فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 213 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عموم أفعالنا الدعوية والوعظية بل حتى غيرها من تلك التي نعالج بها الواقع، تتعامل مع مابعد الفعل، لذلك يقع الحديث كثيرا عن التوبة والتسامح التي هي بالضرورة معاني لاحقة عن الفعل الفاسد، ويتحدثون عن الهداية التي تفترض انحرافا أي فعلا سابقا
هذا التعامل هو تفريع من تصور يقول بأصالة الواقع أي يعتبر مكونات ذلك الموجود ومنها الأفعال أنها هي البداية، فهو تصور ينتهي لحتمية الفعل أولا وبالتالي حتمية الخطأ وما علينا إلا أن نلاحق ذلك الحدث فنرمم آثاره بالتوبة
هذا تصور يبرر الإنحراف ويقول بأصالته ويشرعه لأنه يجعله حتميا مادمنا نلاحقه بعديا، وهو بالتالي تصور لايمكنه منع الأخطاء قبل وقوعها
أصل هذا الخلل هو التعامل مع الواقع بمحورية الفعل النقطي عوض الفعل كمسار، وهو انعكاس لمنهج التناول التفصيلي عوض منهج التناول بمحورية المنظومات ومحورية الفكرة
حينما ننظر للفعل كنقطة فإن تعلق الفعل بفرد معين هو مجرد عينة نقطية من مسار زمني للفعل سابق عن الفرد ولاحق عن تعلقه به
ففعل الانحراف المعياري (سرقة، قتل، زنا...) من زاوية أنه مسار وليس نقطة له أسباب وتعلقات، وفهم الفعل كمسار يجعلنا نتابع الحدث في مختلف تغيراته زمنيا، ويمكن أن نمنع حدوثه في تعلقه بالفرد
إذن فهم الفعل كمسار زمني طويل يجعلنا عمليا نغالبه لأننا ندرك نقاط حدوثه
رياضيا الفعل كمسار هو منحني دالة رياضية (fonction, function) تمثل مسار ظاهرة ما، بينما الفعل كنقطة فهو نقطة من نقاط تكاد لاتنتهي من المحور الأفقي (x) مع ما يقابلها من نقطة على المحور العمودي (y) من مسار ذلك المنحني
المعالجة التي تريد تغيير الواقع والتأثير فيه عليها أن تتعامل مع الأفعال كمسارات لا الأفعال كنقاط، بينما الذي يقبل بالواقع في أسسه فإنه ينظر في مابعد الفعل لأنه ليس له من اعتراض على أسباب الفعل
لذلك الذي يتحدث كثيرا عن مواضيع التوبة والعفو والتسامح، هو يتحدث في مابعد الفعل وضمنيا يقول بحتمية حصول فعل الخطأ وهذا معناه قبول بالواقع وبالأخطاء ويسلم بحتمية حصولها
بينما من يتحدث في النهي عن المنكر وتغييره وعن العفة ورفض التبرج ومنع التهتك في المجال العام فإنه يتحدث عن ما قبل الفعل، فهي توجيهات تقصد لرفض الموجود وتغييره
منهج الفعل النقطي مقابل الفعل كمسار هو زاوية أخرى لمنهج التناول بمحورية الفرد مقابل منهج محورية المنظومة ومحورية الفكرة