البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

السلطان وبناء المسجد الحرام (الجزء الثاني)

كاتب المقال د.محمد فتحي عبد العال - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2703


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


كانت فترة أسرة قلاوون علي مدار قرن من الزمان من أكثر فترات التاريخ المملوكي استقرارا الي أن آل الحكم الي الطفل الصالح حاجي بن علي بن شعبان أخر احفاد الناصر محمد بن قلاوون حيث قاد المملوك سيف الدين برقوق انقلابا ناعما علي الصبي وتولي السلطة في مصر مؤسسا لدولة المماليك البرجية أي الشراكسة...برقوق كان لقبا وليس اسما لهذا المملوك المؤسس وقد أطلق عليه لجحوظ بعينيه .

كان السلطان برقوق ذو نزعة صوفية جعلته يحب الفقراء ويتواضع معهم غير أنه كان مثل غيره من المماليك الذين سيطرت عليهم عاطفة الحب المثلي بالغلمان الحسان فغرقوا في الشذوذ والمجون .

قرب برقوق منه العلماء كما خفف الضرائب عن كاهل المصريين الا أن العلماء في هذه العصور كانوا من النماذج شديدة السوء فمثلا الشيخ يوسف المالطي والذي ولي قضاء الحنفية أفتي بأكل الحشيش !! وأن النظر في كتاب البخاري زندقة !!! لذلك فلا غرو أن يدير هؤلاء العلماء ظهروهم لبرقوق حينما تآمر عليه بعض الامراء المماليك ونفوه الي الكرك بل وافتوا بأهدار دمه..

في الليلة التي عزل فيها برقوق ونفي الي الكرك رزق من زوجته خوند شيرين بولد فأسماه ب( بلغاق) وتعني بالتركية الفتنة أو النحس !! تشاؤما بقدومه ..لكن مع نجاح برقوق في العودة الي الحكم مرة أخري عاد عن تسمية ابنه بالنحس واسماه فرج والحقيقة ان الاسم الذي اختاره له القدر في البداية كان الاكثر مناسبة لهذا المولود الذي لم يكن نحسا علي والده وحسب بل كان نحسا علي مصر كلها كما سوف نري فيما يلي .

حينما اقترب السلطان برقوق من النهاية اوصي بوصيتين غاية من الغرابة أولهما أن يدفن تحت اقدام مجموعة من الاولياء الصوفية طمعا في شماعتهم له !!والوصية الثانية كانت تشكيل مجلس للوصاية علي ابنائه الثلاثة فرج وابراهيم وعبد العزيز فقد كان يتمني أن يستمر الحكم في أسرته أسوة بأسرة قلاوون السابقة عليه ..

كان أول اختبار لفرج في توطيد دعائم حكمه هو تمرد الجبهة الشامية عليه فتوجه علي رأس جيش كبير الي دمشق حيث ضرب أعناق ما يربو علي أربعة وعشرين أميرا في ليلة واحدة ثم عاد الي القاهرة ..وما أن شعر فرج أن الامر قد استتب له بالشام حتي ساورته الشكوك حول الجبهة الداخلية بمصر وكانت تنتابه الهواجس بأن مؤامرة من الامراء الشراكسة تحاك ضده غير أنه لم يكن لديه الدليل وكان وزيره القاضي ابن غراب يعزز لديه هذه الهواجس ..فلجأ فرج الي حيلة من أغرب ما نقله التاريخ فقرر الهروب من قصر السلطنه والاختباء في دار ابن غراب ولما طالت غيبته اجتمع الامراء علي اختيار أخيه عبد العزيز خلفا له وكان صبيا هو الاخر ..

كانت عودة فرج مرة أخري برفقة ابن غراب ووسط انصاره من الامراء بمثابة الصاعقة فأعتقل الامراء الذين نصبوا أخيه كما اعتقل اخويه عبد العزيز وابراهيم وأودعهما بسجن الاسكندرية ثم أشاع موتهما بالحمي بعد ذلك !!!

