لايمكن أن تقاوم من تتخذه مسطرة: نموذج القبول بالتحقيب الغربي وبمصطلح "الديكولونيالية"
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 565 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لايمكنك أن تتحرر من الغربي وأنت تتحرك بضمنية علويته وسموّه عنك، ووجوب الانضباط بتوجيهاته، هذا لايصح لأنه دَوْر (1)
لايمكن أن تنجز فعلا ثوريا تحرريا من الغرب، وأنت تستقي تصوراتك حول التاريخ والواقع والمستقبل بل وحول ذاتك من هذا الغير المغالب
لايمكن أن تزعم الانجاز الفكري وأنت تنتج تصورات تعتمد الفهم المؤسس على خلفية مرجعية المركزية الغربية وحتميتها لضبط الوجود وتدافع عن ذلك بزعم أنها هي القيم الكونية
لايمكن أن تدّعي التصدي للغرب ورفض هيمنته، وأنت تعتمد تحقيباته (2) للتاريخ والمستقبل، من مثل: الحداثة، وما بعد الحداثة، وتفسر بها الواقع والأحداث وتكتب فيها المقالات والكتب
أو تتخذ مسلماتٍ وأدواتَ فهمٍ، مصطلحاته ذات الحمولة المفهومية المغالبة والسياقات التاريخية المختلفة، من مثل عموم المصطلحات الطنّانة المستعملة في معارف الإنسانيات التي تدرس في جامعاتنا أنها علوم بينما هي معارف ذات خلفية ايديولوجية
لايمكن أن نقاوم التبعية الذهنية للغرب ونحن لا ننتج مصطلحاتنا
ولعل أقصى المهازل وأقساها، أن تعتمد مصطلحا غربيا وهو "ديكولونيالية" لتأطير مجهودات مقاومة ذلك الغربي، وهو اللفظ الفاقع الذي كان يمكن بيسر إيجاد مرادفات عديدة له باللغة العربية، لكنها التبعية الذهنية حينما تتمكن من قدرات الإدراك فتعطلها فتتحول لأداة إقناع بوضع الملحق بالغير والتسليم به وتبريره
فيكون من أثر ذلك أن المجهود المزعوم لمقاومة الغربي سيكون بالضرورة مُحْتَويا من المجال المفاهيمي للمركزية الغربية ومبررا لوحدانيتها، وهذا على أية حال مايفعله المغرمون باستدعاء "الديوكولونيالية" وعموم مصطلحات الإنسانيات ذات المنشأ الغربي
فهم يقولون بالقيم الكونية، وهم لايرون بغير التحقيب الغربي لمسار التاريخ كما سطره وأسسه ذلك المغالب منذ التاريخ القديم وصولا لمصطلحات الحداثة والاستعمار وما بعد الحداثة
إذن فهؤلاء يقاومون بعض الغرب بالإعتماد على البعض الآخر من الغرب، أي أنهم لاينازعون علوية الغرب ومسطرته المرجعية، وإنما يفاضلون بين درجاتها
وهذه أبشع أنواع التبعية الذهنية لأنها خدعة تضلل الناس بتوظيف ظاهر التحرر بينما هي تعمل على تكريس الإلحاق والإقناع بفضائل ذلك الآخر الغربي المغالب وجدارة مركزيته العقدية، وإن كانوا يروجون تلك التبعية بصيغ أخرى مثل أنها قيم كونية أو غيرها من التناولات المروجة لبعض نماذج الغرب الألطف
---------
(1) الدور أو الدوران مصطلح يقصد به اعتماد النتيجة للوصول للسبب وهذا لايصح، لأن الوضع السليم هو أن نعتمد السبب للوصول للنتيجة
ولأن اعتماد النتيجة للوصول للسبب لايمكن، لكن هذا هو الوضع الموجود، فنكون في حالة استحالة لتواصل مسار البحث عن سبب وهو في كل مرة غير موجود، فنواصل التحرك في مسار دائري لاينتهي
(2) تحقيب من صيغة تفعيل الحِقْبة أي الفعل التحكمي لإنتاج تقسيم زمني طويل