د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 204
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أعيد إلى الذاكرة مقالا لي نشرته جريدة القدس العربي .. لأضيف بعض أفكاري الجديدة بمناسبة عودة ترامب المتوقعة إلى الرئاسة الأمريكية أمام دهشة العالم لما حدث له من محاولة اغتيال لقطع وصوله إلى البيت الأبيض إلى الأبد، بعد أن بسطت العراقيل القضائية والترسانة القانونية في طريقه لمنع ترشحه.
(١) المقال:
لو سهّلنا على ترامب فهم الإسلام لوفّرنا على أنفسنا وعليه مقاومة الذي يسمّيه وغيره خطأ بالإرهاب، ويعاديه انطلاقاً من كونه «إسلاميا»، وإن الإسلام هو بالضبط تقريباً في المسلّمات الاقتصادية والاجتماعية التي يؤمن بها هو، وهي المال والعمل. والمال عماد حرمة الذات البشرية في النفس والعرض وغيرهما من القواعد الخمس الفطرية في كل إنسان.
وتذكيره بأن ما عرفه الرئيس ريغان قبله من الإسلام هو فقط نظرية ابن خلدون، في أن الثورة تزيد بالإنفاق من المال إذا قلّت الضرائب على أصحابه كلما زاد صرفهم منه. وأن ما ينبغي أن يعرفه هو من الإسلام، أو بالأحرى المال في الإسلام، هو تصريفه له في الربح والخسارة لا تصريفه في الربح فقط وهو الربا. ومن السهل عليه معرفة ذلك مقـارنة بنفسـه، وهـو المعروف بروح المغامرة في المـال لتثميـره. حتـى لكأن الذي بعثه على الوصول إلى ما وصل إليه بالترشح لتولي الرئاسة عوّل فيه على ماله القليل ليصل بالاقتصاد الأمريكي إلى المال. وهو عصب الدولة كما يعرفه وكما هو في الإسلام، ولكن مع الفرق وهو أنه في الإسلام من المال الحلال (Halal) كاللحم، إذ كل ما يؤكل أو يحب حلال أو حرام. وليس من المال الذي لا يزكَّى عنه أو غير المبذول منه للصدقات لمن تجوز في حقهم ممن ذكرهم القرآن وعدّدهم، وتقوم الخيريات الأمريكية أو الوقفيات، المسماة بالمؤسسات (Trust أو Foundation) منذ دهور بحمْل العون والمساعدة صدقة لهم أو هبات لهم. أما العمل وهو قاطرة المال فالأمر مقرر في الإسلام: من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره. أي كل عمل له جزاء بدقة المثقال، كوزن الذهب. ومن لا يعمل فعليه ضريبة يدفعها للدولة حتى يجد عملاً لنفسه أو تدفعها عنه أمه أو أبوه، فإن لم يكن فوليّه؛ حتى لا يبقى عالة على المجتمع إن لم يكن ممن يقوم بحق قوته وملبسه وحفظ نفسه أهل الخير والبر والصدقات. ويقوم على ذلك من يسمّون في المجتمع الإسلامي أصحاب الشرط (بضم الشين وتشديدها) والحسبة، أي القائمين على حفظ النظام والحقوق؛ ويَرفع أمره إلى صاحب المظالم إذا تظلم إليه من أمير الشرط أو الحسبة أو من الوالي على أمرهم نفسه. وهذه الضريبة من المال رمزية ولكنها عادلة لكي لا تبعث على الكسل والتواكل ولا يبقى فيها – أي في الأرض – من لا يسعى وسعيه سوف يُرى ويَدفعها راضياً أو كارهاً ما دام قادراً على العمل مستطيعاً بذاته على الإيفاء بحاجاته من الحياة. أما البقاء كما هو في الأنظمة الحديثة للدول المتخلفة عن ركب الإسلام أو ركب الحضارة، يسأل الناس الجِداية أو المعروف وهو من غير أهلهما، فجزاؤه العقاب لأن العمل هو من دينه وحفظ نفسه وعرضه وليس منحة من أحد يعطيها إياه من حرّ ماله وضرائبه أو يشجعه الحاكم على تنفيله منها، بحط الضريبة عليه باعتبار دخله المحدود، أو - أسوأ - عدم الدخل.
وربما ترامب لو فهم هذا لوجده في نفسه قبل أن يفهمه من الإسلام، لأن صاحب المال والأعمال يكره أكثر ما يكره أن يزكي من ماله لصاحب الضرائب ويجد الكسالى وغير العاملين سفاهة وجهلاً يأخذون من ماله، ويعفون من كل واجب إزاء دولهم، كالجندية كذلك التي لا تجد منهم من يخزيه عدم القيام بها. بل قيمة العمل في الإسلام ما يحسنه منه المرء، كما قيل على لسان أحد خلفائه وكُتب قوله على واجهة معهد العالم العربي في باريس. ولدى ترامب في أمريكا وفي أوروبا من العلماء في الشرقيات، إسلامهم وحضارتهم، من يأتيه بالخبر اليقين، بأنهم أحدثوا في المعاملات مع الأمم، سلماً وحرباً وهدنة ومودة، القواعد والسياسات على مقتضى دينهم، لإحكام السِّيَر ما يرادف العلاقات الدولية حديثاً والحضارة بهم ومعهم، في أيام دولتهم شرقاً وغرباً، على اختلاف نظمهم في الحكم ومذاهبهم المتنوعة في الاجتهاد والرؤية.
