إجازة بن عاشور تقييد تعدد الزوجات، وزنى مع عاهرة ولم يعطها المتفق عليه من المال، فيطلب رأي الإسلام في إخلاف العهود: ما لايصح وجوده لاتصح تفاصيله
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 209 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحالة التي ذكرتها بالعنوان حول الزناء والأجر، هي "عينة مدرسية" سقتها لتقديم فكرة المقال، وهو التعامل السطحي لدى العديد منّا ممن تستغرقه أحداث الواقع وعيّناته فيتحول لعنصر تكريس المشكل عوض حلّه، سبب ذلك هو غياب بُعد المنظومة والفهم من زاوية التأطير التأسيسي للموضوع
ولو كان هناك مختصون في الإسلاميات طُرحت أمامهم هذه المسألة لرأيتهم على الأرجح مندفعين يتعاركون في البحوث الفقهية وتقديم الأحكام إزاء هذه الحالة، وكلّ يبرر رأيه اعتمادا على أقوال العلماء ويدعمها بأسانيد متصلة بمصادر التشريع للإسلامي
وسَيَنْدر أن تجد أحدا منهم يقول إن الموضوع أساسا لا يصح بحث تفاصيله أي النظر في الأحكام الفقهية، لأنه فاسد ابتداء لأنه عملية زناء، وما لايصح وجوده لاتصح تفاصيله وبالتالي لاقيمة لتناول التفاصيل وإصدار الأحكام الفقهية
هذه العينة تمثل مشكلة منهجية خطيرة تعكس الخلفية التصورية للعديد من تناولاتنا القاصرة حين فهم الواقع وأحداثه
---------
يمكن ذكر نماذج أخرى من نفس هذه المشكلة:
- شاهدت فيديو فيه إحداهن من السعودية كما يبدو، تلبس نقابا ثم تغنّي في ما يشبه العلبة الليلية، ومن عرض ذلك الفيديو قدّم أن المرأة لا إثم عليها لأنها تلتزم بالضوابط الشرعية كما قال، وهي السّتر وعدم كشف الوجه
فهنا النقاش يدور حول تفاصيل اللبس وليس حول العملية من حيث وجودها أساسا، أي وجود علبة ليلية والغناء فيها
- إحداهن تذهب لنزل يَرِد إليه كل الناس سافلهم وصالحهم، ثم تنزل للمسبح المختلط مع المتهتكات وقليلي المروءة من الذكور، بلباس تقول هي أنه يحترم الضوابط الشرعية (بوركيني)
ويتحول النقاش لتفاصيل لِباسها هل أنه يلتزم بالضوابط الشرعية من عدمه، وليس حول العملية من حيث وجودها أساسا، أي وجود امرأة في مكان مختلط يمثل شبه بؤرة فساد
- أحدهم زنى مع امرأة، ثم وطأها وهي لم تكمل فترة الحيض، فيسأل ما هو الذنب في ذلك ثم الكفارة إن وجدت، ثم ترى بعد ذلك من مختصي الفقه يردّ عليه ويفصل أقوال العلماء في كفارة وطىء الحائض ومدى جوازها، كل ذلك من دون التوقف عند البحث في صوابية العملية من حيث وجودها أساسا أي صوابية الزناء قبل الوصول للحيض أو غيره
-------
يمكن إعطاء عينات أخرى لهذه التناولات، لكن علينا أن ندرك أن هذا ليس خاصا بعامة الناس وبسطاء مختصي الإسلاميات، وإنما هو خلل منهجي يشترك فيه كذلك ذوو المكانة المعرفية المتميزة
- حين الحديث عن منع تعدد الزوحات بتونس، يتم الإعتماد على حقيقة أن العالم الطاهر بن عاشور، هو من أجاز ذلك وبرر تقييد التعدد اعتمادا على اجتهادات شرعية (*)
هنا ابن عاشور استغرقته التفاصيل ومدى جواز التقييد من عدمه في سياق معرفي مجرد، ولسبب ما غاب عنه النظر لصوابية العملية من حيث وجودها أساسا باعتبارها تدخل في سياق التأسيس لمنظومة حكم بتونس لها مشكلة مع الإسلام كمركزية عقدية، وكان بن عاشور مجرد وظيفي وأداة في عملية التسريع بتفكيك ما بقي من مجال مفاهيمي إسلامي يضبط التونسيين في أفق المركزية الاسلامية، وتحويله نحو المركزية الغربية مقابل اختزال الإسلام لمساحة ثقافة وبُعد فردي
فهنا غياب الفهم ببُعد المنظومة والاستغراق في التفاصيل والجزئيات، هو ما جعل عالما بقيمة ابن عاشور يتحول لخادم ضد الإسلام وداعما لتأسيس منظومة تحاربه وهي التي تحكم تونس منذ عقود
- عموم المختصين في الإسلاميات من الدكاترة والمشائخ ممن يخدم لدى الأنظمة مثل علماء السعودية والمغرب والأردن، حين يصدرون تقريراتهم الفقهية (الفتاوى) إنما ينظرون في تفاصيل قضايا من دون النظر في مدى صوابية إطارها الأولي الموجد لها، وهي الأنظمة التي تحارب الإسلام وتختزله في بُعد الثقافة
------
هذه الاخطاء المنهجية يمكن عدم الوقوع فيها باعتماد قواعد وهي ما يلي:
- وجوب التعامل بمحورية المنظومات أولا قبل النظر بمحورية العينة التفصيلية والفرد، لأن محورية المنظومة تجعلنا نستوعب الإطار الموجد للموضوع ثم نفهم المشكل في سياق أشمل
- وجوب التعامل بمحورية الفعل كمسار زمني وليس مع الفعل كنقطة وعينة مستقلة، هذه الفكرة هي زاوية أخرى للفكرة السابقة، أي أننا نتعامل مع عينات الواقع أنها مجرد نقطة من مسار به نقاط سابقة ولاحقة، ذلك يجعلنا نستوعب الحدث والموضوع بشموليته
- قاعدة منطقية هامة أقترحها علينا أن نطبقها وهي أن ما لايصح وجوده لاتصح تفاصيله، ذلك يعنى أن ما ليس صوابا من حيث الوجود فتفاصيله ليست صوابا ولا يوجد أي مبرر للتوقف عندها والبحث فيها
- لو طبقنا قاعدة "ما لايصح وجوده لاتصح تفاصيله" على الأمثلة السابقة سيكون الأمر كما يلي:
- لا يجوز البحث في أجر الزانية لأن الزناء أساسا لايصح
- لايجوز البحث في وطىء الزانية الحائض لان الزناء أساسا لايصح
- لايجوز البحث في لباس المتنقبة بالملهى الليلي لان وجود الملهى ثم وجودها هناك أساسا لايصح بقطع النظر عن لبسها
- لامعنى للبحث الفقهي في جواز تقييد تعدد الزوجات لأن السياق أساسا فاسد إذ هو سياق توظيف كل ذلك لاستبعاد الإسلام
-------
(*) لست هنا أناقش موضوع تعدد الزوجات من عدمه، وإنما أتحدث عن مسألة منهجية بقطع النظر عن الموضوع