزة، د - صالح المازقي، سيد السباعي، د - الضاوي خوالدية، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد عمر غرس الله، خالد الجاف ، أحمد النعيمي، عبد الله الفقير، فهمي شراب، د - محمد بن موسى الشريف ، وائل بنجدو، د- هاني ابوالفتوح، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفى منيغ، د - المنجي الكعبي، أحمد ملحم، صفاء العربي، إسراء أبو رمان، سلام الشماع، طلال قسومي، د - مصطفى فهمي، محمد أحمد عزوز، أ.د. مصطفى رجب، محمد اسعد بيوض التميمي، رشيد السيد أحمد، يحيي البوليني، جاسم الرصيف، أنس الشابي، فتحي العابد، محمود طرشوبي، حسن الطرابلسي، علي عبد العال، صالح النعامي ، سليمان أحمد أبو ستة، د- جابر قميحة، د. مصطفى يوسف اللداوي، كريم السليتي، إياد محمود حسين ، العادل السمعلي، محمد الطرابلسي، عراق المطيري، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حميدة الطيلوش، منجي باكير، المولدي الفرجاني، نادية سعد، عزيز العرباوي، صلاح الحريري، محمود فاروق سيد شعبان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سعود السبعاني، محمد الياسين، د. عبد الآله المالكي، فتحـي قاره بيبـان، فوزي مسعود ، مجدى داود، حسني إبراهيم عبد العظيم، الهيثم زعفان، سامح لطف الله، محمود سلطان، د - شاكر الحوكي ، عمر غازي، صباح الموسوي ، د- محمد رحال، عبد الله زيدان، صلاح المختار، محمد يحي، مصطفي زهران، أحمد بوادي، محمد العيادي، د. صلاح عودة الله ، فتحي الزغل، د - عادل رضا، سلوى المغربي، د.محمد فتحي عبد العال، د- محمود علي عريقات، الناصر الرقيق، محرر "بوابتي"، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أشرف إبراهيم حجاج، يزيد بن الحسين، تونسي، د. طارق عبد الحليم، حاتم الصولي، د - محمد بنيعيش، د. أحمد بشير، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ماهر عدنان قنديل، محمد شمام ، ضحى عبد الرحمن، رافع القارصي، د. عادل محمد عايش الأسطل، الهادي المثلوثي، أحمد الحباسي، عبد الرزاق قيراط ، د. أحمد محمد سليمان، عمار غيلوفي، حسن عثمان، ياسين أحمد، رمضان حينوني، علي الكاش، كريم فارق، سفيان عبد الكافي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. خالد الطراولي ، سامر أبو رمان ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة