فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 322 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما ترونه هو فقرة ترويجية من كتاب أحد رموز الفعل الثقافي للحركة الاسلامية بتونس وهو "البحري العرفاوي"، وقد أصدر كتابا ينقل فيه تصوراته الفكرية حول عمليات تغيير الواقع
لا أريد التوقف عند ذكر الكاتب لأنهه لايعنيني في شخصه، وإنما ما يقوله لأنه عبارة عن النمط الفكري الذي ساد ويسود لدى حركة "النهضة" وحَكم فعلها في مستوى الواقع، فهو عينة للتصورات الفكرية التي تقود الحركة الاسلامية بتونس، وهذا كما سنرى يفسر تتالي الهزائم
ما سأكتبه ليس نقدا للكتاب، وإنما للفكرة الضابطة التي تلوح وهي التي تقف كخلفية للفعل في عموم المشروع الاسلامي بتونس كما عرفناه في ممارسات قادته وفواعله الفكرية والثقافية ومنهم الكاتب
-------------
الكاتب يرى أن النخب التونسية لهم قدرات معرفية متطورة، وأن سبب غياب الفاعلية لا يرجع لنقص معارفهم وإنما لضعف البعد الأخلاقي لديهم
ما معنى هذا الكلام:
1- معناه أن التونسيين متجانسون عقديا وفكريا، وهو يذمّ الصراعات الإديولوجية، أي أنه يرى أنه لا توجد مغالبات سببها المشاريع العقدية المختلفة، رغم أننا نعرف أن مشاكلنا كلها متأتية في أصلها بسبب التنازع في جدارة المشروع المجتمعي الذي هو تفصيل من مغالبات عقدية، بين منتسبي الغرب ممن يحكمون تونس منذ عقود من ناحية ومن يعارضهم من ناحية ثانية
كما أن الكائنات العاقلة تتحرك وجوبا في إطار خلفية عقدية، فالتنازع العقدي التصوري الايديولوجي، أمر واجب، لكنه ينفيه، ونفي التغالب العقدي يعني دعوة للقبول بالإطار العقدي المؤثر الذي يضبطنا حاليا وهو المركزية الغربية
إذن فتغييب طبيعة الصراع بتونس، نوع من تضليل التونسيين وخاصة أبناء المشروع الاسلامي، لأنه يخفي حقيقة الأعداء ويزعم بأننا وإياهم سواء، ويجعلهم سلبيين في مواجهات المغالبين حملة المشروع الإلحاقي الغربي ببلادنا
2 - معناه أن الواقع في بداياته الأولى أي التأسيسات التصورية لتونس الحديثة، صواب، لذلك لم يراجعها ولم يتناولها بالحديث، وهذا كلام يعني القبول بما أحدثته فرنسا حينما أسست بناء تونس الحديثة وسلمته لمنتسبيها ممن سمي نخب الاستقلال
3 - الكاتب لم يتناول بالحديث تأطير الواقع من خلال مركزية عقدية ولا يرى أن تونس وقع تحويل مكزيتها العقدية من الإسلامية نحو الغربية، لذلك يقبل بالموجود
وهذا معناه تسليم بالدوران حول المركزية الغربية ومجالها المفاهيمي وهو مايحصل بتونس منذ عقود، وهذا يفسر عدم الإعتراض على أدوات التشكيل الذهني من تعليم وإعلام وتثقيف التي تتغذي من معاني المركزية الغربية وتعادي المجال المفهيمي الإسلامي
ولعله يعتبر أن واقعنا تحكمه القيم الكونية التي هي المصطلح الملطف للمركزية الغربية
4 - الكاتب يقول أن المعارف هي سبب الفعل التطوري وتغيير الواقع ولا يذكر الفكر أبدا، وهذا كلام فاسد لأن المعرفة حصيلة مسار فكري سابق، فالمعرفة ليست هي التي تنتج فعل تغيير الواقع وإنما هي محتواه، بينما الفكرة باعتبارها بحثا في المعاني المجهولة هي التي تنتج الفاعلية وهي التي تخلق الاختلافات
وهو في تغييبه الفكر يفترض ضمنيا أن المعرفة هي الفكر أو لعله يخلط بينهما، وهو يفترض أن المعنى المعرفي هو المعنى الفكري وهذا غير سليم (1)
5 - الكاتب يقول أن غياب الأخلاق هو سبب مشاكلنا، وهذا كلام غير سليم، لأن الاخلاق كيفية للفعل وليست فعلا مستقلا بذاته، لا يوجد شيئ مستقل اسمه أخلاق وإنما يوجد فعل أخلاقي وفعل غير أخلاقي (2)
لما كان الفعل هو الأصل وهو متفرع عن تصور أي فكرة، فإن الأخلاق تفريع لاحق عن فكرة، فلا يصح القول بالأخلاق من دون نقاش الفكرة وإلا ستكون الفكرة هي الضمنية التي تسير الواقع، وهي في حالتنا المركزية الغربية أساسا في تصارع مع بقايا مركزية اسلامية
إذن فمفهوم الأخلاق الذي يتمحور حوله كلامه أساسا يتحرك في تصور سطحي بشكل كبير
6 - ما يمكن استنتاجه من هذه الفقرة الترويجية للكتاب، هو غياب الوضوح التصوري مما نتج عنه خلط في المفاهيم، والأخطر أنه لاتوجد لديه منظومة فكرية ضابطة متجانسة متناسقة تفسر مستويات الأفعال في علاقة بالواقع، أي غياب المشروع الفكري أو النظرية
الخلاصة:
إذا عرفنا أن ما يقوله هذا الشاعر والمفكر، هو عموم ما تنتهجه "النهضة"، فإنه يمكننا فهم بعض بل أهم أسباب هزائم تلك الحركة طيلة عقود، وبالتالي انتكاسات الحركة الاسلامية بتونس
لذلك كنت دائما أقول أن مشاكلنا في أصلها فكرية منهجية وأولها غياب المشروع الفكري قبل أن تكون مشاكلا تقنية أو سياسية، مما انتهى بالحال لمعالجة المشروع الاسلامي بطريقة تقرب للعشوائية
-------------
(1) ينظر محتوى محور: "مقالات في المعنى"
https://2u.pw/uWBSObx
(2) يمكن الرجوع لمقالين لي حول الأخلاق:
أخلاق القوة وأخلاق الضعف
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=11293
القوة كيفية فعل وليست فعلا
https://www.myportail.com/articles_myportail.php?id=10177