يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
باستقراء واقعنا نلاحظ أن من عوامل تشوشها في نواتاتها الأولية، الخلط بين مفهومي الواجب والفضل والتفضّل (المِزِيّة بالمفهوم الدارج وليس بالمفهوم اللغوي)
وهو خلط يجاوز خطره العلاقات الاجتماعية، للوعي بالواقع في مستواه السياسي والثقافي والموقف من فواعله المتحكمة فيه والمحركة له
حينما ننظر في انعدامي هذين المفهومين، فإننا نجد أن انعدام الواجب يقابله التقصير الموجب للمحاسبة، بينما انعدام الفضل لايسمى تقصيرا ولايستوجب بالتالي محاسبة، وإن كان ينجر عنه تخفيض التصنيف التفاضلي
إذن لايصح محاسبة الناس ولا حتى لومهم على عدم القيام بالفضل أي المِزِيّة
مثلا لايصح أن نلوم التلميذ لماذا لايكون عبقريا يتحصل على جائزة الجمهورية وإنما نلومه إن لم يتحصل على المعدل الأدنى الذي يكفل انتقاله للمستوى الموالي من دراسته، لأن الأول فضل والثاني واجب
ولانلوم المدرّس الذي يدرس طفلا فقيرا كيف لايوفر له من ماله الخاص مستلزماته الدراسية، وإنما نلومه إن لم يدرسه كأن يكون تغيّب أو أساء تبليغ الدرس، لأن الأول فضل والثاني واجب
ولانلوم الغني صاحب الأموال والمحلات الكثيرة المعدة للكراء والبيع لماذا لم يعط لأحد المحتاجين بيتا مجانا يسكنه بزعم كثرة محلاته، وإنما نلومه إن لم يخرج زكاته مثلا، لأن الأول فضل والثاني واجب
ولانلوم أحدهم غنيا، لماذا لايعين أخاه الفقير، إذ ليس إعانة الأخ واجب حتى نلومه في انعدامه، فإن فعل فهو فضل يشكر عليه وإن لم يفعل لايلام
الآن لو طبقنا قاعدة الواجب والفضل على أنشطة الواقع في مستوى ما بعد الفردي فسترون نتائجا مثيرة، لأننا لا نعرف كيف نقيّم أنشطة زعمائنا وعموم فواعلنا المفكرة، أي لايُعرف عنا أننا نعتمد قواعدا واضحة فيها الواجب وفيها ماهو دون ذلك مما يمكن اعتباره تفضّلا نقيم بها إنجازات الرموز من زعماء وسياسيين
الحقيقة أن ما نراه في تعاملنا مع الواقع، يجعلنا نفهم أن الأتباع يتصرفون مع الرموز أنهم ليس لهم واجب وإنما نشاطهم كله فضل وتفضّل منهم علينا، فان فعلوا أمرا شكروا عليه وإن لم يفعلوا لم يلاموا أو يحاسبوا
وهذا خلل كبير، لأنه لايصح أن تكون حياتنا الإجتماعية تشهد تطرفا في اعتبار كل شيىء واجبا مع إغفال الفضل، في حين تشهد حياتنا السياسية ومايقربها تطرفا في الجهة الاخرى بحيث يفترض ان كل شيء هو تفضّل لا واجب فيه، ثم هو تصرف غير سليم ينتهي لخلق الصنميات وتكريس الواقع الفاسد