تناول مشاكل واقعنا من خلال نقاش الحرية والتنمية والديموقراطية، كحال من يرمّم بيتا خربا
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 275 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
النظر التفصيلي يُعد أكبر مدخل فاسد لفهم واقعنا
البعض بل أغلب من يكتب حول مشاكلنا يفهمها أنها مسائل جزئية من نوع: الحرية، الديموقراطية، التنمية...
لذلك يقولون أن غياب الحرية أو ضعف التنمية أو فساد تجربة الديموقراطية، سبب ما نحن فيه من هوان
لسبب ما، لايريد هؤلاء إدراك أن التناول التفصيلي لايصح منهجيا إلا بشرط صوابية الإطار العام الضابط لذلك التفصيل
والأرجح لن يقبل هؤلاء أن مايكتبونه هو مساهمة منهم في تكريس واقعنا الفاسد وتعمية عن إدراك منظوماته العامة التي تحكمه منذ عقود
----------
كل مجموعة بشرية تتحرك وجوبا في أفق مركزية عقدية تفسر الوجود وتعطي معنى للفعل البشري، سواء أكانت ضمنية كما لدى القبائل والمجموعات البدائية، أو معلومة مثلما لدى العالم الغربي ومن يتبعه حاليا
ثم إن كل مركزية عقدية يتفرع منها مجال مفاهيمي ينتج التصورات ومعاني المفاهيم (لذلك تختلف معاني مفهوم الحرية بين المركزيات العقدية) (*)، وتغذي منظومات التشكيل الذهني من تعليم وتثقيف و إعلام ومنظمونات السيطرة الحديثة كالأحزاب والمنظمات النقابية وغيرها
النظر التفصيلي في الفعل السياسي أو الثقافي أو النقابي أو غيره، لايصح إلا بفرضية الموافقة على صوابية الإطار الأولي الذين يضبط ذلك الواقع
هذا معناه أن التحرك مباشرة في تفاصيل الفعل السياسي ونقاش الحرية والتنمية، يستصحب ضمنية الموافقة على صوابية الإطار المؤسس والمنظم والمفسر للواقع
الغرب والمجتمعات المستقرة المتفرعة عنه وهي عموم الدائرة حول المركزية الغربية، يتحركون مباشرة في تفاصيل الفعل السياسي والثقافي، ونحن أخذنا عنهم هذا السلوك متناسين أننا لسنا بصدد نفس الفرضيات وصوابيتها
------------
الغرب يمضي مباشرة لتفاصيل الفعل السياسي ويناقش الحرية والديموقراطية لأن الإطار المؤسس لواقعهم يدور في أفق المركزية الغربية التي ارتضوها، بينما نحن لم نساهم أصلا في إيجاد الإطار العقدي الفكري الذي يوجه تونس ويحكم واقعنا، بل نحن حدث تحريف وجهتنا وتحويلها قصرا من الدوران حول بقايا مركزية إسلامية نحو المركزية الغربية
نحن إذن إن اتجهنا مباشرة لنقاش تفاصيل واقعنا، ذلك يعني قبولا منا بالتأسيس الأولي لتونس الحديثة الذي أرغمنا على الاتجاه غربا
أي أن التفاصيل التي نناقشها لاتصح فيها صوابية الإطار، فهي إذن تناولات باطلة
علينا أن نعيد النظر في البناء العقدي الأولي لتونس الحديثة الذي لم نصممه ولم نختره وإنما أوجدته فرنسا وأنشأت منتسبين لها يتبنونه، هؤلاء ممن يحكمنا منذ عقود ويلزموننا به من خلال أدوات التوجيه والإخضاع الذهني من تعليم وتثقيف وإعلام
--------
أرأيت مجموعة تقطن بيتا سطت عليه عصابة فبدلت تصميمه وجعلت لها منتسبين من بين سكان ذلك البيت
ثم بعد مدة تداعى البيت وخرب، ماذا فعل سكان البيت
تناسوا أنه يوجد معهم من بين سكان البيت منتسبون للعصابة التي اقتحمت عليهم البيت مرة
ثم إنهم تنازعوا في الحلول، فمنهم من يقول بتغيير اللّبنات المتهالكة (الياجور أو حجر البناء)، ومنهم من يقول بتغير النوافذ، ومنهم من يقول بتجديد السطح
لكنهم كلهم قبلوا بما فعلته العصابة سابقا حينما أوجدت منتسبين لها بالبيت وأنها صممت البيت بطريقة تجعله يخدم تلك العصابة ومصالحها داخل الحي
لم ينتبه المتنازعون في ترميم البيت أن الحل الأفضل يكون بتغيير زاوية النظر، حيث الحل الأمثل يكون بإعادة النظر في تصميم البيت أصلا وإعادة بنائه، لا النظر في ترميمه
من ينظر في ترميم أجزاء البيت الخرب، مثلهم مثل من ينظر بتفاصيل تدور حول الحرية والديموقراطية والتنمية حين تناول مشاكل واقعنا متجاهلين التأسيس الاولي لتونس الذي فرضته فرنسا علينا منذ عقود
-------
(*) يمكن النظر لما كتبته في محور: "مقالات في المعنى" للتعمق في مسائل المفهوم والمعنى
https://2u.pw/ShG1YIG