كلّما ضعفت الفكرة داخل التنظيمات كلما تحولت لطائفة: الحركات الصّوفية، الحزب الشيوعي، النهضة ....
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 135 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تبدأ التنظيمات في أول وجودها وعاء لخدمة فكرة ما والترويج لها، ثم بمرور الزمن يضعف حضور الفكرة الموجهة ويقلّ الإنضباط بها، بالتوازي تنشأ مساحات أخرى تدور حول معاني أهمية الرموز المؤسسة ويتحولون لموضع تركيز الأتباع
فيقع توجيه جزء من مجهود خدمة الفكرة التي أسس حولها التنظيم ابتداء، نحو مجهود خدمة الزعيم والشيخ والقائد والرموز عموما
وبمرور الزمن يتم التعامل مع تلك الرموز أنها تجسيد للفكرة المراد خدمتها من خلال التنظيم، فيقع اختزال الفكرة في الفرد ويتحول لمجسّد لها، وهنا ندخل مرحلة الإنحراف عن الفكرة المحور والإبتعاد عنها
ثم يتمدد الإنحراف وتتّسع مساحة التبجيل المبالغ فيه، فتطال إضافة للرموز المؤسسة، القيادات الوسطى، ثم تصل لتبجيل التنظيم ذاته
في هذه الحالة تكون الفكرة المفترض خدمتها من خلال وجود التنظيم وكل هؤلاء الرموز، تكون عادة شبه غائبة، لأن مجهود خدمة الفكرة توزع لخدمة الأفراد والتنظيم
وحينما تضعف الفكرة وتكاد تندثر، يتحول التنظيم لمجرد وعاء لخدمة أفراده والحفاظ على شكل التنظيم ووجوده، وهذه هي مرحلة الطائفة، وهو تحول الهيكل التنظيمي لخدمة المنتمين له لاعتبار انتمائهم وليس لاعتبار أفكارهم، والدفاع عنهم من دون سند فكري
في هذه المرحلة من ضعف الفكرة، فإنها تتحول من عقيدة لهوية شكلية أي دالة لترميز الإنتماء الظاهري
-------
وهنا يمكن أن أقدم هذا الكلام في صيغة قاعدة وهي أن مجهود خدمة الفكرة داخل التنظيمات، يساوي واحدا مقسوما على مجهود خدمة الرموز والتنظيم
وهي نفس القاعدة من زاوية أخرى، التي مفادها أن مجهود خدمة التنظيم ورموزه تساوي واحدا مقسوما على مجهود خدمة الفكرة
ذلك يعني أنه كلما كان مجهود خدمة الفكرة كبيرا ضعف مجهود خدمة الرموز داخله، لأن التركيز منصب على الفكرة
بينما حينما يتقوّى مجهود خدمة الرموز والقادة والتتظيم، فإن مجهود خدمة الفكرة يضعف
----------
هذه القاعدة تصح على عموم التجارب مع التنظيمات التي تبدأ لخدمة فكرة ثم تنتهي للإنحراف لخدمة طائفة أو ما يشبه طائفة أو رموز أو تنظيمات
بعض نماذج ذلك:
- الحركات الصوفية التي تنتهي سريعا لخدمة رموزها المؤسسة
- الحركات السياسية اليسارية والشيوعية تحديدا التي انتهت بجعل مجهود خدمة التنظيم (الحزب الشيوعي والمكتب السياسي) مقدما على خدمة الفكرة، وهذا الإنحراف هو إحدى أسباب تفكك الإتحاد السوفياتي
- حركة الإخوان المسلمون التي جعلت خدمة الننظيم ثم الإعلاء من صورة رموزه المؤسسة وعدم معارضة أفكارهم، مانعا من تجديد الفكرة وخدمتها، فكان ذلك سببا لعقم الفاعلية واتجاه تنظيم الإخوان المسلمين نحو الإندثار
- حركة الإتجاه الإسلامي / النهضة بتونس، التي سرعان ما تم الإبتعاد داخلها عن خدمة أفكارها المؤسسة، من خلال نشوء رموز وقيادات عُمل على خدمتها، ثم تكاثرت الرموز الواجب عدم الإقتراب منها وتنزيهها
في الاثناء، ضعفت الفكرة المؤسسة وهي خدمة المشروع الإسلامي، لدرجة أن تحول ذلك التنظيم وعموم رموزه الذين يعمل على تنزيههم ابتداء، لخَدَم لدى أعداء المشروع الإسلامي، أي الغرب ومنتسبيه المحليين، ولأن الفكرة غائبة لدى هؤلاء فإنهم لم يدركوا إنحرافاتهم تلك
ثم تحوّل تنظيم النهضة لكيان متضخم وظيفي دوره خدمة الواقع ومصالح الغير المغالب، وهذا وضع غريب أن ينتهي تنظيم ما لخدمة ما يفترص أنه وجد لرفضه، سبب ذلك هو الإنحراف الفكري الذي حوّل التنظيم الفكري لما يشبه الطائفة