"نخب" الجمود الذهني، وفلسفة ذلك ماوجدنا عليه آباءنا
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 138 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أغلب الفواعل المفكرة (النخب) التي يتابعها الآلاف والذين يمثلون قدوات بما يكتبونه، هم بعض أسباب تواصل مشاكلنا
وسأحصر التناول في أولئك الفواعل الذين لهم تأثير في مساحة ذوي التوجهات الإسلامية والثورية عموما
نخبنا هؤلاء ليسوا منتجين للفكرة وإنما هم مروجون لأفكار وتصورات ورثوها من غيرهم، لأنهم نماذج للفرد التابع، لذلك تتّسم علاقتهم بالمعاني التي ينشرونها بجمود ذهني، مما يجعلهم يروجون تصورات أُشربوها وتلقوها بتسليم مثل ما يتلقى صاحب العقيدة الملتزم عقيدته، ثم هم لايراجعون ما تلقّوه ولا يطرحون الأسئلة حوله، بل إنهم يمرّون سراعا لنشر تلك التصورات والدفاع عنها بحميّة أين منها حميّة متعصبي التنظيمات العقدية
سأقدم نموذجا للتصورات التي يروجها هؤلاء وتمثل محور كتاباتهم، من دون أدنى مراجعة لها
-----------
هؤلاء يقولون أن الصراع المبني على محورية التوجهات العقدية (الإيديولوجية)، صراع عقيم وأنه "نشاط الحمقى والأغبياء"، وأن قضايانا الحقيقية هي الإقتصاد والتعليم والصحة والنقل، وليست العقيدة التي حسمها الدستور
ولأن هؤلاء النخب لاينتجون الفكر ولا يعيدون النظر في مسلمات ما يقال لهم، فإنهم لم يستوعبوا أن أي واقع يتحرك وجوبا في أفق تأطير مركزية عقدية عليا، وأن الإقتصاد والسياسة والتنمية هي نتيجة لتوجيهات تصورية أولية وهي بالضرورة عقدية
وهم لذلك لم يدركوا أن كلامهم في حقيقته لا يدعو لعدم الخوض في الصراع العقدي، وإنما هو يقول بالإبقاء وبعدم مراجعة التأسيسات العقدية الحالية لتونس الحديثة التي صممت للدوران حول المركزية الغربية، إذ رفض العقيدة هو عقيدة مقابلة
ولأن هؤلاء النخب ينطلقون من وثوقية في تصوراتهم وهي سمة الفرد التابع ممن لا ينتج المعنى، فهم لا يتوقفون ويطرحون الأسئلة حول احتمالية أن يكون كلامهم يحتمل الفساد، لذلك يواصلون ترديد نمطية أن المسألة العقدية لايجب أن تطرح، مما ينتهي بهؤلاء الفواعل لأدوات تكريس البناء التصوري العقدي الموجه لتونس الحديثة منذ عقود، ويجعلهم حواملا لتبرير والاقناع بالتبعية للنموذجية الغربية
----------
هؤلاء النخب يريدون منا فقط أن ننظر في تفاصيل الأحداث السياسية والاقتصادية والإجتماعية، ونستغرق في أشخاصها وتفاعلاتهم البينية ونفاضل بينهم، ونفاضل بين مختلف مراحل حكم تونس
هؤلاء يريدون منا أن ننظر في كيفيات الواقع وفي مستوى النتيجة
بالمقابل فإنهم لايريدون منا أن ننظر في مستوى أسباب مشاكل واقعنا، لايريدون منا أن ننظر في أسئلة إيجاد واقعنا (متى، لماذا، من..) وليست أسئلة الكيفيات مثلما يصرون (كيف)
هؤلاء لايريدون منا أن ننظر في البدايات بغرض فهم المنظومة التصورية التجريدية المنتجة لواقعنا، لذلك هم قدّروا أن ذلك نظر عبثي
من هذه الزاوية، فإن هؤلاء النخب هم الوجه الآخر للأدوات التي تحكمنا وتعمل على إقناعنا بالواقع، إنهم الشق الإسلامي من منظومة منتسبي فرنسا وضحاياها، وهؤلاء حصل انفعالهم والتأثير عليهم بطريقتين:
أولا: عن طريق منظومات التعليم الجامعي شق الإنسانيات الذي يروج للنموذجية الغربية أنها حتمية وأن القبول بها هو مسار علمي
ثانيا: مثّلت سجون بن علي أداة لعمليات تحويل ذهني لبعض الإسلاميين، وقد خرج العديد من تلك السجون بقناعات مغايرة بدرجات لما كان يحمله من قبل
وأخطر أولئك، من حدثت لديه قناعات جديدة تقول بالنموذجية الغربية وحتميتها بزعم القيم الكونية الإنسانية، وبعبثية الصراع العقدي، الذي يعنى صوابية تأسيسات تونس الحديثة وبالإبقاء عليها
وحاليا، العديد من رموز الإسلاميين وكتّابهم هم من هذا النوع، وهم ينقلون قناعاتهم الجديدة للأتباع الذين يتشربونها ولاينتبهون لخطورتها
وهؤلاء هم حقيقة حلفاء موضوعيون لسادة الواقع، يدخلون للصف الإسلامي والثوري عموما ويؤثرون فيهم من باب الثقة والإطمئنان إليهم