فهم الأحداث من خلال التحيّز يغيّب عنّا الحقيقة: نموذج الحالة السورية
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 100 محور: مختلفات
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
العديد يتعامل مع أحداث سوريا بالقول في معناه: انظر النظام السوري الذي قتّل الملايين من شعبه وقذفهم بالبراميل المتفجّرة
ولشدة ترديد هذا الكلام أصبح مسلمة لا اعتراض عليها
يجب أن أقول بداية أن الموضوع ليس الحالة السورية لذاتها، وإنما هي عينة بارزة لفكرة أريد نقاشها وهي التحيّزات وخطرها علينا حين نريد الفعل في الواقع
--------
النظام السوري مجرم قتل شعبه بالبراميل، وكلّ هذا الذي يقال حين نقاش الموضوع السوري، كلام صحيح وحقيقة، لكن المشكل أن ذلك بعض من الحقيقة وليست كلها كما يراد الإيهام، بالتالي ما يردد هو عرض جزء من الحقيقة وتجاهل أجزاء أخرى
لأن ما يقال هو مرحلة النتيجة، وهو يمثل نتيجة مسار سابق من التقاتل تدخلت فيه دول عديدة
فالنظام السوري لم يلجأ لقصف المدن إلا بعد أن استولت عليها المجموعات المسلحة التي تدعمها ومولتها السعودية وقطر وتركيا
لذلك ما حصل بسوريا هي حرب فيها طرفان، من جهة: النظام السوري وحلفاؤه أي إيران وروسيا وحزب الله، ومن جهة ثانية: قطر والسعودية وتركيا وبعض الدول والمجموعات المسلحة التي توافدت بكثرة على سوريا
إذن ملايين السوريين الذين قتلوا وشردوا ليسوا بفعل النظام السوري فقط وإنما بفعل التدخل السعودي والقطري، بل إن الموضوع من زاوية الأسباب كان بفعل التحريض الاعلامي والدعوات الموجهة للمجموعات المسلحة للتوافد لسوريا، أي أن سبب التقتيل الكبير (*) كان بفعل القنوات التلفزية التي تولت التحريض وأولها "الجزيرة" و"العربية" وغيرهما، وكان بفعل دول انخرطت في مشاريع سياسية لتغيير انظمة ومنها النظام السوري، وبفعل فتاوي رعتها رموز إسلامية حرضت على تقتيل السوريين
وإذا كنا موضوعيين فعلينا كل مرة نستدعي فيها المأساة السورية، أن نذكّر بإجرام قطر والسعودية وتركيا وقنوات الجزيرة والعربية، إضافة لإجرام النظام السوري وإيران وحزب الله، واشتراكهم كلهم في تقتيل السوريين
--------
الان حينما نخرج من العينة السورية ونمرّ للفكرة المراد نقلها عموما، فسنجد أن ما كنت أذكره هو المسار الواقعي للأحداث، وهو حقيقة مستقلة عن رغباتنا، ونحن لكي ندرك الواقع علينا أن نفهم مساره الموضوعي كما هو وليس من زاوية رغباتنا وكرهنا وحبنا ومواقنا المسبقة
الخطر في التعامل التحيّزي أن ذلك يمنعنا من استيعاب الواقع كما هو، ويجعلنا نتعامل مع نسخة متوهمة منه
من مصلحتنا فهم الواقع حتى وإن بدا معارضا لمواقفنا، بالمقابل إن بقينا نرتدي نظارات التحيزات المسبقة فذلك سيكون سببا لإضعاف فاعليتنا في الواقع لأننا نتعامل انطلاقا من أوهام لا علاقة لها بالحقيقة
------
(*) لا أتحدث عن بداية الانتفاضة السورية التي قتل فيها النظام القمعي السوري بعض السوريين، وإنما أتحدث عن المراحل الأخرى التي تحولت فيها الأحداث لمسار تقتيل وتشريد الملايين وهي المرحلة التي شهدت التحريض والتدخل الأجنبي