د. خــالد الطـراولي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9636 ktraouli@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الصلاح والإصلاح مصطلحات تنطلق من نفس الجذع اللغوي، وهذا الارتباط العضوي يجعل من الصلاح هدفا أساسيا للإصلاح، وبدون صلاح يفقد الإصلاح مبررات وجوده ويصبح تخريبا وتدميرا ومنبت سوء وضلال.
والإصلاح عملية ومسار متشابك ومعقد رغم بعض التنظيرات المثالية التي تقتصر على الشعار الفضفاض والكلمات الجوفاء. وأطراف الإصلاح متعددة، تبدأ بالفرد لتلامس الجماعة، تعني الحاكم والمحكوم وكل هيئة أو مجموعة أو جمعية داخل المجتمع المدني.
من هذا الباب الموسع، نجد طرفا هاما في معادلة الإصلاح والتوعية والبناء وهو الفقيه والمفتي، فدور الفقيه محدد في هذا العملية عبر علمه وحكمته، علم بالأصول وفقه بالواقع. وفي تلازم هذه الثنائية ونجاحها أو فشلها ينتج إصابة الفتوى أو خطأها ومن ورائها نجاح الإصلاح المرجو منها أو فشله. ومن هذه الزاوية يمكن الحديث عن فتاوى صالحة وأخرى غير ذلك، ولعل في هذه العلاقة المتينة والحساسة والخطيرة في نفس وقت بين العالم ومحيطه تمكن في المساهمة في الدفع بوجهة الوعي ومن ورائها حالة المجتمع بين تخلف أو تنمية في كل مستويات الظاهر الإنسانية من سياسة واقتصاد واجتماع وثقافة. فالفتوى مسار علمي واجتماعي، تحدد كل محطاته نجاح الفتوى أو ضمورها.
وهذه العلاقة بين العالم وعالَمه والتي تحدد صلاح فتواه وحكميتها أو مجانبتها للصواب متشابكة ومعقدة، وتجمعها ثلاثة أطراف : علاقة مع السلطان، وعلاقة مع الجماهير، وعلاقة مع المحيط المادي الذي يعيش فيه.
العلاقـة بالسلطـان
فأما العلاقة مع السلطان فهي بين طرفي نقيض وليس من السهل أن يعيشها الفقيه بكل تجرد، فهو إما مساند أو مخالف، إما داخل الخيمة وتابع للحاشية، فتطاله أصابع الاتهام بصواب أو خطأ، وكلما خطى خطوة داخل خيمة السلطان وأدرك أماكنها المرتفعة والمقربة، كلما نضج لدى الجماهير فكر التوجس والريبة وفقدت الفتوى من مصداقيتها حتى وإن كان حاملها يشار إليه بالبنان في ديار العلم، واقتربت الفتوى من الطلاح لأنها عجزت عن كسب رضاء الناس. وفي هذا يقول نجم الدين الغزي أحد العلماء المستقلين في عهد العثمانيين:
احذر من الملوك والسلطان/ بحسب القدرة والإمكان
لا يجتني مصاحب السلطان/ من قربه سوى العصيان
وإما مجاف للسلطان، ومتجنبا دياره ومعبرا عن استقلاليته، وفي هذا الصنف من يتطرف فيظهر سخطه وعداوته ولا يبني إلا على مواجهة وعلى نقيض، ولا يرى في التقرب من مقاربة السلطان ولو كانت سليمة إلا ممرا نحو فقدان المصداقية ومغازلة الشيطان والوقوع في حباله، ومنهم من يظهر استقلاليته دون الخوض المباشر في السياسة والسياسيين، ويسعى لتجنب المواجهة ولو بكثير من العنت. غير أن كلا الصنفين لا يعيش حالة هدوء مع القصر، فتخطي الحدود الحمراء أو التعاطي مع الفتوى بشكل لا يضمن مصالح أصحاب الشأن، لا يعطي لصاحبها الأمان. وإن كان الصنف الأول قد حدد بداية مربعه الذي يقف عليه في الصدام والمواجهة، فإن الصنف الثاني رغم محاولته الاعتدال فكثيرا ما لمسه حنق السلطان لمجرد تجاوز أو عدم اعتبار لخصوصية القصر أو التباعد والتجنب أكثر من اللزوم، والذي يظهر للعامة جفاء أو عداء، وهذا ما نراه في علاقة الكثير من الأئمة في التاريخ الإسلامي، فرغم هذه الإستقلالية غير العدوانية تجاه السلطان، إلا أن البعض منهم ذاق مجرد انفلاتة لم تعجب الأمير، فكان نصيب مالك خلع كتفه بعد اجتهاد في طلاق المكره لم يستسغه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وسيق الشافعي مكبلا إلى هارون الرشيد من اليمن إلى بغداد بعدما وشى به الواشون ولم يرض الخليفة، وقاسى ابن حنبل الأمرين لرفضه موافقة الخليفة في قضية كلامية خالصة رأى المعتصم أن لها ما بعدها..
وهكذا فمن صلاحية الفتوى مصداقية صاحبها، وهذه المصداقية طريق إلى الشرعية في قلوب الجماهير مما يجعلها أقرب إلى التبني والقبول وأن تتشكل في مسار إصلاحي فردي أو جماعي.
إن هذه العلاقة الحساسة مع السلطان، ارتبطت غالبا بحالة الأمة في تاريخها بين مد وجزر في مستوى تحضرها وتقدمها، ومن هذا الباب وجب النظر إلى الدور الإنمائي والإصلاحي والحضاري للفقيه وهو داخل خيمة السلطان أو خارجها، واللحظات المعبرة في هذا الشأن كثيرة وتوحي بهذا التلازم بين تواجد فعلي وجريء وحازم ومستقل للفقيه، وبين تقدم الأمة وصلاحها، وبين غياب الفقيه والتزامه القرب السلبي من السلطان والتواري عن الفعل والنظر وبين السقوط الحضاري للأمة ودخولها منازل التخلف، فقد روى ابن حيان في ذكره لحال الفقهاء في البلاط الأموي الأندلسي "والفقهاء أئمتهم صموت عنهم صُدُف عما أكده الله عليهم من التبيين لهم، قد أصبحوا بين آكل من حلوائهم، وخابط في أهوائهم وبين مستشعر مخافتهم آخذ بالتقية في صدقهم"
ولكن هل هذه الاستقلالية ومحاباة الجماهير لكل فتوى لا تخرج من أقبية السلطان كافية وحدها لضمان صلاح الفتوى؟ هذا ينعكس على صنف العلاقة بين المفتي والجماهير!