أحاط فرج نفسه بشخصيات لا تقل عنه سوءا فتجد أسماء كالقاضي شمس الدين الصلتي والذي كان لديه قدرة فائقة علي التلون فقد عمل قاضيا مالكيا بدمشق ثم تحول ليكون قاضيا شافعيا بعد ذلك حسب التساهيل وحسب الاماكن الشاغرة !! ومن خاصته الامير سيف الدين بن مقبل الذي كان يقول لفرج: أنت أستاذي وأبي وربي ونبيي !!..وعرف عن فرج شرب الخمر والاستخفاف بالصلاة ومع ذلك فقد أقام مسجدا كبيرا وبه مدرسة لتدريس المذاهب الفقهية الاربعة وخانقاه فخمة واحاطها بمدينة متكاملة بأسواقها وخاناتها وحماماتها كما لم ينسي ان يخصص مدفنا له ..
السؤال لماذا حرص المماليك علي الرغم من ظلمهم علي اقامة العمائر الاسلامية والمساجد والمدارس الفخمة والاسبلة ؟!! انها علاقة فريدة ربطت بين الحكام والمحكومين في مصر فالشعب لا يعرف من الدين سوي حديث منسوب للنبي صلي الله عليه وسلم (وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) بينما الحكام من المماليك لا يعلمون من الدين سوي حديث النبي صلي الله عليه وسلم (من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة )..فبقي الشعب مستأنسا طائعا وبقي المماليك في جبروتهم وظلمهم للشعب الطائع ما دام بناء المساجد هو سفينتهم الفضائية للجنة وان الهبوا ظهور رعيتهم جورا !!!..فتجد المساجد تشيد والشعب يعتصره الجوع والمرض والاوبئة الفتاكة وحالة حاكمنا فرج لا تشذ عن هذه القاعدة فقد حدث قحط بالبلاد مصحوبا بوباء أودي بحياة ثلث سكان مصر ولم يفت ذلك في عضد فرج عن بناء بوابة عبوره الي الجنة !!!

كان فرج في حياته الخاصة لا يقل تطرفا فبعد طلاقه من خوند بنت صرق لم يغفر لها تعلقها بأمير هو ابن الطبلاوي فقتلهما دون شفقة..

في خضم هذه الصراعات وهذه الاحداث بمصر ..كانت قوات تيمورلنك المغولي تجتاح حلب ثم دمشق وتعمل السيف في أهلها دون هواده بينما تقاعس فرج عن نجدتهم وآثر السلامة ودخل في مهادنة مع تيمورلنك ..
قال المقريزي عن فرج بن برقوق :ان الله اقامه علي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا..

كانت نهاية فرج حينما اجتمع الامراء علي خلعه لفساده وتولية الخليفة المستعين بالله واستغلوا فرصة وجوده خارج القاهرة حيث حاصروه في قلعة دمشق وقتلوه ثم القوا بجثته خارج القلعة ..وتركت جثته دون دفن حتي رق احد الدمشقين له فدفنه صدقة وهكذا لم يشأ الله أن يدفن فرج في مسجده الحرام .

-----------------
د.محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث مصري


