فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 285 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في واقعنا يحصل أن نفس الحدث يصدر من طرفين، لكن التفاعل يختلف
ويحدث أن أحدهم يكتب مقالا فيلقى إقبالا وغيره يكتب مقالا مشابها أو أفضل منه ولايلقى نفس الإقبال
دعونا نفسر هذا السلوك
- الناس في عمومها لا تتعامل مع المعنى الأصلي لأحداث الواقع وتفاصيلها وإنما تتعامل مع صورة منها، أي أنها تتعامل مع استيعابات تكوّنت قبل الوصول للفرد حول ذلك المعنى
لذلك ما يتم التعامل معه هو خليط من انطباعات وتصورات حول الحدث أو الفكرة وبالتالي حول الواقع، أي زوايا نظر للمعاني، وليس الواقع في حقيقته
- مفاد هذا أن ما يصل لنا ليس المعنى الأصلي وإنما هناك مساحة وسيطة ساعدت في تغيير المعنى الأولي، يمكن القول أننا إذن نتعامل مع معنى محرف
لكن هذا المسار لضياع المعنى يكون في حالات شبه لازم لكنه في حالات أخرى ليس كذلك
- المساحة الوسيطة المسؤولة على تحريف المعنى والتي توجد بين مصدر المعنى ومتلقيه، تكون إما خارجة عن الفرد المتلقي وإما تحت سلطته
أولا حينما يكون المعنى متعلقا بحدث مادي فإن سلسلة معالجة المعنى فيها على الأقل جزء يوجد بالضرورة خارج نطاق الفرد، بالتالي ضياع المعنى أمر لازم لأنه سيكون مسارا فيه حلقات لاتطالها قدرة الفرد، فهنا ضياع للمعنى بسبب خارجي عن الفرد
أي أن تفسير حدث سياسي أو ثقافي أو اقتصادي، سيكون فيه اختلافات للمعنى بالضرورة حتى في أدق التفاصيل بداهة واتفاقا
ثانيا حينما يكون المعنى متعلقا بفكرة، مثل قراءة مقال أو كتاب أو سماع كلام أحدهم
في هذه الحالة سلسلة انتقال المعنى بين المصدر والمتلقي لايوجد فيها طرف خارجي، فيفترض أن المعنى المرسل من المقال أو اللقاء الاذاعي أو التلفزي يكون هو ذاته عند المتلقى
لكن الناس عادة لا تتلقى المعنى بدلالته المفترضة ابتداء، فتتجاهله أو ترفضه لغير محتواه
هذا يعني أنه يوجد ضياع للمعنى المرسل، إذن هناك معالجة ما للمعنى في مرحلة ما من مسار انتقال المعنى ساهمت في تلك النتيجة
بالتالي توجد عوائق ليست خارجية ساعدت في تحريف المعنى، وهذه تحدث بفعل قصد ذاتي من الفرد تنتج امتناعا عن مسايرة المعنى الذي ينتجه مصدر ذلك المعنى
------------
لما كان الفرد التابع لايظهر امتناعا ضد معاني أخرى مماثلة (فهو يقرأ مقالات مماثلة ويتفاعل معها، ويتابع رموزا سياسية أو ثقافية أخرى ويتفاعل معها، ويشاهد أعمالا تلفزية مشابهة بقنوات تلفزية أخرى...)، هذا مفاده أن الرفض لايتم بسبب موضوعي متعلق بمعالجة المعاني وإنما لسبب آخر
الرفض إذن ليس بسبب خارج عن سلسلة نقل المعنى ثم هو ليس متعلقا بسبب موضوعي يدور حول المعنى، إنما هذا السبب من نوع آخر إذ هو نوع من الخضوع الذهني التلقائي يبديه الفرد وينتجه فيعطى له ممكنات رفض استيعاب المعاني الواردة إليه، وهو يعطل مسار المعنى في انتظار إشارات ترده من الغير على ضوئها يتصرف
- الفرد التابع إذن يرفض أن يتصرف مباشرة مع المعنى الوارد، وإنما يمرره على مرشحات أخرى على ضوئها يتصرف
أهم مرشحين يلتجئ إليهما الفرد لتقييم المعنى الوارد، هما: ناقل المعنى، مسار المعنى
أولا ناقل المعنى يمكن أن يكون منتج المعنى في حالة الكتابة ويمكن أن يكون مروجا في حالة الأعمال الفنية أو الفعل السياسي
الفرد في هذه الحالة ينظر هل هذا الناقل ينتمي لمجموعة نمطية (حزبنا، عشيرتنا، وطننا، من ديننا) متعارف عليها لديه تقبل بهذا الوافد الجديد أي صاحب المقال أو البرنامج السياسي أو التلفزي، فإن كان نعم انضم للمتعارف عليه وإلا فهو يرفض أن يكون مبادرا بفعل تزكية معنى جديد، فيتجاهل ذلك المقال أو البرنامج
ثانيا مسار المعنى يقصد به الطريقة التي يعتمدها المعنى في الوصول للفرد، هل هي طريقة تمر من خلال المسارات النمطية المعتادة من إعلام وندوات وصفحات ومجموعات تقربنا وتدور في فلكنا، أو أنه معنى يدخل من باب أو نافذة جديدة
الفرد من النوع الذي نتحدث عنه، يرفض أن يزكي أو يغامر بتقييم معنى ورد إليه بطريقة غير نمطية، فيفضل تجاهله في انتظار ماذا سيقول غيره حوله
- إذا أردنا أن نُنَمذِج هذه الأفكار بطريقة منهجية، يمكنني أن أقدم معادلة حول مايمكن تسميته الخضوع الذهني التلقائي
فيكون المعنى الصادر من الفرد حول فكرة ما (أي موقفه من مقال أو من لقاء تلفزي)، يساوي المعنى الوارد مضروبا في واحد إلا مضروب عامل ناقل المعنى مضروبا في عامل مسار المعنى
نقدم الترميز التالي:
المعنى الوارد: م.و
المعنى الصادر: م.ص
عامل ناقل المعنى: ن.م (قيمته ما بين صفر وواحد)
عامل مسار المعنى: م.م (قيمته ما بين صفر وواحد)
م.ص=م.و * (1- ن.م * م.م)
-تطبيقات هذه المعادلة تثبت صوابيتها بدرجات كبيرة
حينما يكون الفرد متحررا من التأثيرات سيكون العاملان منعدمين، ويكون المعنى الصادر هو المعنى الوارد
أي : م.ص=م.و
حينما يكون تأثير ناقل المعنى ومسار المعنى أي الطرق النمطية، كبيرا على الفرد، فإنه لايأخذ مأخذ الجد أي كلام ما دام لم يكن من تلك المصادر
في أقصى حالات التبعية الذهنية للفرد، يكون ضارب : (ن.م * م.م) يساوي واحدا
ويكون: (1- ن.م * م.م) صفرا
وتكون معادلة المعنى الصادر، صفرا
م.ص=م.و * (1- ن.م * م.م)
أي : م.ص=م.و * (0)=0
أي في أقصى حالات التبعية الذهنية التي ينتظر فيها الفرد التابع للطرق النمطية المتعارف عليها حتى يقرر رأيه في المعنى، يكون المعنى الصادر لا شيىء، أي أن الفرد لاينتج معنى
مابين الحالتين القصويين أي التحرر الكامل والتبعية الكاملة، تكون : (1- ن.م * م.م) أقل من واحد وأكثر من صفر، وهنا مفاده أن المعنى الصادر أقل من المعنى الوارد على أية حال، وهو نوع من الخضوع الذهني التلقائي الذي فضله الفرد التابع السلبي