العلاقـة بالجمـاهير
ليس المفتي نجما طارقا يعيش بين جدران مدرسته أو مركزه أو مسجده، ليس المفتي لغزا منغلقا على ذاته، يركن إلى صومعته ولا يتحدث إلا من منطلق العارف المطلق وما سواه العدم، ليس الفقيه درة مصونة تخاف الأيدي ومخالطة الناس حتى لا يقل بريقها ويخفت إشعاعها، ولكنه مواطن قبل ذلك يعيش بين أضلع مجتمع، يأكل خبزهم ويشرب مائهم، ويمشي في أسواقهم، له ما لهم وعليه ما عليهم، وهذه المواطنة التي يحملها الفقيه هي عربون وفاء وتأكيد علاقة العضوية مع من حوله من أبناء وطنه، أيا كان هذا الوطن، صغيرا متقلصا ينحسر في بلده، أو كبيرا ممتدا ليتسع إلى قومه وأمته والإنسانية جمعاء.
وإذا كانت الجماهير مقتصرة في الأيام الخوالي على أبناء الحي والبلدة والبلاد، فإن الثورة التكنولوجية وتقارب البلدان وانتشار المعلومة تجعل من العالم قرية كونية ومن الجماهير سكان العالم إذا كنه الفقيه عن قرب ولمس بدقة هموم هذا الطرف أو ذاك وفقه واقعه بكل ملابساته، ولذلك ليس عيبا أن تتجاوز فتوى الفقيه وطنه الصغير لتلامس الوطن الأوسع إذا لبى شروط المعرفة والتعايش.
هذا الاختلاط بهموم الناس ومعايشة محنهم ونعمهم، تولد هذه الاستجابة العينية والمباشرة لكل سؤال أو قضية يتعرض لها هذا الوطن وتعطي للفتوى التصاقا كاملا بمشاغل الناس، فتنطلق منهم لتعود إليهم، ولا تكون مسقطة على حالهم تنطلق من الكتب الصفراء لتعود إليها، وكأنها تستجيب للتاريخ ولا تستجيب للجغرافيا.
والفقيه مواقف وممارسة، يمشي بين الناس، يدخل أسواقهم، ويطرق بيوتهم، وهذا النموذج الحي الذي يمشي على رجليه يحمل مسؤولية العلم ولكن أيضا مسؤولية الحب والقرب والتفهم والمعايشة. والفقيه الناجح والصالح هو الفقيه الذي يعتبر النموذج في الفعل والنظر، جرأة وزهد، شجاعة دون تهور، ومرونة دون تذلل، ، تتعلق بتلابيبه الجموع، وتتمسح على أطرافه الجماهير، التي ترى فيه قائدا لها ومرشدا، يتعالى عن السياسوية ونفاقها ومطالب الدنيا وشهواتها، فالمطلوب من الفقيه النموذج غير المسموح به للعامة، فيصبح ممثلا للأمة في مجموعها، فهي إطاره وهو زعيمها، وهي المدافعة عنه، والحامية لمبادئه وأفكاره. يُروى أن البهلول بن راشد كان من علماء القيروان الأجلاّء، فأراد أمير البلاد أن يحبسه، فخرجت القيروان في عشرة آلاف مقاتل مدافعة عن ابن راشد قائلين للأمير: إياك والبهلول بن راشد فإنه منا بمثابة الرأس من الجسد!.
كما يصبح دوره الإفتائي إصلاحيا خالصا وحضاريا حاسما وبارزا، يجعل السلطة التنفيذية نفسها، مجبرة على أخذه بالاعتبار. وقد شهد العالم الإسلامي عزل السلطان العثماني سليم الثالث سنة 1807، استنادا إلى فتوى من مفتي البلاد، الذي اتهمه بأنه غير صالح للملك، "لأنه فرض على المسلمين أنظمة الكفار وأدخل نظامات الإفرنج وعوائدهم، وأجبر الرعية عليها".
لكن في المقابل ليس على المفتي أن يكون جوابا آليا "لما يحبه المستمعون" ولكنه مرشد ومربي ودافع إلى الصلاح، وهذا لا يتأتى إلا بالكلمة الطيبة والمنهج القويم والصبر والمصابرة والتمسك بالحق أينما كان، ومنهجية التدرج والمرونة دون مجاملة أو محاباة. فعلاقة الفقيه بالجماهير هي علاقة إرشاد وتربية وليست علاقة فوقية وأستاذية، هي علاقة مرافقة بناءة وليست علاقة تابع ذليل وقاصر بمتبَّع. ومن أغرب ما قرأت في هذا الباب طلب أحدهم فتوى من فقيه وهو يريد الذهاب لزيارة أحد البلاد في جواز الابتسامة أو عدمها لأهل تلك الديار، وكأن هذا الدين جاء يحمل شعار الحزن والعداوة والتكشير والعدوان.
العلاقـة بالواقــع
الجماهير هي جزء من هذا الواقع المتحرك والمتجدد، وما يعنينا هي هذه البيئة المادية التي تتحرك فيها الفتوى، من علاقات ومعطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وسلوكيات وثقافة وعقليات وتواريخ ومساحات، ودرجات نمو ومستويات تنمية، فلا تتساوى فتاوى تتنزل في إطار يعيش الوفرة والسلام والأمن والاستقرار، مع إطار يعيش الندرة والضيق والخوف والرعب، ولا تتساوى فتوى الحي والقرية مع فتوى المدينة والبلاد، ولا تتماثل فتوى يطلبها فرد، مع فتوى تخص جماعة أو تلمس المجموعة. وهذه العلاقة مع الواقع تتطلب ولا شك فقها وعلما وحكمة. فلا يكفي علم الفقيه لاعتبار الفتوى صالحة، ولكن معرفته بإطارها المادي الذي تتنزل فيه، يعتبر مؤشر نجاحها وصلاحها، أو فشلها وطلاحها.
ولن نعيد حديثا قتل بحثا وتذكيرا بتغيّر الفتوى بتغيير الديار وتغيّر الزمان، وسنمر مر الكرام على تغيّر فقه الشافعي وهو يغيّر مكان الإقامة من بغداد إلى القاهرة، ولن نعيد التذكير بفتاوى القاضي الحنفي بن عابدين في ظل الدولة العثمانية وفي إطار المجلة... كل هذه المحطات المتتالية تخبر أن علم الفقيه لا يحمل الركود والسكون والسرمدية والإطلاق، ولكنه نسبي ومتحرك ومتطور يعيش اللحظة ويعايش تطورها ولما لا يسبقها، حتى يوجه المبادرة ويسبق تحققها وتحقيقها.
وإذا ابتعد الفقيه المفتي عن اعتبار الحكمة كجزء أساسي في عملية اختمار الفتوى وتنزلها، فإنه يقع في مطب التعسف على الواقع وليّ عنقه وإسقاط رأيه عليه دون الإلمام الكامل بمعطياته، وهنا تقع المأساة، فمنها ما كبر، فيعصف بكيان أمة ويشوه صورتها وينهي دورها المتميز في هذا الكون "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" أو ما صغر فيحبط الفرد أو يتطرف فيهلك الحرث والنسل في مستوى أسرة أو مجتمع.
ولهذا تطلع علينا بين الحين والآخر فتاوى كالفقاقيع لا تعرف كيف خرجت ومتى خرجت وعن أي واقع تتحدث، يرفعها في بعضها فقيه عَلَم، أو فقيه نكرة مختف وراء شاشات وأسترة.. فترى العجب، هل هو زمن الأمويين أو العباسيين أم زمن بني عثمان؟ هل هي ديار مضر وفقه البادية ورحلة الشتاء والصيف؟ هل هي ديار حرب وسلم وجروح دموع ودماء؟ حتى تسمع من يسأل عن جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، ويتلقفها بعضهم من وراء شاشته ويصر على حرمتها وكأننا لا نعيش مع الجار المسيحي والمواطن اليهودي ولا نعمل في قرية كونية متشابكة.
ويصبح من مات غريقا وهو يريد الهجرة للاسترزاق، غير شهيد لأنه غادر موطنه ورمى بنفسه انتحارا، ونسي فقيه الديار الإلمام بكل المعطيات وطرح التساؤلات وإبعاد الغشاوة عن كل الأبعاد..، ويتلفظ علينا آخر سامحه الله بنكتة العصر وهو يلوّح لنا بكل جدية بوجوب إرضاع زميلة العمل إذا خيف الاختلاط، وقد نسي صاحبنا الإلمام بكل أبعاد القضية الذي تتجاوز شخصه وحيّه، وترتبط بفلسفة حياة وعلاقة جنس بآخر، لم يتأخر الإسلام في نحت أطرافها بكل دقة، شعارها مسؤولية وحياء وتناسب أدوار.
إن عالم الفتوى أصبح اليوم عالما يعتريه الكثير من الغموض والضوضاء والشطط، ولعل الثورة التكنولوجية ساهمت في تعريته وفي زيادة تشتته، وهي غابة الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود.
وإني أزعم أن إحدى كبريات القضايا المصيرية اليوم في تحديد هويتنا ونجاح مشروعنا وتنمية مجتمعاتنا ونجاعة علاقتنا بمن حولنا، وحتى في تحديد وجودنا من عدمه كأمة تدعو إلى الخير ورفاهية الناس روحا ومادة، ولا يمكن تجاوزها أو التهوين من شأنها، تكمن أساسا في ماهية الفتوى وماهية الفقيه والعلاقة المرجوة مع هذا الواقع المتجدد والكثير التحديات. لأننا أحببنا أم كرهنا نحمل خاصية لم تجتمع في أقوام غيرنا وهي هذه العلاقة المتميزة مع المقدس والتي تمثل مرجعية حراكنا، والتي تعتبر عنصرا إيجابيا إذا عرفنا توظيفها كما وظفها الأجداد علما ودراية وحكمة فبنوا حضارتهم، ثم لما تقاعسوا وركنوا إلى الغوغاء والشطط وسكون المقابر، خرجوا من التاريخ، وتبعناهم وتركوا مفاتيح المنازل لأقوام آخرين استوطنوا المكان بعلم وحكمة إلى حين.
--------------------------
ملاحظـة : يصدر قريبا للدكتور خالد الطراولي كتاب جديد بعنوان "حــدّث مواطن قــال.." يمكن الحجز بمراسلة هذا العنوان: kitab_traouli@yahoo.fr
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
14-06-2008 / 21:14:51 أبو محمد
شكرا أبا سمية،
شكرا أبا سمية، إجابة تنم عن فهم و الحمد لله.
أظن أننا محتاجون إلى حوار معمق بين مختلف المتدخلين فهل توافقني في ذلك؟
14-06-2008 / 17:52:29 ابو سمية
المسألة توجد في مستوى فهم الواقع
الأخوان مصلح ووسيم، اسمحا لي أن أشارككما الحوار:
- رغم سوء الفهم بينكما، فأراكما بل وكلنا متفقون أن الفتوى تدور مع تقديرات الواقع، من دون المساس بالأصول، ثم إن الفهم المتغير هو الذي يولد اختلاف الاجتهادات عند الإفتاء.
- إذن الحديث يجب أن يتركز حول فهم الواقع، الذي من خلاله تتم إقامة التقديرات بخصوص المصلحة والمفسدة.
- ففي موضوع تهنئة الكفار بأعيادهم، تركز عدم الجواز عند ابن تيمية والجواز لدى القرضاوي، حول تقدير الاول الذي استصحب حالة الحرب التي يشنها الكفار ساعتها على المسلمين، ووضع الهوان الذي يوجدون عليه ساعتئذ، وفي المقابل تركز اجتهاد القرضاوي بالجواز حول القول ان الوضع تغير، وان لا خطر يماثل ما كان عليه حال المسلمين حين وقت ابن تيمية.
- أولا واضح أن الامر في نهايته هو تقدير ذاتي لوضع قائم، وان اتخذ صبغة الاجتهاد العلمي، حيث قبل استعمال أدوات البرهنة على حكم شرعي، يجب إيجاد تصور ذهني متكامل عن وضع قائم، الذي هو عبارة عن تفاعل بين قناعات من جهة وقدرة فهم للأفكار التي هي تجريدات من جهة أخرى.
- ولما كان الناس مختلفون في القدرة على فهم الأفكار (المبادئ)، كما أنهم مختلفون في القدرة على التحلي بتلك الأفكار من حيث الالتزام بها وتنزيلها أحيانا، كان معنى ذلك اختلافا بالضرورة في فهم الواقع والتعامل معه، وهو الشيء الذي يعكس الاختلافات في تقييم الأشياء نسبة لمرجعيات فكرية.
- ولما كان الاختلاف في تقييم الواقع شيء لازم، ولما كان التقييم يمس واقعا واحدا، ونسبة لمرجعية واحدة (وهو الحال في موضوع الاجتهادات)، كان معنى ذلك انه لا يحكم على مصداقية الاختلافات / الاجتهادات إلا من حيث إثبات قربها أو بعدها من أصولها المرجعية، فكلما كان الطرف اكثر التزاما بالمرجعية التي هي هنا الإسلام، كان معنى ذلك انه أكثر تنزيلا له على نفسه أو في الواقع، كما انه جدير أن يكون قد حاول فهم معانيه بعمق اكبر حين حاول الالتزام به.
- اما ان يترك الامر في مستوى القول انها اجتهادات في الفهم، ويوافق على كل الآراء ويقع التسامح معها على انها اجتهادات، فهذا مدخل خطير لبروز الشرور والانحرافات، حيث يمكن للمستشرق والعلماني ان يجتهد ويفسر الامر كما يريد زاعما انه فهم النصوص بتلك الطريقة، وهو ما يفعله العلمانيون بتونس الآن حين يدلون بآراء غريبة حول "الإسلام التونسي" والتسامح بالمفهوم التونسي، ولو وقع إدخال عامل الالتزام بالاسلام، لوقع مباشرة الغاء أقوالهم قبل الخوض في محتويات كلامهم.
- وحينما ندخل عامل التزام الشخصي للمجتهد بالإسلام (ويشمل ذلك سيرته وتقواه، وهي عناصر العدل والتجريح إلى حد ما) في النظر للأراء والإجتهادات، يمكننا ساعتها توضيح الأمر والإبقاء فقط على تلك الآراء المعتبرة.
- في موضوع تهنئة الكفار بأعيادهم، كما هو ظاهر لا يوجد ما يبرر افتراض القرضاوي ان الكفار الآن اقل خطرا على المسلمين منهم حين زمن ابن تيمية، بل لعل الأمر الآن اشد منه من قبل، وبالتالي، فأصل الاجتهاد الذي جوز تهنئة الكفار مبني على افتراض لم يبرهن عليه، وعليه فليس هناك ما ينفي ما اتفق عليه من قبل من تحريم تهنئة الكفار بأعيادهم واعتبارهم خطرا دائما على المسلمين، كما أن اجتهاد القرضاوي مبني على افتراض مخالف للواقع.
13-06-2008 / 23:15:01 مصلح
مع احترامي لك لكن هناك خلبطة في الفهم أنا أقول لك أن هذه أمور خلافية وأنت تقول إذا حضر الدليل فلا رأي لكائن من كان، يا أخي كل هؤلاء المفتين بالحق لهم دليلهم الشرعي واختلافهم نتيجة اختلاف فهمهم ألا ترى قصة صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في اختلافهم في وقت صلاة العصر في غزوة بني قريضة فاختلفوا في التأويل وأجاز الرسول الجميع. فهذا معنى الأمور الخلافية
أنا أسألك هل الفتوى تعبير عن اجتهاد أم قرآن مقدس" وأنت تجيب خارج السؤال، الفتوى ياأخي صيرورة تنطلق من الواقع وتبحث في الدليل الشرعي ثم تعود إلى هذا الواقع فهي تتحرك حسب متطلبات الواقع دون المس بالمرجعية الشرعية
تقول في كلام غير مفهوم "نعم تتغير الفتوى لكن في الفروع لا الأصول والعقائد والولاء والبراء بارك الله فيك تفطن لهذا فهناك من الملل من يصلي 3 صلوات في اليوم فهل تعتبر هذا رأي معتبر
ومن الفقهاء المتعصبين الحنفية من لا يجيز زواج الحنفية من مالكي او شافعي... " يا أخي العزيز يظهر لم تفهم الفتوى، كيف تكون الفتوى في الأصول والعقائد هذا كلام باطل. الأصول والعقائد لا يرتبطون بزمان ومكان وإلا سقط الدين كله.
أما عن نصارى نجران فعجبي يدخلهم الرسول صلى الله عليه وسلم مسجده ويقيمون فيه أياما وليال ولا يسلم عليهم ثم يصلون في أقدس مكان ولا بسلم عليهم اسمع يرحمك الله وأنت تقول هات برهانك انهم أقاموا قداسا وأنا أول المتبعين فأرجو أن تكون من المتبعين فهذا ما يقوله ابن اسحاق رحمه الله
قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب . قال يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ما رأينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوهم فصلوا إلى المشرق .
13-06-2008 / 13:03:27 وسيم
من قال لك أني غاضب
من قال لك أني غاضب
*قلت لي " لا تملك أنت الحقيقة ولا أنا فهذه أمور ظنية "
يبدو أنك تعتبر النصوص الشرعية أمرا مختلفا فيه لا يا صاديقي إذا حضر الدليل فلا رأي لكائن من كان بارك الله فيك
اختلف الصحب الكرام في مسألة فكان فريق منهم يقول برأي ابو بكر و فريق بقول برأي عمر فجاء ابن عباس وقال "قال رسول الله كذا وكذا" ولكن الفريقين تمسكا بما هما عليه فقال بن عباس رضي الله عنه "ويحكم تكاد السماء تمطر عليكم حجارة أقول قال رسول الله و تقولون قال أبو بكر و عمر"
فما بالك ياصديقي بمن هم أدنى من أبو بكر و عمر
تقول"هل الفتوى تعبير عن اجتهاد أم قرآن مقدس"
الفتوى المخالفة للكتاب و السنة في حال وجود الدليل باطلة ومن أفتى بها عالما بالدليل ولم يرضى به فقد حكم بغير ما أنزل الله .
