يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أنا الآن في إحدى المناطق الطبيعية المنعزلة بعيدا عن المدينة، وأنظر في مشاهد الجمال من هذ الخضرة البديعة والأزهار البرية الأخاذة
أكتب هنا بعض خواطر مما أوحت به هذه المشاهد الرائعة
هذا الذي يبهرني في الطبيعة وهذه النباتات والأزهار، ماذا نسميه، هل هو جمال أم ماذا
لدي تصور أننا نستعمل ألفاظا نحاول من خلالها لململة شتات المعاني التي تفيض علينا وتغرقنا في أسرها، فنلتجىء للمتاح مما نتقنه من الألفاظ اللغوية ونصف ذلك الذي اجتاحنا داخليا
تقدم لنا اللغة أوصافا من نوع أنه جمال وأنها روعة وأنها أخاذة، لكني أحس أنني أفسدت المعنى الأصيل الخام القوي الذي توحيه لي به الطبيعة حينما أعبر عنه بألفاظ اللغة
نحن نستعمل الألفاظ المحدودة لضبط تدفق المعاني الواسعة، أي أن اللغة وظيفتها الترتيب والتحكم وتشذيب المعنى، حيث تنقله من حالته الخام القوية لوعاء وقع إعداده مسبقا وما على المعنى الفسيح الا الخضوع والتضاؤل داخل ذلك القالب اللغوي
يمكنك بيسر وأنت في هذه المروج الخضراء تمشي بين الزهور البديعة، يمكنك التأكد أن ما نستعمله من ألفاظ قاصر عن وصف مايأخذك داخليا ويغرقك من مشاعر
اللغة تقدم وظيفة سيئة في هذه الحالات، لأنها تخون المعنى الخام وتفسده، فهي تخونه لأنها لا تنقل كل المعنى، وهي تفسده لأنها بحرصها على الترتيب والقولبة تزيل كثيرا من حقيقة المعنى الأصيل الذي يعتريك داخليا وأنت تنظر في هذه الطبيعة، فترفض ما تراه خارجا عن ما يتيحه اللفظ فَيصِل المعنى للغير منقوصا بالضرورة
يمكن القول كخلاصة، أن اللغة هي أفضل الممكن لنقل المعنى لكنها لاتنقل بالضرورة كل المعنى
----------
ثم كيف لهذه الزهرات الجميلة أن تعامل لغير جمالها، أليست تقطف وتستعمل علفا للحيوانات وقد تترك مهجورة فَتَيْبس ولا يلتفت إليها أحد
لماذا لا تقدر وتقيّم هذه الزهرة لجمالها بينما تقدر النبتة التي تحملها لمنفعتها المادية فقط
هل أن الجمال ضعف، أو بالدقة هل الجمال موضوع لايطلب لذاته وإنما هو تفصيل وفرع من موجود آخر سابق
هل أن جمال هذه الازهار لا فائدة منه، فلماذا أوجدها ربنا سبحانه وتعالى بهذه الصيغة إذن، ولماذا جعل هذه النباتات جميلة وكان يمكنه تغييب الجمال
هل الجمال نوع من الترتيب اللازم في الخلق الذي أودعه ربنا في مخلوقاته وإنما نحن لضعف قدراتنا الإدراكية، نستوعب بعض الجمال ونجهل بعضه الآخر
هذا التصور هو الذي أرجحه، وهو يعني أن الجمال مكون أصيل في المخلوقات، وأننا مثلما نعجز عن وصفه فإننا نعجز عن الإحاطة بحقيقته في باقي المخلوقات