المصطلح الدعائي المكثف كأداة للفعل السياسي "الناجح": الخوارج، الخوانجية، الإرهاب...
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 276 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حينما يقوى تأثير فكرة ما وتتحول لموضوع اهتمام متعدد في المجتمع، فإنها تنتج طاقة الفعل المتأتي من تصورات متعددة لكنها تشترك في نقطة ما تجمعهم حول تلك الفكرة المركزية، ثم تنتهي لأن تصبح قوة نبذ تمهد للمنع من الفعل الاجتماعي والسياسي للمغالب
يمكن ذكر نماذج "ناجحة" لهذا الاسلوب الدعائي وبعض استعمالاته:
1 - مصطلح "فلاڨة" الذي يقصد به في دلالته الأصلية لدى التونسيين قاطع الطريق، وهو النشاط الذي كان موجودا في بعض أرياف تونس، لكن المصطلح حرّف استعماله فأطلق لوصف المقاومة المسلحة، أستعملته فرنسا للتضييق الاجتماعي على مقاوميها من التونسيين وتصويرهم أنهم قطاع طرق فنزعت عنهم القوة الاعتبارية الإيجابية المتأتية ضمنيا من فعل المقاومة
ثم أخذ بورقيبة المشعل عن فرنسا واستعمل المصطلح ضد نفس المقاومين لتشويههم وتتفيههم وللحد من التأثير المعنوي لهم في نظر التونسيين، كل هذا بقصد رفض أن ينافسوه في التأثير على توجيهات الواقع التونسي وبناء أسس الدولة الحديثة
2- مصطلح "الخوانجية" يعد أبرز نموذ للمصطلح ذي الحمولة السيئة الذي أنتج في سياق الصراعات العقدية السياسية الحديثة
وقد استعمل مصطلح "خوانجية" من طرف أجهزة الدعاية كأداة للنبذ الاجتماعي والتضييق على فعل المغالبين ذوي الإتجاهات الإسلامية في صراعهم مع منتسبي الغرب ممن يحكم بلداننا منذ عقود
3- مصطلح "الإرهاب" الذي نحتته أمريكا ثم سرعان ما تحول لأداة نبذ عالمي، حيث أجبرت أمريكا أغلب بلدان العالم ومنها البلدان العربية وخاصة تونس، على تبني التفسيرات الأمريكية لمصطلح الإرهاب وظلاله العقدية والسياسية، حيث تحول فعل المقاومة للعدوان الأمريكي حين حتلالها بلدانا إسلامية وهي العراق وإفغانستان، تحول لإرهاب
وأجبرت أمريكا الدول على استصدار قوانين تتبنى زاوية النظر الامريكية هذه، وتلقفت الأنظمة العربية الفرصة لتصفية حساباتها مع معارضيها خاصة ذوي الإتجاه الاسلامي
بل انضمت الجامعات لهذا المسعى الدعائي الايديولوجي والقبول بتوظيفها في ترويج الأهداف والسياسة الأمريكية، وقد رأينا جامعة الزيتونة بتونس تعقد "ندوة علمية حول الارهاب"، لكي تعرف كيف يخدم البعض، مشاريع الغير المغالب بتلقائية بسبب غياب الوعي المرتكز على مسطرة المرجعيات العقدية حيث ينتهي بهم الحال للتعامل مع العالم ب"براءة" وأنه كله يدور وينضبط في سياق "القيم الكونية الموحدة" وهي الصيغة المضللة للمركزية الغربية
ويُعد مصطلح الإرهاب أنجح مصطلح دعائي في العصر الحديث من حيث مساحة شموليته ومن حيث شدة النتائج التي لحقت الموصومين به
4- مصطلح "الخوارج": في التاريخ الإسلامي يمكن اعتبار أكثر مصطلح سياسي عقدي ناجح هو مصطلح الخوارج، حيث تم إنتاجه في سياق الصراع السياسيي في أول الإسلام، وسرعان ما تمّ إدخاله لمتون الاسلام وتحولت المواقف السياسية لعقيدة ضمنت في كتب الفقه ونُظّر لها وبقي يتعامل بها لحد الان أنها من الإسلام وأن التقسيم الذي يرى رافضي الحكام "خارجين" عن الاسلام وجب قتالهم، من الإسلام، والحقيقة أنه ليس من الإسلام وإنما هي مواقف المنتصرين سياسيا الذين جعلوا مواقفهم دينا، كما أن الحقيقة هي أن "الخوارج" وصف سياسي ضد موقف سياسي مغالب
ويعود نجاح مصطلح الخوارج وتواصل القبول به لحد الآن، لأن المتنازعين الرئيسيين أي "أهل السنة والجماعة" من جهة و"الشيعة" من جهة ثانية، كلاهما اتفق على رفض هؤلاء الخوارج
ولا يريد المسلمون أو لعلهم لايستطيعون إدراك أن اشتراك هذين الشقين في رفض الخوارج، يرجع لكون أهل السنة والجماعة والشيعة، كلاهما كان يمارس السياسة ضمنيا بزاوية عرقية مبنية على علوية الدم القرشي، يوظف في سبيلها الإسلام، لذلك يقول كلا الشقين بوجوب الرئاسة في قريش تحديدا
بينما يقول الخوارج أن الإسلام دين لكل البشر وليس دينا عرقيا ولايصح جعل الرئاسة حصريا في قريش
ولو نظرنا بتجرد واستقلال عن مفاعيل عمليات التشويه التي نقلت لنا وتقبلناها كمسلمات وأصبحت من الدين، لوجدنا مواقف "الخوارج" أقرب للإسلام على الأقل في تأسيساتها النظرية، لكننا لا نريد مراجعة المواقف السياسية التي سيطرت على الإسلام منذ بواكيره ونواصل النظر مستصحبين هذا الانحراف التصوري الذي حوّل الاسلام في شق منه تابعا لتصور قريش و"ثورتها المضادة" التي انقلبت بها على الاسلام ونحن مازلنا نقرها على ذلك
------