فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 1011 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أفعالنا يؤطرها بالضرورة مجال أخلاقي ما، فالأخلاق بهذا المعنى كيفية للفعل، وليست فعلا مستقلا لوحدها
وحتى ما نفهمه أنه الأخلاق مستقلة فإنها في الحقيقة كيفيات لاتمارس إلا في تعلق بفعل ما
فالكرم كيفية تلحق أفعال التعامل المالي أو البشري عموما، والعفّة كيفية تلحق فعل العلاقة بين الجنسين في بعض حالاتها، والشهامة كيفية تلحق أفعالا مما يستوجب المواجهة والتصدي للاعتداء
الأخلاق إذن قياس على محور إضافي متعلق بالفعل
أي أن كل فعل بشري له محور قيمة تقيس انجازه المادي، ومحور أخلاقي يقيس كيفية الفعل
لذلك فإن محور الأخلاق يقيس على نفس الفعل، إمكانيتي الكرم والبخل وإمكانيتي الشجاعة والجبن وإمكانيتي الصرامة والرخاوة وإمكانيتي الثقة في النفس وفقدان تلك الثقة
------------
يمكن القول أن الاخلاق تنقسم لصنفين حسب وجودها على محور الأخلاق، فالأخلاق المتواجدة في الاتجاه الإيجابي أخلاق قوة، والأخلاق المتواجدة في الإتجاه السلبي أخلاف ضعف
لذلك كنت كتبت من قبل حول القوة وأنها كيفية للأفعال وليست فعلا مستقلا بذاتها (*)
وهذا تقييم معياري تحكمي منا، أولا لأن الأخلاق أساسا مفهوم معياري لا تصح مصاديقه إلا داخل مجال مفاهيمي ما مشتق من مركزية عقدية، لأن مايبدو قيما أخلاقية مشتركة بين مركزيات عقدية في بعض المفاهيم كالصدق والكرامة والحرية مثلا، هو اشتراك لفظي أي اشتراك في المفهوم وليس اشتراكا في المعنى الذي يحدد كيفيات الأفعال
ثانيا لأننا نفترض أن الزيادة في قيمة الكيفية الأخلاقية شيئا إيجابيا ونقيضه سلبيا، وهذا تقييم معياري تحكمي ابتدائي نحن من وضعه، ولايوجد مبرر موضوعي له غير الرأي الذاتي
هذا يعني التالي:
- أن الأخلاق أي كيفية الفعل تتحرك في مستوى الإنطباع الحاصل من الفعل وفهم الآخر له، ولا تتحرك في المستوى المادي من الفعل ذاته
- أن الفعل ماديا مستقل عن الكيفية الاخلاقية، لكن تلك الكيفية تؤثر على نتيجة فعلك لدى الناس
بمعنى آخر فإن نفس الفعل المادي يمكن أن يكون ذا تأثير مادي مختلف لدى الناس بحسب الكيفية التي يقدم بها للناس
- أن التأثير في الواقع ليس متعلقا بالفعل في مستواه المادي فقط وإنما يتعلق أكثر بطريقة تقديمه للناس في مستواه الاخلاقي
ولما كانت الأفعال تحرك في المساحة الاخلاقية، فإن تأثير الأفعال له تعلق بالأخلاق المصاحبة لإنجاز ذلك الفعل
يمكن القول أن أخلاق القوة تساهم في مزيد تأثير الفعل بينما أخلاق الضعف تساهم في تخفيض تأثير الفعل
-------------
هذا التصور الذي أقدمه سيطرح إشكالا في مدى قدرته التفسيرية، مثلا كيف نفسر أن الفعل غير المقبول أخلاقيا كالتبرج في المجال العام مثلا ينجح في الانتشار أي في التأثير رغم أنه أخلاقيا غير مقبول أي أنه ضعيف
فهم هذا الغموض باعتماد المنوال التفسيري الذي أقدمه، يكون كالتالي:
أولا أن نجاح التأثير لم يحصل بسبب القيمة الأخلاقية للفعل لديك وإنما بفعل القيمة الأخلاقية له لدى القائم بالتبرح ولدى من قبل ذلك منه أي عامة الناس، إذ أن تكون أنت تعتبر التعري غير جائز أخلاقيا فإن الأمر ليس كذلك لدى غيرك، وهذا بفعل أدوات التشكيل الذهني التي خلقت هذا اللبس وروجت وأشاعت تلك السلوكيات مما جعلها مقبولة
ثانيا هناك قيم اخلاقية إيجابية لدى المتبرحة منها الثقة بالنفس والجرأة، فهذه صفات من قسم أخلاق القوة، كان وجودها مساعدا على انتشار فعل التعري
هذا يبين أن أخلاق القوة لدى صاحبة الفعل، هي التي ساعدت على انتشار سلوك التعري في المجال العام
والأمر نفسه مع غيرها من الأفعال التي تبدو لنا غير مقبولة أخلاقيا ورغم ذلك تنتشر، فإن انتشارها وتأثيرها كان بفعل أخلاق القوة لدى من يقوم بها
-----------
حسب التفسير الذي أقدمه، فإن من عوامل الفاعلية في تغيير الواقع، أن ننزل مواقفنا بكيفيات إيجابية أي بأخلاق القوة وليس بأخلاق الضعف، بعض نماذج ذلك:
- من يتصدى للشأن العام عليه أن يكون واثقا من نفسه جريئا، يعتقد الكمال النسبي في أفكاره، لا يَتَلَجْلَجُ غير متردد إن تكلم أو كتب، يتحرك كأنه يملك الحقيقة
وليس من أولئك إن تكلم أو كتب يعطيك الإنطباع أنه لايملك أمره وأنه ينتظر مواقفة طرف آخر أو يخشى إغضابه، كأنه عبد لا يصدر إلا بإذن غيره
- حينما تناقش أو تكتب، يجب المرور مباشرة للفكرة من دون تبريرات غير موضوعية، أي لايجب أن تبرر فعلك نسبة لغيرك، فإن كان يلزم أن تقول "لا"، قل 'لا" بوضوح ومباشرة من دون أن تتلوّى وتطوّح بمقدمات واعتذارات
وإذا أردت قول موقفك فافعل من دون موجب للمجاملات
- يقع الترويج لأخلاق الضعف بمزاعم مغالطة، من مثل أنه يجب علينا التواضع حين الحديث، وهذا كلام لاقيمة له
لأن من يتحدث ينقل معاني علينا استيعابها، ولا يعنينا تواضعه أو تكبره من هذه التقييمات الذاتية، وإنما التواضع المزعوم كيفية سلبية تخلق حاجزا يمنع من تبليغ الفكرة
نريد القوي الذي يقنعنا أنه هو ابتداء مقتنع بفكرته قبل أن يقنع الغير بها
ويدخل في معطلاتها الذين إن أرادوا مخاطبة أحدهم من الرموز والقدوات وما أكثرها في حياتنا، مهّد بكلام كثير عبارة عن حشو، إذ الصنميات أكثر طريقة لصنع أخلاق الضعف لأنها تعوّد على عدم نقل المعنى مباشرة وتكرس كيفيات الضعف المصاحبة للأفعال بزعم أنها تواضع وتأدّب وإيلاء الناس منازلهم وغيرها من صيغ أخلاق الضعف
-----------
(*) ينظر
1- القوة كعامل مفسر للسكوت عن الانقلاب
https://www.myportail.com/articles_myportail.php?id=10177
2- القوة كمنهج حياة
https://www.facebook.com/share/p/g5Nktnm9BV3wBZyj/?mibextid=oFDknk