لماذا تبحثون في حياة السّلف الأوائل، وهؤلاء القدوات بيننا
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 274 محور: مختلفات
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تمّ اعتقال الأخ "محمد الڨلوي" وهو قيادي بحركة النهضة، لكنه زيادة على صفته تلك، فإنه شخص ذو أخلاق وسَمْت فريد، ثم هو زوج امرأة فاضلة وأيّ امرأة
لا أفهم أي لعنة وأي نَحْس وأي حظّ عاثر أصاب هذه البلاد بحيث تستبعد وتعادي أمثال أخينا الڨلوي وزوجته ومن ماثلهم الكثير
--------------
أنا لم أعرف أخانا الڨلوي مباشرة إلا بعد "الثورة"، وقد التقيته في مناسبة ما، ورأيت فيه فردا يعلوه سَمت الصالحين، ليّنا متأملا طويل النظر قليل الكلام، وكيف لمن عركته خطوب الحياة ومصائبها أن تترك له غير ذلك
لكن صادف أنني أعرف زوجته عن طريق ما تنقله لي زوجتي عنها، وكان ذلك منذ سنوات ما قبل "الثورة"، لأن زوجته الأخت "ل" كانت معلمة تدرس ابنائي بإحدى مدراس اريانة
فحدثتني زوجتي عنها ونقلت لي بعض أخبارها، ثم تعمقت علاقتها بها وفهمت أنها زوجة سجين إسلامي لكنها لم تعلمها من بالتحديد، وكان هذا قبل أن يطلق سراح زوجها، أي أخينا الڨلوي، قبيل "الثورة"
كنت أرى المعلمة الأخت "ل" من بعيد لمّا أقوم بتوصيل أبنائي للمدرسة أحيانا، كانت دائما ترتدي شيئا كاللباس، يبدو كالرداء المتصل الفضفاض باهت اللون أو لعله بهت لطول استعماله، دنيء النوعية، تحتذي شيئا بسيطا في قدميها
كانت دائمة الصمت لا تتكلم مع أحد أو تكاد، وإن حاورت وليّة تلميذ، تكلمت باختصار وبما يلزمه الموضوع، لاتزيد عن ذلك شيئا
وكان الحزن والوجوم لا يغادر ملامحها في كل أمرها وأحوالها
وقد كانت عموم النسوة ممن يتحلّقن أمام المدرسة، يَمْقتن تلك المعلمة "ل"، وإن كنّ لايبدين ذلك، لكنهن يعرضن عنها، وقد تُبدي بعض النسوة نوعا من الاحتقار نحوها أو لعله سلوك كالإحتقار، وقد يكون مظهر تلك المعلمة المُسرف في التواضع ثم عدم اندماجها في حلقات الثرثرة المتّصلة مع الأمهات، بعض أسباب ذلك
بالمقابل كان بعض المعلمين يحترِمونها ويقدّرونها، بل قُل إن أغلب المعلمين كانوا يحترمونها كثيرا، باستثناء بعض مدرسين ذوي انتماءات يسارية كما يبدو
تعمقت علاقة الأخت "ل" مع زوجتي، ثم اطمأنت لها وحدثتها ببعض شأنها، وعرفنا أن لها ولدين وبنت، وأنها تعمل على حسن تربيتهم وتدريسهم في غياب زوجها المطوّل بالسجن، وقد تخرج بعد ذلك منهم مهندسان (مهندس ومهندسة)، وكان لي أنا فوزي مسعود، الشرف أنني أطّرت إحدى تربصات الولد
ثم خرج زوجها أخونا محمد الڨلوي، من السجن قبيل "الثورة"، وواصلت الاخت "ل" التدريس بنفس هيئتها السابقة، لم تكد تغير من حالها شيئا
بقي الحزن المخيّم على ملامحها واللباس المتواضع هو الملازم لها، لكأنها أَلِفت البؤس وألِفها، واطمأنّ لها واطمأنت له، وسلّمت أمرها لربها ترجو عنده حسن الجزاء من بعد أن خاب رجاؤها في هذه الدنيا وأهلها