ولا يزال المسلمون في شتى أركان الأرض، حكموا الدول أو محكومين فيها يمدّون البشرية بأفضل ما عندهم من العطاء والأمن والرخاء، شأن الدول التي تجمعهم وإياهم قيم التعاون والتمانع والاحترام. والفتوحات الإسلامية، قبلها وبعدها فتوحات كثيرة تحمل مثلاً عليا أو ما أشبه ذلك، كحملة الإسكندر أو بختنصر أو المغول وإنْ التبست بالخراب والتدمير، ولكنها ليس كحملة نابليون أو الغزو الاستعماري الأوروبي والذي ذاقت منه أمريكا نفسها، ولم يحمل المسيحية السمحاء وإنما حمل نزوات بعض ملوك أوروبا وأطماع باباواتها. والحركات المسلحة القائمة اليوم في العالم باسم الإسلام باستثناء المتطرفة منها، هي تغيير للأوضاع بعد استعمار بائس ودويلات قسمها على قدر ذراعه لتكون كالقاطرة في ركبه وهو في الرأس. ومن حق ترامب أن يميز بين ما يخدم منها دكتاتوريات جديدة متسترة بالدين وما يخدم الإسلام حقيقة. ونعت الإسلام بالإرهاب مجاز، لأنه يعرف أن كل منعوت قد لا يصدق عليه المنعوت به. ونعرف كلنا في اللغات أن الإضافة غير لازمة للمضاف إليه وربما تكون من الإضافة المدّعاة عليه بغاية التنقّص منه ظلماً وعدواناً، أما المنعوت في حقيقته فهو مجرد أو بعكسه أسمى، ولكن للتعلق به بسبب سلوك معين ممن ينتسب إليه. وهنا ينبغي التمييز ولا يؤخذ البريء بذنب المسيء. ومعروف في الإسلام وفي القوانين عامة أن المسؤولية فردية، إلا في حدود عقاب الله، فإن الأقوام السالفة أخذها الله بالعذاب جملة بفسق المكذبين فيها برسله إليهم للعبرة بهم للعرب الذين ميّزهم، لأنهم آخر المنزّل لهم من رسله، فرفع عنهم العقاب الجمعي لإقرار دينهم الختامي في الأرض عن طريق المؤمنين به عامة والمؤمنين عامة بالأديان الثلاثة. وإنما الإسلام يرهب الأعداء دفاعاً على النفس ولكنه الإسلام الحقيقي لا المزيف بإرادات بعض أعدائه لمحاربة نفسه بأبنائه. ولو قلنا إن ترامب ينتخبه الأمريكيون في مواطنهم ليفوز ولكنه لا ينجح إذا لم يفهمه العالم أو يفهم هو العالم عبر سياساته لا عبر حملته الانتخابية، لم نبعد لأنه بالمسؤولية يكرم المرء أو يهان. وبإمكانه أن يتعظ بخلفاء سابقيه من رؤساء أمريكا الكبار، لا بالنجاحات التي حققوها وهماً على الإرهاب في العراق وفي أفغانستان، ولكن بالمآسي التي أحدثوها لأمريكا، بالشناعات التي ارتكبوها وجنودهم، بسوء تعاطيهم مع سائر الأمم في العالم لمنحها ما منحه إياها الله من حق الوجود الحرّ الذي اختاروه ونمط العيش المعقود بناصية ذاتهم وإيمانهم. وفي الأرض متسع، أو كما قال الشاعر: وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى مُتعزّلُ لعمْرك ما بالأرض ضيق على امرئ سرَى راغباً أو راهباً وهو يعقلُ
(المقال المومأ إليه: ترامب والإسلام، مؤرخ في21 - نوفمبر - 2016) كاتب تونسي ترامب والإسلام الدكتور المنجي الكعبي
(٢) الإضافة:
فهو من قال لإسرائيل لأول مرة بعد أن زارها إثر زيارته للسعودية متعجبا من تقدمها التكنولوجي والاقتصادي إنه تقدّم مدينة به للولايات المتحدة الأمريكية وأن عليها بالمقابل أن ترد الدين.
ولا نعجب أن أمريكا بعد التعافي بما حدث مع الإسلام في 11 سبتمبر أصبحت أكثر حرصا على صداقة المسلمين واحترامهم في دينهم وحقوقهم في جميع بلادهم وفي الأرض المقدسة خصوصا.
ولا ننسى تعامل الكبار مع الكبار ، فإن محمد علي والي مصر العثماني خلّد ذكره بإهدائه لفرنسا أطول مسلة في تاريخ الفراعنة لتنتصب على قاعدة ضخمة في بقلب العاصمة الفرنسية باريس، بساحة الكونكورد «الوفاق».
وها هي إسبانيا اليوم التي لها تاريخ طويل مع المسلمين تستبق الدول الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطين في أراضيها المحتلة من إسرائيل. فهل يطلب منها أكثر لاحترام الإسلام والمسلمين بمثل هذه اللفتة القديمة من غرناطة المسلمين وغرناطة الإسبان وارتبطت بها حضارة الأندلس والإيبيريين بالتي هي أحسن (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
فالأوروبيون بعقيدتهم المسيحية لم يقووا على إسرائيل، وهو بعقيدته المسيحية الإنجلية التوراتية استطاع فرض نفسه على القدس. فدخل مظفرا بسفارته ليعيدها إلى ديانات أصحابها الحقيقيين لا إلى المتطرفين الصهاينة الذين أصبحوا يلوون العصا في يد البيت الأبيض. فترامب يريد نفسه أقوى بإيران ومصر وتركيا في الشرق الأوسط منه بإسرائيل وحدها التي تحسد كل العالم على موقعها في قلب العرب والمسلمين للإطاحة بهم ونفي وجودهم من الأرض جميعا لحسابها وحدها.