تقول"هل الفتوى ثابتة أن تتغير مع الزمان والمكان" نعم تتغير لكن في الفروع لا الأصول والعقائد والولاء والبراء بارك الله فيك تفطن لهذا فهناك من الملل من يصلي 3 صلوات في اليوم فهل تعتبر هذا رأي معتبر
ومن الفقهاء المتعصبين الحنفية من لا يجيز زواج الحنفية من مالكي او شافعي... هل هذا كلام
تقول"ما هو التأصيل في نظرك حشر الرأي بالآيات والحديث من هنا وهناك أم التأصيل ذكر الفريق المساند والفريق المخالف ثم الأخذ بما يراه أصلح"
لا بل بالدليل الشرعي نأخذ إذا وجد اولا وإن لم يوجد فبالقياس ثم الإجماع ثم الاجتهاد ...
تقول "هل كل النصارى تنزل عليهم رأيك في عدم السلام عليهم لماذا هذا التعميم فما قولك في نصارى نجران وقد بقوا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يبيتون فيه ويقيمون أياما وليال بل أقاموا قداسهم فيه والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته في مسجده ومع أصحابه"
1- هات برهانك انهم أقاموا قداسا وأنا أول المتبعين
2- ثم لا علم لنا بأن دخول النصارى المسجد النبوي يبيح السلام عليهم ما دخل هذا بذاك؟؟
والأحاديث واضحة و جلية في هذه المسألة بارك الله فيك وهي قضية متفق عليها وهي من أهم نقاط الولاء و البراء
13-06-2008 / 10:54:05 مصلح
السلام عليك أخي
لا تغضب فإنما نحن نتحاور وأقوالنا رؤى واجتهاد لا تملك أنت الحقيقة ولا أنا فهذه أمور ظنية مختلف فيها
أنا أسألك بعض الأسئلة
هل الفتوى تعبير عن اجتهاد أم قرآن مقدس
هل المفتي معصوم أم بشر يصيب ويخطئ
هل الفتوى ثابتة أن تتغير مع الزمان والمكان
ما هو التأصيل في نظرك حشر الرأي بالآيات والحديث من هنا وهناك أم التأصيل ذكر الفريق المساند والفريق المخالف ثم الأخذ بما يراه أصلح
هل كل النصارى تنزل عليهم رأيك في عدم السلام عليهم لماذا هذا التعميم فما قولك في نصارى نجران وقد بقوا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يبيتون فيه ويقيمون أياما وليال بل أقاموا قداسهم فيه والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته في مسجده ومع أصحابه
12-06-2008 / 20:00:19 وسيم
اريد توضيح هذا الكلام
اولا اريد توضيح هذا الكلام الذي لم نسمعه من قبل "الحكم الفقهي شيئ والفتوى شيء"
ما المقياس الذي نعتمده للفتوى ؟؟؟ أليس الحكم الشرعي؟؟؟ وان لم نجد اليس القياس ؟؟؟ ....
نعم و يوسف القرضاوي أجاز الخمر بنسبة 5 بالمئة و الربى الضئيل و المسرح والسينما والإختلاط و الإستمناء و أن يشاهد الرجل وزوجته أفلام الجنس و عزى النصارى في موت طاغوتهم البابا بولس الثاني و اليوم يهنئهم بأعيادهم
والله كلام القرضاوي ما قال به عالم مسلم قبله نسأل الله الهداية له
أما القول بأن بن تيمية لم يجزه فلأنه سار على نهج السلف واتبع و لم يبتدع
فإذا نهانا نبينا من مجرد البدئ بالسلام عليهم فكيف نهنؤهم باعيادهم المجوسية البدعية
ومالنا نهنؤهم وهم يقتلو ن أبناءنا و يستحيون نساءنا في مشارق الأرض و مغربها
ثم لو أن القرضاوي أو غيره أفتى بشيئ مخالف للشرع و لما اتفق عليه الجمهور فيصبح قوله هذا شاذا لا يعتبر
بالله عليكم راجعوا مصادر التلقي عندكم
12-06-2008 / 14:09:49 مصلح
الحكم الفقهي شيئ والفتوى شيء/ رجاء صبرا وعلما ورحابة صدر فكلنا اخوة مسلمون
المجيزون لتهنئة النصارى بأعيادهم:
يرى جمهور من المعاصرين جواز تهنئة النصارى بأعيادهم ومن هؤلاء الدكتور الشيخ العلامة يوسف القرضاوي حيث يرى أن تغير الأوضاع العالمية، هو الذي جعلني أخالف شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريمه تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم، وأجيز ذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران في المسكن، والزملاء في الدراسة، والرفقاء في العمل ونحوها، وهو من البر الذي لم ينهنا الله عنه. بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" الممتحنة. ولا سيّما إذا كانوا هم يهنئون المسلمون بأعيادهم، والله تعالى يقول: "وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" النساء86.
وكذلك أجاز التهنئة المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء خاصة إن كانوا غير محاربين، ولخصوصية وضع المسلمين كأقلية في الغرب، وبعد استعراض الأدلة خلص المجلس لما يلي:لا مانع إذن أن يهنئهم الفرد المسلم، أو المركز الإسلامي بهذه المناسبة، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام مثل ( الصليب ) فإن الإسلام ينفي فكرة الصليب ذاتها ((وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)) النساء : 156.
والكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم، أو رضا بذلك، إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس.
ولا مانع من قبول الهدايا منهم، ومكافأتهم عليها، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره، بشرط ألا تكون هذه الهدايا مما يحرم على المسلم كالخمر ولحم الخنزير. ويمكنكم متابعة تفاصيل رأيهم في هذه الفتوى : تهنئة غير المسلمين بأعيادهم: الحكم والضوابط
ومن المجيزين أيضا وبكن مع وضع ضوابط شرعية كأن لا تحتوى التهنئة على مخالفات شرعية كتقديم الخمور هدية، فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد -أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر ويمكن مراجعة فتواه في الرابط التالي:ضوابط تهنئة النصارى بأعيادهم.
