فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 123 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الموجودات التي تتعايش من الفكرة لصيقة بها، تمثل منافسة للمعاني التي تروج لها تلك الفكرة
وهذا يصح في التنظيمات الحزبية والجمعيات ولكنه يصح أكثر في الأشخاص الذي يروجون لفكر ومعاني ما كالزعماء والشيوخ والدعاة
يبدأ الموجود المادي أكان تنظيما أو شخصا، مجرد ناقل للفكرة ووعاء مروجا لها، لكن بمرور الزمن يتحول لموضوع ومحل تسقط الفكرة عليه وتختزل فيه، ثم يتزايد الأمر فينتهي التنظيم والشخص ممثلا للفكرة ومجسدها الواقعي وهو المستوى الذي تغيب فيه الفكرة عمليا، ساعتها يتحول الشخص أو التنظيم لمقبرة دفن الفكرة لأنها انتهت ولم تعد موجودة، لكن رغم ذلك يتواصل توظيفها وتوظيف معانيها التاريخية السابقة، للعمل بها، لأنها مصدر وجود التنظيم وهي سبب شهرة الزعيم والشيخ والداعية
هناك إذن انحراف بالفكرة نحو أداة تمثيلها المادي، وهذا فعل انسحابي يتكون بمرور الزمن ويتسارع على حسب عوامل تخص رسوخ الفكرة ومدى التشبع بها لدى الناس ومدى قابليتهم للانحرافات عن الفكرة والتبعية للقيادة والتوجيه من الأشخاص
------------
تفسير هذا الإنحراف أن التصاق الفكرة بموجود مادي كتنظيم أو شخص، يجعل الفرد إزاء مستويين: الفكرة والتمثيل المادي للفكرة، أي أنه هناك موجود مادي وهو التنظيم أو الشخص، ثم خلفه موجود لامادي وهو الفكرة ومعانيها
الإدراك البشري يتعامل مع الماديات بيسر وبقدرة على التمثل والاستيعاب أكثر من تعامله مع اللاماديات المجردة، لذلك تستعمل نظم التعليم المجسدات المادية (أقراص، أعواد...) لتمرير الأفكار المجردة في فترة الدراسة الأولى مع الأطفال
ورغم أن قدرات الفرد على استيعاب المجردات والتعامل معها تتحسن بمرور الزمن وتزايد النضج، فإن الناس تبقى لديها تفضيلات استيعابية للماديات في مستوى إدراك دلالتها وسرعة عملية الإدراك مقارنة مع المجردات
واختلاف إدراك الماديات عن اللاماديات سببه عوامل ذاتية حيث يتباعد الناس في القدرات الذهنية والمستوى العلمي والقابلية لتوفر عوامل البحث والنظر الذهني
وسببه عوامل أخرى منها أن المستوى المادي من الموجود أي التنظيم أو الشخص يقوم في سياق فعله بإنتاج معاني متعلقة به هو كتنظيم وكشخص مستقلة عن معاني الفكرة التي يفترض أنه يتحرك من أجلها، مثل معاني أهمية التنظيم وأنه ضمان الوحدة وأن الزعيم هو القائد وتستدعى شواهد حول أهمية القيادة، فتتكون منظومة معاني أخرى تنافس معاني الفكرة الأصلية التي من أجلها وجد التنظيم والشيخ الزعيم
يكون نتيحة هذا أن الفرد المتلقي تصله معاني متعلقة بطرفين، معاني متعلقة بموجود مادي وهو الزعيم أو التنظيم، ومعاني متعلقة بتجريد فكري وهو المبدأ الذي من أجله أساسا تمت العملية كلها
لكن كتلة المعاني التي تصل الفرد ليست متجانسة وليست سواء من حيث مُعينات الإدراك لديها، لأن المعاني المتعلقة بالجانب المادي أي المتعلقة بأهمية التنظيم والزعيم تكون متصلة بمحددات مادية، بينما المعاني المتعلقة بالفكرة الأصل تكون مجردات غائمة، فيكون نتيجة ذلك أن الاستيعاب اليسير نسبيا للمعاني المؤدية للتنظيم والزعيم يضعف استيعاب المعاني المتعلقة بالفكرة ويعمل على تغييبها، وبتوالي الزمن تندثر الفكرة المحورية ويتحول الزعيم والتنظيم لمحور الفعل
وهذا ما نلاحظه في التنظيمات الطائفية كتلك التي تمارس الدروشة الصوفية ولكنها موجودة بأقدار معينة في التنظيمات الحزبية التي تتخذ عقائدا ما مرجعا، وهذا يصح في التنظيمات الإسلامية والقومية واليسارية