الاذاعات والتلفزات التونسية تمثل أكبر مصدر للتعفين الذهني: بداية من السجناء السياسيين وصولا لعموم الناس
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 266 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أحدهم يشاهد طيلة سنوات محتويات التلفزات ويسمع الاذاعات، لاشك سيقع له توجيه ذهني نحو مفاهيم ومعاني معينة تروجها تلك الأدوات، وحينما يكون احدهم طيلة سنوات بل عقود مدمنا مشاهدة التلفزات وسماع الاذاعات التونسية، فلا شك سيتحول لضحية بامتياز لمصادر افساد قيمي
لهذا السبب تجد غالب التونسيين يرون المرأة المتبرجة حالة عادية ويتعاملون معها بشكل طبيعي مثلها مثل غيرها، ثم تحولوا للقبول بتبرج زوجاتهم وبناتهم، ثم وصل الأمر أن تجد أحدهم يصلي الجمعة ومتعرية تنتظره أمام الجامع، لعلها زوجته أو ابنته
وبفعل هذا القصف الذهني طيلة عقود أصبح يتم القبول بالتهتك في اللباس والسلوك في المعاهد وفي المجال العام والمناسبات "الثقافية" والعمل وغيرها
بل وصل الحال بحركة النهضة أن قبلوا أن يكون من منتسبيهم بعد "الثورة" المتهتكات ذوات السروايل المحزوقة
ولأنه اخضاع ذهني قوي فإنه وصل لجعل الناس يتطبعون مع تلك الانحرافات والتهتك وإفساد المجال العام، بحيث يتدافعون على صلوات "الجمعة" و"الدروس الوعظية" من دون أن يروا في تلك الانحرافات أمرا يستحق التوقف عنده في دروسهم تلك، ولعل بعضهم إن تناول الامر دعا بالهداية للناس وذكّر أننا دعاة ولسنا قضاة كما قال بعضهم مرة في مصر
----------------
الحقيقة هذا الخضوع التصوري والتسليم بالواقع المنحرف بدأ منذ التسعينات
أذكر أنني كنت كل مرة التقي في أواخر التسعينات بعض الإخوة المسرحين من السجون ممن اعرفهم من قبل (أنا لم أسجن في التسعينات)، وكنت اتفاجىء بالتغير الذي طرأ عليهم مقارنة بما أعرفه عنهم قبل سجنهم، وانتهى هذا لقطع علاقتي مع بعضهم ممن أخذته العزة بالاثم وهو لايدري، لدرجة أن يسخر مني وهو الذي كان مثلي أو أكثر منذ سنوات فقط
كنت أريد أن أجد تفسيرا لكيف تغير هؤلاء فترة سجنهم، حتى فهمت بعد ذلك أنهم في سجنهم كانوا يضعون لهم جهاز تلفزة يعرض البرامج التونسية، وهم كانوا يشاهدون تلك المحتويات ولم يكونوا على الأرجح يرون في ذلك مشكلة
لكنهم لم يدركوا أنهم كانوا يتعرضون طيلة سنوات لعمليات تشكيل ذهني جعلتهم يتقبلون الواقع ويتطبعون مع انحرافاته
محدثكم، بفضل الله وبتوفيقه وبفعل مطالعاتي المبكرة كنت أدرك خطر التشكيل والإخضاع الذهني بمختلف طرقه ومنها التلفزة والاذاعة، لذلك منذ زواجي المبكر في التسعينات لم اقتن تلفزة، وتواصل هذا لحد الان حيث لا يوجد ببيتي جهاز تلفزة، وعلى هذا نشأ أبنائي وكان تمشيا ذا فوائد متميزة إيجابيا ولله الحمد، عكس ما كان يخوفني منه ويعيرني به المحيطون، أول أمري
كما كنت ومازلت لا استمع لأي إذاعة تونسية إلا أن يكون عرضا بالشارع
وهذا التمشي أتاح لي زوايا نظر وإدراك للواقع يصعب توفرها لمن تعرض طيلة عقود لفعل الإعلام التونسي، لأنني أنا أمتلك حرية ذهنية تصورية لم تطلها عمليات التشويش والإفساد مثلما حصل مع غيري
لعل البعض يستغرب مما أقول، لكني أنا أيضا استغرب كيف يشاهد الناس القنوات التونسية، وهذا ينطبق حتى على الاعمال القديمة التي يعتبرها البعض جيدة ويعيدون مشاهدتها، والحال أنها التي أسست للتطبيع مع اللباس المتهتك والعلاقات الخنائية والتفكك المجتمعي، وإن كان ذلك أهون مما يعرض الان، لكنه اختلاف في الدرجات وليس في النوعية
ومازلت لحد الان استغرب كيف لمن يقول أنه صائم ومبدئي أن يتابع القنوات التونسية، ثم يأتي "يذمها"