وأجاز التهنئة من باب حق الجوار الأستاذ الدكتور محمد السيد دسوقي -أستاذ الشريعة بجامعة قطر، وأجازها من قبيل المجاملة وحسن العشرة فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله فقال: إنّ تهنئةَ الشّخص المُسلِم لمعارِفه النّصارَى بعيدِ ميلاد المَسيح ـ عليه الصّلاة والسلام ـ هي في نظري من قَبيل المُجاملة لهم والمحاسَنة في معاشرتهم، ويمكن مراجعة ذلك في الفتوى التالية: تهنئة النصارى بعيد الميلاد وطباعة بطاقات التهنئة.
وأجاز الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله زيارة غير المسلم وتهنئته بالعيد واستشهد بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- عاد غلاما يهوديا، ودعا للإسلام فأسلم، وأجاز الشيخ أحمد الشرباصي رحمه الله مشاركة النصارى في أعياد الميلاد بشرط ألا يكون على حساب دينه، وكذلك فضيلة الشيخ عبد الله بن بية نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أجاز ذلك، وطالب المسلمين بأن تتسع صدورهم في المسائل الخلافية.
الرأي الراجح :
أولا: التهنئة لا تعني الرضا بما هم عليه:
يجب توضيح مفهوم مهم جدا يتمثل في أن التهنئة ليس معناها اعتناق عقيدتهم أو الرضا بما يفعلون، أو الدخول في دينهم، وإنما هي نوع من البر ولم ينهنا الله تعالى عنه، يقول الله تعالى:" لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {9}" الممتحنة. وهناك فرق كبير بين الود والبر، وبين اتخاذهم أولياء، ومجرد التعايش السلمي وفق أسس منضبطة ومعاهدات لم تظلم طرفا، وغرضها التعايش السلمي كما فعل النبي-صلى الله عليه وسلم مع اليهود.
ثانيا: التفرقة بين أعيادهم الدينية وغير الدينية:
يجب التفرقة بين أعياد دينية تمثل عقيدتهم، وبين أعياد قومية وهو ما نستشعره في فتوى أعياد الكفار وموقف المسلمين منها ففرق فيها بين " ما هو ديني ـ من أساس دينهم أو ممـّـا أحدثوه فيه ـ وكثير من أعيادهم ما هو إلاّ من قبيل العادات والمناسبات التي أحدثوا الأعياد من أجلها، كالأعياد القومية ونحوها ، ويهمنا هنا عيد الميلاد وعيد رأس السنة" وفي فتوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء لا يرى بأسا من التهنئة والمشاركة في "الأعياد الوطنية والاجتماعية، مثل عيد الاستقلال، أو الوحدة، أو الطفولة والأمومة ونحو ذلك، فليس هناك أي حرج على المسلم أن يهنئ بها، بل يشارك فيها، باعتباره مواطناً أو مقيماً في هذه الديار على أن يجتنب المحرمات التي تقع في تلك المناسبات المجلس الأوربي".
فكأن هناك اتفاق على أن ما كان أساسه دينيا فلا نشاركهم فيه، وما كان أساسه غير ديني فلا مانع من التهنئة، ولكن بالضوابط المشروعة فلا نأكل ولا نشرب مما حرم في ديننا ، ولا نختلط اختلاطا يرفضه شرعنا، ولا نفرط في ملابسنا التي تستر عواراتنا..
ثالثا: التفرقة بين الحكم الفقهي، والفتوى:
يجب أن نفرق بين الحكم الفقهي والفتوى، فالحكم الفقهي منه ما هو ثابت لا يقبل التغيير ولا التبديل، كالأحكام قطعية الثبوت والدلالة، ومنه ما يقبل التغيير وليس بثابت، وهذا يجوز الاجتهاد معه وليس ضده، في إطاره، وليس خارجا مصطدما معه، ومن هنا قالوا ما دام الحكم متغيرا وما دامت الشريعة مرنة تصلح لكل زمان ومكان، فلا مانع من تغير الفتوى.
ويجب دراسة ملابسات الفتوى التي أصدرها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فقد كان عصره مليئا بالحروب، وأي تهاون يعني الرضا بالمحتل، ومن ثم لا بد من اختيار فقهي يحفظ للناس تماسكهم أمام هذا المغتصب.
وفي التشريع الإسلامي نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يختار رأيا فقهيا معينا لضرورة يراها ثم يرجح العكس لأن التربية اكتملت، والعقول فهمت، والنفوس ارتضت دين الله رب العالمين، ومن ذلك زيارة القبور فقد منع الناس منها ثم أجازها، وكثيرا ما نقرأ لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية..
فالفتوى متغيرة ونحن بصدد فتوى فقهية، قد تصلح لزماننا، ولا تصلح لغيره وهذا المدخل هو ما جعل العلامة القرضاوي يذهب لمخالفة ابن تيمية رحمه الله فقال:" يعد تَغيُّر الأوضاع الاجتماعية والسياسية أمر واقع تقتضيها سنَّة التطور، وكثير من الأشياء والأمور لا تبقى جامدة على حال واحدة، بل تتغير وتتغير نظرة الناس إليها..ومراعاة تغيّر الأوضاع العالمية، هو الذي جعلني أخالف شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريمه تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم، وأجيز ذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران في المسكن، والزملاء في الدراسة، والرفقاء في العمل ونحوها، وهو من البر الذي لم ينهنا الله عنه. بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم".
فالمسألة من باب الفتوى وهي تتغير كما هو معروف لدى كل علماء الفقه.
وإزاء ما سبق لا أجد حرجا في التهنئة، خاصة لزملاء العمل، أو الجيران أو من تربطهم علائق خاصة كالمصاهرة وغير ذلك، ولكن بشروط خاصة وهي عدم الاعتقاد مثلهم، أو الرضا بشيء من دينهم، أو شرائعهم المحرمة علينا كما في بعض الأطعمة والأشربة، ولا يصح الاختلاط المذموم، ولا الخلوة بين رجل وامرأة لا تحل له، فضلا عن مس شيء منها.
والله أعلم.
10-06-2008 / 09:34:04 عبد الرؤوف
شكرا أخ أبو محمد على الإجابة الممتعة التي زادتني إصرارا على الحق.
9-06-2008 / 19:32:48 أبو محمد
إن مَن نهنئهم يُجددون ذكرى مولد المسيح عيسى عليه السلام ، الذي يعتبرونه رباً ! وابناً للرب ! وثالث ثلاثة !
أصبحت بصراحة أمل مثل هذه المقالات التي إن قرأتها بسطحية تبين لك أنها جميلة وهي إن تعمقت فيها أقبح من القبح. و عادة يقوم كثير من الكتاب (و للأسف هم كثر) بالبحث عن إبراز موهبتهم التحليلية و قدرتهم على التعليل أكثر من البحث عن إرضاء الله تعالى.
لذلك تجد مقالاتهم متشابهة في أسلوبها الفلسفي العقيم، ممجوجة في تركيبها "المصطنع"...و خبيثة في محتواها.
ليعلم هؤلاء "المفكرون" أن خطبة رضا الحكام لا تجوز إن كانت توجب التلاعب بدين الله، مهما كانت الغاية، و أن الدعوة إلى الخروج عليهم لا تجوز إن لم يأتوا بكفر بواح و حتى إن أتوا به فالأحرى قراءة مصلحة المسلمين قبل كل حركة.
و هنا أقول، هل تستطيع جماعة انشقت من رحم جماعة أقرب منها إلى الخوارج من أهل السنة و راحت تخطب رضى الحكام علّهم يكفرون ذنوبها أن تكون ذات مصداقية و تحترم النقاط التي ذكرت؟ خاصة إذا كانت الوسيلة ركوب الموجة الأمريكية الداعية إلى "عصرنة" الإسلام؟؟!! أترك الإجابة للقارئ.
و بما أنّا أمرنا أن نغير المنكر، أرد على الفتاوى "الضمنية" التي أطلقها الطراولي فأقول بعد التوكل على الله :
أولا، بالنسبة لفتوى رضاع الكبير فهذا استشهاد في غير محله، لا أرى له هدفا غير خلط أوراق المتلقي، و قد بين علماؤنا بطلان هذه الفتوى و ليعلم الجميع أن مصدر هذه الفتوى متفيقه لم يبلغ درجة الصفر من العلم و هو معروف بفتاواه العجيبة. أرجعك إلى رد الشيخ أبي إسحاق الحويني على المسألة.
بالنسبة لاعتبار الغريق خلال هجرة سرية شهيدا فأقول ما سمعت مثل اليوم عجبا!! كيف و قد علمنا من هم المقدمون على شبه الإنتحار هذا، كيف و أغلبهم ممن لا يدينون بالإسلام إلا تسمية؟ و أية ظروف تدفع أحدا للإلقاء بنفسه إلى التهلكة لقاء الدنيا؟ اتق الله و لا تجعل الدين لهوا فهؤلاء ما خرجوا جهادا و لا طلب علم و لا تطببا و لا حتى هم متأكدوون من وجود الرزق هناك! اسئل أبناء جماعتك بالخارج يجيبوك عن وسائلهم.
أما تهنئة الكفار بأعيادهم فلن أتحمل عناء البحث عن حجج فقد أفتى الأحناف و المالكيون و الشافعيون و الحنابلة بعدم جوازها فقل لي على أي مذهب أنت، ما ظني إلا أن تكون من متبعي مذهب "التسامح التونسي"...و إليك دلائل عدم جواز تهنئة الكفار بأعيادهم :
1.مذهب السادة الحنفية :
(قال أبو حفص الكبير رحمه الله : لو أن رجلا عبد الله تعالى خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بيضة يريد تعظيم ذلك اليوم فقد كفر وحبط عمله وقال صاحب الجامع الأصغر إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر ولم يرد به تعظيم اليوم ولكن على ما اعتاده بعض الناس لا يكفر ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة ويفعله قبله أو بعده لكي لا يكون تشبيها بأولئك القوم , وقد قال صلى الله عليه وسلم { من تشبه بقوم فهو منهم } وقال في الجامع الأصغر رجل اشترى يوم النيروز شيئا يشتريه الكفرة منه وهو لم يكن يشتريه قبل ذلك إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما تعظمه المشركون كفر , وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر)ا.هـ
البحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلامة ابن نجيم (8/555)
2.مذهب السادة المالكية :
( فصل ) في ذكر بعض مواسم أهل الكتاب فهذا بعض الكلام على المواسم التي ينسبونها إلى الشرع وليست منه وبقي الكلام على المواسم التي اعتادها أكثرهم وهم يعلمون أنها مواسم مختصة بأهل الكتاب فتشبه بعض أهل الوقت بهم فيها وشاركوهم في تعظيمها يا ليت ذلك لو كان في العامة خصوصا ولكنك ترى بعض من ينتسب إلى العلم يفعل ذلك في بيته ويعينهم عليه ويعجبه منهم ويدخل السرور على من عنده في البيت من كبير وصغير بتوسعة النفقة والكسوة على زعمه بل زاد بعضهم أنهم يهادون بعض أهل الكتاب في مواسمهم ويرسلون إليهم ما يحتاجونه لمواسمهم فيستعينون بذلك على زيادة كفرهم ويرسل بعضهم الخرفان وبعضهم البطيخ الأخضر وبعضهم البلح وغير ذلك مما يكون في وقتهم وقد يجمع ذلك أكثرهم , وهذا كله مخالف للشرع الشريف .
ومن العتبية قال أشهب قيل لمالك أترى بأسا أن يهدي الرجل لجاره النصراني مكافأة له على هدية أهداها إليه قال ما يعجبني ذلك قال الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } الآية قال ابن رشد رحمه الله تعالى قوله مكافأة له على هدية أهداها إليه إذ لا ينبغي له أن يقبل منه هدية ; لأن المقصود من الهدايا التودد لقول النبي صلى الله عليه وسلم { تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء } , فإن أخطأ وقبل منه هديته وفاتت عنده فالأحسن أن يكافئه عليها حتى لا يكون له عليه فضل في معروف صنعه معه . وسئل مالك رحمه الله عن مؤاكلة النصراني في إناء واحد قال تركه أحب إلي ولا يصادق نصرانيا قال ابن رشد رحمه الله الوجه في كراهة مصادقة النصراني بين ; لأن الله عز وجل يقول { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية .
فواجب على كل مسلم أن يبغض في الله من يكفر به ويجعل معه إلها غيره ويكذب رسوله صلى الله عليه وسلم , ومؤاكلته في إناء واحد تقتضي الألفة بينهما والمودة فهي تكره من هذا الوجه وإن علمت طهارة يده .
ومن مختصر الواضحة سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له . قال وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له . ورآه من تعظيم عيده وعونا له على مصلحة كفره . ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئا من مصلحة عيدهم لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من دينهم ; لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك , وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدا اختلف في ذلك انتهى .
ويمنع التشبه بهم كما تقدم لما ورد في الحديث { من تشبه بقوم فهو منهم } ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به . وقد كان عليه الصلاة والسلام يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود إن محمدا يريد أن لا يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه . وقد جمع هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانا إذ أنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم , أو هما معا كان ذلك سببا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق وكثر هذا بينهم . أعني المهاداة حتى إن بعض أهل الكتاب ليهادون ببعض ما يفعلونه في مواسمهم لبعض من له رياسة من المسلمين فيقبلون ذلك منهم ويشكرونهم ويكافئونهم . وأكثر أهل الكتاب يغتبطون بدينهم ويسرون عند قبول المسلم ذلك منهم ; لأنهم أهل صور وزخارف فيظنون أن أرباب الرياسة في الدنيا من المسلمين هم أهل العلم والفضل والمشار إليهم في الدين وتعدى هذا السم لعامة المسلمين فسرى فيهم فعظموا مواسم أهل الكتاب وتكلفوا فيها النفقة..) ا.هـ
المدخل للعلامة ابن الحاج المالكي (2/46-48)
3.مذهب السادة الشافعية :
قال الإمام الدَّمِيري رحمه الله تعالى في (فصل التعزير) :
(تتمة : يُعزّر من وافق الكفار في أعيادهم ، ومن يمسك الحية ، ومن يدخل النار ، ومن قال لذمي : يا حاج ، ومَـنْ هَـنّـأه بِـعِـيـدٍ ، ومن سمى زائر قبور الصالحين حاجاً ، والساعي بالنميمة لكثرة إفسادها بين الناس ، قال يحيى بن أبي كثير : يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة) ا.هـ
النجم الوهاج في شرح المنهاج للعلامة الدَّمِيري (9/244) ، وكذا قال العلامة الخطيب الشربيني في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/191) .
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله تعالى في ( باب الردة ) :
(ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته فقال : ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون وقد قال صلى الله عليه وسلم { من تشبه بقوم فهو منهم } بل قال ابن الحاج لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيا شيئا من مصلحة عيده لا لحما ولا أدما ولا ثوبا ولا يعارون شيئا ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك ومنها اهتمامهم في النيروز بأكل الهريسة واستعمال البخور في خميس العيدين سبع مرات زاعمين أنه يدفع الكسل والمرض وصبغ البيض أصفر وأحمر وبيعه والأدوية في السبت الذي يسمونه سبت النور وهو في الحقيقة سبت الظلام ويشترون فيه الشبث ويقولون إنه للبركة ويجمعون ورق الشجر ويلقونها ليلة السبت بماء يغتسلون به فيه لزوال السحر ويكتحلون فيه لزيادة نور أعينهم ويدهنون فيه بالكبريت والزيت ويجلسون عرايا في الشمس لدفع الجرب والحكة ويطبخون طعام اللبن ويأكلونه في الحمام إلى غير ذلك من البدع التي اخترعوها ويجب منعهم من التظاهر بأعيادهم) ا.هـ
الفتاوى الفقهية الكبرى لللعلامة ابن حجر الهيتمي (4/238-239)
4.مذهب السادة الحنابلة :
(( و ) يكره ( التعرض لما يوجب المودة بينهما ) لعموم قوله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية .
( وإن شمته كافر أجابه ) ; لأن طلب الهداية جائز للخبر السابق .
( ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم ) ; لأنه تعظيم لهم أشبه السلام .
( وعنه تجوز العيادة ) أي : عيادة الذمي ( إن رجي إسلامه فيعرضه عليه واختاره الشيخ وغيره ) لما روى أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا , وعرض عليه الإسلام فأسلم فخرج وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه بي من النار } رواه البخاري ولأنه من مكارم الأخلاق .
( وقال ) الشيخ ( ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى ) وغيرهم من الكفار ( وبيعه لهم فيه ) . وفي المنتهى : لا بيعنا لهم فيه ( ومهاداتهم لعيدهم ) لما في ذلك من تعظيمهم فيشبه بداءتهم بالسلام .
( ويحرم بيعهم ) وإجارتهم ( ما يعملونه كنيسة أو تمثالا ) أي : صنما ( ونحوه ) كالذي يعملونه صليبا ; لأنه إعانة لهم على كفرهم . وقال تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ( و ) يحرم ( كل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم وهو من التشبه بهم , والتشبه بهم منهي عنه إجماعا ) للخبر ( وتجب عقوبة فاعله )) ا.هـ
كشف القناع عن متن الإقناع للعلامة البهوتي (3/131)
9-06-2008 / 13:40:56 عبد الرؤوف
طالعت للدكتور الطراولي في السابق مقالا ـ على هذا الموقع ـ يكاد فيه أن ينادي بإمامة المرأة (الإمامة العظمى) لذلك فأنا لا أستغرب ـ و إن كنت أشمئز ـ لما يعتبر تهنئة الكفار بأعيادهم أمرا جائزا و لما يعتبر أن "الحارقين" القتلى شهداء مع العلم أن أغلب "الحارقين" إن لم أقل الكل من أفسد الناس فأي شهادة لسكير مثلا ألقى بنفسه للتهلكة ابتغاء حفنة دينارات و ربما تزوج بعجوز ليحصل على الإقامة...
أسلوب الطراولي ليس نزيها فهو يخلط هذه الفتاوى السابقة بفتوى إرضاع الكبير التي رد عليها العلماء و أمرها واضح و هذا لن يزيد إلا تلبيسا على الناس!!!
14-06-2008 / 21:14:51 أبو محمد