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

المسجد الحرام، مصر، قلاوون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-05-2018  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر (2) قم للمعلم
  صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر (1) المواطن والكمسري
  الجديد حول كوفيد 19 : تجارب علاجية تنبئ بالنهاية
  رجل بأمة
  المفكر المستنير
  النحو الواضح
  جزاء الإحسان
  دستور الأخلاق
  كورونا حديث الساعة سين وجيم (4)
  كورونا حديث الساعة... سين وجيم (3)
  كورونا حديث الساعة... سين وجيم الحلقة الثانية
  كورونا.... حديث الساعة سين وجيم
  شهر رمضان وصناعة الأخلاق
  عبقرية الإسلام
  التعديل الجيني... مستقبل مرتقب لنهاية الفيروسات التاجية
  كورونا: أفيجان Avigan، الدواء الواعد
  هل يغدو اكسيد النيتريك طوق النجاة لتعويض النقص في أجهزة التنفس الصناعي؟
  الإعجاز الديني فيما يخص فيروس كورونا
  مضاد الطفيليات والكورونا
  عقار التهاب المفاصل وفيروس كورونا
  هل يتحول دواء التهاب البنكرياس القديم إلى طاقة أمل؟
  هل ينجح دواء الضغط الشهير في التصدي لمضاعفات كورونا؟
  كورونا.. حديث الساعة - سين وجيم
  متحف طوب قابي
  حرب القهوة
  تاريخ سطره ضريح الحب قبر الرومية
  مكتبة مكة المكرمة
  الميثولوجيا بين الأدب وحقائق الدين وحصاد العلم. قصة الطوفان أنموذجا
  قراءة في رواية سوناتا لاشباح القدس
  مسجد لا بالله

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد أحمد عزوز، محمود فاروق سيد شعبان، عبد العزيز كحيل، ماهر عدنان قنديل، عبد الله زيدان، محرر "بوابتي"، حسن عثمان، د - صالح المازقي، د. مصطفى يوسف اللداوي، فوزي مسعود ، العادل السمعلي، د.محمد فتحي عبد العال، فتحي العابد، محمود طرشوبي، طارق خفاجي، صالح النعامي ، محمد العيادي، كريم السليتي، إيمى الأشقر، رافد العزاوي، الهيثم زعفان، منجي باكير، عبد الرزاق قيراط ، المولدي الفرجاني، د - محمد بنيعيش، أحمد النعيمي، د. صلاح عودة الله ، نادية سعد، أبو سمية، علي عبد العال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، كريم فارق، محمود سلطان، سامح لطف الله، سلوى المغربي، د. خالد الطراولي ، ياسين أحمد، حسن الطرابلسي، د- هاني ابوالفتوح، سليمان أحمد أبو ستة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - الضاوي خوالدية، طلال قسومي، محمد الياسين، الناصر الرقيق، د - عادل رضا، سيد السباعي، رضا الدبّابي، علي الكاش، صلاح الحريري، حسني إبراهيم عبد العظيم، حميدة الطيلوش، عراق المطيري، الهادي المثلوثي، إسراء أبو رمان، رافع القارصي، صفاء العربي، د- محمد رحال، خبَّاب بن مروان الحمد، د - المنجي الكعبي، رشيد السيد أحمد، فتحـي قاره بيبـان، سعود السبعاني، يحيي البوليني، سامر أبو رمان ، أحمد الحباسي، أحمد ملحم، عبد الله الفقير، سلام الشماع، أشرف إبراهيم حجاج، خالد الجاف ، محمد عمر غرس الله، د- محمود علي عريقات، مراد قميزة، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد يحي، د. أحمد محمد سليمان، محمد اسعد بيوض التميمي، د. أحمد بشير، محمد الطرابلسي، صباح الموسوي ، ضحى عبد الرحمن، فهمي شراب، د. ضرغام عبد الله الدباغ، وائل بنجدو، أ.د. مصطفى رجب، سفيان عبد الكافي، مجدى داود، د - شاكر الحوكي ، أحمد بوادي، عمر غازي، صفاء العراقي، بيلسان قيصر، د. عبد الآله المالكي، رمضان حينوني، حاتم الصولي، فتحي الزغل، محمد علي العقربي، مصطفي زهران، عمار غيلوفي، جاسم الرصيف، إياد محمود حسين ، أنس الشابي، د. طارق عبد الحليم، د- جابر قميحة، د - مصطفى فهمي، المولدي اليوسفي، صلاح المختار، يزيد بن الحسين، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - محمد بن موسى الشريف ، مصطفى منيغ، د. عادل محمد عايش الأسطل، تونسي، عواطف منصور، محمد شمام ، عزيز العرباوي، عبد الغني مزوز، أحمد بن عبد المحسن العساف ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة