المفاضلة بين درجات السوء تنزع عن مواقفك السند الأخلاقي: نموذج حادث الفتيات السائبات
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 207 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ضجة كبيرة أثارها برنامج أو "لعبة" ذات امتداد عابر للدول، تقوم فيها فتيات تونسيات متهتكات بعرض كفاءاتهن الجسدية، ثم إن أحدهم يتفحص الأجساد المستسلمة ويقلبها كيف يشاء ويقرر بعد ذلك أيهن أكثر كفاءة في التعري والإغراء، فالأمر إذن أشبه ما يكون بسوق نخاسة على الطريقة الحديثة
ورفض عموم التونسيين أن يقع عرض الفتيات بتلك الصيغ واعتبروا ذلك إهانة ل"لمرأة التونسية" وللتونسيين
لكن هل يمتلك التونسي جدارة أخلاقية تتيح له أن يقوم بذلك الرفض
---------
سيكون من الصعب على من سكت عن السماح بدور الدعارة المعلنة وغير المعلنة مثل العلب الليلية، سيكون من الصعب عليهم أن يقنعونا بحرصهم على الأخلاق فضلا على الإسلام
وسيكون من الصعب على من كان حزبهم "الاسلامي" يحكم طيلة عقد ولم يبادر بغلق المواقع الاباحية بل إنه شرع اللواط والتهتك الأخلاقي وسكت عن منظومات الإفساد الاعلامي والثقافي وزجّ بالمسلمين في السجون، سيكون من الصعب على هؤلاء أن يقنعونا أن الأخلاق تهمهم كثيرا أو قليلا وأن تهتك الشباب التونسي يعنيهم وأن انحلال المرأة التونسية يمثل لهم مركز اهتمام
ثم إنه سيكون بالأخير من شبه المستحيل على من ارتضى المركزية الغربية أفقا عقديا لتأطير حياته ومجالها المفاهيمي مصدرا للمعاني، يستحيل على أمثال هؤلاء من منتسبي فرنسا المتفرقين أفرادا أو في تشكيلات وظيفية تقول إنها يسارية أو ليبيرالية أو غيرها، أن يكون لحادثة الفتيات أي قيمة لديهم وإن زعموا ذلك فكلامهم والهراء سواء
ليس للذي ارتضى المسطرة القيمية الغربية والقيم الكونية أدوات مرجعية، ليس له أن يرفض ما تنتجه المركزية الغربية والقيم الكونية التي يدافع عنها، وهل كانت حادثة الفتيات إلا بعض نتاج المركزية الغربية وقيمها التي يرفع راياتها بيننا منتسبو الغرب هؤلاء
---------
حينما تقبل بمساحة قيمية ما مرجعا، فإنك تقبل بها كإطار وضابط، وأقصى مايمكنك فعله هو التحرك في محتوياتها لا خارجها
أي أن الذي قبل بالتأطير القيمي الغربي، سيكون ملزما بالقبول بالانحراف كفكرة لكنه فقط سيفاضل في درجاته
فيمكنه أن يرفض المستويات الفاقعة من التهتك لكنه سيكون تقييما ذاتيا نسبيا لا يجاوز مداه الفرد، لأنه بالمقابل يقبل ضمنيا بالفساد والانحرافات الأخلاقية من حيث الوجود ويقر بتفسيراتها المتنوعة كالحرية الشخصية وغيرها من التبريرات
فنحن إزاء مفاضلة في درجات السوء لكنه قبول بالانحراف كفكرة بالضرورة
لذلك قلت أن عموم من يقبل بالتأسيسات العقدية والفكرية الغربية لتونس الحديثة ولا يقول بمراجعتها، لن تكون له الجدارة الأخلاقية لرفض الانحرافات ومنها حادثة الفتيات، لأنه إن رفض فهو رفض مبني على تصور ورأي خاص داخل مساحة المجال الغربي، وليس رأي أحدهم بأرجح من رأى غيره، مادامت كلها تقبل بفكرة الفساد الاخلاقي ومنظومته كضابط للواقع
وحدهم من يرفض المنظومة العقدية الغربية المنتجة لذلك التهتك الاخلاقي، هم من يملك الجدارة الأخلاقية والقوة المعنوية لرفض حادثة الفتيات، لأنهم لا يفاضلون بين درجات السوء
ولانهم لا يسكتون عن تشريع المواقع الإباحية ولا عن تشريع اللواط ولا عن تأطير المركزية الغربية ومجالها المفاهيمي واقعنا
---------
فكرة التحرك داخل مساحة التأطير الغربي ثم القيام ببعض عمليات الرفض التفصيلي، هو عمل عبثي تناولت خطره من قبل من زوايا أخرى
فهو ما ذكرته من قبل أنه رفض للمعنى وليس للمفهوم، حيث في حالة حادثة الفتيات المعاني هي تفصيلات ودرجات الانحرافات، بينما المفهوم هو المركزية الغربية وتأطيرها الواقع وهو مايجب اعتماده كمقياس للرفض من دون التوقف والمفاضلة في التفصيلات
وهو ما ذكرته أيضا من قبل أنه تناول بمحورية الفرد والعينة عوض محورية المنظومة والفكرة، وأن اعتماد العينة و النظر التفصيلي يجعلنا نتجاهل الإطار العام الضابط للواقع ومرجعيته العقدية العليا التي تحكمنا ضمنيا، فنحن علينا اعتماد محورية المنظومة ومحورية الفكرة من دون الاستغراق في التفاصيل والعينات
وهو ما ذكرته أيضا بوجوب النظر للأفعال كمسارات زمنية لا كنقاط منفصلة، فالتفصيل هو العينة والمسار هو المنظومة
كلها زوايا نظر لنفس الفكرة التي تعمل على تحريرنا من إخضاعات الواقع وآلياته للتشكيل الذهني